صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-16@02:57:32 GMT

البرهان والعطا..د. جيكل ومستر هايد

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

البرهان والعطا..د. جيكل ومستر هايد

حيدر المكاشفي

أو إن شئت قل تناقضات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، أو بالأحرى تناقضات قائد الجيش البرهان ومساعده ياسر العطا، أو على الأرجح توزيع الأدوار بينهما، بأن يتحدث القائد البرهان بلسان، ويعقبه المساعد ياسر بحديث مغاير، وربما يذهب آخرون إلى تفسير ثالث لهذه الظاهرة المرضية بأن قيادات الجيش مصابة بداء الشيزوفرينيا، وتتعامل بوجهين ولسانين، أو أن (الدرب رايح عليها) فلا تدري أي طريق تسلك، وتظل تراوح مكانها، ولكن قبل أن نقف على التناقض الذي حدث بين البرهان والعطا، لا بد من وقفة على المثال الذي اخترناه من بين عديد الأمثلة كشاهد ودليل على هذه الحالة العبثية، فالمعلوم بداهة وفي كل بلاد الدنيا أنه عندما يحين موعد مناسبة وطنية ما في أي بلد، فإن أكبر رأس في هذه الدولة هو من يلقي خطاب الحكومة بهذه المناسبة وهو من يتلقى التهاني من رؤوساء الدول الأخرى والبعثات الديبلوماسية الخ، وإن كان ولا بد لسبب ما أو ظرف ما لم يتسن للرئيس إلقاء الخطاب الطبيعي أن ينوب عنه نائبه وهو في حالتنا هذه الفريق شمس الدين كباشي، وليس ياسر العطا.

ولكن الذي حدث في بلادنا هذه الموبؤة بهذه الحرب الفاجرة كان أمرا مفارقا وشاذا، حيث ألقى من يفترض أنه رأس الدولة وقائد الجيش الفريق البرهان كلمة بمناسبة ذكرى استقلال السودان، وإلى هنا الأمر عادي ومعتاد ومألوف ومتبع برتوكوليا في كل الدنيا غض النظر عما جاء في الخطاب، بيد أن الغريب وغير العادي وغير المعتاد والمألوف والخارق للبرتوكول الرسمي، أن مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا الذي يحل ثالثا حسب التراتبية العسكرية وعضو مجلس السيادة وهو بهذا التوصيف مرؤوس للبرهان رئيس المجلس، أعقب رئيسه في الجيش، وفي مجلس السيادة البرهان بإلقاء خطاب آخر بمناسبة ذكرى الاستقلال، وليته كان خطابا متسقا ومتناغما مع خطاب رئيسه البرهان، ولكن للعجب جاء خطابه مختلفا ومخالفا وكأنما أراد بخطابه هذا أن يغالط ويناقض ويدحض بعض ما ذهب إليه رئيسه البرهان في خطابه بأن يقطع عليه الطريق، وهذه والله من الناحية الإجرائية الشكلية فضيحة تكشف إلى أي مدى تعيش البلاد حالة من الفوضى والعبث وحالة اللا دولة.

أما من ناحية مضمون ومؤدى خطاب العطا، فذلك ما يكشف بلا مواربة أن من يقود البلاد، ويقرر في شؤونها ليسوا هم قيادات الجيش أو مجلس السيادة، وإنما هي جهة أخرى تدير البلاد من وراء ستار، وان مخلب قط هذه الجهة هو الفريق ياسر العطا، حتى إذا ما انحرف البرهان نوعا ما من مسار وأهداف هذه الجهة، سارع وكيلها ياسر العطا لتصحيح هذا المسار وإعادة البرهان إلى الجادة بتصريح أو خطاب مناقض وداحض لما ذهب إليه البرهان، وقد تكرر هذا الموال كثيرا، ويمكننا أن نحصي العشرات منه فالتوثيق جاهز والاراشيف حاضرة..

