«فيلم أرض الظل» .. أصداء الماضي تلاحق الرئيس
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
فـي خريف الحياة والعمر، هنالك فرصة لاسترجاع الماضي والذكريات فضلا عن استرجاع أثر القرارات والمواقف التي تلامس حياة الآخرين، من هنا تتشكل مواقف الكثير فـي ذاكرة صناع القرار خاصة الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين شهدنا أفلامًا تتحدث عن تلك المنعطفات الخطيرة فـي حياتهم ونذكر من ذلك أفلام مثل هايد بارك على نهر هدسون الذي يحكي جوانب من سيرة الرئيس الأمريكي روزفـيلت ـــ 2012، وفـيلم أفضل الملائكة - 2014 عن سيرة الرئيس اراهام لينكولن وفـيلم أل بي جاي - 2017 عن سيرة الرئيس الأمريكي جونسون، وفـيلم ايلفـيس ونيكسون - 2016 عن الرئيس الأمريكي نيكسون وفـيلم باري - 2016 عن الرئيس باراك أوباما وغيرها من الأفلام المشابهة وكلها تقريبًا قدمت زعماء أمريكيين فـي حقب مختلفة خاضوا خلالها حروبًا وصراعات واتخذوا قرارات خطيرة واستثنائية.
فـي هذا الفـيلم نحن لسنا معنيين بتقديم سيرة رئيس من الرؤساء باسمه وسيرته وشخصه ولكن تقديم فصل من فصول شخصية افتراضية من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية يدعى روبرت وينرايت وهو يمر فـي مرحلة من أسوأ مراحل حياته، وقد اكتهل وفقد زوجته وها هو يعيش سنوات التقاعد فـي بيت ريفـي وسط مزرعة معزولة.
هذه الجغرافـيا المكانية سوف يتأسس عليها بناء سردي قائم على عدة خطوط ومسارات تلتقي كلها عند قضية أزمة الرئيس وهو يعاني من كوابيس لا تكاد تنتهي ومن شعوره بالهلع من شخص بشع الملامح يسكن فـي الغابة ويترصده، وعلى الرغم من تكرار تلك الكوابيس وادعاء مشاهدة شخص ما يترصده، إلا أن الأجهزة السرية المكلفة بحماية الرئيس تبقى عاجزة عن الوصول إلى أي شخص مشتبه به فـي نطاق تمشيط الغابة.
السرد الفـيلمي يقوم هنا على سلسلة مرويات هي أحلام وكوابيس لا خلاص منها بل إن الرئيس الافتراضي يقتدي بسيرة الرئيس الأمريكي السابق لنكولن وأنه هو الآخر كان يعاني من مثل تلك الكوابيس والأحلام المزعجة وأن الرئيس كان يفاخر بها وبأنها دلالة على عقل يقظ.
فـي موازاة ذلك ينسج السرد الفيلمي على واقعة مروعة وكارثية على فرض أن إحدى الولايات الأمريكية، ويطلق عليها افتراضًا اسم (أستوفـيا) وأنها وصلت إلى مرحلة من المروق والخروج على الاتحاد أنها صارت تمتلك سلاحا ذريا تهدد به وهنا سوف يكون الرئيس أمام نقطة مفصلية فإما تحري حقيقة تملك ذلك السلاح وإيجاد حل سياسي أو البدء فورًا بمعاقبة تلك الولاية من خلال رد عسكري سريع وبالغ القوة وهو ما سوف يلجأ إليه الرئيس بضغط من بعض مستشاريه.
هذا التحول فـي الدراما الفـيلمية سوف يتحول لاحقًا إلى بؤرة سردية مؤثرة ليس بالإمكان الخروج من نطاقها بغير المضي باتجاه استجلاء النتائج التي خلفها الرئيس وراءه باتخاذه القرار الذي خلف وراءه دمارًا هائلًا وضحايا لا تعرف أعدادها.
