لماذا تزداد المعيشة صعوبة في تونس؟
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
تونس- شهدت تونس تعيين 3 رؤساء حكومات منذ إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 ضمن محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك لم تحقق هذه التغييرات نتائج ملموسة بسبب غياب سياسات تعالج المشاكل الهيكلية التي تعاني منها البلاد، وفق مراقبين.
ورغم أن الحكومة الحالية التي يقودها كمال المدوري تعتبر أن 2025 سنة مفصلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي وخلق ديناميكية تنموية تضمن استعادة الثقة في قدرة الاقتصاد على التعافي، يرى خبراء اقتصاد أن مرحلة التعافي بعيدة المنال في ظل السياسات الحالية.
ويرتكز الخطاب السياسي للسلطة على رفع شعار تعزيز الدور الاجتماعي للدولة والاعتماد على الذات من دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، في حين يرى مراقبون أنها مجرد شعارات سياسية لا تجد ترجمة فعلية على أرض الواقع وأن السياسات الاقتصادية المطبقة متناقضة مع أهداف السلطة.
ويرجع الخبراء ما يعتبرونه فشلا في السياسات الاقتصادية إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية لدى التونسيين فضلا عن تدهور خدمات المرافق العمومية مثل النقل والصحة والتعليم، كما يشيرون إلى ضعف النمو الاقتصادي واستقرار معدلات البطالة بمستويات مرتفعة.
إعلان الوضع الاقتصادياستهدفت الحكومة نموا بنحو 2.1% في السنة الماضية، لكنه لم يتحقق، ويقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت إن الحكومة ستراجع تقديراتها لأنها كانت غير واقعية، مشيرا إلى أن توقعات البنك الدولي لنسبة النمو للسنة الماضية ناهز 1.2%.
ويعتبر الشكندالي أن الوضع الاقتصادي والمالي في تونس سيئ للغاية، مبرزا أن السياسات الحكومية تعتمد تدابير تقشفية على غرار التقليص من التوريد والحد من الاعتماد على التمويل الخارجي بشكل مطرد نظرا لغياب أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الاقتراض من الداخل ما قلّص تمويل الاستثمار الخاص.
وتفضل البنوك إقراض الحكومة على القطاع الخاص لتجنب المخاطرة في مثل هذه الحالات.
ويرجع محللون ضعف الأداء الاقتصادي لتونس إلى مكامن ضعف هيكلية، فالبنية الإنتاجية للبلد عالقة في أنشطة ذات قيمة مضافة منخفضة، كما أن شركاتها تشهد ركودا زاد من وطأته زيادة الضرائب.
وتشهد قطاعات إستراتيجية مثل الفوسفات ركودا مع تراجع الإنتاج إلى مستويات قياسية على وقع الاحتجاجات العمالية وسوء الحوكمة وغياب مشاريع التطوير.
ويستبعد الخبير الاقتصادي الشكندالي أن تحقق تونس العام المقبل نسبة نمو في حدود 3.2% كما جاء في تقديرات موازنة الدولة لسنة 2025، معتبرا أنها تقديرات "خيالية"، ويرى أن السياسات المطبقة حاليا غير قادرة على حلحلة الأوضاع كما أنها تستحدث أزمات بالبلاد.
الاستثمار ومناخ الأعمالتظهر التقارير المالية الرسمية تراجعا ملحوظا في مستوى الاستثمار المحلي والأجنبي في تونس خلال السنوات الأخيرة.
ووفقا لتقرير البنك المركزي التونسي، فإن نسبة الادخار المحلي لا تتجاوز 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يُعد مؤشرا على ضعف التمويل الداخلي للاقتصاد والاستثمار.
ويقول رضا الشكندالي إنه في الوقت الذي تشهد فيه دول أخرى ذات اقتصادات مشابهة لتونس نسبة استثمار تقدر بحوالي 25% من الناتج المحلي، تتراجع هذه النسبة في تونس إلى أقل من 15%، مضيفا أن "هذا التراجع يعكس ضعف ثقة المستثمرين في مناخ الأعمال المتردي نتيجة العوائق الإدارية وغيرها".
