لجريدة عمان:
2025-04-13@05:47:09 GMT

عُمان.. مسار طويل من التاريخ إلى المستقبل

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

عُمان.. مسار طويل من التاريخ إلى المستقبل

إذا كان يوم السبت 11 يناير الماضي يوما من أيام عُمان الخالدة، فإنه، أيضا، يوم من أيام جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، التي لا تنسى.. لقد تحققت الرؤى التي مرت أمامه قبل خمس سنوات وهو يقف بشموخ الجبال أمام مجلس عُمان يطاول جبال مسقط الشامخة بعد أن أدى اليمين سلطانا على عُمان بكل تاريخها وعظمتها ومكانتها.

. كانت رؤاه لعُمان، التي يريد، تمر وكأنها الأحلام البعيدة؛ فطموحاته لوطنه لا حدود لها ولا سقف.. لكنها أصبحت اليوم حقائق يراها على أرض الواقع، وتشعر بها أمته العمانية وتعيشها رغم برهة الزمن القصيرة التي مرت، ورغم حملها الثقيل.

ما أصعب ما حمل خلال السنوات الخمس الماضية! وما أصعب الجهد الكبير الذي بذله من أجل أن تتجاوز عُمان كل التحديات التي واجهتها ومن أجل الأمانة التاريخية التي حملها على عاتقه.. ما أثقل أحلام القادة الكبار عندما تكون لأوطان عظيمة كعُمان! لقد قالها جلالته بشكل واضح يوم السبت" :لم تكن التحديات يوما عائقا في طريق أسلافنـا لتأسيس دولة شهد لها العالم بالسيادة والريادة، ولن تكون لنا إلا دافعا للبناء على ما أسّسوا سائرين على هدْي من ثوابتنا الحضارية الراسخة، نتقدم بثقة في سبيل الوصول بهذا البلد العظيم إلى مكانته الأسمى التي يستحق".

لم أكن وحدي أشعر بالسعادة وأنا أسمع خطاب جلالة السلطان المعظم، أو وأنا أراه وسط أبنائه في المهرجان الطلابي وهم يحتفون بالسنوات الخمس المتخمة بالإنجازات والإصلاحات والتغيرات العميقة في بنى الدولة لتحقيق النهضة المتجددة، بل كان العمانيون كلهم سعداء يشعرون بنشوة المجد عبر الحديث عن الأسلاف الذين بنوا أمجاد هذا الوطن العظيم، أو وهم يعيشون لحظة الحصاد أو وهم يرون أضواء المستقبل الذي تسير نحوه عُمان بكثير من الإطمئنان.. بكل كان الأشقاء العرب يشاركون عُمان فرحتها كما شاركتهم أفراحهم وأتراحهم في كل المناسبات عبر التاريخ.

لقد أعطت الأقدار جلالة السلطان المعظم على حجم أحلامه لأمته العمانية وعلى حجم إخلاصه لها وبأكثر مما أعطت لغيره؛ فرأى في الواقع ما كان يمر أمامه كالخيالات في العتبات الأولى لحكمه رغم التحديات الكبرى التي تنوء عنها الجبال.

وجاء خطاب جلالة السلطان المعظم، مواكبا للحظة التاريخية التي أنجزتها عُمان خلال السنوات الخمس الماضية ومحتفيا بمسيرة الأمة العمانية العظيمة وراسما خطوط مستقبلها المنظور. كان الخطاب مرآة تعكس عُمق الإدراك التاريخي والسياسي الذي تتميز به القيادة العُمانية، وأفق الرؤية المستقبلية التي تستند إلى إرث حضاري راسخ.

لا يمكن أن نقرأ الخطاب باعتباره نصا احتفائيا في مناسبة وطنية ولكنه وثيقة مهمة ومتعددة الأبعاد نجحت في المزج بين التاريخ والسياسة والاقتصاد والاجتماع في نسيج متماسك، يعيد تعريف مكانة عُمان في العالم، ويطرح نموذجا فريدا لمفهوم القيادة في لحظة يشهد فيها العالم أزمة قيادة فيما هو في أمس الحاجة لها ليستطيع التعامل مع التحولات الكبرى التي يعيشها العالم المضطرب.

