صناعة الطغاة والمستبدين واستخدامهم من همفر إلى ستارمر
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
(سنعمل على تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلى حضيرة الإيمان كما استرجعنا إسبانيا بعد قرون من غزو المحمديين البرابرة) من كتاب في ملكوت المسيح للمبشر مسترهمفر.
عملت الإمبراطورية البريطانية على تجميع الأحلاف للدول الأوروبية من أجل القضاء على الإسلام عقيدة وشريعة فمنذ صعودها على الساحة السياسية العالمية وهي تقود الأحلاف المتعددة من أجل استعادة الأراضي العربية والإسلامية إلى سيطرة المسيح، ورغم التكتم الشديد عن الوثائق التي توضح تلك المؤامرات إلا أن ما كشف عنه يوضح بجلاء خططهم الإجرامية للعمل على تحطيم الإسلام وقوة المسلمين نتعرف على بعض مفردات كتاب كيف نحطم الإسلام وهي ذاتها لا تخرج عن برتكولات حكما، صهيون وقرارات مؤتمر كامبل بنرمان ومؤتمر سايكس بيكو.
همفر يرى ان الخطط التي أعدتها بريطانيا بالتعاون مع روسيا القيصرية وفرنسا كفيلة بتلافي الإخفاقات التي وقعت فيها الحروب الصليبية والغزوات المغولية لاعتمادها على الخطط المدروسة طويلة الأجل ومتوسطة وقصيرة لهدم الإسلام عقيدة وشريعة من الداخل والخارج، لأنها درست جوانب القوة والضعف في الإسلام وتلافت كل جوانب القصور السابقة.
موضوعات هامة وخطيرة تطرق اليها واستعراضها يحتاج إلى بحث طويل ودراسة متعمقة ومتأنية لكن نستعرض جزئيه هامة وهي السيطرة على الحكومات والأنظمة وتسخيرها في تنفيذ تلك المشاريع الإجرامية .
عقد المؤتمر الثلاثي بين بريطانيا وروسيا وفرنسا لممثلي البعثات الدبلوماسية عام 1143ه الموافق 1730م واعتمد القرارات التالية :
1-زرع الحكام الفاسدين ليكونوا آلة بيد الدول الاستعمارية ومن خلالهم يتم تنفيذ خططهم؛ واذا امكن تسليمه لغير المسلمين فقد يكون أفضل أو الاستعانة بمن يتظاهرون بالإسلام .
2-زرع العملاء حول الحكام ليكونوا لهم أعوانا وخدما وللاستعمار آلة ينفذون توجيهاتهم وخاصة الوظائف الاستشارية؛ بواسطة العبيد والجواري وإدماجهم داخل تلك العوائل الحاكمة يحيطون بهم إحاطة السور بالمعصم .
3-تقوية ديكتاتورية الحكام (لانهم ظل الله في الأرض) وكما صرح ستارمر(دعم الأنظمة العربية ومؤسساتها وجيوشها وأجهزتها المختلفة التي تمنع قيام أي نظام يستمد قيمه من تعاليم محمد ومن كتابة المقدس).
4-إلهاء الحكام في الفساد والخمر والقمار وتبذير الأموال حتى لا يبقى مال للسلاح أو الجند.
ستارمر أكد ان الأنظمة العربية كلها مصنوعة من الدول الاستعمارية (تدور في فلك الغرب وتستمد بقاءها ووجودها منهم وتخدم الأمن القومي لهم على حساب الأمن القومي لدولهم).
بعض ساسة الغرب بدأوا بدايات عدائية ضد الإسلام والمسلمين لكنهم غيروا مواقفهم بعد دراستهم له اقروا بعظمته وكماله وسموه ومنهم الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي صرح ان الإسلام (هو العدو بعد هزيمة الشيوعية وانه كالأفعى التي لا يؤمن شرها الا بسحق رأسها) ثم غير رأيه بعد دراسته له فقال:(لا مستقبل لأمريكا في القرن الواحد والعشرين مالم تعقد تحالفا مع الإسلام وتفد من قواه مالم فستنتهي) ومثل ذلك النائب العام الأمريكي –رمزي كلارك :الإسلام يمثل القوة الروحية والأخلاقية الأعظم والأكثر تأثيرا على مستوى العالم .
