في ظل عالم مُضطرب يشهد تصاعدًا في التحديات الأمنية والاقتصادية، برز عام 2014 كفترة مفصلية تواجه فيها الدول صعوبات كبيرة في مواجهة ثالوث الفساد والجريمة المنظمة والإرهاب. في هذا السياق، قدمت لويز شيلي كتابها "Dirty Entanglements: Corruption، Crime، and Terrorism"، الذي (التشابكات القذرة: الفساد والجريمة والإرهاب) يعالج هذه التشابكات المعقدة بين الظواهر الثلاث، محللةً تأثيراتها المدمرة على الأمن العالمي، ومعترفةً بأن تلك الحقبة كانت شاهدة على تنامي التحديات التي تهدد استقرار الدول.

يقدم الكتاب، حلولًا واقعية للتصدي لهذه الظواهر المتشابكة، مع تسليط الضوء على أوجه القصور في التعامل الدولي مع تلك القضايا.

في البداية توضح الكاتبة لويز إيزوبيل شيلي، التي تعمل أستاذة في كلية السياسة والشؤون الدولية بجامعة جورج ماسون بولاية فيرجينيا الأمريكية ومديرة تنفيذية لمركز مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والفساد، توضح أن الفساد ليس مجرد ظاهرة منفصلة، بل عامل رئيسي يُمكّن الجماعات الإجرامية والإرهابية من التغلغل في الأنظمة السياسية والاقتصادية للدول عبر أساليب كالرشوة والمحسوبية.

يشير الكتاب، الذي صدرت طبعته الأولى في يوليو 2014 من مطبعة جامعة كامبريدج، إلى أن الفساد يعوق قدرة الحكومات على مكافحة الجريمة الجنائية والإرهاب، حيث يتعاون بعض المسؤولين الفاسدين في عدد من الدول مع الجماعات الإجرامية لتحقيق مصالح شخصية على حساب الأمن العام، هذا الفساد يجعل عمليات المكافحة أكثر تعقيدًا وصعوبة.

يتناول الكتاب أيضًا أوجه التشابه والاختلاف بين الجريمة الجنائية المنظمة والإرهاب، حيث تعتمد كلا الظاهرتين على أساليب تمويل وتجنيد وتشغيل متقاربة، فعلى الرغم من أن الإرهاب غالبًا ما يُنظر إليه كأيديولوجيا سياسية أو دينية، فإن الواقع يكشف عن أن التنظيمات الإرهابية تتبنى أساليب شبيهة بتلك التي تستخدمها عصابات الجريمة الجنائية المنظمة. تشمل هذه الأساليب الأنشطة غير المشروعة مثل تهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، وغسل الأموال، التي تشكل شبكة من المصالح المشتركة بين هذه الجماعات.

لويز شيلي

تشير الكاتبة إلى أن تهريب المخدرات وحده يدر مليارات الدولارات التي تُستخدم لتمويل أنشطة الإرهاب. وتبرز أدوار الدول الفاشلة أو التي تعاني من ضعف الحوكمة في دعم الإرهاب، حيث تسمح هشاشة أنظمتها بازدهار الأنشطة الإجرامية، ما يؤدي إلى تداعيات تتجاوز الحدود.

من بين أبرز المحاور التي يناقشها الكتاب مصادر تمويل الإرهاب، إذ تشرح شيلي كيف تعتمد التنظيمات الإرهابية على التبرعات، والتهريب، والأنشطة التجارية غير المشروعة. تضيف أن هذه التنظيمات، مثل "داعش"، استغلت الموارد المالية لتوسيع نفوذها وتنفيذ عملياتها عالميًا. ويُعد التمويل تحديًا كبيرًا لمكافحة الإرهاب، حيث أصبحت التنظيمات أكثر قدرة على تفادي الرقابة المالية باستخدام تقنيات مثل العملات المشفرة.

توضح الكاتبة أيضًا كيف يوفر الإنترنت المظلم (Dark Web) والعملات المشفرة للإرهابيين منصات آمنة وسهلة الاستخدام لجمع ونقل الأموال، مما يجعل تتبعها أكثر تعقيدًا. ترى شيلي أن هذه التقنيات تُعدّ عقبة أمام الرقابة الحكومية، مما يؤكد الحاجة إلى استراتيجيات حديثة لمواجهة هذا النوع من التحديات.

من الجوانب الأخرى التي يناقشها الكتاب تجارة الأسلحة والمواد المحظورة، التي تمثل مصدرًا رئيسًا لتمويل الجماعات الإرهابية. تستفيد التنظيمات الإرهابية من هذه التجارة لتنفيذ عملياتها، حيث يوضح الكتاب أن جماعات مثل "القاعدة" و"داعش" استفادت بشكل كبير من تجارة الأسلحة لتحقيق أهدافها.

تناقش الكاتبة أيضًا استخدام الجماعات الإرهابية لعمليات غسل الأموال لتصفية الأموال الناتجة عن الأنشطة غير المشروعة. وتبرز كيف أن هذه الجماعات تستغل الأسواق غير المنظمة لتضليل السلطات واختراق الأنظمة المالية الرسمية.

