السياسة الخارجية العمانية.. بين ضرورات الجغرافيا وحقائق التاريخ
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في سبتمبر من عام 2013 كنت برفقة وفد رسمي يقوم بزيارة إلى إيران، وهي زيارة جاءت بعد أقل من شهرين من الزيارة التاريخية التي قام بها السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، إلى إيران. كان على متن الطائرة الصغيرة التي تتسع لثمانية ركاب فقط سفير سلطنة عُمان في طهران في ذلك الوقت يحيى آل فنة، وكان حينها ينهي إجراءات عودته إلى مسقط بعد أن انتهت مهام عمله في إيران.
كانت هذه الكلمات الهامسة القصيرة تحمل تأكيدا لما كان يدور في الكواليس، الضيقة على الأقل، في ذلك الوقت من أن سلطنة عمان تقود جهودا دبلوماسية لوضع نهاية للخلاف الغربي الإيراني حول الملف النووي. ولكن لم يكن أحد ليتصور، في ذلك الوقت، أن يستطيع أحد جمع إيران والغرب على طاولة مفاوضات واحدة يكون كل منهم حريصا على نجاح اللقاء وما يتبعه من لقاءات؛ لكن ذلك حدث بالفعل وسط تفاصيل كثيرة كشف الكثير منها وبقي البعض الآخر في انتظار الزمن المناسب كشفه وتم توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2015 قبل أن يأتي الرئيس الأمريكي ترامب وينقضها في عام 2018.
ثبات الدبلوماسية
لم تُرضِ الوساطة العمانية، التي أنتجت الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، الجميع في الإقليم، رغم أنها منعت حربا طاحنة كانت على وشك أن تندلع في أي وقت بين أمريكا وإيران. وتساءل الكثيرون عن مصلحة سلطنة عمان في ذلك الوقت من تلك الوساطة، بالقدر نفسه الذي تساءلوا فيه عن قوة دبلوماسيتها التي نجحت في التقريب بين أشد الأعداء.
شغلت هذه الأسئلة وسائل الإعلام العربية والغربية لسنوات طويلة، رغم أن الملف النووي الإيراني لم يكن النجاح الوحيد الذي أنجزته الدبلوماسية العمانية، رغم أنه كان الأبرز، فطوال العقود الأربعة الماضية استخدمت سلطنة عُمان قوة وثبات دبلوماسيتها لحل الكثير من الخلافات في منطقة الخليج العربي والإقليم المحيط، وجنّبت المنطقة الكثير من الحروب أو إنها احتوت خلافات عربية - عربية كانت مرشحة أن تتحول إلى نزاعات ثنائية أو حروب إقليمية.
ولو عدنا بعقارب الزمن على الوراء قليلا وتذكرنا التوترات التي حدثت في المنطقة في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، حيث وصلت التوترات في الخليج إلى نقطة اللاعودة حينما اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية وأدخلت منطقة الخليج العربي في حالة طويلة من غياب الاستقرار؛ برزت الدبلوماسية العمانية في تلك المرحلة المبكرة بنهجها المدروس وقدرتها على قراءة المستقبل في ضوء المعطيات الماثلة على أرض الأحداث، وعلى النقيض من الكثير من دول المنطقة الذين انحازوا بقوة إلى معسكر أو آخر، التزمت سلطنة عُمان بمبدأ الحياد والحوار، وهو القرار الذي تشكل عبر فهم عميق وراء تجارب تاريخية وضرورات جغرافية.
السير وسط حقول الألغام
بهذا المعنى سمحت السياسة الخارجية العمانية لعُمان التنقل وسط عقود طويلة من الاضطرابات الإقليمية مع الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز السمعة الدولية كوسيط موثوق به، ولم ينشأ هذا التوجه الدبلوماسي في فراغ؛ بل هو نتاج مزيج فريد من الاستمرارية التاريخية والضرورة الجغرافية والقيادة القادرة على فهم ديناميكيات الأقليم والأطماع العالمية به ومسار الأحداث بناء على كل ذلك.
