عُمان بعد خمس سنين من حكم السّلطان هيثم: تعرفونهم من ثمارهم
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
جاء في الأثر القديم عن السّيّد المسيح: «تعرفونهم من ثمارهم»، ولا شكّ مقياس الأثر ليس بكثرة الخطابات والوعود، وكثرة الحديث والكلام، فهذا سهل الكلّ يتقنه، والكلّ يستطيع فعل ذلك، ولكن ليس من السّهولة إدراك ثمرة ذلك؛ لأنّ الواقع يصدّق ذلك أو يكذّبه، ولا يمكن بحال خصوصا في عالم الإعلام المفتوح اليوم، وفي ظلّ التّقارب البشريّ نتيجة وسائل التّواصل الاجتماعيّ تسويق ما يخالف الواقع، فالشّعوب مدركة تماما لأثر الواقع، فهي تعيشه عن معايشة وقرب وتفاعل.
وعُمان في نهايات العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين (2014 - 2020م) مرت بتحدّيات خارجيّة وداخليّة، أمّا التّحدّيات الخارجيّة فكان على رأسها التّحدّيات المترتبة لما بعد أحداث 2011م، وسقوط أنظمة، وعدم استقرار دول المنطقة، وتطوّر داعش وتمدّدها من العراق إلى الشّام بعد أحداث سوريا، واستغلالها الإعلام الرّقميّ في جذب قاعدة جماهيريّة للتّغرير بصغار السّنّ خصوصا، ومحاولة تجنيدهم لتحقيق أجندتها.
أيضا الأوضاع السّياسيّة في اليمن، والصّراعات الأهليّة فيها، وعودة الصّراع بين الشّمال والجنوب، ثمّ حرب اليمن 2015م، واليمن جارة لعمان، وتردي الوضع السّياسيّ والاقتصاديّ فيها بلا شك مؤثر سلبا على دول الجوار ومنها عُمان، لما تمثله اليمن من ثقل جغرافيّ واقتصاديّ وسكانيّ، ولما تحمله من تعدّديّة ثقافيّة وفكريّة، ولما تشترك به عُمان مع اليمن من حدود جغرافيّة وبحريّة وجويّة، ومن علاقات تأريخيّة، ومن مصاهرات أسريّة؛ يجعل التّأثير بينهما متداخلا إيجابا وسلبا.
الأوضاع السّلبيّة في العالم العربيّ والدّولي تمدّدت بشكل أفقيّ كبير، من الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة، وهي إن بدأت بشكل أكبر 2022م، بيد أنّ شرارتها تعود إلى ما قبل 2014م، وهي عودة إلى صراع المعسكرين الشّرقيّ المتمثل في روسيا، والغربيّ المتمثل في أمريكا، هذا ذاته ما حدث في سورية من صراعات خارجيّة ضحيتها الشّعب السّوريّ، تمثلت بجانب أمريكا وروسيا في تركيا وإيران وإسرائيل وحزب الله اللّبنانيّ وبعض الدّول العربيّة والخليجيّة، تماثل مع سوريّة التّدخلات الخارجيّة في ليبيا والسّودان وتطوّرها إلى صراعات أهليّة، هذا التّشظي العربيّ جعل المناخ ملائما لإسرائيل في قيامها بأكبر حرب طويلة المدى، مدعومة من أمريكا وبعض دول الفيتو، حيث قامت بأكبر إبادة لشعب غزّة بعد 7 أكتوبر 2023م، وتمدّدت الحرب إلى بعض المدن الفلسطينيّة الأخرى وجنوب لبنان، كلّ هذا لم يخل من سيناريو مقتل الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي ومن معه، ومقتل إسماعيل هنيّة في إيران، ومن رموز حماس وحزب الله، وعلى رأسهم يحيى السّنوار وحسن نصر الله في عام 2024م.
