لجريدة عمان:
2025-01-12@19:33:49 GMT

نيلز وكتاب الدراسات الاجتماعية!

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

عندما طلبت ابنتي مساعدتي في شرح بعض ما استعصى عليها في كتاب الدراسات الاجتماعية، ارتعبتُ من كمية الحشو المركب، من اللغة المقعرة، التي تدفعُ إلى حالة من اليأس والقنوط. إذ لا يمكن لصفحة أن تمضي دون أن تُكلل بمعلومات شديدة التفرع والإسهاب، وكأنّ الغرض الوحيد من تعلم هذه المادة كامنٌ في ملء خزانات العقول الصافية بوابلٍ من التلقين المزعج والمضر والمحبط !

مضيتُ أنتقلُ معها من درس إلى آخر، فاقدة الشعور بالقيمة والمعنى، ثمّ سألتُ نفسي بشيء من الأسى العميق: كيف يمكن لهذا النصّ أن يُخاطب عقول أبنائنا الوثابة والمتطلعة في عالم متسارع التحولات؟

أخبرني ابني الذي يكبرها بأعوام، عندما استعنتُ برأيه: «المسألة تكمن ببساطة في حفظ كل هذه الوحدات عن ظهر قلب، ثمّ نسيانها بمجرد أن يُنجز الامتحان».

وعلّق ابني الآخر: «الغرض الوحيد من المادة هو الحصول على الدرجة وحسب!».

وآنذاك جلستُ بينهم وقررت أن أحكي لهم قصّة. ففي طفولتي شاهدتُ مسلسلًا كرتونيًا، لا يمكنني نسيانه أبدًا، «مغامرات نيلز»، مسلسل «إنمي» أنتج في اليابان عام ١٩٨٠. لم أكن أدركُ أكثر من عذوبة القصّة وطرافتها آنذاك. وعندما كبرتُ أكثر، اكتشفتُ بأنّ النصّ، كُتب قبل مائة عام من الآن، لكن ما أذهلني أكثر أنّه كُتب لأغراض تعليمية - كما تذكر العديد من المصادر- فعندما لاحظ الاتحاد الوطني للمدرسين في السويد الكراهية الشديدة التي يكنها الطلبة لمادة الجغرافيا، قاموا بتكليف الكاتبة السويدية سلمى لاجرلوف -الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب ١٩٠٩- بتأليف كتاب يتمكن من لفت انتباه الطلبة إلى كل ما يتعلق بالسويد، المكان والحكايات الشعبية، المدن وتاريخها، مرورًا بالعادات والتقاليد والفنون. راقت الفكرة للكاتبة لاجروف، فذرعت السويد في رحلة امتدّت لثلاث سنوات. فتمكنت من لمس الجذور الأكثر عمقًا، ثمّ صيّرتها لشيء بالغ الفتنة، فاخترعت القصّة التي خلدت، وأصبحت جزءًا من تكويننا نحن أيضًا. نحن الذين نقبعُ في الجهة الأخرى من ذلك العالم، والذين نجهلُ حياتنا الثرية بسبب تسطيح العملية التعليمية، وأيضًا لأنّ أحدًا لم يقصّها كما ينبغي!

كُتب الكتاب في جزأين، وتُرجم إلى لغات عدّة، وتحول إلى مسلسل كرتوني تابعناه بدأب وفضول عارمين. وبذلك أحدثت عملية القصّ أثرًا فوق التصور. لقد نفخت لاجرلوف في القزم الصغير «نيلز» أعجوبة ألقت بكل التنظيرات الجافة والمجحفة جانبًا. آزر «نيلز» سربُ طيور مهاجر، كمحرك ديناميكي لنمو الحكاية التي تتنوع فيها صنوف المعرفة. وهكذا تمكنت لاجروف عبر قزم صغير من ربط الطلبة بقصّة حضارتهم ولغتهم، طعامهم وحقولهم وبحيراتهم، وكل تنوعهم اللهجي الحي، فتجاوز «النصّ» غرضه التعليمي الضيق إلى ما هو عالمي راسخ. فبدا الأمر كمن يصهر معادن البلاد، ليصنع قطعة فريدة من نوعها. قطعة تبرز سردية تشع من عمقها.

وعلى حد تعبير الكاتب إبراهيم العريس فإن النزعة التعليمية لم تسلب الكتاب نزعته الإنسانية. فقوة الكاتبة جاءت من استخدام لغة الحياة وليس لغة القواميس الجامدة والميتة.

أتذكر بقوة تعلق جيلي وانجذابه إلى «نيلز». كنا نُحلق مع القائد «آكسا» في سعادة لا محدودة، ومن مكاننا الشاهق كنا نتلقى شكلا من المعرفة دون أن نعي ذلك. كانت المعرفة تذوب في نسيجنا وتتركُ علاماتها حتى اللحظة.