كانت عُمان عبر التاريخ ملتقى للحضارات، وباعتبارها إمبراطورية بحرية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، سيطرت على طرق تجارية حيوية تمتد من شرق إفريقيا إلى جنوب آسيا، ومنح هذا التاريخ عُمان فهما عميقا للتعددية الثقافية وفن التفاوض، كان هذا الفهم أساسيا للحفاظ على استقلال عُمان أمام أطماع الكثير من القوى العالمية عبر التاريخ أمثال الأطماع الاستعمارية البرتغالية والهولندية والأسبانية والبريطانية.
كانت هذه التجارب وما بها من مخاضات سياسية وعسكرية مريرة أحيانا تشكل السياسة الخارجية العمانية؛ فهي كما يتضح نتاج قرون طويلة من التفاعلات الثقافية والحضارية والأيديولوجية والعسكرية بين الجغرافيا العمانية والجغرافيا الإقليمية والعالمية وحوارات ونقاشات مع الآخر كانت تحدث عبر التفاعل الحضاري، وهي أيضا نتاج فهم حقيقي وعميق لمعنى التفاعل بين الجغرافيا والتاريخ، وإذا كان ابن خلدون يقول إن الجغرافيا هي التي تصنع التاريخ، فإن التاريخ العماني كان على الدوام نتاج تفاعل حقيقي مع الجغرافيا.
تفهم سلطنة عُمان الإقليم الجغرافي الذي تعيش فيه أكثر من غيرها، ومَكّنها هذا من صناعة تاريخها على النحو المشرق الذي نقرأه، كما ساعدها في تحقيق نجاحات سياسية ودبلوماسية يُنظرُ إلى الكثير منها بأنه استثنائي، نظرا لما تنطوي عليه من تعقيدات كبيرة جدا، ويعود الأمر إلى اعتبارات كثيرة تشكلت عبر التاريخ ربما أهمها أنها الكيان السياسي الأقدم في المنطقة، الذي عايش وأسهم وتفاعل مع التحولات الكبرى التي حدثت في منطقة الجزيرة العربية والإقليم المحيط بها، ليس منذ قرنين فقط ولكن منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، عندما كانت الأمة في عُمان قد شكلت دولة على مبادئ سياسية وحضاري، فيما كانت الكثير من الدول التي نراها اليوم في الإقليم مجرد قبائل متصارعة في أفضل الأحوال. كان التراكم السياسي والفهم العميق لثقافات المنطقة وطموحاتها وأيديولوجياتها وأنظمتها الحاكمة أحد أهم العوامل التي أسهمت في نجاحات السياسة العمانية، وفي الحقيقة، في تشكل ركائزها وفي قدرتها على الإسهام في حل التحديات الإقليمية.
تتصالح سلطنة عمان مع الجغرافيا المحيطة بها ولم تضعها في يوم من الأيام في خانة التحديات بل بقيت على الدوام ميزة لا بد من الاستفادة منها.
لا نختار الجغرافيا
وكان سلاطين عمان يرددون دائما مقولة «إننا لا نختار الجغرافيا ولا نختار الدول التي تكون في جوارنا»، وهذا يعني أن علينا أن نتصالح معهم ونتكامل، وأن نبني سياساتنا واستراتيجياتنا وفق الواقع الذي تفرضه الجغرافيا.
والجغرافيا عامل حاسم جدا في تشكيل السياسة الخارجية العمانية، إذ تقع سلطنة عمان عند تقاطع طرق بحرية مهمة، وفي مقدمتها مضيق هرمز الذي يمر من خلاله الجزء الأكبر من إمدادات النفط العالمية، كما أنها مطلة على المحيط الهندي ومن ورائه الكتلة الآسيوية بكل ثقافاتها وتطلعاتها وتاريخها، وفي الشمال تطل على إيران بحضارتها الفارسية العريقة وتطلعاتها المستقبلية وما يصاحب ذلك من تحديات كبيرة، وإلى الغرب تطلّ على السعودية وبقية دول الخليج العربي، وإلى الجنوب على اليمن بكل صراعاته التي عاشها عبر التاريخ، كل هذه الكتل الجغرافية غنية بالمتغيرات وبالتطلعات والتحديات بل والصراعات التي لا تنتهي، الأمر الذي يجعلها كتلًا متحركة غير ثابتة.