هذا المناخ السّياسيّ المضطرب يحمل شرارات حرب عالميّة جديدة، أمام تدني مستوى التّعقل من قبل العديد من السّياسيين، بيد أنّ عُمان ممثلة في نهج جلالة السّلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - نفسه تمثلت سياستها الخارجيّة - في نظري - في ثلاثة جوانب رئيسة: الحياد والإحياء والإنسان، أمّا الحياد فقد حافظت على تقليدها القديم في احترام قرارات الشّعوب، وعدم التّدخل في الشّؤون الدّاخليّة، فكانت أذن خير في جميع الحالات، ففي الرّخاء والشّدّة سواء، تُبقي علاقاتها وسفاراتها الخارجيّة في جميع الحالات، مع احترامها لجميع القرارات الدّوليّة من جهة، واختيار الشّعوب من جهة أخرى، ولا تؤجّج فريقا على آخر؛ لأجل مصالحها الذّاتيّة، ولا تسهم في خراب البلدان لكي تحقّق أغراضا ماديّة، وإن كان هناك صلح ارتأته أو أريد منها لحياديّتها؛ فلا تتأنى في ذلك، وهذا ظاهر مثلا فيما يتعلّق بالجانب النّوويّ في إيران، والوضع الحوثيّ وحرب اليمن، كما ظهر ذلك في تعاملها مع حصار قطر من 2017م وحتّى 2021م.
هذه الحياديّة أعطت ثقلا لعمان وللمواطن العمانيّ بشكل عام، فأصبحت دول العالم تنظر إلى عُمان نظرة فيها الكثير من الثّقة والطّمأنينة، وارتبطت عُمان في جميع المحافل الدّوليّة بالسّلم والوضوح، فليس لها وجهان، وإنّما وجه واحد متمثل في المحبّة لجميع دول وشعوب العالم، كانت في الشّرق أم في الغرب، تعمل في تحقيق ذلك دون ضجيج إعلاميّ، أو رغبة في الثّناء الكاذب، فالفعل والأثر خير شاهد وناطق بذلك، انعكس هذا الحال على المواطن العمانيّ ذاته، فأصبح جواز سفره، وانتسابه إلى عُمان محلّ ثقة وثناء في العالم، وقد حدّثني بعض الأصدقاء من بعض دول الجوار، أنّهم لمّا يكونون في بعض الدّول يظهرون أنّهم عُمانيون، ربّما لبعض العلاقات السّلبيّة مع دول ما، ثمّ أنّ اسم عُمان يعطي شيئا من الأمان والشّعور بالطّمأنينة، ومع هذا تحتاج عُمان إلى ترويج إحيائيّ وثقافيّ بصورة أكبر، واستغلال المنابر الثّقافيّة والرّياضيّة والفنيّة والاقتصاديّة خصوصا السّياحيّة في تحقيق ذلك.
ما يدلّ على هذا أنّ السّلطان هيثم بن طارق منذ توليه الحكم في 11 يناير 2020م قام بأكثر من عشرين زيارة دوليّة، ابتداء من زيارته إلى دولة الكويت تقديما للتّعازي في وفاة سمو الشّيخ صباح الجابر الأحمد (ت: 2020م)، تبعها زيارة إلى المملكة العربيّة السّعوديّة، فقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربيّة المتحدة، وهكذا حتّى ألمانيا وسنغافورة والهند والأردن وتركيا وبلجيكا، والقيام بعشرين زيارة، في فترة غالبها صاحبها الغلق الجويّ بسبب فيروس كورونا، واضطرابات المنطقة سياسيّا؛ ليس رقما بسيطا، وجميعها كانت لأجل السّلام والإحياء والتّعاون البنائيّ والاستثماريّ في مختلف المجالات، وخصوصا المجالات الاقتصاديّة، وتأكيدا لدور عُمان، وبعثها لروح الإحياء والسّلم والبناء.