أمة تتحدث لغة التاريخ

كان التاريخ حاضرا بشكل كبير في خطاب جلالة السلطان المعظم بنفس القدر الذي يحضره في وعي جلالته، أعزه الله، وفي تكوين شخصيته الفذة، فكان يستدعي تاريخ الأسلاف ومنجزهم الحضاري والدور الكبير الذي بذلوه من أجل أن تبقى عُمان كيانا حضاريا مستقلا عبر الزمن. ومن بين من استدعاهم في خطابه السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي، مؤسس الدولة البوسعيدية. لم يكن الهدف من استدعاء هذه الشخصية الفذة التنويه بها أو التذكير بل كان استحضارا لنموذج القيادة العمانية التي تعرف جيدا أهمية السيادة والاستقلال في بناء الدول. وهذا الطرح لقي تأكيدا كبيرا في خطاب جلالته وتشديدا على أنه لا مساس لنسيج الأمة العمانية ومنجزاتها ومقدساتها وأن جلالته وكل الأمة العمانية ملتزمون بأمنتهم التاريخية تجاه وطنهم. وهذا الوعي السياسي بات راسخا في أذهان العمانيين ومتكرسا عبر التجارب التاريخية التي خاضتها الأمة العمانية عبر تاريخها الطويلة من النضال والتضحيات والالتزام بمبادئ العدل والاستقلال.

وكرم جلالة السلطان المعظم أسلافه من سلاطين عُمان العظام بأن أعلن يوم 20 من نوفمبر كل عام يوما وطنيا عمانيا يستذكر فيه العمانيون قصتهم الوطنية وسردية نضالهم عبر التاريخ من أجل بناء عُمان واستقلالها وتشكيل المبادئ والقيم التي تأطر مساراتها نحو المستقبل. ويؤكد جلالة السلطان المعظم في هذا الاختيار لليوم الوطني أن الماضي/ التاريخ لم يكن في يوم من الأيام مجرد صفحات تطوى أو تأثث بها المكتبات ولكنه أساس متين تبنى عليه استراتيجيات الحاضر وخطط المستقبل.. وعُمان قادرة على إعادة استلاهم تاريخها وشحن طاقاتها من جذورها التاريخية الراسخة.

الثوابت التي لا تُمس

كان واضحا في خطاب جلالته التركزي على موضوع الاستقرار والأمن والأمان وربطهما بكل ازدهار يمكن أن يتحقق في أي دولة من الدول، ولذلك كان يؤكد نجاح العمانيين عبر التاريخ فإن أن يكونوا "صفا واحدا كالبنيان المرصوص يسيرون على بصيرة مصدرها العقيدة السمحة، نابذين كلّ تعصب رافضين كل استقطاب يجزِّئ الأمة ويفت في عضدها متمسكين بكل ما يجمعهم على الحق مبادرين للخير وثـابـين لبناء وطنهم وأمتهم".

وهذا خير يحمد العمانيون ليه ربهم الذي جعلهم نموذج استثنائي لدولة استطاعت الحفاظ على استقلال قرارها السياسي.. وهذا الأمر مرده بعد توفيق الله سبحانه وتعالى إلى الوعي العميق الذي تشربه العمانيون عبر تجاربهم التاريخية وعبر المخاضات الكبيرة التي خاضوها خلال القرون الماضية ففهموا جميعا معنى الاستقرار وضرورته لبناء أي نهضة واستمرار أي كيان سياسي.. وأصبح هذا الوعي عبر الوقت فلسفة آمنت بها عُمان وبنت عليها توازناتها الداخلية والخارجية وشكلت ثنائياتها التي تقوم على فكرة المزج بين الحداثة والمعاصرة وبين الحفاظ على الهوية الوطنية وبين الانفتاح على العالم وتجاربه الأمر الذي أعطى عُمان القدرة على التفاعل مع الآخر دون أن تمس ثوابتها ودون أن تتماهى في العولمة رغم أن استفادت من معطيات العصر وثوراته التكنولوجية.