وعبر التاريخ كان لعُمان الكثير من الصلات مع هذه الكتل الجغرافية، والتفاعل الذي انعكس إيجابا ليس على عُمان وحدها ولكن على الإقليم بأكمله. كانت مسقط وصحار وصور وصلالة وخصب مراكز تجارية مهمة في المنطقة، واستطاعت أن تبني صلات حضارية مع الكثير من المدن والشعوب المحيطة والبعيد، مثل الهند وشرق أفريقيا والجزيرة العربية ومصر والعراق والصين، هذا الأمر وجه اهتمام سلطنة عُمان للحفاظ على استقرار المنطقة وبناء تعاون أمني وثيق مع جميع الدول المحيطة بها لضمان أمن الملاحة البحرية.
ورغم الصراع الكبير الذي تشهده اليمن، ليس فقط خلال العقد الماضي ولكن عبر أكثر من قرن من الزمن، حافظت عُمان على استقرار حدودها الجنوبية مع اليمن، وبقيت تدعم الجهود الدبلوماسية لحل القضايا اليمنية، بل إنها في الكثير من الأوقات كانت هي التي تتبنى الجهود الدبلوماسية وتهيئ لها الظروف الجيدة للحوار، إضافة إلى تنشيط دبلوماسية المساعدات الإنسانية في طريق استقرار اليمن.
هذا الفهم العميق لدور الجغرافيا في بناء الركائز السياسية في عُمان عبر التاريخ جعلها قادرة على القيام بالكثير من الأدوار في حل النزاعات الخليجية والإقليمية، وقدمت سلطنة عمان باعتبارها الطرف الإقليمي الأكثر قدرة على فهم المنطقة والأكثر قدرة على القيام بأدوار سياسية في اللحظات الصعبة، التي تعادل فيها الدبلوماسية الحكيمة الحياة أو الموت، كما هو الحال في الملف النووي الإيراني، الذي عاد إلى الواجهة العالمية مرة أخرى بعد أن أشعلت دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة لا نهاية لها في قطاع غزة، وبما قامت به من أدوار تاريخية في حقن الدماء اليمنية بعد سنوات من الحرب الطاحنة.
بوعي تام بكل التشابكات الحضارية الناتجة عن التفاعل بين الجغرافيا وبين المعطيات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية والثقافية، كانت عُمان تضع أسس وقيم ومبادئ سياستها الخارجية التي اتسمت بالتوازن والانفتاح والتعاون مع الجميع.
نصنع استقرار الإقليم
لكن هذا التوازن الدبلوماسي الذي يتكئ على فهم الجغرافيا وضروراتها لم يكن يوما خاليا في التحديات؛ فقد أثار حياد سلطنة عُمان في بعض الأحيان، وربما في كثيرها، انتقادات الآخرين الذين اعتبروا حياد عُمان نوعا من غياب التضامن معها! ولكن عُمان كانت تؤكد على الدوام أن سياستها ودبلوماسيتها تخدم المصالح الأوسع للاستقرار الإقليمي، وهذا الطرح يدعمه سجل سلطنة عُمان في الحد من التوترات في منطقة الخليج والعالم العربي.
هناك أمر آخر مهم في هذا السياق وهو أن سلطنة عُمان عرفت منذ وقت مبكر أن التنمية وجلب استثمارات أجنبية لا يمكن أن يستقيم إلا في بيئة مستقرة بعيدة عن اضطرابات هذا الفهم، أيضا، فرض على عُمان أن تكون سياستها الخارجية متبنية للحياد وبعيدة عن الأجندات وأن تتسم بكثير من الثبات وعدم التلون وفقا للمتغيرات السريعة، ولذلك يمكن القول إن السياسة الخارجية العمانية هي ضرورة اقتصادية بقدر ما هي استراتيجية سياسية.