أقرت الحكومة جملة من الإجراءات في قانون المالية لسنة 2025 كإنشاء صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الزراعيات، بالإضافة إلى صندوق للتأمين على فقدان الوظائف واستحداث خطوط تمويل لصالح رواد الأعمال الشباب والإحاطة بالفئات الفقيرة، كما أقرت إجراءات ضريبية لتحسين القدرات الشرائية.
إعلانغير أن الخبير الاقتصادي الشكندالي يقول إن ما قدمته الحكومة من دعم ضعيف للفئات الفقيرة فيما يتعلق بخفض الضرائب على أجور الفئة الفقيرة سيُسلب من جهة أخرى جراء زيادة أسعار العديد من الخدمات لا سيما الطبية التي زاد سعرها مؤخرا.
ويتوقع أن تشهد تونس في الفترة المقبلة زيادات متتالية في سعر خدمات عديد القطاعات على غرار أطباء القطاع الخاص، مبينا أن نسبة التضخم قد تصل إلى 7% في 2024، وهو معدل مرتفع لا يتماشى مع مستوى أجور أغلب التونسيين.
ويرى الخبير أن الحكومة تسير في طريق خاطئة لمعالجة معضلة التضخم من خلال زيادة الأجور أو زيادة الفائدة من قبل البنك المركزي التونسي، بينما كان على الدولة أن تقوم بتحسين جودة الخدمات في النقل والصحة والتعليم حتى لا يلجأ المواطنون لخدمات القطاع الخاص باهظة التكاليف.
الخطاب الرسمي والممارسةيقول الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر للجزيرة نت إن ثمة تناقضا بين ما ترفعه الحكومة من شعارات وما تمارسه على أرض الواقع، مبينا أن الحكومة تتحدث عن إنجازات وإجراءات بينما لا يشعر المواطنون إلا بتردي الأوضاع والخدمات.
ويوضح أن الحكومة تتحدث عن تعزيز الدور الاجتماعي للدولة، في حين يعاني المواطنون من غلاء الأسعار نتيجة لجوئهم إلى خدمات القطاع الخاص سواء في النقل أو الصحة أو التعليم جراء تردي خدمات المرافق العمومية، مضيفًا: "المواطن يشعر في حياته اليومية بتراجع قدرته الشرائية وتردي الخدمات".
ويرى أن خطاب السلطة السياسية الحالية فيه تناقض صارخ بين ما تروجه للرأي العام حول إعطاء الأولوية للعدالة الاجتماعية وتحقيق السعادة والرفاه وتطوير الخدمات العمومية، وما يرصده التونسيون في حياتهم اليومية من سياسات تثقل كاهلهم بالضرائب وارتفاع الأسعار وندرة المواد الأساسية.
إعلانولا يستبعد رمضان بن عمر تفاقم الاحتجاجات الاجتماعية في الفترة المقبلة مع خروج بعض الفاعلين الاجتماعيين من حالة التردد والخوف على غرار الأساتذة النواب (المعلمين) الذين تمت الاستجابة قانونيا لمطلبهم بتسوية وضعيتهم الهشة بعدما قرروا الاحتجاج وتوقيف الدروس إثر العودة من العطلة الشتوية.
أما الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي فيقول إن السلطة السياسية في تونس ترفع شعار الاعتماد على الذات من دون اللجوء إلى المفاوضات مع صندوق النقد، في حين تنتهج الحكومة سياسة تقشفية وتعمل على خفض الأجور وهي إجراءات طالما كان الصندوق يطلبها من الحكومة.