بناء الإنسان أولا

إذا كان استعادة الأسلاف هو استعادة للتاريخ فإن الحديث عن رؤية عمان 2040 هو حديث عن المستقبل؛ ولذلك ركز الخطاب كثيرا على الرؤية فكان أحد أهم محاورها.. لكنّ الخطاب أيضا لم يناقش الرؤية بوصفها خطة اقتصادية ولكنها مشروع حضاري هدفه بناء الإنسان والارتقاء به.. ولذلك جاء الحديث عن تحسين الخدمات وتعزيز الكفاءة عبر شراكة وثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.. ويتحول هنا المواطن إلى هدف وغاية من كل محاور الرؤية وتطبيقاتها التنفيذية.

وفي الحقيقة فإن رؤية عُمان في مجملها هي تلك الرؤى والأحلام التي كانت تدور في ذهن جلالة السلطان المعظم وهو يقول بعد أن سمع وسمعت عُمان كلها وصية السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه: "الحمد لله على كل حال"، أو وهو يقف يطاول شموخ الجبال أمام مجلس عُمان. ويعرف أن مسار تنفيذها ليس بالأمر السهل في ظل التحديات التي تعصف بالعالم وما ظهر بعد ذلك من تحديات جسام ليس من السهل تجاوزها.

ونجحت الرؤية في سنواتها الأربع الأولى في إحداث تغيرات جذرية في المشهد العمانية ولكن حجم التغيرات ما زال في بدايته وإن كانت المرحلة التأسيسية توشك على الاكتمال والتي شهدت بناء منظومة من القوانين والتشريعات الجديدة التي تتواكب مع طموحات ومسارات الرؤية وخططها التنفيذية. وضعت الرؤية عُمان على خارطة التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل خاصة بعد اليقين أنه لم يعد هو مسار المستقبل الأمثل. ولذلك كان حديث جلالة السلطان المعظم في خطابه عن تطوير الموانئ والمناطق الحرة والمناطق الصناعية المتكاملة يأتي في سياق الرؤية نفسها وفي سياق طموح جلالته أن يجعل عمان محورا أساسيا في الاقتصاد العالمي الجديد الذي يقوم على الطاقة الخضراء المتجددة في المقام الأول. لكن لا بد من الوقوف عند نقطة مهمة ركز عليها الخطاب تصريحا وتلميحا والتي تتمثل في أن التنوع الاقتصاد الذي تسعى له عمان لا يهدف فقط للوصول إلى التوازن المالي وإلى الاستدامة بل هو أداة لتعزيز السيادة؛ فالاعتماد على الذات الاقتصادية يحرر القرار السياسي من الضغوط الخارجية، ويمنح الدولة مرونة أكبر في مواجهة التحديات. وهذا الأمر جربته عُمان وخبرته خلال السنوات الخمس الماضية وفي عز الأزمة المالية التي كان يعاني منها العالم أجمع.

الشباب: الرهان الأكبر

ركز خطاب جلالة السلطان المعظم التاريخي على الشباب، أو يمكن القول أن الخطاب كان يخاطب أجيال الشباب، يخاطب فيه أجيالا ينتظر منها أن تحمل راية التغيير وراية إعلاء مكانة عمان بعد أن حدثهم عن صنيع أسلافهم وعظمتهم وتضحياتهم من أجل بقاء راية عُمان خفاقة في السماء. وشباب عُمان هم في عمق رؤية عمان 2040 ولذلك كان الحديث عن المؤاءمة بين التعليم وبين سوق العمل والحديث عن توفير فرص تدريبية وإطلاق مبادرات تدعم ريادة الأعمال.. وهذا الأمر في مجمله استثمار في الشباب وفي بناء وطنهم الأمر الذي يمكنهم من حمل راية عُمان عالية خفاقة. لكن كعادة جلالة السلطان المعظم عبر كل خطاباته وأحاديثه إلى المواطنين لم يقف، فقط، عند البناء التقني أو فرص التدريب وحدها ولكنه توقف مليئا عند البناء الأخلاقي والقيمي.. فالشباب في فلسفة جلالة السلطان وفكره ليسوا عمالا في آلة الاقتصاد المحلي أو العالمي ولكنهم مواطنون يحملون في طموحاتهم تطلعات أمة بأسرها. يقول جلالته في خطابه "نسعى دائما لتعزيز الجهود والبرامج الحكومية للحفاظ على إرثنا الأخلاقي والقيمي والسلوكي وعلى تبني مبادرات حكومية ومجتمعية واسعة تُمكن هذه الأجيال من استلهام موروثنا الوطني والتسلح بمبادئه الصافية والاحتكام لمنظومتنا الأخلاقية السامية".