وبغض النظر عن أقوال السياسيين نجد ان اتجاهات قادة أمريكا والدول الاستعمارية القديمة والحديثة تعمل علي شيطنة الإسلام ومحاربته ومحاولة القضاء عليه وعلى المسلمين.
ستارمر وقادة الاتحاد الأوروبي يصرحون دائما ان مشكلتهم مع الإسلام ذاته ومع محمد نبي الإسلام ذاته بمعني ان الشعوب قد سيطروا عليها بواسطة صنائعهم الذين يخدمونهم .
فستارمر يقول: ان الإسلام خصم عنيد وسيقضي على الحضارة الغربية ان لم يتم القضاء عليه ولو باستخدام القوة لذلك يوجه استغاثته لزعما ء الدول المتحالفة من (اليهود والنصارى وغيرهم) باستخدام كافة الوسائل والسبل لمحاربته والقضاء عليه في أمريكا وأوروبا باستخدام الإرهاب والبطش والقوة والحرب الناعمة حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ الديمقراطية.
أما الزعماء العرب فهم يعملون على تطبيق مؤامرات الغرب، رهنوا مقدرات وثروات شعوبهم لدى الغرب، وحاربوا كل القيم والمبادئ وقننوا التفسخ والانحلال وأعادوا إنتاج الجاهلية .
ما ذكره همفر في مذكراته من السعي للسيطرة على الحكام بواسطة الاماء والجواري هو ما ردده حكام العرب والمسلمين فبن سلمان يقول انه ربي على يد خادمة يهودية حبشية، ولها يدين بالفضل .
ومثل ذلك المؤامرة على العلماء الذين يخشاهم الاستعمار، فهمفر يذكر (لابد من إضعاف صلة المسلمين بعلمائهم بإلصاق التهم بهم وإدخال العملاء بدلا عنهم وجعلهم يرتكبون الجرائم لتشويه صورتهم) خاصة في الحواضر العلمية المرموقة كالأزهر والاستانة والنجف وكربلاء وغيرها -وفتح مدارس لتعليم الأطفال على أيدي عملاء الاستعمار لخدمة توجهاتهم من أجل الصد عن سبيل الله ونشر الإشاعات ضد الإسلام والمسلمين .
وسيتم الاستفادة منهم في ترسيخ سلطات الديكتاتورية وتأليه الحكام وانه لا يجوز الخروج عليهم ولو جاهروا بالفسق والفجور مثل الزنا والدعارة وغيرها من الكبائر، ولوكان الأمر مباشرة وعلى الهواء، ولو استحل دماء المسلمين وأعراضهم .
وفعلا وجدنا من يصدر الفتاوى بعدم وجوب الجهاد ضد اليهود والنصارى ونصره المظلومين من الأشقاء في غزة وفلسطين، وانه ليس بجهاد ؛ووجدنا من يفتي بأن جهاد الشيعة أولى من جهاد اليهود والنصارى، وانه يجب عقد صلح مع اليهود والنصارى والاستعانة بهم من أجل قتال وجهاد الشيعة وما ذلك الا تنفيذا لقرارات كتاب( كيف نحطم الإسلام ) الذي أعدته القوى الاستعمارية (بريطانيا وروسيا وفرنسا) قبل ان تنظم بقيه الدول الاستعمارية إلى الحلف –أمريكا وبقية دول أوروبا، وهو ما أكد عليه مؤتمر كامبل بنرمان الذي اقر تسليم فلسطين لليهود والاستعانة بهم في مواجهة الإسلام والمسلمين .
