شيخة الجابري تكتب: المصطلح المخيف
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
وفقاً لجامعة أكسفورد، فإن تعفن الدماغ مصطلح يشير إلى «التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط لمحتوى الإنترنت»، هو تعريف مخيف دون أدنى شك، فماذا تنتظر بعد أن يتعرض دماغك للعفونة بيدك؟ فأنت باستخدامك المُفرض للإنترنت، وانغماسك المُقلق في هذا العالم الذي يحملك على الانصياع له، واستسلامك بكامل قواك العقلية إلى ما يقدمه مستخدموه من مواد في أغلبها غير صالحة للمتابعة، تضع نفسك ودماغك أمام تحدٍّ صحيٍ كبير، إذا لم تحاول الخروج منه فستكون العواقب وخيمة كما رأت الجامعة.
واتساقاً مع ما جاء ذكره حول تعفن الدماغ، فقد اعتبر «خبراء اللغة في أوكسفورد أن هذه العبارة أصبحت أكثر تداولاً، في إشارة إلى المخاوف بشأن تأثير المحتوى الرقمي «التافه»، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد سجل المصطلح زيادة في استخدامه بنسبة 230 في المئة بين عامي 2023 و2024».
ولنا أن نتخيل حجم التغيرات التي طرأت على هذا العالم، وكيف أن بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي أصبحوا يشكلون مصدر خطر على ذائقة الإنسان ووعيه وثقافته، بخاصة من يقدمون محتويات تافهة ليس فيها أي فائدة للإنسان، سواء من خلال ما يقدم من معلومات، أو ما يُتاح من مواد بصرية تسرق وقت الإنسان وجهده، وتؤثر على صحته النفسية والبصرية، كذلك فإن الجلوس لساعات طوال في متابعة محتويات، أقل ما يقال عنها إنها فارغة وذات محتويات فاسدة، يمكن أن تُسبب تلفاً للدماغ يصل إلى درجة العفونة.
إن التحديات التي يواجهها الإنسان في عصرنا هذا كثيرة تتجاوز مرحلة الخطر، لذا فإن تشديد الرقابة بين أفراد الأسرة الواحدة مهم من أجل النجاة من هذا الشرك التقني المفتوح على مدار الوقت، وإن الخروج بأقل الخسائر الإنسانية المحتملة يتطلبُ وعياً من الأفراد، وبخاصة الشباب بما يتابعون من محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وما يقدموه من يطلقون عليهم مؤثرين، وما أشد خطورة المؤثرين سلباً على أدمعتنا وسلوكيات أبنائنا.
لقد أصبح الانفلات أحد مظاهر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فالمرء يشاهد على مدار الساعة أفراداً فارغين ليس لديهم ما يشغلون، وإنما يقضون أوقاتهم وراء الشاشات، فيصرفونها في تقديم محتوى هابط، بدءاً بغرف النوم وليس انتهاء بالشوارع والأسواق وسلوكياتهم غير المسؤولة داخل تلك الأماكن وخارجها، الأمر الذي يؤكد أن المصطلح الذي اعتمدته أكسفورد جدير بالتأمل والاهتمام من أجل عقلٍ ومستقبل صحي للأفراد. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال التواصل الاجتماعی
إقرأ أيضاً:
منى أحمد تكتب: شمس الموسيقى العربية
يحكي زياد الرحبانى في إِحدي الحوارات التلفزيونية، أنه عندما كان يسجل أغنية زوروني كل سنة مرة لسيد درويش بصوت السيدة فيروز فى ألمانيا، أنبهر الموسيقيين الألمان باللحن مما دفعهم للسؤال عن صاحبه، و اِرتسمت علامات الدهشة عندما عرفوا أنه لموسيقارمصرى عاش فى أوائل القرن الماضى، فكانوا يظنون أنه لحنا من مقطوعة عالمية .
ويخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن فقط ،بل هو مفجر الثورة الموسيقية وفكراً متطوراً قامت علي أكتافه المدرسة المصرية فى تجديد الموسيقي الشرقية، نجح في نقل الألحان الشرقية من عليائها البعيدة عن المزاج المصرى, والمنفصلة عن واقعها بمقاماتها التركية المليئة بالجمل اللحنية المعقدة والزخارف التى تعانى الجمود الفنى ،أسيرة التحفظ شبيهة محبيها من الطبقة الأرستقراطية، ليتجه بها خالد الذكر من القصورإلى قارعة الطريق نحو الأصول الشعبية والهوية المصرية .
فشعرالمصريون لأول مرة بأن لهم موسيقاهم المعبرة عنهم ،من خلال جملة موسيقية درويشية تحمل عبق مزيج حضارى متنوع تميزت به الاسكندرية وتشم معه فى نفس الوقت رائحة ملح الأرض الذى ينتمى إليه عموم الشعب ،فجمع بين التنوع والأصالة والحداثة في آن واحد بعد أن نقلها لمرحلة الواقعية، التى إستلهمها من واقع المصريين بجميع طوائفهم وطبقاتهم فكانت أعماله المرآة العاكسة لهمومهم وقضاياهم .
جاءت ألحان فنان الشعب لتشعل جذوة الروح الوطنية بين المصريين، والتى كانت تسرى بينهم كالنارفى الهشيم ،وسرعان ما يتداولها الشعب بجميع فئاته فى الشوارع والمقاهى ،وظهرت البصمة الموسيقية المتفردة لسيد درويش التى لا تخطأها أذن أثناء ثورة 1919، فكانت ألحانه وكلمات بديع خيري بمثابة منشور سياسى مؤجج للضمير الوطنى والشرارة التى أشعلت ثورة الشعب الذى يتنظر الاِنتهاء من تلحينه حتي يتغنى به في مظاهراته .
وبدأ يؤرخ لصناعة الأغنية السياسية التى وقفت ضد الإحتلال الإنجليزى، وجاءت أغنية بلادى بلادى التى لحنها سيد درويش بكلمات مستوحاة من كلمات الزعيم مصطفى كامل ،لتكون نشيد الشعب فى ثورة 1919 وتصبح النشيد الوطنى لمصر بعد أكثر من 90 عاما.
اِستطاع سيد درويش التعبير باللحن عن الكلمات والمواقف الدرامية لأول مرة فى تاريخ الموسيقى العربية، و أدخل على الألحان الشرقية الأسلوب التعبيري ،وأحدث ثورة بكسر المقامات المتجاورة فى لحنه فكان يقفز قفزات غير مؤلوفة ومن مقامات مختلفة ليصيغ مقاماً موسيقاً جديداً، يدخل القلب ويتسلل إلى الروح متجاوزاً وعابراً حدود الزمان والمكان وهو ما كتب لها الخلود والتفرد.
ورغم عمره الفنى الذى لم يتعدى العشر سنوات، إلا أن التراث الإِبداعى لسيد درويش أصبح بمثابة الشعلة المغناطيسية ،التى تجتذب إليها كل من يستمع لها واِستطاع من خلالها أن يصبح جزءًا هاماً من تاريخ الأمة ووجدان الشعوب العربية.
سيد درويش حالة إبداعية شكلت الهوية الموسيقية المصرية، وعاشت أعماله لأكثر من قرن من الزمان وستعيش لقرون عديدة لتسجل إسمه كعلامة فارقة فى تاريخ الموسيقي ،تحية لروح خالد الذكر الشمس التى لم ولن تغيب عن الوجدان .