نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقال رأي للمعلق سايمون تيسدال قال فيه إنّ "إنجازات الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن في داخل أمريكا كان مهمة، إلا أن تعامله مع السياسة الخارجية جعلته في نظر العالم أحمقا. وفي عصر آخر، ربما كان بايدن زعيما عظيما في الحرب الباردة، لكن ولايته اتسمت بالأخطاء والحذر المفرط".

وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة ودعت بحزن الرئيس جيمي كارتر، وجرى الحديث عن إرث الرؤساء والتدقيق في إنجازاتهم، لكن قلة من الرؤساء الأمريكيين يتم تذكرهم أبعد من حياتهم وبأنهم قادة تاريخيون.

وفي القرن العشرين تم تذكر بحق وودرو ويلسون وفرانكلين دي روزفلت وجون أف كيندي وريتشارد نيكسون، كقائمة مهمة، أما البقية فمجرد أسماء يتم ذكرهم في التواريخ والكتب المدرسية.

وفي الوقت الذي يحضر فيه بايدن لمغادرة منصب الرئيس في 20 كانون الثاني/ يناير يتم تقييمه ضمن القائمة غير الجذابة من الرؤساء.  ومثل أسلافه الـ44 السابقين قيل إنه قلق على مكانته في التاريخ، وهو ليس وحده في هذا القلق، فالجميع يفعل هذا، وهو تعبير عن الغطرسة، حيث يقدمون محاضرات وداعية ويتبرعون لمؤسسات وقفية وينشئون مكتبات بأسمائهم ويكتبون مذكراتهم، وهم في هذا يخلطون ما بين الشهرة والأهمية التاريخية.

وتساءل تيسدال عما حققه بايدن في الحقيقة، وماذا سيبقى منه بعد رحيله؟ ويجيب أن نجاحاته على الصعيد المحلي مثيرة للإعجاب، فقد أنعش اقتصادا مريضا ووفر 16 مليون وظيفة وزاد من الرواتب وأنفق على الأعمال الجديدة وبناء البنى التحتية وخفض من معدلات الجريمة وحد من الهجرة غير الشرعية. وأدى قانون خفض التضخم إلى تقليل النفقات الصحية، بما في ذلك 400 مليار دولار لمعالجة أزمة التغير المناخي. وفي الوقت نفسه ازدهرت الأسواق المالية. كل هذه الإنجازات لا تعطي صورة عن "كارثة" وطنية كما يزعم خلفه دونالد ترامب.



ومع ذلك فقد كان بايدن أسوأ عدو لنفسه، ذلك أنه قلل من أهمية التضخم المرتفع على الناخبين، وفي إنكاره لتراجع صحته وقدراته العقلية، حاول أن يترشح لولاية ثانية، بعدما ألمح عام 2020 أنه لن يفعل. وأصر بأنه قادر على هزيمة ترامب، رغم أرقام الاستطلاعات الفظيعة، ثم قبل على مضض ترشح كامالا هاريس. والآن خرج بايدن من الرئاسة وبدأ فترة راحة في عهد ترامب. وربما بدد الرئيس المقبل كل المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال السنوات الأربع الماضية.

وفي السياسة الخارجية أيضا، قد يجعل ترامب العديد من المشاكل أسوأ. ولكن الفارق بينهما هو أن إرث بايدن في الشؤون الدولية يقترب من الحضيض. وهذا لرجل طالما وصف نفسه بالخبير في السياسة الخارجية، حيث كانت حصيلة إنجازاته في السياسة الخارجية مثيرة للإحباط.

وبدأت في أفغانستان في عام 2021، حيث سرع كما يقول تيسدال، من الإنسحاب المخزي الذي بدأه ترامب. وكانت النتيجة خيانة للشعب الأفغاني وللجنود الأمريكيين والبريطانيين وجنود الناتو الذي دفعوا حياتهم ثمنا خلال عشرين عاما. وتجاهل بايدن بغباء فكرة عودة طالبان إلى السلطة، وهو ما قاد إلى تراجع شعبيته بين الأمريكيين ولم تتعاف أبدا.