أحد المؤلفين اليهود أعاد التذكير بخطورة الإسلام وشرح كيفية القضاء عليه عقيدة وشريعة في كتاب سماه –(الإسلام المتعب) –فقد ذكر في فصل نهاية العرب ذات الأهداف (ان دمرنا عقيدة العرب فقد دمرنا عقيدة المسلمين فهم أكثر تطبيقا لتعاليم الإسلام الصحيحة ) وأما البداية فيجب ان تكون من الجزيرة العربية لأنها مهد الإسلام وحاضنته الأولى وموطن خاتم الأنبياء والمرسلين صل الله عليه واله الطيبين الطاهرين، ولأن الغرب يسيطر على الملوك والحكام والأمراء (الجزيرة العربية تحمل فوقها الكثير من الأشخاص الذين يقدمون الدين على كل شيء ويعبدون الله بصدق).
الحكام والأمراء والملوك الذين تحدث همفر عن غرسهم هم من أشاد بهم ستارمر – يعملون اليوم على تنفيذ كل الأوامر التي يريدها الغرب (نشر الفساد بين المسلمين بالزنا واللواط والخمر والقمار من خلال الجيوش من اتباع الديانات السابقة الذين مكنهم من ذلك) وبدعم وتشجيع وحماية الدول الأوروبية والاستعمارية فقد تم إباحة الخمر والقمار والحفلات المختلطة وتقنين الدعارة والسماح بالمثلية .
بل ان بعض الحكام -كبن زايد وبن سلمان- سبقوا من يعملون لصالحهم بمحاربة الإسلام والمسلمين تحت عناوين مكافحة الإرهاب، ملأت السجون بالعلماء والمفكرين والأدباء، وتم تحويل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى هيئات تنظيم الاستمتاع بالمنكر، وبعد ان فرغوا من بلدانهم ها هم يطلبون من الدول الغربية العمل لمحاربة المسلمين هناك، فبن زايد يتهمهم بالإرهاب ويتهم دول الغرب بمحاباتهم (ينادون للقتل وسفك الدماء واستحلال ثروات الناس في لندن وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا) وقدم دعما سخيا للحركات المتطرفة والأحزاب اليمينية من أجل طردهم ومحاربة الإسلام والمسلمين هناك، ونشر فوبيا الإسلام من خلال الجماعات الإرهابية التي يمولونها .
ولا يختلف الحال لدى بن سلمان عن بن زايد من سجن العلماء والدعاة والمفكرين وتمكين العملاء والمدسوسين من القيام على شؤون الإسلام .
وإضافة إلى ذلك فقد برعوا في (اشعال الحروب والثورات الداخلية بواسطة المليشيات التي تخدم توجهاتهم باثارة النزاعات والحروب بين المسلمين والمسلمين والمسلمين وغيرهم من أجل استنفاد قواهم وتحطيم وحدتهم واستنزاف ثرواتهم لصالح الاستعمار، وتنفيذ خططه وبرامجه الإجرامية في حق الإسلام والمسلمين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف تشوّه أفلام هوليود صورة المسلمين؟
إذا كانت القوّة الناعمة هي قوّة الثقافة بتعبير آخر، فإن الثقافة في مدلولها الأنثروبولوجي، تمتلك قدرة وقوة تضاهيان أحيانًا قوة السلاح، ذلك أن التاريخ البشري يشهد انتصار قوة الثقافة في تشييد الحضارة أكثر من قوة السلاح، التي كانت أساسًا أحد أسباب أفول الحضارات، وتدمير ما أنتجه البشر من عمران وحضارة.
فقوة الثقافة، هي قوة الكلمة، ومن الكلمة جاء الخلق والوجود، وبالكلمة صارت الثورات والتحولات الكبرى التي مهدت للحضارات البابلية والآشورية والكونفوشيوسية والفرعونية، وإن كانت الكلمة أساس الثقافة العربية الإسلامية، فهي أصل الحضارة العربية الإسلامية بامتياز.
بيد أن مفهوم القوة الناعمة جاء في سياق فلسفة وفكر ما بعد الحداثة، كمحاولة منها لتجاوز ضيق الحداثة وخفوت أنوارها، بالتركيز على قوة الثقافة والفكر، كتجاوز معرفي لنظام القوة المادية والعسكرية في حلّ النزاعات والصراعات وتفادي الحروب.