أمّا جانب الإحياء فعُمان وقفت - كما أسلفت - مع الخارج موقف الإحياء، فلم تكن شريكا في إثارة الحروب، أو حصار البلدان، أو إقصائها، فعلاقتها مثلا مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لم تتوقف من حيث الجانب الإحيائيّ والإصلاحيّ، بما في ذلك الجوانب الاستثماريّة والسّياحيّة، وفي الوقت نفسه لم تكن طرفا في دعم الميليشيات الّتي لها علاقة بإيران، أو الأحزاب السّياسيّة المنتمية إليها، والّتي لها أغراض لا تتناسب وسياسة عُمان الإحيائيّة، فعُمان تمايز بين الجوانب الإحيائيّة الإيجابيّة الّتي ترى ضرورة الاعتناء بها وتنميتها، وبين توجهات الدّول السّياسيّة، والّتي بعضها تتعارض مع المواثيق الدّوليّة، كذلك فيما يتعلّق بحرب اليمن فعُمان لم تدخل في هذه الحرب، ولكنّها وقفت مع الجانبين موقفا إحيائيّا إصلاحيّا إيجابيّا، والأمر ذاته مع حصار قطر؛ هذه السّياسيّة الإحيائيّة الإيجابيّة استمرت مع عهد السّلطان هيثم بن طارق، وفوق هذا فتحت عمان أراضيها لضحايا الحروب، والنّازحين من الصّراعات الأهليّة، من سوريا واليمن والسّودان، وأخيرا من فلسطين ولبنان، فتحت لهم مدارسها ومستشفياتها، ومنهم من قام بالاستثمار فيها، حيث إنّه في العهد المتجدّد سُهل في عمليّة استثمار غير العمانيّ في عُمان، ولم تنظر إليهم نظرة إقصائيّة أو دونيّة؛ بل نظرت إليهم نظرة إنسانيّة أخلاقيّة كانتيّة غير قائمة على المنفعة القاصرة، حتّى في فترة كورونا من خلال عملي في الأعمال التّطوعيّة؛ رأيت أنّ السّلطنة تساهلت مع التّأشيرات وتمديداتها، وأعفتهم من المخالفات المتأخرة بسبب الجائحة، وأخبرني السّفير السّودانيّ في عُمان، أنّ عمان أعطت تسهيلات للسّودانيين لأخذ تأشيرة السّفر إلى البلدان الّتي يريدون التّوجه إليها، فرأينا عشرات السّودانيين يأتون إلى عُمان لأخذ التّأشيرة، ومنهم من يستقرّ هنا حينا من الزّمن.
وأمّا جانب الإنسان هو مرتبط نتيجة بعنصر الإحياء العمانيّ، حيث يقوم على التّمييز بين حركيّة السّياسة ومطلقيّة الشّعوب، فسياسات الدّول متحركة، ويحدث فيها ما يحدث للإنسان من مرض وصراع وتدافع، وهي قضايا داخليّة، وأمّا الشّعوب فذات مكرّمة واحدة، يجب الوقوف معها وقوفا إحيائيّا مطلقا لا تمييز بينها، فكلّ ذات في العالم واحدة، قائمة على المساواة، وهو مرتبط بمنظومة حقوق الإنسان، ولهذا في العهد المتجدّد كانت هناك مراجعات لحقوق العمّال في السّلطنة، وما يتعلّق بنظام الكفالة وأخيرا نظام حماية الأجور، وأرجو أن تتوسع المراجعات مستقبلا بشكل أوسع، ولكن وجدت العديد من الإصلاحات في السّنوات الخمس من حكم السّلطان هيثم، وهي حالة جيّدة في فترة قصيرة جدّا، ويتمثل الجانب الإنسانيّ العمانيّ خارجيّا في وقفتها الإنسانيّة في قضيّة حرب غزّة، وحقوق الشّعب الفلسطينيّ عموما، في حقّهم في حفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وإقامة دولتهم المشروعة، فتعاملت مع القضيّة من بُعدها الإنسانيّ، وليس الطّائفيّ أو الأيدلوجيّ الضّيق.