وتعكس هذا الخطاب وما سبقه من خطابات لجلالة السلطان المعظم إرداكا بأن أي تقدم اقتصادي أو سياسي لن يكون مستداما دون هوية واضحة.. وهذه الهوية، تستمد قوتها من تاريخ عُمان وثقافتها، وهي قادرة على أن تجعل التنمية في عُمان تنمية شاملة، تتجاوز الماديات لتشمل الإنسان في كل جوانب حياته.

العدالة ركيزة للنهضة المستدامة

تحدث جلالة السلطان المعظم عن العادلة في مسارين في خطابه مسار داخل ومسار دولي يشمل العالم أجمع. في المسار الداخلي تحدث جلالته عن العدالة عبر تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية التي تسعى لتحقيق عدالة اجتماعية بين الجميع.

ودعا جلالة السلطان المعظم عبر طرح تقدمي يتجاوز الفهم الضيق لهذا العالم الذي نعيش فيه دول العالم "للتضافر من أجل بناء عالم تسوده قيم الإنسانية والعدالة، تحترم فيه مقدسات كـل أمة وهويتها ودينها ومعتقداتها وأخلاقها، وكرامة الإنسان فيه مصانة وحقوقه مكفولة في عالم ينشأ شبابه في توازن وانسجام بين أساسه الروحي ومتطلباته المـادية". وهذا الطرح يتوافق مع السياسية التي تتبنها عُمان عبر العقود الماضية وهي التي أكسبت عمان مكانتها بين الأمم والشعوب. لكن هذه الدعوة تأتي عبر فهم عميق لتحولات العالم التي تعيد اليوم تشكيل الإقليم من حولنا والعالم أجمع وفق مبادئ العولمة وسيادة الأقوى: الأقوى عسكريا واقتصاديا.

**

في المجمل إن الخطاب التاريخي، بالنسبة لعُمان وتاريخها وبالنسبة لجلالة السلطان نفسه، استطاع أن يقفز فوق المناسبة ليكون خارطة طريق يكشف بشكل واضح جدا كيف يمكن لعُمان أن تستند إلى إرثها التاريخي وتصوغ مستقبل مشرقا يتماشى مع متغيرات العصر.. ما يجعل عُمان تتحول إلى أنموذج لدولة الحكمة والتوازن المستمد من تجاربها التاريخية الطويلة التي ستبقى تنير لها دروب المستقبل المشرق وتكون سندا لها في تجاوز التحديات والعواصف التي تهب على هذا الإقليم المضطرب بالضرورة.

وهذا السير العماني نحو المستقبل مربوط بجذورها بوعي تام بمسوؤليتها الحضارية والأخلاقية.

كان الخطاب إذا وثيقة مهمة تكشف رحلة الأمة العمانية التي عرفت بحق كيف تصنع تاريخها وكيف تستمر اليوم في كتابة فصول جديدة فيه بنفس الوهج ونفس الحماس والمسؤولية ونفس الطموح.

فتحية لأسلاف عُمان وما سطروه من أمجاد عظيمة وتحية لأجيال عُمان التي تصنع المستقبل.

وتحية لسلطان عُمان الذي يكرم التاريخ ويضيء المستقبل.

