يحلو للبعض استقراء الماضى، رغم مضيه، سعيًا للتعلم والعظة والعبرة. لذا يتكرر اللوم لنظام الأسد فى سوريا، كونه أهدر فرصًا عديدة لتصحيح المسار والإفلات بالبلاد من سيناريو اللا دولة.
والمؤسف أن مثل هذه الفرص، مرت على كثير من الحكام، لكنهم جميعًا أهدروها تحت تصور خصوصية الوضع، وسيطرتهم المطلقة على كل شىء.
وتتكرر الإشارات فى التاريخ حول صحوات الضمير اللافتة التى تنتاب بعض المستبدين، فيتحولون إلى ملائكة، ويحاولون إصلاح كل شىء.
ويحكى لنا ابن إياس فى «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» فى أحداث سنة 922ه، 1516 م كيف استيقظ ضمير السلطان المملوكى قانصوه الغوري،عندما علم بتأهب العثمانيين لغزو مصر، وقرر رد المظالم، والتحول إلى حاكم عادل، فقام بخلع الفاسدين، ورد الحقوق، وإبطال المكوس، فـ«ارتفعت الأصوات له بالدعاء بالنصر، وانطلقت النساء بالزغاريد من الطيقان».
لكن الانتفاضة التصحيحية من السلطان المستبد اقترنت بخطر داهم يهدد عرشه وحياته، لذا لم يُكتب لها النجاح، إذ سرعان ما قاومه رجاله، وخانه بعضهم لينهزم فى موقعة مرج دابق أمام العثمانيين، ويُقتل.
فى تاريخ مصر المعاصر كانت هزيمة يونيو 1967 ضربة قاصمة لأمجاد وأحلام ثورة يوليو ولفكرة «المستبد العادل» التى بشرت بها. ورغم ذلك استخدمها بعض الناصريين للإيحاء بأن الكارثة التى حلت نبهت عبدالناصر إلى ضرورة التخلى عن الاستبداد وسلك طريق الديمقراطية كموجة تصحيح واجبة، وهو ما طرحه كتابان مهمان حديثان الأول «هزيمة الهزيمة» لمصطفى بكرى، والثانى «أخيل جريحًا» لعبدالله السناوى.
فى الكتاب الأول استعان مصطفى بكرى بالمحاضر السرية لاجتماعات ما بعد 1967، والتى تضمنت مناقشات حول أسباب الهزيمة وكيفية التصحيح، وكان من بين التصورات اللافتة ما قدمه عصام حسونة وزير العدل وقتها من ضرورة استعادة الحريات والتعددية، وهو ما أيده «عبدالناصر» وقتها لكن قولًا فقط.
فى الكتاب الثانى خلص «السناوي» من خلال وثائق جديدة إلى أن ناصر أبدى نوايا ديمقراطية، قبيل الهزيمة، ففى سنة 1966 قال فى اجتماع خاص: «إن الحزب الواحد أثبت عيوبه، ولا بد أن تكون هناك معارضة، والمعضلة هى ألا تقوم هذه المعارضة بالرجوع بالوطن إلى الوراء». والمشكل أن الإشارة جاءت فى وقت أزمة اقتصادية، وربما مناورة سياسية للتخلص من بعض المناوئين، ولم يُثبت عبدالناصر صدق نواياه، بدليل وقوع الهزيمة.
فى أماكن أخرى حكايات لا تنتهى عن نوايا إصلاح ركزت على الشكلية دون اهتمام بالمضمون الحقيقى لطلب العدل والإصلاح. ومثلًا، إننى أتذكر عندما سافرت فى ربيع 2002 إلى العراق قبل الغزو الأمريكى، وذهبت بصحبة صديق عراقى إلى شارع بالعاصمة يُسمى «العرصات» كان يضم ملاهى ليلية. ولفت نظرى هدوء الشارع الغريب، فتساءلت عن ذلك، فحكى لى الصديق أن القائد صدام حسين قرر بعد الحرب الإصلاح العام، فأعلن ما يُسمى بـ«الحملة الإيمانية». وعلى إثر ذلك أغلقت كل الملاهى فى شارع العرصات، وقبض على الراقصات وقطعت رءوسهن وعلقت فوق أعمدة الإنارة، وتم تغيير العلم العراقى ليحمل لفظ «الله أكبر»، وسارعت زوجات قادة الحزب ورجال القائد بارتداء الحجاب، وانتشر التدين المظهرى، وكأن القائد قد عاد إلى الله. كانت الحملة الإيمانية لصدام نموذجًا مثاليًا لتوبة الديكتاتور الذى يصحح ديكتاتوريته بمزيد من العسف.