وإذا خرجنا من الشّأن الخارجيّ عموما إلى الشّأن الدّاخليّ نجد أنّ عُمان في نهايات العقد الثّاني من القرن الحادي والعشرين (2014 - 2020م) بدأ فيها شيء من التّراجع، نتيجة ما أصاب العالم من كساد وتضخم، وهي نتيجة للأوضاع السّياسيّة السّلبيّة في العالم، ثمّ أنّ حكم السّلطان هيثم تزامن مع انتشار جائحة كورونا، وهي وإن بدأ الإشارة إليها في 31 ديسمبر 2019م، بيد أنّ منظمة الصّحة العالميّة أعلنت رسميّا حالة الطّوارئ الدّوليّة في 30 يناير 2020م، واستمرت الجائحة لأكثر من عامين، كانت لها تداعياتها الاقتصاديّة في الخارج والدّاخل، ممّا أوقف الحياة العمليّة والاعتياديّة، فارتفع عدد الباحثين عن عمل لسبب كثرة المسرحين، كما تأثرت الشّركات الصّغيرة والمتوسطة خصوصا، نتيجة توقف حركة البيع والشّراء، كما توقفت رحلات الطّيران، وتوقفت حركة السّياحة الدّاعمة للاقتصاد المحليّ، ومع هذا استطاعت السّلطنة أن تحافظ على استقرارها، وحافظت على سير الرّواتب خصوصا في الجهات الحكوميّة والعسكريّة دون نقيصة، وفي موعدها، وأوجدت التّعليم والعمل عن بُعد، فلم تتوقف حركة الحياة مع شيء من المرونة، كما قامت بمحاولة تسهيل قوانين المسرحين، وفي الوقت ذاته التّعجيل في وضع قانون الحماية الاجتماعيّة، والّذي سيتوسع لاحقا إلى الباحثين عن عمل، وحماية الأسرة والطّفولة وأبناء الضّمان الاجتماعيّ، وثمرة هذا أنّ السّلطان نفسه شكّل لجنة مستقلّة ترجع إليه مباشرة، ويشرف عليها بذاته، حتّى لا يصيبها التّرهل أو التّداخل مع جهات مختلفة، فتتأخر في قراراتها، وكانت هذه اللّجنة تعمل بشفافيّة، وتجتمع في أوقات متقاربة، وكانت لها نتائجها الطّيبة والخدميّة والتّقنينيّة، ومنها ما يتعلّق باللّقاح ذاته، فقد وفرته السّلطنة - مع الوضع الاقتصاديّ كما أسلفنا - مجانا لجميع القاطنين في عُمان، كانوا مواطنين أم مقيمين، بما في ذلك من ترتب عليهم مخالفات الإقامة لانتهاء التّأشيرة كما أسلفتُ، وسهلت لمن يريد الذّهاب إلى بلده ووطنه لضيق الأعمال حينها، فعمّقت هنا البعد الإنسانيّ على حرفيّة القانون، كما فُرِضت الضّريبة على أصحاب الدّخل المرتفع، لتحقيق شيء من التّوازنات.
ومنذ تولي السّلطان هيثم مقاليد الحكم في البلاد، ركّز في خطاباته داخليّا على البناءات السّتة، الأولى: المواصلة والبناء والعلاج، والثّانية: السّلام والمحبّة، والثّالثة: التّطوير والعصرنة، والرّابعة: الأنسنة والإنسان، والخامسة: السّلطات والتّشريعات، والسّادسة: اللّحمة البنائيّة والأمنيّة، ونحن اليوم بعد خمس سنوات من الحكم نتساءل: هل تحقّقت فعلا هذه البناءات، أم كانت مجرد خطابات لا أكثر، هذا سؤال مشروع، ومن واجبنا أن نجيب عليه بإنصاف، فهناك أربعة أمور، اثنان أشرنا إليهما، أي الوضع السّياسيّ الخارجيّ، والوضع الاقتصاديّ الدّاخلي، لازم هذا أمر ثالث وهي قلّة خطابات السّلطان، ورابع الفترة الزّمنيّة القصيرة من حكمه حتّى الآن، والّتي هي جزء من رؤية عمان 2040.