وبالرغم من إشارة عدد كبير من الباحثين من مختلف المجالات إلى تجليات القوة الناعمة، من ميشيل فوكو الذي يعتبرها إجبارًا ضمنيًا وسجالًا قيميًا وأخلاقيًا وعقليًا، بهدف التأثير في الرأي العام داخل الدولة المعنية بالقوة الناعمة أو الدولة/ الخصم، إلى غرامشي الذي يعتبرها هيمنة ثقافية عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الإعلام، مرورًا ببيير بورديو الذي يعتبرها تجليًا من تجليات صناعة العقول عبر الإعلام والتلفزيون، فإن المفهوم لم يتخذ صيغته النهائية ومساحاته التطبيقية في العلاقات الدولية إلا مع جوزيف ناي.
إعلانيعتبر ناي أن الأساس في صياغة المفهوم، هو وجود أساس غير مادي للقوة، يستمد سلطانه من ثقافة الدولة وقيمها ومصداقيتها وشفافيتها، والتي تتجلى في حياتها اليومية، والمنتصرة للقيم الإنسانية الكونية، مما يجعل للإنسان ميلًا بالفطرة إلى هذه القيم، وبالتالي، فهي تتضمن قاعديًا القدرة على التأثير في الآخرين.
ولهذا لا يجب تجاهل هذا الأساس غير المادي للقوة، من أجل استبعاد تجليات القوة المادية في الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية، حيث يراهن جوزيف ناي على أن القوة الأميركية لم تتراجع، وإن كانت قد دخلت في مرحلة تغيير إستراتيجي لأسس القوة والسلطة العالمية، محاولًا إبراز العناصر غير المادية لهذه القوّة، بما يمنحها الشرعية القانونية والدبلوماسية والفكرية لقيادة العالم.
تتأسس هذه القوة الناعمة على ثلاثة موارد ثقافية، لا تنفصل عن بُعدها السياسي، وهي:
الثقافة باعتبارها قاعدة عملية جذب الآخرين والتأثير فيهم. القيم السياسية التي تؤطر عمل الفاعل السياسي في الداخل والخارج. شرعية السياسات الخارجية وأخلاقها المدنية والدبلوماسية.وذلك أن جوهر القوة الناعمة يكمن في قدرتها على إعادة تشكيل تصورات المجتمعات الأخرى، غير الأميركية، وتوجيه ثقافتهم، وهو ما يمكن من صياغة برامجهم ورؤاهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ولهذا، فالولايات المتحدة الأميركية وعموم الغرب، ممثل الحداثة والأنوار، الذي يمتلك كل الإمكانات، التي تجعل من النموذج الغربي ممثلًا للمركزية الغربية، يمتلك القدرة على الجذب والتعبئة من أجل السعي وراء استلهام القيم والسياسات الغربية، وتبني الإستراتيجيات التي تفرضها هذه القوة الناعمة، دون تدخل عسكري أو فرض بالقوة المادية، حيث تعمل الصناعات الثقافية، عبر صناعة الكتاب والترجمة والسينما والمسرح والتشكيل والآداب والنقد والتلفزيون والإعلام، على بناء صورة نموذجية قابلة للاستلهام والتقليد والانهمام.
إعلانولذلك، ترى هيلاري كلينتون أن هذه القوة التي تسميها بالقوة الذكية تجد أساسها في الثقافة والدبلوماسية والفنون، وتضمن تحقيق ما يمكن للقوة العسكرية تحقيقه دون خسائر، وبطرق سلمية.
وإذا كانت صناعة الكتاب قد ازدهرت في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية بشكل غير مسبوق في العقود الثلاثة الماضية، معلنة نهاية التاريخ وانتصار قيم الغرب وحداثته وإنسانيته، بما يدعم مركزية الإنسان الغربي، بوصفه ممثلًا للإنسانية، ومنتصرة للفردانية والحرية (قيم الغرب الحداثية)، بإعلان موت كل المرجعيات، والتي تجلت في موت المؤلف، وموت الكاتب، وموت السلطة، وموت المنهج، وموت النموذج… وما إلى ذلك من مرتكزات ما بعد الحداثة، وانتصار الغرائز والشهوات وتسيد مبدأ اللذة والمتعة، فقد وجدت في الفنون، من مسرح وسينما وتشكيل وآداب، إحدى آليات تكريس فكر ما بعد الحداثة.