تخطبه في أوكرانيا
واستمر تخبطه في أوكرانيا، فقد توقعت المخابرات الأمريكية وبدقة غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا، لكنها قللت من قدرات الروس.  فلو حذر بايدن بوتين في كانون الثاني/يناير 2022 بأن الناتو سيتعامل مع أي هجوم باعتباره تهديدا للأمن الجماعي لأوروبا (وهو ما كان عليه وما زال)، وأن الناتو سيدافع في مثل هذه الظروف عن أوكرانيا، فهل كان هناك من يعتقد مضي بوتين حقا في الغزو؟

ومع ذلك منح بايدن وزنا غير حقيقي لتهديدات بوتين النووية مع استمرار الغزو، ثم أخذ في تقديم مساعدات عسكرية متأخرة جدا. وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات، ومع مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير بلد بالكامل وإنفاق مئات المليارات من الدولارات من المساعدات الأمريكية والأوروبية، تواصل روسيا السيطرة على الأراضي في وقت تنزف فيه أوكرانيا ببطء حتى الموت.



ثم اجتمعت سذاجة بايدن وحذره المفرط في تضخيم وخلق مصيبة بعد هجمات حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقد تحايل عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عدم الضمير أكثر من مرة.  ومستغلا دعم بايدن القوي لإسرائيل، مضى نتنياهو فيما تخشى الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان أن تكون حملة متعمدة لإبادة جماعية للفلسطينيين في غزة. لقد تجاهل نتنياهو مرارا وتكرارا الخطوط الحمراء التي وضعها بايدن، كما في رفح مثلا والمساعدات الإنسانية، بينما استفاد نتنياهو في الوقت نفسه من عمليات تسليم قياسية للأسلحة الأمريكية. ووسع الحرب بتحد إلى لبنان وسوريا، وجر القوات الأمريكية إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

ويظل نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف أكبر عقبة أمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وعائلات الأسرى الذي يعمل البيت الأبيض جاهدا لتحقيقه قبل نهاية فترة الإدارة الحالية، لقد اعتبر بايدن أحمقا. والأسوأ من ذلك أنه جعل الولايات المتحدة طرفا في الإبادة الجماعية.

لم ينجزأ أي شيء
وتعهد بايدن بإحياء الاتفاقية النووية التي وقعتها إيران مع دول عالمية، لكنه لم ينجز أي شيء. وشيطن ولي العهد السعودي بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي ثم صافحه وطلب منه المساعدة على زيادة ضخ النفط.

لقد استند نهج بايدن الأيديولوجي إلى ثلاثة ركائز وكلها متداعية. الأولى، هو شعار حملته الانتخابية لعام 2020 بأن السياسة الخارجية يجب أن تخدم "الطبقة المتوسطة" في أمريكا، حيث كانت هذه محاولة غير متماسكة لإقناع الناخبين بأن المشاركة العالمية للولايات المتحدة، على عكس عزلة ترامب الشعبوية، كانت في مصلحتهم، ولم يصدقه معظمهم. أما الركيزة الثانية فهي الادعاء المثير للجدال بأن الهيمنة العالمية للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لم تنته، على الرغم من أنها كانت كذلك بوضوح. وأعلن بايدن: "أمريكا عادت!". إلا أنه بعد أربع سنوات، وعلى الرغم مما أشاد به وزير الخارجية أنتوني بلينكن باعتباره "تجديدا استراتيجيا"، فإنها ليست كذلك. إن الركيزة الثالثة التي يتبناها بايدن والتي تتلخص في "نحن وهم"، أي أن الولايات المتحدة تقود صراعا وجوديا عالميا بين الديمقراطية والاستبداد، وقد عملت عن غير قصد على توسيع هذا الصدع نفسه، فالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية ودول مجموعة البريكس و"الجنوب العالمي" تتحد بشكل متزايد لتحدي النظام القائم على القواعد الذي يهيمن عليه الغرب. وربما كان بايدن قد حقق بعض الأمور الصحيحة على الصعيد العالمي، مثل إعادة العلاقات بين طرفي الأطلنطي وتعبئته للناتو من أجل الرد على الغزو الروسي وتقويته للتحالفات في منطقة آسيا والباسيفيك في محاولة لاحتواء التوسع الصيني ومصادقته الهند، كما ودعم التحركات لمواجهة التغيرات المناخية.

