النسيج الاجتماعي.. لا يكتفي بالتكوين الذاتي
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
يُنّظَرُ إلى مفهوم النسيج الاجتماعي على أنه مفهوم معقد، يكتنفه الكثير من الغموض سواء في التعريف أو الدلالة، ربما التعريف قد يكون أكثر تبسيطا من الدلالة، وذلك لأن الدلالة يشوب تعقيدها مضامين العلاقات التي تكون بين فئات المكون الاجتماعي، ومشكلة العلاقات أنه يصعب ضبطها وفق منهج معين، لأنها خاضعة للقناعات، وللمصالح، وللظروف الآنية، ولتراكم الصور الذهنية السابقة والناتجة من ذات العلاقات، فالذاكرة تلعب دورا محوريا في مسألة تخزين الصور الذهنية بما فيها الصور النمطية التي تبقى عالقة في الذهن، ويصعب نسيانها أو إزالتها حيث تحتاج إلى زمن ليس يسيرا بالمطلق، وهذا مما يراكم الشعور بالهزيمة كلما أراد الإنسان أن يستعيد شيئا من حيوية العلاقات مع الآخر، وكلما أراد أن يستقيم تلقى صفعات الذاكرة، أن فلان أو مجموعة من الناس كانوا كذا، وكان موقفهم كذا، ولا ينبغي الاستسلام لكذا.
فمن شأن هذه الأحداث أن توحد أبناء المجتمع، وتُحَيِّدَ مجموعة الاختلافات المتموضعة طوال الزمن، وتجبر كسر الخواطر، وتتسامى على الصغائر مما اقترفته الأيدي والألسن، والأرجل، حيث تعود تلك الصورة الناصعة البياض لجمال الأخوة والتآزر والتعاون والتوافق، فالأحداث الجسام على الرغم من قسوة تأثيرها على الناس، تظل بمثابة البلسم الذي يرمم جروح العلاقات بين الناس، وبذلك يتعزز النسيج الاجتماعي بين المجموعات، فتصبح في لحظة زمنية فارقة على كلمة رجل واحد، ومتى وصل حال المجتمع إلى هذا المستوى من التحقق أصبح ذلك بمثابة الأمر الملزم للجماعة كلها المحافظة على هذا الإنجاز على أقصى قدر ممكن من عمر المجتمع، ولنا في الحديث الشريف مبلغ الأثر، والعبرة والحكمة، فعن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميعا على رجل واحد، يريد يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه»- رواه مسلم – بحسب المصدر.
يتشكل هيكل النسيج الاجتماعي من سلسلة تبدأ بالفرد، مرورا بالأسرة والمجتمع، وصولا إلى المكون الاجتماعي الكبير للدولة ككل، ومن خلال هذه السلسلة يتجسد المعنى العام للنسيج الاجتماعي، وهو في حقيقته حالة ذهنية، وليست مادية يمكن نقلها من مكان إلى آخر، ولأنها حالة تختزنها الحاضنة الذهنية، بالتالي يصعب تصويب مساراتها بصورة ممنهجة بالتي يراد لها أن تكون لأنها خاضعة للقناعات والتصرفات الفردية كما جاء أعلاه ولكن يمكن الدفع إلى تعزيزها من خلال الخطط والبرامج الذاهبة إلى تعزيز البنى الاجتماعية، وربط ذلك بالمصلحة العامة التي تهم الجميع، فوجود مؤسسات اجتماعية فاعلة في المجتمع من شأنها أن تعزز النسيج الاجتماعي؛ لأن كل فرد في المجتمع يهمه كثيرا أن يكون مجتمعه متعاونا، ومتآزرا، يكرم فيه الفرد، ويعز دوره، ويشعر أن هناك حاضنة اجتماعية ترعى مصالحه، وتعمل على تنمية الدور الذي يقوم به بين أحضان المجتمع، ولذلك تسعى الأنظمة السياسية الفاعلة والمحركة لديناميكيات المجتمعات التي تديرها إلى استحداث برامج وأنشطة تعمل على تعزيز الدور الذي يقوم به أبناء المجتمع لتحريك الساكن داخل مجتمعهم من خلال أنشطة اجتماعية مختلفة، وبرامج خدمية يلمس أثرها الفرد في المجتمع، وتشعره أنه جزءا منها، وأن عليه المحافظة عليها، وتعظيم دورها، خدمة له، ولأبنائه، وللمجتمع المحلي من حوله، حيث تتوغل هذه الأنشطة بصورة غير مباشرة في وجدان الناس، فتشعرهم بأنهم ذو قيمة معنوية في وسطهم الاجتماعي، وأنهم جزء لا يتجزأ من عملية البناء والتنمية، وإلا لما كان لهذه البرامج من وجود، وبالتالي ينقلهم هذا الشعور إلى التكاتف والتعاون أكثر، فيكون عائد ذلك كله هو تعضيد النسيج الاجتماعي، وتقويته، أما إذا لم ينتبه النظام السياسي لذلك، وترك الحبل على الغارب، تتقصى النخب المترصدة لأحوال المجتمعات مصالحها الخاصة فيه، وسط غفلة الآخرين، فإن ذلك بلا شك سوف يفت من عضد النسيج الاجتماعي، فيصبح أفرادا وجماعات يأكل بعضهم بعضا، وبذلك يتعرض الانتماء الاجتماعي إلى كثير من الخلل البنيوي، غير المرغوب، وغير المستساغ في البناءات الاجتماعية القائمة على التآزر والقوة، وهذه مسألة مهمة، فالوطن دائما وأبدا يتقوى باللحمة الاجتماعية، ويرى فيها تحقيق مشاريعه الوطنية السامية.