ولذلك، راهن الغرب على تطويع المجتمعات الأخرى، خاصة تلك المجتمعات التي ما تزال تعيش على هدي النموذج والمنهج والمؤلف، وتقاوم ثقافتها ضد القتل الأوديبي للأب، من خلال الصناعات الثقافية ما بعد حداثية، وعلى رأسها السينما، التي استطاعت بفضل ضخامة الإنتاج والتقنية والإعلام أن تعمل على غسل العقول وصناعة الأذواق والتوجهات، ضمن مبتغى السعي وراء المطابقة والاستلهام الرمزي لفكر ما بعد الحداثة.
وإذا كانت مقاومة الحضارة الصينية بادية في النموذج التربوي الصيني الذي يعيش على النموذج والقدوة، وعلى ثقافة محافظة على جذورها التاريخية، بما يجعل هويتها عصية على الترويض، بالرغم من قدرة السينما الغربية والإعلام الغربي على غزو الصين، كما هو حال باقي مجتمعات الشرق، ولو أنه غزو وانتصار نسبي في سياق القوة الناعمة، فإن العالم العربي والإسلامي، سيشكل موضوعًا استشراقيًا بامتياز للكتابة والتأليف، كما للسينما الغربية، وخاصة الأميركية، حيث استطاعت صناعة السينما هذه ترويج صورة النموذج الأميركي في الثقافة والفنون، وتفكيك الثقافة العربية الإسلامية، خاصة لدى أجيال الشباب، الذي بات يعيش انهمامًا واستلابًا ثقافيًا، مثلت سينما هوليود إحدى دعاماته الأساسية.
إعلانلقد استطاعت هذه السينما الترويج لصورة أميركا ممثلة للحرية والتقدم والازدهار، وحقوق الإنسان، ولكل قيم الحداثة والأنوار، كما صورت الجندي الأميركي كمنقذ رباني للشعوب المستضعفة والأقليات في العالم العربي والإسلامي، فهو لا يتدخل إلا لنصرة وحماية القيم الإنسانية. وهنا تحاول السينما الترويج والدعاية التبشيرية للمعتقد المسيحي- اليهودي كممثل ديني للغرب.
فإلى جانب الكتاب والمجلة والجريدة والتلفزة، لعبت الأفلام والمسلسلات الأميركية في الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثانية دورًا كبيرًا في تعزيز النموذج الغربي والقوة الأميركية بوسائل ناعمة، من خلال تسويق صورتها الحضارية والثقافية ونمط حياتها كشكل من أشكال الغزو الثقافي، خاصة بفضل سينما هوليود الأميركية، التي تعد آلية من آليات القوة الناعمة الأميركية، ناهيك عن الدعم الذي تقدمه منذ الثمانينيات إلى دول الجنوب من أجل الإنتاج المشترك.
هذا الدعم لم تعد خافية أهدافه الأيديولوجية، كما لم تعد غاياته الإستراتيجية مستترة، ما دام مشروطًا في جزء كبير منه بتصوير جزء من الأفلام باختلاف أنواعها في فرنسا أو أميركا، إلى جانب صناديق دعم من الاتحاد الأوروبي أو من دول مثل كندا، هولندا، السويد، الدنمارك… إلخ. وهي بلدان تشكل أذرع الإستراتيجية الأميركية لقيادة العالم.
إذ لم يعد الأمر يقتصر على صناعة السينما الهوليودية أو السينما الفرنسية والأوروبية عمومًا، بل بإستراتيجية ناعمة أخرى تجلت في إستراتيجية الدعم السينمائي في أميركا وأوروبا كملحقة أميركية، سواء عبر حلف الناتو أو عبر الوحدة الجيوستراتيجية والاقتصادية التي تشكلت بفعل التعالق التجاري والحضاري الأميركي الأوروبي وفق ما تواضعت عليه خطط اللوبي اليهودي- المسيحي كقراءة أحادية للتحالف الحضاري الجديد، والذي بموجبه صار هناك شمال غني وقوي وجنوب فقير وضعيف.