ومأساة بايدن أنه أصبح رئيسا في شتاء عمره. فلو كان رئيسا في زمن الحرب الباردة لأنجز الكثير. وعندما وصل إلى البيت الأبيض أخيرا، وجد سناتور ولاية ديلاوار الذي انتخب لها أولا عام 1972 العالم وقد تغير بطريقة لم يعد يتعرف عليه.

واعتقد بايدن صادقا بأن طالبان ستلتزم بوعودها وكان خائفا من الحرب النووية، لكن بوتين الخائن لعب بقواعد أخرى. واعتقد أن نتنياهو يريد السلام. ولن يتم نسيان سذاجة كهذه. ولقد وثق "جون الصادق" بالناس، لكن إرثه في عصر ما بعد جيمي كارتر هو أنه لا يمكن الثقة بالساسة أبدا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية بايدن الرئاسة سذاجة البيت الأبيض امريكا البيت الأبيض بايدن الرئاسة سذاجة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی السیاسة الخارجیة

إقرأ أيضاً:

خريف السياسة التجارية الأمريكية

لماذا فرض ترامب رسومًا جمركية مرتفعة على جميع شركاء أمريكا التجاريين تقريبًا؟
الأسباب التي ذكرها ترامب وإدارته هي أن هذه الدول تستغل الولايات المتحدة بتصديرها إلى أسواقها أكثر مما تشتريه من أمريكا، وتستخدم رسومًا جمركية مرتفعة وحواجزا تجارية أخرى للحد من الصادرات الأمريكية إلى أسواقها.

– برر ترمب الجمارك التي فرضها علي شركاء أمريكا التجاريين بانها من باب المعاملة بالمثل، لان هذه الدول تفرض جمارك علي الصادرات الأمريكية وتضع عقبات أخري تضر بها. فمن جمرك الصادرات الأمريكية بما يعادل س أو ص في المئة، يجمركه ترمب بمثلها.

لكن هذا المنطق خاطئ تمامًا من جميع جوانبه للأسباب التالية:
– أولًا، العجز التجاري الثنائي مع دولة واحدة لا يعني شيئًا (العجز التجاري هو ما تستورده أمريكا من الدولة مطروحًا منه ما تصدره إلى سوقها). على سبيل المثال، لنفترض أن الكونغو تصدر الكوبالت إلى أمريكا ولا تستورد أي شيء مصنوع في أمريكا. هل يُمثل هذا مشكلة لأمريكا؟ لا. لا يزال بإمكان أمريكا تصدير فول الصويا إلى اليابان وتغطية عجزها التجاري مع الكونغو من هذا المصدر. أو كما قال بوب سولو: “لدي عجز تجاري مع الحلاق” – بمعنى أنه يشتري خدمات الحلاق لكنه لا يبيعه شيئًا. بالطبع، عوّض بوب عجزه التجاري مع الحلاق ببيع خبرته للجامعات والشركات والحكومات.