ينظر إلى استثمار العلاقات بين مكونات المجتمع من أنجح الوسائل لتعزيز قوة وتأثير النسيج الاجتماعي على امتداد مظلته الاجتماعية، ولعل ما يأخذ الراية ابتداء هنا هو علاقات النسب، والمصاهرة، ومن هنا نستشف الإشارة الربانية من لدن المولى عز وجل في هذا الاتجاه في قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) – الآية (13) من سورة الحجرات -. فهذه المعرفة «مجموعة العلاقات» هي التي تقوم عليها فكرة بقاء وحيوية النسيج الاجتماعي، لأن المعرفة هي التي تحمل كل طرف من طرفي المعادلة المسؤولية الذاتية في الحرص على الآخر، ومراعاة مصالحه، وللشعور الفطري بتحقق المؤازرة لكلا الطرفين، فالإنسان يتعزز بمن حوله، ويجد فيه النصرة في حالات الشدة والنصح والإرشاد في حالات الرخاء، ويكفي أن تجد من حولك في حالات ضعفك يحيطونك، ويواسونك، ولو على سبيل المجاملة، فالمهم أن تجد أن هناك أناس حولك، وأنك لست مقطوعا من شجرة، وأن هنا بالفعل شجرة تستظل بظلالها الوارفة من الرعاية والعناية، والـ «طبطبة» الحانية على ذاتك المرتبكة وخاصة في ساعة لحظات الأحداث المؤلمة، والمزلزلة لأركان الثبات والصبر، وكما يقال: «المرء في المحنة عي» والإعياء هنا هو التشتت والارتباك، وعدم القدرة على لملمة أشلاء الشعور المتناثرة على أرصفة الألم والحزن، فكم تتماهى كل هذه الأعباء المعنوية عندما تجد أن هناك من يحيط بك من كل اتجاه يواسونك ويؤازرونك، ويشدون من عضدك في لحظات العسرة.
يؤدي المكون الأخلاقي الإيجابي الذي تعكسه مجموعة العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع دورا محوريا في تعزيز النسيج الاجتماعي، وتقويته، لكي يحافظ المجتمع بكل أطيافه على تماسكه، وتآزره، وتعاونه، وتكامله، حيث يتمثل هذا المكون في مجموعة من الممارسات، والاشتغالات التي يقوم بها الأفراد بين بعضهم البعض، فالمسألة لا تقتصر على التوافق المعنوي بين الأطراف، فلا بد أن يترجم ذلك على أعمال وأنشطة، تشعر كل الأطراف بأن هناك شيئا فاعلا في هذه العلاقات، فجملة «الصديق وقت الضيق» لم تأتِ من فراغ، وإنما هي ضرورة ملحة لاستقامة النسيج الاجتماعي بين الجماعات والأفراد، فالتفكير في الآخر، ولو كان بعيدا عنك، واستحضار هيئته كفرد، واستحضار حاجته كإنسان، يصنف في ذروة سنام النسيج الاجتماعي، ومن هنا تجد فلان من الناس آت إليك: لزيارة لتأدية غرض ما لمؤازرة لطلب حاجة، لمناقشة أمر ما يخصه، أو يخصك، فهذا المشوار الذي قطعه لكي يصل إليك لم يأت من فراغ، وإنما يأتي توظيفا لشعور أقلق صاحبه حتى وصل إلى عندك، هذا الشعور هو من صميم مكونات هذا النسيج، ومن حقيقة هذه الـ «اجتماعية» فهنا المسألة تعكس بعدا موضوعيا في العلاقة في غاية الأهمية، وليس شكليا فقط، فالشكلية متحققة من الأساس في الهيكلية، (مجتمع به أفراد يجمعهم محيط أسري في بقعة جغرافية محددة) فالموضوعية هي من يعضد حقيقة النسيج الاجتماعي، ويعلي من شأنه مستوى تفاعلاته بين أفراد المجتمع الواحد، وقد ينظر البعض إلى ضرورة تحقق شيئا من الانسجام بين المجموعة الواحدة لكي يؤدي النسيج الاجتماعي دوره الأكبر، ويذهب مفهوم الانسجام إلى مجموعة منها: اللغة، القيم والعادات، وعلاقات النسب، ولكنني لا أزكي «الانسجام» على أنه أمر مهم جدا في إعلاء بنيان النسيج الاجتماعي.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النسیج الاجتماعی أن هناک
إقرأ أيضاً:
رابط الاستعلام نتيجة شقق الإسكان الاجتماعي 2024 (سكن لكل المصريين 5)
أعلن صندوق الإسكان الاجتماعي والتمويل العقاري، إتاحة الاستعلام عن نتائج تخصيص شقق الإسكان الاجتماعي 2024، ضمن مبادرة «سكن لكل المصريين 5»، لمنخفضي ومتوسطي الدخل والتي تشمل نحو 78.730 وحدة سكنية في مختلف الأماكن، بمساحات تبدأ من 75 متر مربع.