ويوضح أن الحد من الاعتماد على التمويل الخارجي بشكل مطرد نظرا لغياب أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي أدى إلى ارتفاع وتيرة الاقتراض الداخلي سواء من البنك المركزي التونسي أو البنوك المحلية، وهو ما سبّب صعوبة نفاذ المؤسسات الاقتصادية إلى التمويل لخلق الاستثمار والتشغيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخبیر الاقتصادی القطاع الخاص صندوق النقد أن الحکومة فی تونس
إقرأ أيضاً:
اجتماع لجنة السياسات النقدية.. توقعات بتثبيت سعر الفائدة في مصر
تسود حالة من الترقب والقلق الأسواق المصرية، خاصة بعد الارتفاع الأخير في أسعار الوقود والمواد البترولية، لذا، يترقب المستثمرون باهتمام كبير اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري المقرر عقده في 17 أبريل 2025، حيث يتوقع أن يحسم الاجتماع مصير أسعار الفائدة في مصر.
وفي ظل هذا الجدل الدائر في الشارع المصري حول تأثير هذا القرار، تتزايد عمليات البحث عن توقعات قرارات لجنة السياسة النقدية في اجتماعها المرتقب.
وحول هذا الأمر، تسعى«الأسبوع» جاهدةً للرد على تساؤلات المتابعين والزوار، حول توقعات قرار لجنة السياسة النقدية في اجتماعها المقرر عقده يوم 17 أبريل 2025.
توقعات بتثبيت سعر الفائدة في مصريرى الدكتور هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي والاقتصادي أن قرار لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي يوم 17 أبريل 2025 سيكون حاسمًا، وسط توقعات بتخفيض الفائدة بحذر بسبب الاضطرابات العالمية.
وأشار خلال تصريحات خاصة لـ«الأسبوع» إلى أن لجنة السياسة النقدية قد تختار أحد سيناريوهين: الأول هو خفض الفائدة بمقدار 100 إلى 200 نقطة أساس، مستفيدة من تباطؤ التضخم الأساسي وارتفاع الفائدة الحقيقية إلى 13.65%، وهذا قد يدعم النمو الاقتصادي الضعيف، خاصة مع تراجع مؤشر مديري المشتريات إلى 49.2، مما يشير إلى ضعف القطاع الخاص.
وأضاف: «أما السيناريو الثاني، فهو الإبقاء على الفائدة عند 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض، خوفًا من تسارع التضخم وخروج الأموال الأجنبية بسبب الرسوم الجمركية».
ويرى الخبير الاقتصادي أن هناك عدة عوامل ستؤثر على القرار، أولها التضخم نفسه، حيث يثير تسارعه قلقًا، لكن تباطؤ التضخم الأساسي يمنح مساحة للتيسير.
وتابع:« أعتقد أن اللجنة ستقيّم إن كان هذا التسارع مرتبطًا برمضان أم ينذر بضغوط مستمرة، مضيفا: أما العامل الثاني فهو الفائدة الحقيقية المرتفعة حيث تدعم خفضًا محدودًا دون التأثير على جاذبية الاستثمار في أدوات الدين المحلية».
واستكمل: «ثالثًا، الاضطرابات العالمية، خاصة الرسوم الجمركية، أما العامل الرابع فهو ضعف القطاع الخاص والذي يشجع على تحفيز الاقتراض»، متابعا:« وأخيرًا، ارتفاع سعر الدولار إلى 51.3 جنيها يزيد تكلفة الواردات، مما قد يحد من التيسير النقدي».
يرى «أبو الفتوح»، أن ارتفاع التضخم في مصر خلال مارس 2025 إلى 13.6%، مقارنة بـ12.8% في فبراير، يعكس تحديات اقتصادية معقدة، تزامنت مع قرارات الرسوم الجمركية الأمريكية، مشيرا إلى أن زيادة أسعار الطعام، خاصة الفاكهة بنسبة 23.6% خلال رمضان، كانت السبب الرئيسي، لكن تباطؤ التضخم الأساسي إلى 9.4% يوحي بأن الأسعار مستقرة ولم ترتفع كثيرًا، مما يعطي أملًا بأن هذه الضغوط مؤقتة.