– لكن ماذا عن العجز التجاري الكلي، وهو إجمالي العجز مع جميع الدول؟ في هذه الجبهة، تشخيص ترامب للعجز خاطئ تماما. لأن العجز لا ينجم عن التعريفات الجمركية أو الحواجز التجارية التي تفرضها الدول علي صادرات أمريكا. إذ تشير صيغة حساب الدخل القومي القياسية إلى أن العجز التجاري يساوي تمامًا الفرق بين المدخرات والاستثمارات – ونعني هنا إجمالي المدخرات، سواءً كانت من قِبل الحكومة أو الشركات أو المواطنين العاديين. هذه النتيجة متطابقة أو حقيقة رياضية، صحيحة في كل الظروف – يمكنني تقديم الاشتقاق الرياضي لهذه المتطابقة ولكن أي طالب كان منتبهًا خلال سنوات دراسته الجامعية سيكون قادرًا على القيام بذلك. ببساطة تقول المتطابقة أن الدولة التي تستثمر أكثر مما تدخر لابد أن تعاني من عجز تجاري بنفس القيمة- نقطة سطر جديد.

– أيضا تشير فرضية العجز المزدوج إلى وجود علاقة بين العجز المالي للدولة (الإنفاق الحكومي الذي يتجاوز الإيرادات) وعجز حسابها الجاري (الواردات التي تتجاوز الصادرات إضافة إلي متغيرات أخري لا داعي للدخول فيها لغرض هذا المنشور – أو بتبسيط للميزان التجاري حتي لا ندخل في تفاصيل يتوه معها القارئ) . في جوهرها، تفترض النظرية أن عجزًا أكبر في ميزانية الحكومة أن يؤدي إلى عجز أكبر في الحساب الجاري.

– هذا الاستثمار الذي يفوق المدخرات يعني وجود أجانب مستعدون لاستثمار ثرواتهم في الاقتصاد الأمريكي، ما يعني أن أمريكا تحصل على كميات كبيرة من رأس المال الأجنبي الرخيص الذي يساعدها على الازدهار أو الإسراف في الصرف العسكري.

– لكن زيادة الاستثمار على المدخرات في أمريكا تعني أيضًا انخفاض إجمالي مدخرات الأمريكيين. وعندما نقول إن مدخرات جهة ما منخفضة، فهذا يعني أنها تستهلك أكثر من اللازم أو أن إستهلاكها مرتفع. تُظهر الدراسات الإحصائية أن مشكلة انخفاض إجمالي المدخرات الأمريكية سببها الحكومة، وليس المواطنين أو الشركات الأمريكية. على سبيل المثال، يبلغ عجز ميزانية الحكومة الفيدرالية الأمريكية حاليًا حوالي 7% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو عجز ضخم. وصل هذا العجز إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2024. وإذا أضفنا العجز الذي تعاني منه حكومات الولايات والحكومات المحلية، فإن الصورة تزداد قتامة.

– لذا، فإن تشخيص ترامب خاطئ، فالعجز التجاري الأمريكي سببه السياسات المالية الأمريكية، وليس جشع الأجانب. والأسباب الرئيسية لعجز الميزانية الأمريكية هي انخفاض الضرائب على الأغنياء وارتفاع الإنفاق العسكري والأمني. ولا تُبدي إدارة ترامب أي اهتمام بفرض ضرائب على الأغنياء أو خفض الإنفاق العسكري، الذي يبلغ تريليون دولار في مقترح ميزانية ترامب، بانتظار موافقة الكونغرس.

– إذن، لن تُحلّ رسوم ترامب الجمركية مشكلة العجز التجاري، ولكن هل هناك أي مكاسب مُحتملة لإدارة ترامب؟ نعم، يأمل ترامب أن تُعطيه الرسوم الجمركية نفوذً أو كرت ضغط يُمكنه من التفاوض بشأنها مع كل دولة على حدة. ويمكن لترامب أن يطلب من كل دولة تقديم تنازلات مقابل خفض الرسوم. – وقد يطلب من بعض الدول أن تعطيه أعز ما تملك. ربما تُقدّم له بعض الدول الصغيرة والمتوسطة تنازلات طفيفة، لكن الدول والكتل الكبرى لن تُقدّم له الكثير. وستتلكأ الكثير من الدول قبل التنازل الأهم الذي سيطلبه ترامب: فك الارتباط بالصين بتقليص العلاقات الاقتصادية والسياسية. على الأرجح، سيحدث العكس، حيث ستُعزّز الدول والكتل التجارية علاقاتها مع الصين كبديل أو كحماية من أمريكا التي أثبتت أنها شريك متقلب، وصعب، ومُسيء، يصعب الوثوق به.