وبصدد هذا البناء الفـيلمي يذهب الناقد السينمائي جيم موزاريني من موقع فويس فروم بالكوني إلى القول، «بصراحة وأنا أشاهد هذا الفـيلم فكأنني أشاهد فـيلمًا قديمًا بما يكفـي مع أنني لن أتفاجأ من حقيقة أنه سيناريو فـيلم حقيقي كان قد كُتب فـي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهنالك جانب آخر جدير بالأهمية من خلال الإحالة إلى الماضي وهو أن الرئيس واينرايت، الذي فـي الفـيلم، يقترب من شخصية جورج دبليو بوش، وإذا استبدلت العراق بأستوفـيا، فإن الصلة تصبح أكثر وضوحًا، يضاف إلى ذلك التقارب بين اسم شركة بورتون غروب فـي الفـيلم مع شركة هاليبيرتون الشهيرة التي تخدم صراعات الإدارة الأمريكية فـي القطاع النفطي».
وتطرح القراءة النقدية والجمالية إشكالية البناء السردي للفـيلم من زاوية إمكانية التنبؤ بالأحداث بوصفها أحداثًا واقعيةً لها ما يشبهها على أرض الواقع فـي مسألة المضاهاة ما بين أستوفـيا / العراق، وبما فـي ذلك اتخاذ قرار الحرب مبنيا على حبكة ثانوية وهي تحدي السلاح وامتلاك سلاح التدمير الشامل.
هذه الإشكالية هي التي تدفعنا إلى التعمق فـي السردية القائمة على فكرة الفعل المبني على الدافع الخاطئ وهو ما سوف يتعرض له الرئيس الأمريكي من عمليات تضليل وفبركة للمعلومات فضلًا عن مصالح الدولة العميقة التي دفعت الرئيس إلى اتخاذ قرار الحرب.
أما إذا بحثنا فـي الخط السردي الموازي فإن بؤرته تتركز فـي شخصية الطبيب النفسي إيليوت -الممثل مارتن سوكاس وطليقته راتشيل- الممثلة رهونا ميرتا، هذا الثنائي كان بالفعل بؤرة سرد مواز، فالرئيس يستنجد بالطبيب النفسي الذي يعرفه منذ زمن لمساعدته فـي إيجاد تفسير ما للكوابيس التي تلاحقه واضطرابات النوم والشخصية البشعة التي تظهر أمامه بين حين وآخر.
من جهة أخرى وفـي نطاق البؤرة السردية نفسها هنالك شخصية راتشيل الصحفـية والمؤلفة المرموقة التي يريد الرئيس منها أن تكتب سيرته الشخصية من خلال كتاب يطرح فـي الأسواق ويبرر فـيه الرئيس لماذا اتخذ قرار الحرب ضد ولاية أستوفـيا.
ينجح المخرج بشكل ملفت للنظر فـي تنمية البؤرتين السرديتين المتوازيتين، تلك التي ترتبط بالرئيس بشكل مباشر والأخرى التي تكملها من خلال راتشيل وايليوت مع أن مسارًا سرديًا ثالثًا ما يلبث أن ينبثق فـي وسط تلك الأجواء المشحونة وهو الذي يرتبط بفريق العمل السري المكلف بحماية الرئيس والذي يثبت فساده وتواطؤه فـي كل ما عاناه الرئيس من كوابيس وشخصيات تظهر له فـي الليل وأنه كان يخطط للقضاء على الرئيس شخصيًا فـي سلوك انتهازي يلبي رفضا شعبيا لقرار الرئيس المتسرع بشن الحرب ومن جهة أخرى لكي لا تنكشف خيوط الدولة العميقة ممثلة فـي المستشارين الذين ورطوا الرئيس وأغرقوه بالمعلومات المضللة وضربوا شعبيته بسبب قرار الحرب.