وتحية لتلك الهمة التي يحملها ولذلك العزم الذي يحيط به.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحدیث عن فی خطابه فی خطاب من أجل

إقرأ أيضاً:

الإمارات تقود العالم نحو استشراف المستقبل وجاهزية مواجهة الأزمات

أبوظبي: وام


اختتمت القمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025، أعمالها أمس في مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك»، وسط توافق دولي لافت على ضرورة تسريع التحول نحو أنظمة استجابة أكثر تكاملاً وابتكاراً، وتعزيز العمل المشترك العابر للحدود في ظل بيئة عالمية تتسم بالغموض والتقلبات السريعة.
وجاءت القمة بتنظيم من الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، وبرعاية كريمة من سموّ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، وانعقدت على مدار يومين تحت شعار «معاً نحو بناء مرونة عالمية» بمشاركة دولية واسعة.

محطة استراتيجية محورية


وأكد علي سعيد النيادي، رئيس الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، أن القمة شكلت محطة استراتيجية محورية لترسيخ مكانة دولة الإمارات نموذجاً رائداً في مجال استشراف المستقبل وبناء منظومات وطنية ودولية متكاملة لإدارة الأزمات.
وقال إن القمة بما شهدته من مشاركات دولية رفيعة وتوصيات عملية، أثبتت أن الاستجابة للمخاطر العالمية المعقدة لم تعد مسؤولية وطنية فحسب، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب بناء جسور التعاون والتكامل بين الدول والمؤسسات، وتعزيز القدرات المؤسسية، وتطوير أدوات تحليل المستقبل، لافتاً إلى أن تعزيز المرونة لا يقتصر على تعزيز القدرات الأمنية أو التكنولوجية، بل يشمل أيضاً الاستثمار في الإنسان، وتبني سياسات مرنة تواكب التغيرات، وبناء ثقافة مجتمعية قادرة على التفاعل مع الأزمات باحترافية ومرونة.
وأضاف أن الجاهزية لا تُبنى في أوقات الأزمات، بل تُصنع في أوقات الاستقرار، ومن هنا فإن الهيئة تلتزم بمواصلة العمل مع كافة الشركاء لبناء منظومة وطنية ودولية مستعدة ومتكاملة تسهم في ضمان أمن المجتمعات واستدامة التنمية.
وأكد أن مخرجات القمة تمثل خريطة طريق طموحة للسنوات القادمة، وستكون محوراً لعدد من المبادرات والمشاريع التي ستطلقها الهيئة بالتعاون مع شركائها محلياً ودولياً.
وشهدت فعاليات اليوم الثاني للقمة كلمة رئيسية لفاديم سينيافسكي، وزير الطوارئ البيلاروسي، بعنوان «توقُّع اللا متوقَّع: تخفيف الغموض الاستراتيجي» ركز فيها على تعزيز الاستعداد لمواجهة العقبات غير المتوقعة بتوجه استراتيجي، فيما ألقى لي دي وو، نائب مدير مركز القيادة في وزارة إدارة الطوارئ الصينية كلمة رئيسية بعنوان «القيادة الاستراتيجية: تعزيز الصمود الوطني» استعرض فيها النهج الاستراتيجي للصين في إدارة الطوارئ، مع تسليط الضوء على نظام القيادة الموحد الذي يعزز القدرة الوطنية على الصمود، والوقاية من المخاطر، والاستجابة السريعة للكوارث.
وتضمنت المحاور الرئيسية لليوم الثاني من القمة محور إدارة الغموض: بناء المرونة في عالم متغير، إذ شهدت فعالياته سلسلة من الجلسات المتخصصة، بدأت بكلمة افتتاحية لحمد سيف الكعبي، مدير إدارة حوادث المواد الخطرة في الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، بعنوان «إدارة الغموض: الحفاظ على الوضوح»، سلّط فيها الضوء على أهمية استباق التحديات والارتقاء بمرونة أنظمة الطوارئ، من خلال تعزيز التفكير الاستراتيجي وسط بيئة عالمية مملوءة بالتقلبات.
وتلتها كلمة رئيسية لغراسيموف أنتون اندرفيج، نائب وزير الاتحاد الروسي للدفاع المدني وحالات الطوارئ وإزالة آثار الكوارث الطبيعية، بعنوان: «إدارة عدم اليقين من خلال التعاون الدولي في الاستجابة للأزمات»، تناول فيها آليات تعزيز التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف لتوحيد الجهود في مواجهة الأزمات الكبرى، مشدداً على أهمية بناء جسور الثقة وتقاسم الموارد والمعلومات بين الدول.