وأطلقت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مبادرة «سكن لكل المصريين 5»، لتوفير وحدات سكنية ملائمة للشباب والأسر المصرية في مختلف الأماكن، وذلك ضمن الجهود المبذولة للوزارة لدعم المواطنين بتوفير السكن المناسب بشروط ميسرة وتقسيط مرن.
ومن جانبها قالت مي عبد الحميد، الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي والتمويل العقاري، إن نتيجة شقق الإسكان الاجتماعي 2024، ستُرسل عبر رسائل نصية قصيرة «SMS»، على رقم الهاتف المحمول المسجل مع المستندات المقدمة من قبل المواطن، وتحتوي الرسالة إما على القبول مع تعليمات استكمال الإجراءات، أو الرفض مع توضيح السبب.
وبدأ الإعلان عن نتائج القرعة منذ 8 فبراير 2025، حيث يتم طرح النتائج تدريجيًا حسب المناطق التي تقع بها الوحدات السكنية، وعلى جميع المتقدمين متابعة الموقع الإلكتروني الرسمي باستمرار للحصول على آخر التحديثات.
وأوضحت وزارة الإسكان إلى خطوات الاستعلام عن نتئاج تخصيص شقق الإسكان الاجتماعي 2024، ضمن مبادرة «سكن لكل المصريين 5»، ومتمثلة في الخطوات الآتية:
- الدخول على صندوق الإسكان الاجتماعي والتمويل العقاري، بالضغط هنــــــــا.
- اختيار أيقونة «الاستعلام عن طلبات التخصيص»، من الواجهة الرئيسية للموقع.
- ثم تحديد المشروع الذي قمت بالتقديم به، وهو «سكن لكل المصريين 5».
- ثم كتابة الرقم القومي للمستعلم.
- وفي الخطوة الأخيرة اضغط على «استعلام»، لمعرفة نتيجة التخصيص.
وأشارت وزارة الإسكان إلى آلية التعرف على أسباب الرفض والاستبعاد من تخصيص وحدة سكنية ضمن مبادرة «سكن لكل المصرييين 5»، والتي جاءت كالآتي:
- يمكن للمواطنين معرفة آلية أسباب الرفض والاستبعاد من خلال الصفحة الرسمية لـ صندوق الإسكان الاجتماعي بموقع «فيسوك».
- أو من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بالصندوق، وذلك من خلال الضغط هنـــــــا.
- أو التواصل مع منصفة الشكاوى والمقترحات، من خلال الضغط هنــــــا.
- أو التواصل عبر خدمة عملاء الصدنوق عن طريق الأرقام الآتية: «5999 - 5777 - 1188 من أي تليفون محمول»، أو من أي خط أرضي على الرقم التالي: «090071117».
- وأخيرًا يمكن التوجه لمراكز خدمة العملاء بأجهزة المدن المختلفة: «جهاز مدينة 15 مايو - جهاز مدينة دمياط الجديدة - جهاز مدينة السادات - جهاز مدينة أسيوط الجديدة - الجهاز التنفيذي لمشروع إسكان الشباب بمدينة الشروق - جهاز مدينة الصالحية الجديدة - مديرية الإسكان بالوادى الجديد».
- الدخول على موقع صندوق الإسكان الاجتماعي، من هنــــــــا.
- اختيار أيقونة «تقديم تظلم»، من الواجهة الرئيسية للموقع.
- ثم اختر تثديم تظلم أو تظلم على طلب حجز شقة.
- أكتب الرقم القومي الخاص بك.
- وأخيرًا أدخل رقم طلب الحصول على الوحدة السكنية الذي تم تقديمه سابقًا.
- المتزوج ولا يعول.
- المتزوج ويعول.
- المطلقة أو المطلق ويعول.
- الأعزب ويشمل المطلق ولا يعول، الأرمل ولا يعول، الأرملة ولا تعول، المطلقة ولا تعول.
- الأرملة أو الأرمل ويعول.
- الأولوية للأسرة الأقل عددًا.
-الأولوية تُمنح للأسرة ذات العدد الأقل، وفي حالة تساوي العدد تكون الأولوية للأكبر سنًا.
اقرأ أيضاًرابط الاستعلام عن نتيجة شقق الإسكان الاجتماعي «سكن لكل المصريين 5»
متى يبدأ التقديم على شقق الإسكان 2025 بمدينة العبور؟ «تفاصيل»
شقق الإسكان 2025.. طريقة حجز وحدات سكنية كاملة التشطيب بالعبور