التحول لم يكن يُصيب المكان وتفاصيله وحسب، بل كان يعبر كنهر حي في شخصية البطل «نيلز»، وكأنّ غرورنا الفارغ يتضاءل أمام تدفق المعرفة. فـ«نيلز» تحول إلى قزم عندما لم يُقدر قيمة الحياة من حوله، لكن الرحلة التي غرف من ينابيعها اللانهائية مُحلقًا فوق ظهر «مورتن» جعلته يتحرر من اللعنة مستعيدًا حجمه الطبيعي.

وإن كنتُ قد حدثتُ أبنائي عن استدراك لافت لكارثة تعليمية كادت أن تحصل في السويد قبل أكثر من مائة عام، فقد أخذوني بدورهم في رحلة مُماثلة إلى المعرفة المنسابة والسائلة في عالم التقنيات الحديثة والألعاب. فحتى الألعاب اليوم باتت حاملًا معرفيًا خصبًا، وسلاحًا ذا حدين، ولذا ليس علينا أن نتعجب من ذعرهم من حالة الانفصال الحادة التي يكابدونها. فبينما تهز العالم وتحركه مُحرضات معرفية جديدة، نحشي رؤوس الأبناء بالمعلومات كما نحشي الدمى الصماء بالقطن!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

«السيسى» وأول درس فى الأكاديمية العسكرية

حديث اللسان قد يخطئ ويصيب، ولكن حديث القلب لا يكذب أبداً، وفى الزيارة التى قام بها الرئيس السيسى إلى أبنائه الطلاب فى الأكاديمية العسكرية المصرية فجر الجمعة، كان حديثاً من أعماق القلب والفؤاد كشف فيه الرئيس السيسى العديد من التحديات، وكان الدرس الأول فى الأكاديمية للطلبة فى مسيرتهم التعليمية والتدريبية، من المعلم والقائد والأب لأبنائه.

سنة حسنة سنها الرئيس بزيارته المتكررة لكل الطلبة الجدد بداية كل عام سواء فى الكلية الحربية أو أكاديمية الشرطة، يريد «السيسى» ليرسخ قواعد بها ويبنى شخصية قوية قادرة على قيادة المستقبل بفكر مستنير يتماشى مع جهود الدولة المصرية فى بناء الإنسان ويؤكد قيم المجتمع المصرى.

حديث الرئيس فى زيارته للأكاديمية العسكرية فجر الجمعة أكد فيه عددا من الحقائق واتسم بالشفافية والمكاشفة، أوضح «السيسى» أن مشروعات تطوير قطاع النقل وصلت تريليوني جنيه، وأن الدولة فقدت كل احتياطاتها فى 2011 و2012 و2013 بالإضافة إلى التأكيد على التدريب والتعليم والبحث فى كل العلوم ومعرفة الأخطار والحروب التى تضرب كل المنطقة، والتحديات على جميع الجبهات وغيرها من الأمور المهمة.

كلمات الرئيس كما قلت فى بداية مقالى أرادها سيادته بأن تكون أول درس يتعلمه الطلبة الجدد الذين سيتولون الدفاع عن مستقبل هذه البلاد والتى أكد «السيسى» أن حماية الوطن هى أشرف مهمه لأى إنسان، أراد «السيسى» زرع روح الانتماء والولاء لدى الطلبة الجدد.

رسالتى لأبنائى طلبة الكليات العسكرية وأكاديمية الشرطة الطريق أمامكم صعب وقدر الله لكم أن تكونوا حماة المستقبل، فى ظرف من أصعب الظروف، التى مرت فى تاريخ مصر الحديث، كلى يقين ولدى أمل أن تكون كلمات الرئيس جسراً تعبرون بها من حياة ماضية إلى حياة جديدة فى الكد والاجتهاد والدفاع والاستبسال عن الوطن.

رسالتى للرئيس السيسى، أقولها بلا مجاملة أو رياء لن يسقط وطن فى رجال أمثالك يحملون فى قلوبهم حبا وصدقا وإخلاصا وشجاعة، وقولتها تحت قبة مجلس الشيوخ، وسأقولها لك الآن لن نقول كما قال بنى إسرائيل لسيدنا موسى «اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن ها هنا قاعدون» ولكن، اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن معك وأمامك وخلفك وعن يمينك ويسارك مرابطون.

 وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية.

المحامى بالنقض 

رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس الشيوخ

مقالات مشابهة

  • اتحاد شباب القاهرة بالمصري الديمقراطي يعقد الأمسية الثالثة من "فيلم وكتاب"
  • توقيع اتفاقية تعاون بين مكتبة الإسكندرية وجامعة السويس
  • مكتبة الإسكندرية تنشئ سفارة معرفة في جامعة قناة السويس لدعم الباحثين
  • بالتعاون مع بنك المعرفة المصري.. «عاشور» يشهد ورشة عمل حول التصنيف العالمي QS
  • أحمد بهي الدين يكشف تفاصيل الدورة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الت 56
  • خريطة طريق للعمل الاجتماعي 2/3
  • «السيسى» وأول درس فى الأكاديمية العسكرية
  • أخنوش: الحكومة نجحت في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية والبعض يشوش علينا لأنهم لم يستطيعوا تحقيق النجاحات التي نحققها
  • %6 زيادة في أعداد طلبة المدارس الخاصة بدبي