إعلانوبالرغم من محاولات ومجهودات الصناديق الأوروبية والصندوق الفرنسي لدعم سينما الجنوب في الهيمنة على الإنتاج السينمائي، وتوجيهه الوجهة التي تخدم مصالح هذه البلدان، فإنها لم تصل إلى منافسة الدعم الأميركي وآلياته في تسويق المنتوج الأميركي، وفي توجيه سينما الجنوب، خاصة أمام الدعم الكبير الذي تمنحه الولايات المتحدة الأميركية لكل أنواع الأفلام السينمائية، بما في ذلك التسجيلية، والتي يتم إعدادها في أستوديوهات أميركا، وبإشراف هيئات ومؤسسات مؤثرة.
وهذا الدعم لم يستثنِ حتى الأفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة، بحيث جاءت النتائج على عكس ما تدعيه هذه الصناديق، وهو ما يتضح جليًا من خلال دراسة وتحليل المشاريع المنجزة في سياق هذا الدعم فيما يخص الهوية الثقافية والحضارية لبلدان الجنوب.
هكذا، تصور هذه السينما التي تركز بشكل كبير على ما يحدث في الشرق الأوسط على تلميع وتجويد صورة الغرب الحامي للقيم، وعلى إسرائيل كشريك إستراتيجي للسلم والسلام وقيم الحداثة، وفي المقابل تأتي صورة العربي والمسلم وعموم بلدان الجنوب صورة هجينة وبربرية تبرر التدخل الغربي في شؤون هذه البلدان، باعتبار الغرب بزعامة أميركا منقذ العالم ونصير المظلومين.
فمنذ فيلم "النزوح" The Exodus للمخرج أوتو بريمنغير سنة (1960)، إلى فيلم The Happy Hooker Goes to Washington من توقيع المخرج ويليام ليفي سنة (1977)، إلى فيلم The Bonfire of the Vanities "مشعل الأباطيل" الذي أخرجه براين دي بالما سنة (1990)، إلى فيلم The Gladiator "المصارع" الذي أخرجه ريدلي سكوت سنة (2000)، إلى فيلم The Kingdom "المملكة" من توقيع المخرج بيتر بيرغ سنة (2007)، وهي لائحة طويلة لا يمكن حصرها، عملت السينما الأميركية على تقديم العربي والمسلم من خلال صور نمطية ذات منزع استشراقي، يصورهما من خلال أوصاف البربرية والتوحش والتخلف والعدوانية، مقدمة صورة عن الإسلام كعدو مفترض وخطر يهدد الاستقرار والازدهار العالمي، وهو ما يبرر من خلال إستراتيجية الرموز والعلامات التي توظفها السينما الغربية بذكاء، التدخل الأميركي والغربي لنصرة القيم الكونية وحقوق الإنسان وتمدين هذه المجتمعات، عبر تهيئة المتلقي للتنكر لثقافته ودينه وهويته، التي يتم تقديمها كمعرقل للتمدن والحضارة.
تصوير الغرب كمنقذ، مقابل تقديم صورة العربي والمسلم كبربري وعدواني، يجعل المتلقي يتنكر لهويته وثقافته، ويرى في التدخل الغربي مشروع تمدين وحماية لقيم الحضارة
ولعلنا نجد في عدد من الأفلام الوثائقية المنصفة من توقيع مخرجين غربيين، ممن انتقدوا نزوحات السينما الأميركية المغرضة، خير دليل على جوهر هذه السينما وأهدافها المعلنة والمضمرة في الوقت ذاته.