من الابتداء أعاد السّلطان هيكلة الدّولة، وتمكين جانب الحوكمة، مع إصلاحات وزاريّة وإداريّة، كما واصلت الدّولة المشاريع الخدميّة، ومنها افتتاح طريق الجفنين سمائل من أربع حارات، وإشهار مدينة السّلطان هيثم والبدء فيها، ومشاريع ميناء الدّقم، وافتتاح التّوسعة الجديدة لمستشفى القوّات المسلحة بالخوض، وإشهار مجمع عمان الثّقافيّ والبدء فيه، وهو مشروع ضخم يحتوي مكتبة وطنيّة كبرى، وغيرها كثير، بيد أنّ محور النّتاج كان هو الإنسان، حيث أنّ أكبر تحدّي كان هو الوضع الاقتصاديّ، ولهذا أراد السّلطان هيثم في هذه المرحلة الحفاظ على الاستقرار المعيشيّ لدى الإنسان العمانيّ، وفي الوقت ذاته توسيع دائرة الاستقرار أفقيّا لأجل تدوير المال من جهة، وتحقّق العدالة الاجتماعيّة من جهة أخرى، فكان التّوجيه السّاميّ لإنشاء المؤسّسة العُمانيّة الوقفيّة، مع دعم الجمعيّات الخيريّة، وإصدار منظومة الحماية الاجتماعيّة، وغيرها.
لازم هذا، الإصلاحات التّشريعيّة والتّقنينيّة لأجل التّخلص من ترهل مركزيّة الخدمات في مؤسّسات تنطلق من العاصمة، إلى إشراك المحافظات، وإعطائها مساحات أوسع في حريّة الشّراك الخدميّ والثّقافيّ والمجتمعيّ، مع دعمها ماليّا، وإعطاءها صلاحيّات واسعة عمليّا ونتاجيّا، هذا الأمر كانت له ثمرته خدميّا وثقافيّا واجتماعيّا، وقد رأينا تحرّك المحافظات وتنافسها في مجالات عدّة، من إصلاحات في البنية الطّرقيّة والخدميّة، إلى مهرجانات ثقافيّة وفنيّة، إلى خدمات اجتماعيّة وإنسانيّة.
بطبيعة الحال يمكن حصر هذه الإنجازات وثمرتها في فترة خمس سنوات فقط، لكن الإنصاف يجعلنا أن نتمثل مقولة «من لا يشكر النّاس لا يشكر الله»، وأقولها ليس طمعا أو تزلفا، أو خوفا وجبنا، إنّ إنجازات الخمس السّنوات الماضية تخرج من دائرة الحصر بالمعنى النّسبيّ، كما أنّ الحديث حولها وعن ثمرتها حديث طويل جدّا، ومقياس ذلك إذا قورن ليس بالفترة الزّمنيّة القصيرة فحسب، بل بالتّحدّيات الكبرى الّتي تعرضت لها المنطقة ومنها عُمان، كادت أن تقودها إلى منطقة رماديّة، وعلى رأسها الاقتراض من صندوق النّقد الدّوليّ، وبالتّالي تأثر العملة المحليّة بذلك، ودخول سياسات خارجيّة تهيمن على قرارات الدّولة، وقد تقودها إلى المشاركة كرها في حروب خارجيّة، ومع هذا، استطاعت عُمان في مرحلة حرجة كهذه تجاوز جميع هذه التّحدّيات، وهذا لا يعني عدم وجود تحدّيات داخليّة، كتحدّي قضيّة الباحثين عن عمل، وقضيّة المسرحين عن العمل، والأجور المنخفضة فيما لا تتناسب وتكاليف الضّرورات الحياتيّة، ولكن بلا شك، من ينظر في رؤية السّلطان، ومتابعاته المستمرة، وتسهيله للاستثمار في السّوق، والمراجعات في الحماية الاجتماعيّة؛ ستتجاوز عُمان هذه المرحلة، حيث أنّ الإصلاح في السّنوات الخمس الماضية لم يكن ترقيعيّا كما حدث في فترات سابقة، بل هو إصلاح للمنظومة الإداريّة والماليّة ذاتها، وهذا أهم من التّسكين، وإن كان نتاجه وثمرته تحتاج إلى شيء من الوقت، ولكن أثر ذلك طويل المدى.