من جهة أخرى، كان الخط السردي الذي يمثله الثنائي راتشيل/ إيلوت وكأنه منح المشاهد متنفسًا فـي وسط تصاعد الأحداث وتكرار كوابيس الرئيس، إذ نمت نقاط مشتركة جديدة بين الشخصيتين على الرغم من انفصالهما، إلا أن أزمة الرئيس وإخلاصهما له جمعت بينهما مجددًا مع أن ايليوت سوف يدفع من جراء ذلك ثمنًا باهظًا كاد أن يكلفه حياته بعد اكتشافه مؤامرة الحراسة الخاصة للرئيس وصلتها بالدولة العميقة التي تحالفت ضد الرئيس.
وقدم الفـيلم الشخصيات الثلاث، ممثلة بالرئيس وراتشيل وايليوت بشكل متميز ومعلوم أن الثلاثة هم ممثلون بارعون ولديهم منجز طويل من خلال التمثيل فـي عشرات الأفلام السينمائية وهم الذين ارتكز الفـيلم على أدائهم والارتقاء بالأحداث بما يتناسب مع مستواهم وخبراتهم.
لقد كان ملفتا للنظر براعة المخرج فـي إدارة الأحداث وترسيخ البناء الدرامي وهو الذي عرف بتخصصه لزمن طويل فـي تقنية وإدارة الخدع السينمائية والمشاهد العنيفة وشديدة الخطورة وها هو يحرف بوصلته باتجاه هذا النوع الفـيلمي.
إخراج: جيمس بامفورد
سيناريو: أيان كورسون
تمثيل: جون فويت - فـي دور الرئيس الأمريكي وينرايت، مارتون سوكاس- إيليوت، رهونا ميرتا، راتشيل، فـيليب وينتشيستر - كاهل
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرئیس الأمریکی سیرة الرئیس قرار الحرب من خلال
إقرأ أيضاً:
مؤسسة هند رجب الحقوقية تلاحق جنديا إسرائيليا في السويد عبر القضاء
تقدمت مؤسسة "هند رجب" الحقوقية بشكوى لدى السلطات السويدية ضد جندي احتياط إسرائيلي مُقيم في أراضيها، بتهمة المشاركة سابقا في جرائم الإبادة الجماعية داخل قطاع غزة.
وقالت الإذاعة الإسرائيلية إن مؤسسة "هند رجب" تقدمت بشكوى جديدة ضد عسكري احتياطي في السويد، لدى السلطات في ستوكهولم، باعتبار أنه شارك في جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، دون تفاصيل أخرى، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول".
ويذكر أن مؤسسة "هند رجب" تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا رئيسيا لها، وتبرز منذ فترة في تغطيات الإعلام للإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة للشهر الـ16.
وبات بات اسم "هند رجب" معروفا في "إسرائيل" لدور المؤسسة، التي تأسست في شباط/ فبراير 2024، في ملاحقة الجنود والضباط الإسرائيليين قضائيا في أنحاء العالم.
وتحمل المؤسسة اسم "هند رجب" لتكريم ذكرى الطفلة الفلسطينية هند رجب (5 سنوات)، وكل مَن لقوا حتفهم أو عانوا في ظل حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وهي التي استشهدت على يد جيش الاحتلال بعد أن كانت الناجية الوحيدة من نيران الدبابات الإسرائيلية على السيارة التي هربت فيها مع ستة من أقاربها في 29 كانون الثاني/ يناير 2024.
وأكدت المؤسسة أن مهمتها الأساسية "السعي بنشاط إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن هذه الفظائع، بما في ذلك الجناة والمتواطئون والمحرضون على العنف ضد الفلسطينيين".
ورصدت هيئة البث الإسرائيلية في تقرير لها، ارتفاعا في محاولات ملاحقة جنود إسرائيليين قضائيا في الخارج منذ بدء الإبادة في غزة، مؤكدة "تقديم حوالي 50 شكوى ضد جنود احتياط، فتحت 10 منها تحقيقات في الدول المعنية، دون تسجيل أي اعتقالات حتى الآن".
ولم تحدد هيئة البث أسماء هذه الدول، ولكن صحيفة "هآرتس" أفادت بأنها: جنوب إفريقيا وسريلانكا وبلجيكا وفرنسا والبرازيل.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية، خلّفت أكثر من 155 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.