كان البعض يعتقد أن السياسة الخارجية العمانية ستتغير بعد وصول حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق إلى عرش عمان في يناير 2020، لكن الحقيقة أن هذه السياسة بقيت كما كانت عليه من قبل ولم تشهد انحرافات تذكر عن المبادئ التي كانت تتحرك وفقها؛ فبقي السلطان هيثم، حفظه الله، ملتزما بالحياد والحوار واحترام سيادة الآخرين ومحافظا على سيادة عُمان وعلى قرارها السياسي من أي تأثير خارجي حتى في اللحظات الصعبة التي مر بها العالم خلال أزمة كورونا وما صاحبها من أزمة مالية خانقة.
نموذج يحتذى
وهذه التجربة في الحياد الإيجابي وفي التمسك بالمبادئ والقيم الدبلوماسية في منطقة مضطربة على الدوام تقدم نموذجا بديلا يعطي الأولوية للاستقرار والاحترام المتبادل، وهذا النهج ينسجم مع المصالح المشتركة التي يمكن أن يقبل بها العالم خاصة في ظل التمتع بالمصداقية، وهذا النهج أيضا يسمح للمواطنين، عمانيين أو في أي مكان آخر، أن يتمتعوا بمستوى كبير من الأمن والاستقرار والازدهار، وفي هذا الكثير من الدروس القيمة للكثير من الدول الإقليمية التي تسعى بشكل حثيث لبناء سياسات خارجية تتسم بالمرونة وتبعد الدولة عن المخاطر المحيطة بها، ورغم أن هذا الأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض؛ لأن سياسة عمان مستمدة من تاريخها الطويلة ومن فهم لحقيقة التاريخ وحقيقة الجغرافيا لكن فهم الدول لتاريخها باستخدام هذه المعطيات يمكنها من بناء سياسة خارجية تعود عليها بالاستقرار.
لكن لا بد من الإشارة هنا أن احتفاء عُمان بالجغرافيا في بناء سياستها الخارجية لم تمنعها يوما، عبر التاريخ، من الانحياز للقضايا العربية والقضايا الدولية العادلة، الأمر الذي أتاح لعُمان الكثير من المرونة في التعامل مع القضايا العربية والإنسانية ويمكن العودة إلى الكثير من الأحداث التي تحفظها كتب التاريخ العماني والعربي وإلى الوثائق السياسية الغربية ليفهم بشكل عميق دور عُمان الإيجابي في تلك القضايا، وهو دور يشعر العمانيين اليوم بكثير من الفخر وهو مساهم أساسي في بناء الشخصية العمانية المستقرة والمتصالحة مع ذاتها ومع الآخر وهذا بدوره ينعكس على استمرارية السياسة الخارجية العمانية على المبادئ والقيم نفسها.
عاصم الشيدي
كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة العمانیة فی ذلک الوقت عبر التاریخ سلطنة عمان على الدوام الکثیر من فی منطقة کانت ع مان فی
إقرأ أيضاً:
من بلينكن إلى روبيو: وزارة الخارجية أدَاة للصهيونية في السياسة الأمريكية
محمد عبدالمؤمن الشامي
تتسم السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بتباين ملحوظ بين مختلف الإدارات، إلا أنها تظل محكومة بتأثير كبير من اللوبي الصهيوني، مما يظهر بوضوح في مواقف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنتوني بلينكن وعضو مجلس الشيوخ ماركو روبيو، رغم انتمائهما إلى حزبيْن مختلفين. بلينكن، الذي كان وزيرًا للخارجية في إدارة بايدن، سعى إلى تبني سياسة توازن في التعامل مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بينما يتبنى روبيو، وزير خارجية ترامب الحالي، مواقف أكثر تطرفًا لدعم “إسرائيل” بشكل غير مشروط. رغم اختلاف التوجّـهات، يظل كلاهما جزءًا من السياسة الأمريكية التي تعزز من مصالح “إسرائيل” على حساب حقوق الفلسطينيين.