كما أسلفت في الابتداء «تعرفونهم من ثمارهم»، فهناك من الحكّام والوزراء من يتحدّث كثيرا، ولا يكاد تجد لحديثة ثمرة إلّا لماما، بيد أنّ السّلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- مع قلّة خطاباته، إلّا أنّ ثمرة حكمه واضحة، وفي فترة قصيرة، تدركها من العمل والنّتاج، لا من كثرة الحديث والافتخار بالذّات، فهنيئا لعمان عهدها الميمون في ظلّ جلالته، ونرجو من الشّعب أن يواصل العمل معا لنرى عُمان اليوم ليست عُمان الأمس، وعُمان الغد ليست عُمان اليوم، ليكون القادم أجمل، وما بذره وزرعه أجدادنا نرى ثمرته اليوم، فلنزرع عملا مثمرا يفتخر به أبناؤنا وأحفادنا مستقبلا، ولا يتحقّق ذلك إلا بوحدتنا وتآلفنا وتعاوننا، فعُمان تسعنا جميعا، فلنسعها عملا وتقدّما ونهضة في جميع المجالات، وكلّ عام وعمان وشعبها وجلالته بألف خير وتقدّم ونهضة ومدنيّة وإحياء ومحبّة وسلام وأمن واستقرار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الس لطان هیثم بن طارق الاجتماعی ة الس یاسی ة الخارجی ة فی العالم الد ولی ة ما یتعل ق الس لطنة ع مان فی فی فترة فی جمیع خارجی ة من جهة فی الس شیء من بید أن الد ول
إقرأ أيضاً:
مدينة السلطان هيثم الاقتصادية وعاصمة عُمان المُتجدِّدة
محمد بن عيسى البلوشي
تتجه الدول إلى تمكين الاقتصاد؛ ليكون مُحركها الأساس نحو تنوُّع وتطوُّر واستدامة برامج التنمية، وفي سلطنة عُمان نلمسُ توجهًا وإرادة حقيقة مُنبثقة من الرؤية السامية الكريمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في جعل الاقتصاد هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية في بلادنا، والفلك الذي تدور حوله وإليه جميع الأنشطة والبرامج الوطنية، وما الزيارات السامية إلى العواصم والاستقبالات التي قام بها جلالته- أيده الله- والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية التي تم توقيعها، إلّا دليل واضح على عمق الاستراتيجية الاقتصادية التي تمضي عُمان نحو تحقيقها.
ولا شك أنَّ جعل سلطنة عُمان قِبلة للاقتصاد العالمي، ليس ضربًا من الخيال، ولا أمرًا يستحيل تحقيقه، ولنا في تجارب بعض اقتصاديات المنطقة حقيقةً ومثالًا يُمكن النظر إليه بتمعُّن ودراسة. لكننا نثق في عُمان أننا نتفرد بالكثير من المُقوِّمات والعناصر الاقتصادية والاستثمارية، والميزة النسبية والتنافسية ليست فقط لتفرد موقعنا الاستراتيجي؛ بل لتنوُّع الإمكانات التي تتميز بها، من حيث الاستقرار السياسي والعلاقات الدبلوماسية، والموارد الطبيعية، والخدمات اللوجستية التي يُمكن تنفيذها، إلى جانب أنها محطة نقل بحري مباشر إلى المسارات العالمية البعيدة عن أية صراعات سياسية.
هنا نشير بجلاء إلى رؤية جلالة السُّلطان- أيده الله- في تمكين النهضة الاقتصادية المُتجدِّدة والتي تقوم على قواعد متينة وأركان صلبة وأسقف تعلو إلى سماء طموحات الوطن، عندما أكد جلالته- رعاه الله- في خطابه الكريم بمناسبة الحادي عشر من يناير بالقول: "إنَّ تطويرَ البيئةِ الاستثماريّةِ والتجاريّةِ يُعدُّ ضرورةً أساسيّةً لدفعِ عجلةِ التنميةِ بالبلاد، ولذلك فقد وجّهنا الحكومةَ بتقديمِ المزيدِ من التسهيلاتِ اللازمة والحوافزِ التنافسيّة والبيئةِ الدّاعمةِ للاستثمار بما يسهل ممارسةَ الأعمالِ التجاريةِ لضمانِ تنويعِ اقتصادِنا الوطنيِ وتحقيقِ نموٍّ مستدامٍ ولتوفيرِ المزيدِ من فرصِ العملِ في القطاعاتِ الاقتصاديّةِ والخدميّةِ المختلفة وبما يجعلُ البلادَ وجهةً استثماريّةً جاذبةً وأكثرَ اندماجًا في منظومةِ الاقتصادِ العالمي، ولتحقيقِ هذا الاندماجِ فقد سعتْ حكومتُنا لبناءِ شبكةٍ واسعةٍ من الموانئ والمناطقِ الحرّةِ والمناطقِ الاقتصاديّةِ الخاصّةِ والمناطقِ الصناعيّةِ المتكاملةِ وتقديمِ الدعمِ لبرامجِ الابتكارِ وريادةِ الأعمال وصناديقِ الاستثمار الوطنيّةِ منها والمشتركة مع الدولِ الشقيقةِ والصديقة".