لكن كما علمنا التاريخ، توبة الديكتاتور عمومًا لا تصلح، لأن التوبة الوحيدة له، هى خروجه من السلطة بإرادته.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد
إقرأ أيضاً:
مروان البرغوثي يدخل اليوم عامه الـ24 في سجون الاحتلال
أفاد نادي الأسير الفلسطيني، بأن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" القائد مروان البرغوثي يدخل، اليوم الثلاثاء، 15 نيسان/ إبريل، عامه الـ24 في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقال نادي الأسير، في بيان، إن هذه الذكرى تأتي مع تصاعد عدوان الاحتلال الشامل على شعبنا وأسرانا في سجونه واستمراره، وفي وقت هو الأكثر دموية بحق شعبنا، مع استمرار الاحتلال في تنفيذ إبادته الجماعية الممنهجة بحق شعبنا في غزة .
ومنذ بدء حرب الإبادة، يتعرض الأسرى وقادة الحركة الأسيرة، ومنهم القائد البرغوثي، لعمليات تنكيل وعزل وسلب وتعذيب واعتداءات غير مسبوقة بكثافتها، فقد تعمدت منظومة السجون ترسيخ كل ما تملك من أدوات لاستهداف أسرانا، وسلب حقوقهم، وما تمكنوا من تحقيقه بالدم والتضحية، وقد تعرض القائد البرغوثي إلى جانب رفاقه، لعمليات عزل ونقل متكررة، حيث يقبع وفق آخر المعطيات في عزل سجن (ريمون).
وخلال عمليات نقله وعزله المتكررة، تعرض لاعتداءات وحدات القمع المتكررة، إلى جانب مجموعة من قيادات الحركة الأسيرة، وتشكل هذه الإجراءات والسياسات التي صعّد الاحتلال ممارستها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والتي لم تكن وليدة اليوم، نهجًا وامتدادًا لسياساته القمعية والانتقامية منذ احتلاله لأرضنا. وقد تعرض مئات الآلاف من أبناء شعبنا لعمليات اعتقال وتنكيل وتعذيب.
القائد مروان البرغوثي ولد عام 1959، في بلدة كوبر في شمال غرب محافظة رام الله والبيرة، تعرض للاعتقال لأول مرة عام 1976، ثم أعاد الاحتلال اعتقاله للمرة الثانية عام 1978، وللمرة الثالثة عام 1983.
بعد الإفراج عنه عام 1983، التحق ب جامعة بيرزيت ، وانتُخب رئيسا لمجلس الطلبة لمدة ثلاث سنوات متتالية، وعمل على تأسيس حركة الشبيبة الفتحاوية، إلى أن أعاد الاحتلال اعتقاله مجددا عام 1984 لفترة قصيرة، وتلاها اعتقال عام 1985، استمر لمدة 50 يوما، تعرض خلالها لتحقيق قاسٍ، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية واعتُقل إداريا في العام ذاته.
في عام 1986، بدأ الاحتلال بمطاردته، فاعتُقل وأُبعد، وعمل في هذه المرحلة مع الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد، وانتُخب عضوا في المجلس الثوري لحركة "فتح" في المؤتمر العام الخامس 1989، ثم عاد إلى الوطن في نيسان/ إبريل عام 1994، وانتُخب نائبا للشهيد القائد فيصل الحسيني، وأمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، كما انتُخب عام 1996 عضوا في المجلس التشريعي عن حركة فتح، وكان أصغرهم سناً، وفاز بعضوية اللجنة المركزية في المؤتمرين الأخيرين لحركة فتح (السادس والسابع).
في 15 نيسان/ إبريل عام 2002، وبعد مطاردة طويلة، اعتقلته قوات الاحتلال من حي الإرسال في رام الله، وتم الحكم عليه عام 2004 بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين عاما، برفقة رفيق دربه الأسير القائد أحمد البرغوثي الملقب "بالفرنسي"، والمحكوم بالسجن لـ(13) مؤبدا، إضافة إلى 50 عاما.
المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الاستعلامات المصرية: مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ستشهد تحولا إيجابيا حماس : سنرد قريبا على المقترح الذي تسلمناه من الوسطاء مصطفى: ما نشهده ليس مجرد حرب بل محاولة لمحو شعب وقضية الأكثر قراءة مستوطنون يحرقون قاعة أفراح ويخطون شعارات عنصرية غرب سلفيت إسرائيل: ترقب قرار المحكمة العليا التي تنظر بالتماسات ضد إقالة رئيس الشاباك المالية تعلن صرف رواتب الموظفين عن شهر 2/2025 اليوم الثلاثاء تأجيل امتحان الثانوية العامة 2024 لطلبة 2006 في قطاع غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025