في إدارة بايدن، كان بلينكن يسعى لتأكيد دعم أمريكا لأمن “إسرائيل”، وهو ما تجلى في تصريحاته المُستمرّة حول ضرورة دعم هذا الأمن. في المقابل، حاول بلينكن تقديم بعض الدعم للفلسطينيين من خلال مساعدات إنسانية؛ بهَدفِ تحسين فرص التفاوض. ومع ذلك، ورغم محاولاته لتحقيق بعض التوازن، تظل المواقف الأمريكية بقيادة بلينكن متمسكة بالسياسات التقليدية التي تدعم “إسرائيل”، مما يضعه في خانة أدوات الصهيونية التي تدفع نحو الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
أما ماركو روبيو، فيمثل الجناح اليميني المتطرف في السياسة الأمريكية، حَيثُ يدافع عن “إسرائيل” بشكل غير مشروط. لا يقتصر دعم روبيو لـ “إسرائيل” على تأييد سياساتها، بل يمتد أَيْـضًا إلى تبني مواقف صارمة ضد أي شكل من أشكال الدعم الدولي لفلسطين. وفقًا لروبيو، أي دعم للفلسطينيين قد يُستخدم من قبل “الجهات المعادية لإسرائيل”، مما يعكس تبني وجهات نظر صهيونية متطرفة تدفعه إلى معارضة أي تغيير في السياسة الأمريكية لصالح الفلسطينيين.
رغم اختلاف توجّـهات بلينكن وروبيو، إلا أن كليهما يتبنى مواقف تعزز من مصالح “إسرائيل”. ففيما ينتقد بلينكن بناء المستوطنات الإسرائيلية في تصريحاته، إلا أن هذا الانتقاد يبقى دون تأثير فعلي على الواقع، حَيثُ لا تتخذ الإدارة الأمريكية خطوات عملية لوقف هذا التوسع. من جهة أُخرى، يرفض روبيو أي انتقاد للمستوطنات، معتبرًا إياها جزءًا من سيادة “إسرائيل” التي لا تقبل النقاش.
هذه السياسات، كما يتضح من مواقف بلينكن وروبيو، تظهر بشكل جلي تأثير اللوبي الصهيوني في توجيه السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. بينما تحاول إدارة بايدن إظهار التزامها بحل الدولتين، يظل الواقع يتسم بدعم محدود للفلسطينيين، في حين يدعم روبيو سياسات أكثر تطرفًا لصالح “إسرائيل”. هذا الوضع يبرز النفوذ القوي للصهيونية في السياسة الأمريكية، ويعوق الوصول إلى حَـلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
لا تزال السياسة الأمريكية تتأثر بأجندة الصهيونية، بغض النظر عن تغير الإدارات أَو الأحزاب الحاكمة. وتعكس هذه السياسات عجزًا أمريكيًّا في دعم حقوق الفلسطينيين، في الوقت الذي تستمر فيه “إسرائيل” في سياسات الاحتلال والتوسع الاستيطاني. يجب على الدول العربية أن تدرك أن السياسات الأمريكية لا تميل إلى تحقيق العدالة أَو دعم القضايا العربية، بل تظل تحت تأثير المصالح الصهيونية التي تتحكم في توجيه السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
التاريخ يثبت أن هذه السياسات لم تؤدِ إلى تحسن حقيقي في وضع الفلسطينيين، بل غالبًا ما خدمت مصالح “إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية. لذا، من الضروري أن تعزز الدول العربية وحدتها، وألا تضع كُـلّ آمالها في وعود أمريكية غالبًا ما تكون بعيدة عن الواقع. ينبغي على الدول العربية أن تطور استراتيجيات مستقلة تدعم حقوقها القومية وتعزز مواقفها على الصعيدين العربي والدولي.
في هذا السياق، يجب على الدول العربية التي طبعت مع الصهيونية أن تعيد تقييم مواقفها، حَيثُ إن هذه الخطوات لم تسهم في استقرار المنطقة أَو تحقيق السلام العادل. بل على العكس، فَــإنَّها منحت شرعية للاحتلال الإسرائيلي وزادت من تعقيد الوضع. لن يرحم التاريخ الأنظمة التي اختارت الوقوف إلى جانب الصهيونية بدلًا عن الوقوف مع شعوبها، لذا من الضروري أن تراجع هذه الدول سياساتها وتتراجع عن خطوات التطبيع التي تضعف الموقف الفلسطيني وتضر بمصالح الأُمَّــة العربية.