هذه، إذن، بوصلة النهضة الاقتصادية والإرادة السامية لأن تكون هوية بلادنا هي الهوية الاقتصادية والاستثمارية الأولى.
لقد أصبحت الحاجة إلى وجود عاصمة اقتصادية لسلطنة عُمان من الضرورات المُلِحَّة التي ستُسهم بوجودها في تحقيق رؤية جلالة السلطان المعظم في تنويع مصادر الدخل الوطني، وجذب المزيد من الاستثمارات إلى السوق المحلي. ولكون منطقة الدقم الاقتصادية من البوابات المُهيَّئة بكل نواحيها وإمكاناتها وقوانينها وتشريعاتها وموقعها التنافسي الفريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، فإنَّ ترشيح الدقم لأن تكون العاصمة الاقتصادية لسلطنة عُمان، وتحمل اسم "مدينة السلطان هيثم الاقتصادية"، يُعد واحدةً من الغايات التي نرجو أن نراها مُتحققة قريبًا بمشيئة الله تعالى.
لا شك أنَّ وجود عاصمة اقتصادية عُمانية، سيمثل إضافة نوعية لاقتصاد السلطنة، وقِبلة سيسافر إليها المستثمرون من شتى بقاع العالم. إذ إنه بجانب الميزة النسبية والتنافسية التي تُقدِّمُها الدقم بكل محتوياتها لاقتصاد المنطقة والعالم، يبقى وجود عاصمة اقتصادية عُمانية على خارطة المدن العالمية أمرًا في غاية الأهمية، وترسم بُعدًا اقتصاديًا محوريًا سيعمل على تمكين الرؤية السامية لجلالته- أيده الله- في جعل السلطنة قِبلة لاقتصادات العالم واستقطاب استثمارات نوعية.
إنَّ المُتابِع للرؤية الاقتصادية الاستراتيجية لسلطنة عُمان، يجد أن منطقة الدقم تمثل مُستقبل عُمان الاقتصادي، وبوابتها الشرقية إلى الاقتصاد العالمي؛ إذ إن الأرضية مُهيَّئة لاستقبال مشاريع إضافية، والقوانين الخاصة بها تُسهم في جذب الاستثمار، وبها إدارة خاصة تُدير قراراتها وأنشطتها وبرامجها المتنوعة، وتتمتع بحوكمةٍ متينة. وأعتقدُ أن جميع تلك المُرتكزات تتطلب أن تُتوَّج بإعادة النظر إلى المدينة، وتخصيصها كعاصمة اقتصادية باسم "مدينة السلطان هيثم الاقتصادية".
إنَّنا سنُنافس أنفسنا قبل أن نُنافس العالم في تقديم الدقم كعاصمة اقتصادية استثنائية بالمنطقة، وأول عاصمة اقتصادية عُمانية في عصر النهضة المُتجدِّدة، يستطيع المُستثمر عبرها الوصول إلى المسارات العالمية دون تعقيد أو تأمين إضافي، مُستفيدًا من كافة المُقدَّرات التي تُوفِّرُها الإمكانات والأنظمة والقوانين والتشريعات العُمانية، من أجل إنجاح دور المشاريع التي تعمل على توطين أساساتها الصلبة في تلك البقعة الفريدة من العالم.
** خبير في الإعلام الاقتصادي
رابط مختصر