– كما ذُكر سابقًا، ستفشل الأهداف المعلنة لسياسة ترامب التجارية. لكنها لا تزال حدثًا هائلًا، أو كما يُطلق عليه الاقتصاديون “صدمة”. في الواقع، إنها واحدة من أكبر الصدمات التي لحقت بالاقتصاد العالمي في العصر الحديث. فما هي عواقب هذه الصدمة؟ فيما يلي بعض العواقب المتوقعة، ولكنها ليست كل القصة:

– هل سيدفع الأجانب الرسوم الجمركية كما يزعم ترامب؟ الإجابة الأولية هي لا. الرسوم الجمركية هي ضريبة تُفرض على السلع المستوردة، تُدفع عند حدود الدخول، ويتحملها المستورد وليس المُصدّر. لكن هذا ليس نهاية المطاف. بعض المُصدّرين لن يُغيّروا سعر سلعهم استجابةً للرسوم الجمركية، وفي هذه الحالة سيدفع المستهلك الأمريكي القيمة الكاملة للرسوم.

لكن بعض المُصدّرين قد يُخفّضون السعر الذي يفرضونه على المُستوردين للحفاظ على سعر معقول لمنتجاتهم في الأسواق الأمريكية، وذلك للحفاظ على حصتهم السوقية. في هذه الحالة، سيدفع المُصدّر الأجنبي جزءًا من الرسوم الجمركية، وسيدفع المستهلك الأمريكي جزءًا آخر. لكن على الأرجح، سيدفع المستهلك الأمريكي النسبة الأكبر من الرسوم الجمركية.
– من المُرجّح أن يُخفّض ترامب الرسوم الجمركية، لكنه لن يُعيدها إلى ما كانت عليه سابقًا – حوالي 2% في المتوسط . قبل تجميد الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا، قُدّرت الرسوم الجمركية بمتوسط 24% مُقارنةً بـ 2% قبل صدمة ترامب.

– لكن بما أن الرسوم الجمركية لن تعود إلى متوسط 2%، فهذا يعني أن الحكومة الأمريكية ستحصل على إيرادات أكبر، وسيستخدم ترامب هذه الإيرادات الإضافية في إدامة إنخفاض الضرائب على الأغنياء التي ستنتهي مدتها في خواتيم هذا العام، أو حتى خفضها إلى مستويات أدنى. بمعنى آخر، لن يستخدم ترامب إيرادات الرسوم الجمركية لخفض عجز الموازنة الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يقلل العجز التجاري وفقًا لمنطق المتطابقة المحاسبية الموضح أعلاه.

– وبما أن الرسوم الجمركية سيدفعها جميع المستهلكين، بمن فيهم أفقر الفقراء، وأن إنخفاض الضرائب ستعود بالنفع على الأغنياء، فهذا يعني أن العبء الضريبي على الفقراء سيزداد لأنهم ينفقون نسبة أكبر من دخلهم على السلع المستوردة مقارنة بالأغنياء. والنتيجة النهائية هي توزيع أسوأ للدخل القومي لصالح الأغنياء. وهذا سيُرضي ترامب والمليارديرات من حوله.
– ستنخفض الصادرات الأمريكية، حيث سترد دول أخرى على ترامب بفرض رسومًا جمركية مماثلة على الصادرات الأمريكية. وهذا سيضر بشركات التصدير الأمريكية والعمال على حد سواء.