دور الذكاء الاصطناعي


وفي محاضرة «التعامل مع عدم اليقين: الذكاء الاصطناعي ومستقبل التواصل في الأزمات»، استعرض فيليب بورمانس، خبير التواصل الاستراتيجي، دور الذكاء الاصطناعي في صياغة خطط اتصال ديناميكية خلال الكوارث، وكيفية استخدامه لتعزيز الرسائل الاستباقية والوصول الفعّال إلى المجتمعات المتأثرة.
واختُتمت جلسات المحور بمحاضرة لمارتن ييتس، مستشار التكنولوجيا الحكومية في شركة «بريسايت»، بعنوان «توظيف البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي التوليدي لإدارة الاستجابة لحالات الطوارئ»، استعرض فيها حلول تقنية متقدمة لتسريع اتخاذ القرار وتحسين التنسيق بين الجهات المعنية عبر توظيف تحليلات البيانات والأنظمة الذكية، ما يعزز دقة الاستجابة وسرعة التعافي من الأزمات.
وفي جلسة «الاقتصاد المتكيف: نماذج جديدة للمرونة المالية» ركز محور الاقتصاد المتكيف على أهمية بناء اقتصادات مرنة قادرة على التكيف مع التحديات الطارئة والمخاطر المستقبلية.
واستهلت لوريتا هيبر جيرارديت، رئيس فرع المعرفة بالمخاطر والرصد وتنمية القدرات في مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، هذا المحور بكلمة بعنوان «الاقتصاد المتكيف: الاستثمار من أجل مستقبل أفضل»، تناولت فيها سبل تعزيز الاستثمارات التنموية المستدامة وبناء بيئة اقتصادية قادرة على الصمود في وجه الأزمات.
وتبعتها بجلسة ثانية بعنوان «تعزيز الاقتصاد: نهج قائم على تعديل المخاطر» أكدت فيها ضرورة تبني سياسات اقتصادية مرنة تعتمد على فهم دقيق لمخاطر الكوارث وتضمينها في صلب استراتيجيات التنمية، ما يتيح تعزيز المرونة الاقتصادية ويضمن استمرارية واستدامة الاقتصاد في مختلف الظروف.

بناء مستقبل مرن


وفي محاضرة «التوجه المشترك: بناء مستقبل مرن»، سلّط داغ ديتر، مستشار استثماري وخبير في الأصول التجارية العامة، الضوء على أهمية وجود منظومات اقتصادية قوية ومبتكرة تتسم بالمرونة وتستند إلى الحوكمة الفعالة والتخطيط طويل الأمد لضمان الجاهزية والاستقرار في مواجهة الأزمات.
وقدّم راشد عبد الكريم البلوشي، وكيل دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، كلمة بعنوان «تخفيف المخاطر لتحقيق اقتصادات مزدهرة» شدد خلالها على أهمية تنويع الاقتصاد والاستفادة من الشراكات الدولية والابتكار كركائز أساسية لتقليل التأثيرات الاقتصادية للأزمات، وتحقيق نمو شامل ومستدام.
واختُتم المحور بجلسة حوارية مشتركة بعنوان «التعاون العالمي: تعزيز الاقتصادات في أوقات الأزمات»، جمعت جميع المتحدثين في الاقتصاد المتكيف لمناقشة سبل تفعيل التعاون الدولي لتقوية دعائم الاقتصاد العالمي في ظل الأزمات، وذلك عبر تنسيق الجهود وتبادل الخبرات بهدف تعزيز المرونة الاقتصادية العالمية.
وقالت مريم ياعد القبيسي، المتحدث الرسمي للقمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025، في الكلمة الختامية التي أعلنت فيها أهم مخرجات وتوصيات القمة، إن القمة تُعتبر انعكاساً واضحاً للرؤية الإماراتية الراسخة بأهمية العمل المشترك وبناء جسور التواصل بين الدول، وقد أثبتت أن العمل الجماعي، حين يقترن بالرؤية والالتزام، بإمكانه أن يحول التحديات إلى فرص، ويصنع من الأزمات دافعاً للتطور.
وأضافت: «نحن، في دولة الإمارات، وبتوجيهات قيادتنا الرشيدة، نؤكد التزامنا بمواصلة دعم منظومة الاستجابة العالمية، عبر الاستثمار في العقول، وتطوير البنية التحتية الذكية، وتعزيز دور المجتمعات».
وأشارت إلى أن الهيئة أصدرت التقرير الختامي للقمة، والذي يضم خلاصة ما أنتجته نخبة العقول اللامعة ليكون بمثابة خريطة طريق للمستقبل، ونبراساً يهدي جميع الجهات ذات العلاقة في الخطط والاستراتيجيات والمشاريع المستقبلية، مؤكدة أن هذا التقرير المهم للتذكير بالمسؤوليات التي أخذناها على عاتقنا خلال هذه القمة لجعل العالم مكاناً أفضل.

