ما الشاهقة المائية التي شوهدت في السعودية مؤخرا؟
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في ظاهرة نادرة أشبه بمشاهد الأساطير، شهدت سواحل منطقة "رابغ" غرب السعودية ظهور شاهقة مائية، وهو حدث جوي استثنائي يسمى كذلك "التنين المائي".
وكما يتم تصوير التنين في الأساطير الشعبية بالكائن الضخم ذي الجسم الثعباني والأجنحة الكبيرة التي تمكنه من الطيران، مع قدرته على نفث النار، فإن الشاهقة المائية تتصاعد رياحها الهائجة، في حين يلتف حولها الماء كما يلتف الدخان حول التنين وهو ينفث النيران، وتمتد الشاهقة من السحاب إلى سطح الماء كعنق طويل يتراقص بعنف وسط العاصفة.
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة نادرة، حيث يتم رصدها في دول مثل الولايات المتحدة (خاصة ساحل فلوريدا) وأستراليا، فإن السعودية وغيرها من دول الخليج لم تكن معتادة على رؤيتها إلا في فترات متباعدة.
ومع ذلك، يثير ظهورها في هذا التوقيت تساؤلات عن الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وهل هي نتيجة التغيرات المناخية التي تركت بصماتها على طقس الخليج في السنوات الأخيرة.
الشاهقة المائية دائمة الظهور في الدول التي تطل على المحيطات المفتوحة (شترستوك) كيف تتشكل الشاهقة المائية؟يقول أستاذ علوم البحار الفيزيائية بمعهد علوم البحار المصري، أحمد رضوان، إن "شرح الظاهرة وآليات حدوثها قد يفسر ظهورها الأخير في السعودية، وكذلك ظهورها قبل ذلك في شتاء 2022 على سواحل إمارة الفجيرة بدولة الإمارات".
إعلانوتحدث هذه الظاهرة عندما تلتقي تيارات هوائية دافئة ورطبة من سطح البحر مع تيارات هوائية باردة وجافة من الطبقات العليا في الجو، مما يؤدي إلى تكون دوامة قوية تتجمع فيها المياه على شكل عمود دوار.
ويوضح رضوان أنه "عادة ما تتهيأ هذه الظروف في المياه الدافئة (حوالي 26 درجة مئوية وما فوق)، ولذلك فهي دائمة الظهور في الدول التي تطل على المحيطات المفتوحة، حيث يكون هناك تباين كبير في درجات الحرارة بين الهواء والمياه، ومع ذلك، لم تكن تحدث في دول الخليج العربي، لأن المياه، رغم أنها دافئة نسبيا، فإن حرارتها لم تكن مرتفعة بما يكفي لتوفير الطاقة اللازمة لتشكيل دوامة هوائية قوية".
والجديد الذي بدأ يطرأ على مناخ الخليج العربي هو ارتفاع درجات حرارة المياه، بسبب موجات الحرارة البحرية الناتجة عن التغير المناخي، مما ساعد على توفير البيئة المناسبة لظهور "التنين المائي"، كما يشير رضوان.
وموجات الحرارة البحرية هي فترات طويلة من ارتفاع غير طبيعي في درجات حرارة سطح البحر مقارنة بالمعدل المعتاد لهذه المنطقة في الفترة الزمنية نفسها، وتمثل هذه الظاهرة تغيرات حرارية كبيرة تدوم لفترة من الزمن.
ووفقا لدراسة نشرتها دورية "دييب سي ريسيرش بارت تو" حول "ديناميكيات موجات الحر البحرية في الخليج العربي"، تشهد مياه المنطقة زيادة ملحوظة في كل من تكرار وشدة موجات الحرارة البحرية، حيث ترتفع درجات حرارة سطح البحر في المنطقة بمعدل 0.36 درجة مئوية لكل عقد.
وتشهد بعض المناطق زيادات تصل إلى 0.7 درجة مئوية لكل عقد، وهذه الزيادة تتجاوز المعدل العالمي الذي يتراوح بين 0.06 درجة مئوية و 0.08 درجة مئوية لكل عقد، مما يجعل الخليج العربي من أكثر المناطق تأثرا بموجات الحرارة البحرية.
الفرق الرئيسي بين الشاهقة المائية والأعاصير الاستوائية هو أن الشاهقة المائية، دوامة بحرية صغيرة الحجم نسبيا وتستمر لفترة قصيرة (شترستوك) ظاهرة ليست مفاجئةويقول رضوان "مع هذه الزيادات الواضحة، ستصبح مشاهد مثل الشاهقة المائية معتادة، مثلما أصبحت الأعاصير معتادة أيضا، للسبب نفسه وهو ارتفاع درجة حرارة المياه".
إعلانوشهدت دول الخليج خلال الـ5 سنوات الماضية أعاصير غير معتادة، وهو ما توقعته دراسة أميركية نشرت قبل 10 سنوات في دورية "نيتشر كلايميت تشينج"، حيث توقعت أن تتشكل أعاصير استوائية للمرة الأولى في الخليج العربي جراء التغير المناخي وآثار ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقالت الدراسة إن المياه الضحلة والدافئة للخليج العربي، التي لم تسجل أي أعاصير من قبل، قد تولد العواصف في المستقبل كآثار جانبية لظاهرة الاحتباس الحراري.