– أيضا ستعاني الشركات الأمريكية، سواءً كان إنتاجها موجها للأسواق المحلية أو الخارجية، لأن الكثير من المدخلات التي تستخدمها في عمليتها الإنتاجية مستوردة، ما يزيد من تكلفتها بسبب الرسوم الجمركية. هذا يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج، وانخفاض الأرباح، وبالتالي انخفاض الاستثمار، وانخفاض فرص العمل، وضغطًا على أجور ورواتب الطبقات العاملة والمتوسطة.
كيف حسبت إدارة ترامب الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها على كل دولة؟

– حسبت إدارة ترمب نسبة الجمارك/العقبات التي تضعها كل دولة علي الصادرات الأمريكية بعملية حسابية بسيطة: أخذت عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة في السلع مع تلك الدولة، وقسمته على إجمالي واردات السلع من تلك الدولة، ثم قسمت الناتج على اثنين. والناتج هو نسبة الجمارك الإضافية التي فرضها ترمب – (العجز التجاري مع دولة يعني الفرق بين ما تصدره أمريكا لتلك الدولة وما تستورده منها).

– وهذه طريقة جديدة تماما لتقدير نسبة الجمارك والعقبات التجارية التي تضعها دولة للحد من صادرات دولة أخري ما أنزل الله بها من سلطان وإطلاقا لم يسمع بها أي إقتصادي ولم ترد في أي مرجع ولا في أي دراسة ولا حتي في ونسة شفع في المدرسة الثانوية التجارية.
– شبه الإقتصادي الأمريكي دين بيكر المعادلة التي إستخدمتها إدارة ترمب لتشخيص أسباب العجز التجاري الأمريكي برجل ذهب إلي دكتور للفحص. فما كان من الطبيب إلا أن قسم طول الرجل على تاريخ ميلاده ، فظهرت النتيجة التي قرر الدكتور أنها أعلى بكثير من الحد الصحي . وبناء علي هذا الرقم أخضع الدكتور الرجل المريض لوصفات علاجية بنفس الدقة العلمية التي مارسها في التشخيص. استنتج بيكر أن هذا الرجل بحاجة إلي طبيب جديد أو هو طريق الهلاك.

– باختصار، ما نراه هو سياسة اقتصادية فاسدة تمامًا، تتشير إلي أن الإمبراطورية الأمريكية قد دخلت مرحلة الخرف ولكن خرف الفيل مرعب أكثر من كونه مسليا إذ أن الضرر لن يقتصر على أمريكا وحدها. ولكن علي المدي المتوسط والطويل ستدفع أمريكا الثمن الأكثر فداحة لتسارع وتائر تراجع نفوذها الأقتصادي والتكنولوجي والسياسي حول العالم.

– كان مسرح العبث سيكون مسليا ومضحكا لولا أن أمريكا قوة ضاربة جبارة لو عطست أصابت أركان العالم من عطستها زوابع.

معتصم أقرع.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخارجية تعقب على هجوم نتنياهو ونجله على ماكرون وهذا ما دعت إليه
  • منظمة “إنسان”: استهداف المصانع يعكس مستوى الانحطاط الذي وصل إليه العدوان الأمريكي
  • تخلصت من بيروقراطية بايدن.. ترامب يتوعد الإرهابيين بعهد جديد
  • أوبزيرفر: ما يجري في غزة إبادة حقيقية يمولها الساسة بالسلاح ويطبعها الإعلام الغربي المتواطئ
  • وكالة «قنا»: القمة القطرية المصرية بالدوحة تعكس مستوى التميز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين
  • ترامب للصحفيين: أنا متاح دائمًا على عكس بايدن.. فيديو
  • أوبزيرفر: ما يحدث في غزة إبادة والساسة في البلدان الغربية يواصلون تمويلها
  • تعريفات ترامب تحد من انتشار بطاريات الليثيوم الصينية
  • خريف السياسة التجارية الأمريكية
  • الخارجية الإيرانية: وفد التفاوض يتوجه إلى مسقط برئاسة عباس عراقجي