فماذا يا ترى قال ياسر العطا، وخالف فيه خطاب البرهان، الشاهد أن كلا الخطابين خطاب البرهان وخطاب العطا جاءا في توقيت تواترت فيه الإخبار عن وساطة مصالحة مع الإمارات تقودها تركيا طرحها على البرهان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي معه، ومبادرة أخرى تقودها مصر ذكرها وزير المالية جبريل إبراهيم، ففي الوقت الذي اتسم فيه خطاب البرهان كعادته بالمناورة والمراوغة للمجتمع الدولي والإقليمي، ولم يأت فيه على ذكر دولة الإمارات بخير أو شر وهو الموقف الذي التزمه منذ بداية الحرب وحتى الآن، مما يشي بقبوله ضمنا للوساطة التركية، والمراوغة والمناورة والمداورة وشراء الزمن والتلاعب به خسيسة، ولا نقول خصيصة موروثة من عهد الإنقاذ البائد.

من جهته شن مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا هجوما عنيفاً على الإمارات ويوغندا. وهدد العطا في كلمته رئيس الإمارات محمد بن زايد الذي وصفه بشيطان العرب بالوصول إليه في عُقر داره وقطع يده، كما أعلن العطا شروطا لإصلاح العلاقات مع الإمارات من بينها دفع التعويضات للسودان عن كل ما دمرته الحرب، ودفع الديات للقتلى والمغتصبات وغيرهم من الضحايا وإعادة أموال الدعم السريع في الخارج.

وطالب الإمارات بإعادة من وصفهم بالمرتزقة إلى بلادهم، وكان ياسر العطا قد قال هذا الذي قاله مستبقا حتى المبادرة التركية نفسها، حيث كانت حينها المبادرة التركية في طي الغيب مجرد فكرة لم يعرف كنهها ولا مضمونها، وهذا الذي درج عليه ياسر العطا هو خطاب كيزاني إنقاذي معروف يذكر بما كان عليه ديك الإنقاذ الرائد يونس محمود، حين كان يكيل السباب والشتائم للمملكة العربية السعودية، ويصف ملكها عامئذ الملك فهد ب(الفهد المروض)، ويبدو جليا مراد وهدف ياسر العطا من خطابه لقطع الطريق على المبادرة التركية، ونسفها قبل بدئها ومعرفة محتواها، وكأنما أراد من ناحية ثانية أن يفرض رؤاه على الأتراك لتتضمن مبادرتهم ما ذكره، ولكن بالطبع لا يمكن لأيما رئيس دولة راشد وعاقل أن يتبنى الهراء الذي تلفظ به ياسر العطا. إن هذا الذي درج وداوم عليه ياسر العطا لإثبات كونه أكبر (صقور) شلة بورتسودان، وتصديه لـ(شيل وش القباحة)، وحرصه على الظهور الإعلامي كلما لاحت في الأفق مبادرة أو محاولة لوقف الحرب فيهاجمها ويعلن رفضهم لها، ويضع البرهان أمام الأمر الواقع.

أو لعله يعجبه أن يكون صعلوك الجيش والحكومة على قول القيادي الإسلامي المرحوم يس عمر الإمام (لكل حزب صعلوك وأنا صعلوك الجبهة الاسلامية).. فهل تعاني حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وقيادة الجيش، داء الشيزوفرينيا وتتعامل بشخصيتين اعتباريتين في داخلها، جزء منها يمثل شخصية دكتور جيكل والجزء الآخر مستر هايد كما في الرواية العالمية للأديب الاسكتلندي روبرت لويس (دكتور جيكل ومستر هايد)، أحدهما يمثل جانب الخير، بينما يمثل الأجانب الشر، الله أعلم ولكن الثابت أن ياسر العطا وبشواهد عديدة يمثل الكيزان..

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: یاسر العطا

إقرأ أيضاً:

دبلوماسية الصمت

لفت نظري في اللقاء الذي جمع بين رئيس المجلس السيادي الانتقالي .القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والرئيس التركي رجب طيب أوردغان على هامش أعمال ملتقى أنطاليا ـ النسخة الرابعة ـ ما لفت نظري وبعيدا عن ملخص التصريحات الواضحة والقطعية للرئيس التركي بشأن تطورات الأحداث بالسودان والثوابت التي أقرها .لفت نظري التشكيل الكامل بما يمكن إعتباره (الكابنيت) القيادي للحكومة التركية إذ حضر مع الرئيس التركي هاكان فيدان وزير الخارجية ( المنتقل للوزارة من رئاسة جهاز المخابرات ورجل الشفرة عند اوردغان خاصة في الملفات الخارجية ) وشارك يشار غولار وزير الدفاع ( رئيس الأركان السابق) . وبينهما بروف خلوق جورقون رئيس الصناعات الدفاعية وحضر البارسلان بايركتار وزير الطاقة والموارد . ثم ابراهيم كالن مدير المخابرات (مستشار الرئيس ) وجاء فخرالدين ألتن مدير دائرة الاتصالات ثم عاكف شاتاي وزير الشباب و سفر توران كبير مستشاري الرئيس التركي (خلفيته صحفية وهو عراب التمدد التركي بالإعلام الناطق بالعربية)
2
وحسب ما تابعت وتقصيت بشأن برامج اللقاءات الأخرى للزعيم التركي فقد تميز اللقاء مع البرهان بالتمثيل التركي النوعي وبتشكيلة مسؤولين يتوزعون بين القبعات العسكرية و الاقتصادية ـ وهي مترابطة في النظام التركي ـ مع وجود رمزية التمثيل السياسي لحزب العدالة .وهذا جملة يعني أن اللقاء مع السودان شمل دائرة القرار الأول والفوري فضلا عن كافة المراجع في جلسة واحدة وهي إشارة مهمة للتوقف عندها لأن حتى بقية اللقاءات الأخرى مع الوفود اقتصرت على تمثيل وجهه دبلوماسية وحتى هذه تمت في لقاءات أخرى مع وفود أخرى بمستوى حضور الرئيس التركي في غياب وزير خارجيته . أو التقاء وزير الخارجية منفصلا مع بعض الرؤوساء .
3
تركيبة النظام التركي الصارمة والضابطة للمؤسسات لا يمكن أن تنتج مثل هذا اللقاء مع السودان بهذا التمثيل ثقيل الوزن
لتقديرات المجاملة في بلد يدير مصالحه وفق نهج الواقعية والحسابات الدقيقة الخالية من الكسور والبواقي وهو ما يعزز عندي أن تركيا حزمت أمرها تجاه السودان ضمن مشروع بالضرورة يتعلق بملف أفريقيا ككل والسودان كنقطة مهمة وهو ما يتكامل بالضرورة وتقديرات مماثلة من القيادة السودانية بشأن مصالح السودان على المديين القصير والطويل وأفضلية الخيارات المتاحة من فرص بناء التحالفات على قاعدة Win-win . خاصة أن السودان جملة كروت بحكم موارده ووضعه الجغرافي ووقوعه في نطاق إقليم ومنفتح مياه حيث تمتد تطلعات الأتراك لمشروع خاص لأفريقيا اتجهت له منذ العام 2005
4
قطعا ومؤكد أن جلوس اوردغان إلى البرهان بكامل كروته و(جواكره) وبحملة الأختام وأوراق الإستراتجيات وبجمع يضم أصحاب القرار السياسي والعسكري تم بناء على نقاشات عميقة ومرتبة و(بصبر) وعلى نسق إدارة البرهان لملفاته بالصمت وطولة البال وأهداف الدقيقة 90 . دبلوماسية الصمت ووضع السكون . فما حدث فيما أظن لم يكن لقاء صنعه برتكول لقاء على هامش محفل
محمد حامد جمعة نوار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حميدتي يكشف عن حل وحيد يطرحه البرهان ويتهم الجيش بإغلاق كل الطرق السلمية
  • دبلوماسية الصمت
  • ياسر برهامي يكشف سبب تغير موقف الدعوة السلفية من عملية طوفان الأقصى - فيديو
  • إيدي كوهين استشهد بكلامي.. تصريحات جديدة من ياسر برهامي بشأن حرب غزة
  • الدكتورة أمل جمال تكتب: سحر الواقع وشخصيات من لحم ودم.. قراءة في حكايات ياسر الغبيرى "ليالي الطين"
  • ياسر قورة: الأحزاب الجديدة سيكون لها دور في انتخابات مجلس النواب القادم
  • ياسر البخشوان: جولة السيسي الخليجية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني
  • شايف حملة ممنهجة اليومين ديل ضد منّاوي
  • العدوان الإسرائيلي الشامل على غزة وتداعياته المدمرة في ضوء خطاب السيد القائد
  • من هو عبد الله البلوشي الذي شكره محمد بن راشد على حسن وداعه لمسافرة