إعلانوفي هذا السياق، يمكن الاستشهاد بالفيلم الوثائقي للمخرج جاك شيهان Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People "أفلام العرب السيئين، كيف تشوه هوليود شعبًا"، والذي تطلب إعداده سنوات من العمل، عكف خلالها المخرج على تحليل ودراسة أزيد من ألف فيلم أميركي، مستخلصًا أن صورة العرب والمسلمين تحضر في هذه الأفلام في صيغة نمطية تسيء لهم، بوصفهم أسوأ الشعوب التي تعاني من التخلف والعجز والكسل والكبت الجنسي.
وإذا كان الأمر كذلك، فهذا النوع من السينما لم يشمل فقط سينما الكبار وأفلام المؤلف والقضية والأفلام الوثائقية، بل شمل كذلك الأفلام الكرتونية، التي يوجد بينها فيلم كرتوني بعنوان علاء الدين "Aladdin"، الذي يصور العربي كقاطع طريق، وإلى جانب هذا الفيلم الكرتوني، هناك المئات، منها فيلم The Mad Dog of the Desert "كلب الصحراء المعتوه"، وعدد من السلاسل الكرتونية من قبيل سلسلة "سامبسون"، وفيلم "ريك ومورتي"، والقائمة طويلة، حيث النيل من عادات وتقاليد العرب والمسلمين الموضوع المفضل لهذه الأفلام والسلاسل الكرتونية، ناهيك عن الإساءة للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
إن كل هذا الحديث للدلالة على أن صناعة السينما والدراما عمومًا، وصناعة الأفلام والمسلسلات الكرتونية الموجهة للأطفال ليست صناعة بريئة، بقدر ما هي آلية من آليات الغزو الثقافي وتوجيه الشعوب عبر الفن، بوصفه أحد أسس القوة الناعمة، حيث المنتوج الثقافي بمثابة الناظم المركزي لهذه القوة، والصناعات الثقافية بمثابة صناعة لهذه القوة الناعمة.
ولحسن الحظ هناك أفلام وثائقية وأخرى سينمائية، على قلتها، حاولت تصحيح هذا النزوع المغرض بالانتصار لصورة العرب والمسلمين، حيث برزت أسماء، وإن عانت من التهميش المقصود، منددة بالصور النمطية التي نالت من المسلمين، والعرب، ومن بينهم المخرج والمنتج والمؤلف الأميركي مايكل مور، الذي يعد نموذجًا مشرفًا لسينما التنوير والحق والعدل، ولرسالة الفن الإنسانية.
إعلانبرزت سينما بوليود الهندية، كمنافس قوي في سوق الإنتاج والتوزيع، مثلما ستعرف هذه الفترة بروز اللاعب التركي، خاصة على المستوى الدرامي بإنتاج ضخم لمسلسلات اجتماعية وتاريخية، ناهيك عن بروز المنافس الصيني خاصة على المستوى الدرامي، والذي ضمن، بفضل الدبلجة، أسواقًا لم تكن من قبل في متناوله، ومن بينها الأسواق العربية والإسلامية.
وعليه، يصبح من الأهمية بمكان التوجه عربيًا نحو صناعة سينمائية ودرامية قادرة على صد هجوم القوة الناعمة الغربية وتفكيكها تفكيكًا فنيًا وأدبيًا كفيلًا بكشف زيف هذه الصور النمطية، وتصحيح صورة وهوية المجتمعات العربية الإسلامية.
في هذا السياق الهيمني الأميركي، وخلال العقدين الأخيرين، ازدهرت كتابات نقدية للقوة الناعمة الأميركية والغربية عمومًا، وأساسًا عبر تفكيك الوحدات الضوئية لصورة أميركا والغرب.
وهكذا، نجد كتابات نقدية تناولت الهيمنة الثقافية والفنية الأميركية في الصين، وروسيا، والهند، وفي العالم العربي، عبر تناول الخطاب السياسي الأميركي والسينما الأميركية، تناولًا فنيًا ونقديًا، نخالُه بداية تشكيل قوة ناعمة تتوسل السينما والدراما وباقي الفنون من أجل نهضة ثقافية عربية، كفيلة بالتأسيس للقوة الناعمة المفقودة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline