الجزيرة:
2025-01-13@02:24:24 GMT

هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

هل ينجح عون في حل التناقضات في لبنان؟

توجد ست قضايا على رأس المهام العاجلة للرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، أولها تداعيات الحرب التي شنتها إسرائيل على حزب الله، والمرشحة للاندلاع من جديد في ظل تلويح إسرائيل بعدم الانسحاب من جنوب لبنان، وثانيها قطع الطريق أمام أي تصرفات تعمق الخلاف بين الطوائف، وتضعها على حافة حرب أهلية جديدة، ورابعها اتخاذ إجراءات ينتظرها الشعب اللبناني؛ بغية تحسين أوضاعه الاقتصادية الصعبة، وخامسها جعل الدولة تحتكر للسلاح، أما السادس فيتمثل في وجود مسائل دستورية عالقة.

لكن هناك مهمة دائمة وراسخة أمام أي رئيس لبناني، يزيد حضورها في الوقت الراهن، ألا هي "إدارة النخبة السياسية اللبنانية" ذات النزوع الطائفي المتعارف عليه، والذي يقره الدستور نفسه، إذ تقول المادة 95 منه: "بصورة مؤقتة والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بالمصلحة العامة".

هنا يلزم رئيس لبنان أن يتمتع بخبرة سياسية، ولياقة ذهنية، تمكنه من التعامل مع نخبة تبدو كالمسرح الشكسبيري الذي يجمع بين فرقاء يتآمرون أحيانًا في الخفاء، ويتصارعون في العلن، حول المطامح والمصالح والمناصب، متشرّبين ملامح المجتمع اللبناني الفسيفسائية المعقدة، فيأتون على شاكلته، متنقلين في تقارب وتباعد، وتجاذب وتنافر بين حالات من الغليان الذي لا يعرف للتهدئة سبيلًا، ولا إلى الراحة طريقًا.

إعلان

سيكون على الرئيس، أن ينظر خارج خلفيته العسكرية، ليدرك ما ترتبه "ذهنية الصفقة" التي تسيطر على الحياة السياسية، والتي لا يختلف فيها المستبحر في العقيدة، والمتفلت والعبثي الذي لا يؤمن بشيء، ولا ينكر اللبنانيون أنفسهم وجودها بقوة في حياتهم، فبعض الصحف تدير بوصلتها في اتجاه من يدفع، وبعض الناس يغيرون انتماءاتهم الطائفية مثلما تتبدل فصول السنة، ولبنان هو البلد الذي تضم فيه العائلة أحيانًا تحت أجنحتها المسلمين والمسيحيين، فالزواج مفتوح على مصراعيه.

وكما انقسمت العائلات، قسّمت المناصب السياسية أو وزعت، فرئيس الدولة مسيحي، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وفي ذات الوقت توزع مقاعد البرلمان، وكراسي الوزارة، ووظائف الإدارة العليا على الطوائف حسب وزنها الاجتماعي. والحياة السياسية عامة يحكمها الزعماء، وهم قادة الطوائف ورؤوس المليشيات، ورؤساء الأحزاب، وكبار الملاك.

ولبنان الذي انفتح على العالم مبكرًا، نهل من الثقافات المختلفة حتى ارتوى، وتلونت خريطته الفكرية بشتى الألوان، فهناك التحديثي، وهناك التقليدي، وهناك الراديكالي في مقابل المحافظ، ويوجد من يفكر تفكيرًا لاتينيًا، ومن يسلك نهجًا أنجلوسكسونيًا، ويحيا فريق حياة دينية خالصة، وفريق آخر لا يرى للعلمانية بديلًا، وفي خضم هذا الانفتاح لا تزال العشائرية تعشش في العقل اللبناني.

هذه التركيبة اللبنانية المختلفة في العالم العربي، انعكست على النخبة اللبنانية، فجاءت حبيسة داخل الطوائف، وملونة بألوانها، فهي سواء كانت نخبًا سياسية، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، تظل بنت السياق الاجتماعي الذي أنتجها، وتمرّ آليات تجنيدها بالطائفة.

لا تقتصر مهمة الرئيس في إدارة الخلافات بين النخب على النخبة الرسمية التي تتبوأ مقاعد السلطة سواء في البرلمان أو الوزارة، لكن أيضًا على "النخبة المضادة" التي تضم أولئك الذين يخسرون في المنافسة الانتخابية على مقاعد مجلس النواب، والذين يتم تجاوزهم عند تشكيل الحكومات. وأولئك يشكلون نخبة قوية في وجه النخبة الحاكمة، حيث يمتلكون ذات المقدرات من التأييد والدعم المحلي، والتمرس في العمل السياسي العام، وامتلاك الثروة والتاريخ.

إعلان

ورغم أن الحكومات المشكّلة دائمًا كانت تراعي مسألة احتواء أصحاب النفوذ وترضية الطوائف، فإن الحياة السياسية اللبنانية ظلت مليئة بالمتذمّرين والمتمردين؛ لذا ليس من الغريب أو الجديد أن تجد عقب كل تشكيل وزاري مجموعة ترفض وتعارض بشدة، وهي ليست من أولئك الذين تم استبعادهم فقط، بل أيضًا من بين الوزراء أنفسهم الذين لا يرضون عن حقائبهم، وكانوا يطمحون في حقائب أعلى وأكبر.

فنشاط النخبة السياسية في لبنان سواء الحاكمة أو المضادة جعل الحياة السياسية هناك مليئة بالحركة، ومتيّمة بالتغيير، ففي نحو 72 سنة تم تشكيل 65 وزارة، ومجلس النواب ينتقل عدد أعضائه من 55 إلى 66 إلى 77، ثم يهبط إلى 44، ويرتفع إلى 66، ويقفز إلى 99، ويستمر هكذا من عام 1960، حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية فيقفز إلى 108 أعضاء، ثم أخيرًا 128 عضوًا.

فالطوائف تزيد وتبرز قوة بعضها؛ ولذا لا بدّ من أن يتم التنفيس عن هذه القوة بتوزيع الأعداد والمناصب والأدوار، وإلا حدث الانفجار بل إن هذا الانفجار كان محتومًا فاندلعت الحرب الأهلية، وشوهت صورة لبنان الاجتماعية، ولطخت جدرانه بدماء أبنائه.

وبعد اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية كانت هناك ثلاث قضايا تدور حولها النخبة السياسية اللبنانية في أدائها، وتحسب حسابها في تنافسها، وهي: تحرير الأرض السليبة، وإعمار البلاد المخربة، والحد من صراع الطائفية المرذول.

وهي قضايا تعود بتمامها بعد 35 سنة، فالأرض التي انسحبت منها إسرائيل في مايو/ أيار 2000، تحت ضربات المقاومة، عادت لتحتل جزءًا منها، ومناطق عدة في لبنان تم تدميرها وتحتاج إعادة إعمار، والطائفية لا تزال تطل برأسها، وقد تكون محل أخذ ورد أكثر من أي وقت مضى.

هنا سيكون على الرئيس الجديد أن يتعامل بذكاء ومرونة مع قضية المحاصصة السياسية والمذهبية والطائفية، ومع التجليات الواقعية لشعار:"الجيش والشعب والمقاومة"، ويعرف جيدًا كيف يمكن له أن يتحرك بخفة، لكن بتأثير شديد، في ظل صلاحياته المتقلصة لحساب رئيس الوزراء، وحاجته الماسّة إلى تعاون الحكومة، ومجلس النواب، والقوى الشعبية والمدنية معه لتنفيذ القرارات.

إعلان

لكن الرمزية التي صار يشكلها "رئيس لبنان" بعد سنتين من شغور المنصب، وفي ظل سياقات إقليمية ومحلية ملتهبة، تجعل التعويل عليه من الناحية الواقعية، لا سيما عند الشعب اللبناني، أكبر بكثير مما ترتبه الصلاحيات، أو ما يحدد نفوذه السياسي في وجه تركيبة تحكمها عمليًا الطوائف والأحزاب السياسية، وتنعكس على المناصب الوزارية والبرلمانية.

هذه الرمزية يمكن أن تساعد عون، إن كانت لديه النية والعزم، على ألا يستسلم للتركيبة السياسية التقليدية في اختيار رئيس الحكومة والوزراء وقادة المؤسسات والإدارات الأساسية، لتكون عينه على من يقدر على أن يمد يده للبنان الآن، وهو يعيش لحظة حرجة من تاريخه المعاصر، عليه أن يعبرها بسلام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

الجيش اللبناني يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أفادت وسائل إعلام لبنانية، اليوم السبت، بأن الجيش يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال تمهيدا لدخول بلدات قوزح وعيتا الشعب ودبل، وفقا لما نقلته قناة "القاهرة الإخبارية".

أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل قليل، أن 26 يناير 2025 سيكون آخر موعد لتواجد قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وفقًا لما نقلته قناة "القاهرة الإخبارية".

وفي وقت سابق، كانت هيئة البث الإسرائيلية قد أفادت بأن جيش الاحتلال قد انسحب من القطاع الغربي لجنوب لبنان، تمهيدًا لانتشار الجيش اللبناني في المنطقة.

وأوضحت الهيئة العبرية أن هذا الانسحاب يُعد الأوسع منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. 

يأتي ذلك بعد تقارير إعلامية إسرائيلية أشارت، أمس الأحد، إلى أن تل أبيب تدرس الإبقاء على قواتها في مواقع استراتيجية بجنوب لبنان تحسبًا لأي عمليات عسكرية محتملة. كما نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، قوله إنه لا يستبعد تمديد فترة بقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في حال عدم تنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي تطور سابق يوم السبت، توغلت قوة من جيش الاحتلال في بلدة برج الملوك بقضاء مرجعيون، حيث تمركزت قرب محطة فرح وأغلقت الطريق بالأسلاك الشائكة. وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية باستهداف مدفعية الاحتلال منطقة دوبيه غرب بلدة ميس الجبل، فيما شهدت بلدة مارون الراس وحي عقبة مارون توغلًا لدبابات ميركافا وجرافات إسرائيلية، مع إطلاق قذيفة باتجاه أحد المنازل في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ما هي المهمة الشاقة التي تنتظرُ عون؟ تقريرٌ أجنبي يكشفها
  • الحواط يبارك للاعب التنس هادي حبيب: هادي وأمثاله هم لبنان الذي نريده
  • العبسي: ندعم الرئيس الجديد في إنجاز المستقبل الذي رسمه في خطاب القسم
  • خطيب لبناني يستنكر تسليم القرضاوي للإمارات.. ما المقابل والثمن الذي قدم؟ (شاهد)
  • الملفات الهامة والحساسة التي حملها ميقاتي في زيارته لدمشق
  • الجيش اللبناني يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال
  • ما هي أبرز التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني الجديد؟
  • 7 شهداء بينهم الشاب حسن... إليكم جديد الغارة الإسرائيليّة التي استهدفت طيردبا
  • هل ينجح عون في كبح نفوذ حزب الله؟