زيادة أسعار المحروقات والمواد البتروليةأما فيما يتعلق بزيادة أسعار المحروقات والمواد البترولية التي تم رفعها مؤخرًا، فتوقع «أبو الفتوح» أنها ستضيف طبقة جديدة من التعقيد على قرار لجنة السياسة النقدية.
وتنبأ بأن تؤدي هذه الزيادة إلى ارتفاع في معدلات التضخم في الأشهر المقبلة، مما قد يدفع البنك المركزي إلى تبني نهجا أكثر تحفظًا والتريث في خفض أسعار الفائدة، حتى وإن كان يمتلك حاليًا هامشًا للحركة، لافتا إلى أن البنك المركزي قد يفضل انتظار تقييم التأثير الفعلي لزيادة أسعار الوقود على التضخم قبل اتخاذ أي خطوات لتيسير السياسة النقدية.
الرسوم الجمركية الأمريكيةوبالنسبة للرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 10%، أكد «الخبير الاقتصادي» أنها ستؤثر بشكل كبير، ورغم أن صادرات مصر لأمريكا «1.95 مليار دولار في 2023» تمثل أقل من 6% من الإجمالي، فإن التقلبات العالمية الناتجة عن هذه الرسوم تخلق عدم يقين.
وأشار إلى أن تقرير وكالة S&P Global يحذر من خروج المستثمرين الأجانب من الأسواق الناشئة، مما يضغط على الجنيه ويرفع تكلفة الواردات، متوقعا أن هذا يدفع البنك للحذر، أثناء اتخاذه القرار سواء بالإبقاء على الفائدة أو خفض طفيف.
ارتفاع سعر الدولاريرى «الخبير الاقتصادي» أن ارتفاع سعر الدولار إلى 51.3 جنيهات يعكس تحديات داخلية، مثل نقص العملة الأجنبية وارتفاع الواردات، أكثر من تأثيرات خارجية، هذا قد يحد من خفض الفائدة، لأن التيسير الكبير قد يشجع خروج الأموال الساخنة، وفقا لما أشار إليه رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي الذي عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي.
وأكد أن تثبيت وكالة S&P Global لتصنيف مصر عند «B-/B» مع نظرة مستقرة يعكس توازنًا، والإصلاحات منذ مارس 2024، مثل تحرير سعر الصرف، تدعم الثقة، ولكن ارتفاع تكلفة الدين، بنفقات فوائد تصل إلى 58% من الإيرادات، يبقى تحديًا، متوقعا أن هذا يعزز حذر البنك المركزي، لأن أي خطوة قد تؤثر على المستثمرين.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه، متوقعا أن البنك المركزي سيختار خفضًا محدودًا للفائدة، بين 100 و200 نقطة أساس، لتحقيق توازن بين تحفيز الاقتصاد وتجنب التضخم أو خروج الاستثمارات في أدوات الدين المحلي، لأن هذا يتماشى مع تباطؤ التضخم الأساسي ويحافظ على جاذبية أدوات الدين.
ومن جانبها قالت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، إن قرار لجنة السياسة النقديـة المرتقب عقده الخميس المقبل سيتوقف على عدد من العوامل، عقب رفع أسعار البنزين والسولار.
وأشارت الدماطي، في تصريحاتها الصحفية، أن هذه العوامل تتمثل بشكل أساسي في أرقام التضخم المتوقعة لشهر مارس، والتأثير المرتقب على مصر جراء التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأمريكي على العالم، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
وأوضحت أن البنك المركزي المصري قد يتجه إلى تخفيض أسعار الفائدة بنسبة قليلة، وقد يلجأ إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.
اقرأ أيضاًخبير يكشف السيناريو المتوقع لاجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المقبل
تعظيم موارد النقد الأجنبي.. أبرز نتائج اجتماع لجنة السياسة النقدية ومجلس الوزراء اليوم