وخرجت القمة العالمية لإدارة الطوارئ والأزمات 2025 بتوصيات:


التوصية الأولى، تعزيز التعاون الدولي لإدارة الطوارئ؛ إذ برزت الحاجة بشكل واضح إلى تعزيز التنسيق الدولي في مجال الاستجابة للأزمات، حيث أكد المشاركون عدم قدرة أي دولة على مواجهة الأزمات الكبرى بمفردها، ما يُبرز أهمية تبني نماذج فعّالة للتعاون الإقليمي، إضافة إلى تطوير بروتوكولات دولية موحّدة للطوارئ لتحقيق استجابة أسرع وأكثر تنسيقاً إلى جانب توسيع برامج التدريب العابرة للحدود في إدارة الأزمات بهدف تعزيز التوافق بين الجهات المسؤولة عن إدارة الطوارئ، إضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص لتوحيد الجهود وتكامل الموارد استعداداً للكوارث.
وتمثلت التوصية الثانية في بناء استراتيجيات مجتمعية لتعزيز المرونة، حيث أكد العديد من الخبراء أهمية تمكين المجتمعات المحلية في إدارة الطوارئ، مستشهدين بتجارب دولية رائدة أظهرت أهمية دور الإشراك المجتمعي في تعزيز المرونة والاستجابة للطوارئ والأزمات، إضافة إلى دمج برامج الاستعداد المجتمعي للكوارث ضمن السياسات الوطنية، إلى جانب تعزيز شبكات الاستجابة المحلية من خلال تأهيل الجهات المحلية وتزويدها بالموارد اللازمة، إضافة إلى ضمان شمولية استراتيجيات الاتصال أثناء الأزمات لتصل بفاعلية إلى جميع فئات المجتمع.
والتوصية الثالثة هي «توظيف الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في إدارة الأزمات، برز الذكاء الاصطناعي كقوة مؤثرة في الاستجابة للطوارئ، حيث تم استعراض الخصائص والاستخدامات المتقدمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث، ورصد المخاطر، وتحسين كفاءة المساعدات الإنسانية، وتضمنت توصيات القمة، توسيع نطاق أنظمة الإنذار المبكر القائمة على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالكوارث وتعزيز الاستجابة الاستباقية وعمليات الإجلاء إلى جانب تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف عن المعلومات المضللة للحد من انتشار المعلومات المغلوطة خلال الأزمات، فضلاً عن تطوير منصات متكاملة لإدارة الأزمات بالذكاء الاصطناعي لتوحيد جهود الاستجابة بين مختلف القطاعات والدول».
وتضمنت التوصية الرابعة، تعزيز القيادة واتخاذ القرار خلال الأزمات، تم تسليط الضوء على أهمية القيادة خلال الأزمات، حيث أكد الخبراء ضرورة وجود قيادة مرنة وحاسمة قادرة على اتخاذ القرارات بسرعة وفاعلية، فيما شملت تضمين التدريب على القيادة في إدارة الأزمات ضمن مؤسسات الاستجابة للطوارئ لتحسين عمليات اتخاذ القرار، إلى جانب تشجيع القيادات على تبنّي إستراتيجيات تكيفية تعتمد على البيانات الآنية والتغيرات المستمرة خلال الأزمات، فضلاً عن تطبيق أدوات التقييم الذاتي لقادة الأزمات لمساعدتهم على تطوير أساليبهم بشكل مستمر.