في مواجهة هذه التحديات، قدمت شيلي في كتابها Dirty Entanglements: Corruption، Crime، and Terrorism (التشابكات القذرة: الفساد والجريمة والإرهاب) مقترحات لتعزيز التعاون الدولي بين الحكومات، وتطوير الأنظمة القضائية والمالية، وتعزيز الشفافية. تؤكد أهمية رفع وعي المواطنين بمخاطر الفساد، الذي يشكل المدخل الأساسي للجريمة والإرهاب، حيث يمثل الفساد البوابة التي تمر عبرها الأنشطة الإجرامية والإرهابية، وعندما تضعف المؤسسات الحكومية وتنتشر الرشوة، تصبح الدول أرضًا خصبة للجريمة الجنائية والإرهاب، كما يسلط الكتاب الضوء على أهمية ت…

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الفساد والجریمة

إقرأ أيضاً:

شكوكو.. الفنان ذو القبعة والجلباب الذي حظي باحترام الكتاب والمثقفين

في زمنٍ كانت فيه الفنون الشعبية في مصر تُمثّل نبض الشارع، سطع نجم محمود شكوكو الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، فنان المونولوجات والتمثيل الشعبي، ليغدو ظاهرة ثقافية لا تقل تأثيرًا عن كبار الأدباء والمفكرين في عصره، لم يكن مجرد مؤدٍ ساخر أو مطرب خفيف الظل، بل كان جسرًا بين الفن الشعبي والمثقفين، وعنوانًا لتلاقي الثقافة العالية بالوجدان الشعبي.

ولد محمود شكوكو في حي الدرب الأحمر عام 1912، وتدرّج من نجارة الموبيليا إلى خشبة المسرح، ثم إلى أفلام الأبيض والأسود، لكنه لم يقطع صلته يومًا بالناس البسطاء، وهو ما جعل المثقفين يرونه تجسيدًا حقيقيًا "لفن الشعب".

كانت علاقته بالوسط الثقافي المصري متينة ومميزة، فخلف قبعته الشهيرة وجلبابه البلدي كان هناك فنان يتمتع بذكاء فطري، جعله يحظى باحترام الكتاب والمثقفين، أُعجب به نجيب محفوظ الذي قال عنه: "شكوكو عبقري المونولوج الشعبي"، وكان توفيق الحكيم يشير إليه في بعض مقالاته بوصفه "صوتًا للفطرة المصرية"، لم تكن شهادات التقدير تأتيه من المؤسسات الرسمية فحسب، بل من جلسات الأدباء في مقهى ريش، ومن كتابات الصحفيين الكبار مثل أحمد بهاء الدين ومصطفى أمين.

لم يتوان شكوكو عن المزج بين فنه والحركة الثقافية؛ فشارك في أعمال فنية كانت في جوهرها نقدًا اجتماعيًا لاذعًا، واستخدم المونولوج كمنصة لطرح قضايا سياسية واقتصادية، بل وأخلاقية أحيانًا، وهو ما جذب انتباه المفكرين الذين رأوا فيه "فنانًا مثقفًا بالفطرة"، كما وصفه الدكتور لويس عوض.

كما كانت له علاقة وثيقة برجال المسرح والثقافة، أبرزهم زكي طليمات ويوسف وهبي، اللذين دعماه فنيًا في بداية مشواره المسرحي، ورأيا فيه طاقة إبداعية قابلة للتطوير، بعيدًا عن النمطية. حتى عندما دخل السينما، لم يفقد علاقته بالمثقفين، بل صار حضوره في الندوات والصالونات جزءًا من المشهد الثقافي، رغم اختلاف أدواته عن الآخرين.

ولعل واحدة من أبرز مظاهر علاقته بالمثقفين كانت "عروسة شكوكو"، التي ابتكرها بنفسه لتجسيد شخصية المواطن المصري البسيط، والتي أصبحت تيمة فنية أثارت اهتمام رسامي الكاريكاتير والكتّاب، بل كتب عنها صلاح جاهين نصًا في مجلة "صباح الخير"، معتبرًا إياها تجديدًا في خطاب الفنون الشعبية.

كما ساهم شكوكو في إطلاق فن "المنولوج السياسي" بشكل غير مباشر، ملهمًا أجيالًا من فناني الكلمة والغناء السياسي الساخر، مثل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم لاحقًا.

ورغم ما حظي به من شهرة شعبية، إلا أن صلاته بالوسط الثقافي ظلّت أكثر عمقًا مما يظنه كثيرون، وظل اسمه يتردد حتى بعد رحيله عام 1985، باعتباره فنانًا شعبيًا مثقفًا بالفطرة، يستحق أن يُدرس كحالة نادرة في تاريخ الثقافة المصرية الحديثة.

طباعة شارك محمود شكوكو فنان المونولوجات التمثيل الشعبي ظاهرة ثقافية كبار الأدباء والمفكرين

مقالات مشابهة

  • أسرار مثيرة: تمارين شاقة وأطعمة مدهشة في حياة 7 نجوم بوليوود
  • هيئة الكتاب تُشعل المشهد الثقافي في 2025.. إصدارات تغوص في عمق التاريخ وتُعيد وهج الأدب
  • شكوكو.. الفنان ذو القبعة والجلباب الذي حظي باحترام الكتاب والمثقفين
  • وزير العدل يلتقي وفداً من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
  • أحداث عالمية متسارعة.. بين الكوارث والأزمات وقضايا الفساد والجريمة
  • ماذا بعد معرض الكتاب؟!
  • هل نحتاج الكتاب اليوم؟
  • لفتيت يعلن قرب الحسم في النظام الأساسي لموظفي الجماعات
  • معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرائيلي
  • محمود حميدة: اللي بيعمل فيلم عن المخدرات والإرهاب ويقول بقاوم الظاهرة دي كذاب