وتضمنت التوصية الخامسة، تعزيز المرونة الاقتصادية لمواجهة الكوارث، تم التأكيد من خلال هذا المحور على أهمية الاستعداد الاقتصادي كعامل محوري في التعافي من الأزمات، حيث استعرضت القمة تجارب دول أثبتت أن امتلاك المرونة المالية القوية يسهم في سرعة التعافي من الصدمات الاقتصادية، فيما تضمنت، دمج السياسات الاقتصادية الواعية بالمخاطر ضمن التخطيط الوطني، إلى جانب تطوير أُطر لإدارة الميزانيات الحكومية بما يضمن توفير احتياطيات مالية مخصصة لمواجهة حالات الطوارئ، فضلاً عن توسيع نطاق آليات التمويل المبتكرة لتلبية احتياجات الاستجابة الإنسانية.
وتم خلال القمة توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون والعمل المشترك، حيث وقّعت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث مذكرة تعاون مع «مجموعة بيورهيلث»، بهدف تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مجالات الاستجابة الطبية للطوارئ والأزمات والكوارث، وتطوير منظومة الرعاية الصحية باستخدام أحدث التقنيات والحلول الرقمية، إلى جانب التعاون في إعداد برامج تدريبية وتخصصية، وتبادل الدراسات والخبرات العلمية، ووضع خطط استمرارية الأعمال.
كما أبرمت الهيئة مذكرة تفاهم مع «كلية أبوظبي للإدارة»، بهدف توطيد التعاون في مجال إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، والعمل المشترك في تصميم وتقديم برامج أكاديمية وتدريبية متخصصة، وتعزيز البحث العلمي المشترك، واستكشاف تطبيقات مبتكرة للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.
وشملت مجالات مذكرة التفاهم تنظيم مؤتمرات ومنتديات مشتركة تسهم في تبادل المعرفة، وتسليط الضوء على أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال الحيوي.
وفي إطار توسيع التعاون الدولي، وقّعت الهيئة مذكرة تفاهم مع وزارة حالات الطوارئ في جمهورية قيرغيزستان لتعزيز تبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة الكوارث والتقليل من آثارها.
وتنصّ المذكرة على تبادل الأبحاث العلمية والدعم الفني، والتعاون في مجالات الاتصالات والوقاية، وتوسيع نطاق العمل التطوعي، إضافة إلى تقديم المساعدة المشتركة في مواجهة آثار الكوارث الطبيعية والناجمة عن الأنشطة البشرية.

مقالات مشابهة

  • عُمان وهولندا .. شراكة تتجدد في زمن التحولات الكبرى
  • هل يبدو المستقبل قاتمًا في هذه اللحظة؟
  • الاثنين.. جلالة السلطان يغادر البلاد متوجها إلى مملكة هولندا
  • ما الذي يحدث في العالم؟
  • ما الذي يحدث في العالم ؟
  • نيابة عن المقام السامي.. السيد شهاب يتوج الفائزين بـ"كأس جلالة السلطان للهجن"
  • الإمارات تقود العالم نحو استشراف المستقبل وجاهزية مواجهة الأزمات
  • جلالةُ السلطانِ المعظّمِ يُصدِر مرسومًا سلطانيًّا ساميًا
  • جلالة السلطان يصدر مرسوما ساميا
  • المطية مخايل تتوج بكأس جلالة السلطان للهجن