ويوضح رضوان أنه "وفقا لما ذهبت إليه هذه الدراسة، فليس من المفاجئ بالنسبة لنا ظهور الشاهقات المائية في الخليج، لأنها تتشكل للأسباب نفسها التي تؤدي إلى تكون الأعاصير، مع اختلافات في الحجم والمفعول".
ويشرح "الشاهقة المائية تتشكل عندما تلتقي تيارات هوائية دافئة ورطبة من سطح البحر مع تيارات هوائية باردة وجافة من الطبقات العليا في الجو، أما الأعاصير الاستوائية، فتتكون عندما تلتقي تيارات هوائية دافئة ورطبة مع تيارات هوائية باردة، لكن على نطاق أكبر بكثير، وتكون الأعاصير الاستوائية عبارة عن دوامات هوائية عمودية تؤدي إلى تكوين مركز ضغط منخفض يجذب الهواء الدافئ والرطب، مما يخلق دوامة قوية".
ويوضح أنه "في كل من الشاهقة المائية والأعاصير الاستوائية، يكون هناك تيار هوائي صاعد، حيث يرتفع في الأولى الهواء الرطب إلى السماء، مما يؤدي إلى تكاثف بخار الماء وتشكيل السحب، وفي النهاية يتكون العمود المائي، أما في الأعاصير الاستوائية، فيتصاعد الهواء الرطب من سطح البحر نتيجة لارتفاع درجة حرارة المياه، مما يساهم في تكوين السحب والعواصف الشديدة".
ويضيف "الفرق الرئيسي بين الشاهقة المائية والأعاصير الاستوائية هو أن الشاهقة المائية، دوامة بحرية صغيرة الحجم نسبيا وتستمر لفترة قصيرة (من بضع دقائق إلى 10 دقائق)، وتكون الرياح أقل قوة من الأعاصير الاستوائية، ولكنها قد تسبب أضرارا إذا كانت قريبة من السواحل، أما الأعاصير الاستوائية، فهي دوامات بحرية كبيرة الحجم، تدوم لفترة أطول، ويمكن أن تؤدي إلى أضرار واسعة النطاق نتيجة الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة".
إعلان لا مجال للتوقعوكما أنه لا مجال لتحديد مكان وزمان وصول الأعاصير بدقة، فإن التحدي يكون أكبر مع الشاهقات المائية. ويقول رضوان "يمكن باستخدام نماذج الطقس العالمية وتكنولوجيا الأقمار الصناعية مراقبة الظروف الجوية التي قد تساهم في تشكيل الأعاصير، ويساعد ذلك على توقع حدوث إعصار استوائي قبل أيام أو أسابيع قليلة من وصوله إلى مرحلة تشكيله الكامل، ولكن تحديد مكان وزمان وصوله بدقة يظل تحديا".
ويضيف "الوضع يكون أصعب مع الشاهقات المائية، فعلى الرغم من أنه يمكن تحديد الظروف التي تسبق تشكيلها، فإن التنبؤ بها يصعب أكثر بسبب قصر فترة حياتها (من بضع دقائق إلى 10 دقائق)".
وعليه، فإن ظهور الشاهقات المائية أو ما يعرف بـ"التنين المائي" في السعودية، يعكس تزايد تأثيرات التغير المناخي على المنطقة، ومع ارتفاع حرارة مياه البحر نتيجة لموجات الحرارة البحرية، قد نشهد ظهور المزيد من هذه الظواهر، وهذا يفرض علينا ضرورة فهم هذه الظواهر وتحليلها بشكل دقيق لمواجهة تحديات التغير المناخي، ولحماية السواحل والنظم البيئية البحرية من تأثيراتها المتزايدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
منتخبنا.. ومكاسب وصافة كأس الخليج
أحمد السلماني
لم يكن منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم بعيدًا عن مُعانقة اللقب في بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 26" بالكويت، لكنَّ سقطةً لمدربنا القدير كلفتنا اللقب الثالث وكُنَّا أحقَّ به، غير أن الوصافة التي حققها منتخبنا بعد مشوار حافل لم تكن مجرد مركز شرفي؛ بل عكست تطورًا واضحًا وبوادر طيبة لمستقبل أكثر إشراقًا. بينما قد يخفي التتويج باللقب بعض العيوب، فإنَّ هذه النتيجة سلطت الضوء على إيجابيات مهمة تستحق التوقف عندها والبناء عليها في الاستحقاقات القادمة.
دخل منتخبنا البطولة بروح متجددة وطموح عالٍ، رغم الغيابات المؤثرة بسبب الإصابات وغياب أسماء مؤثرة بدورينا ولم تكن ضمن خيارات المدرب، إلا أن الأسماء التي شاركت أثبتت جدارتها، وظهر بعض اللاعبين بمستويات مبهرة طمأنت الجماهير العُمانية لما يمكن أن يقدمه الأحمر في التصفيات الآسيوية. يبدو أن الأحمر بمن حضر.
واحدة من أبرز المكاسب كانت استعادة الهوية الكروية المميزة للكرة العُمانية، التي تعتمد على أسلوب "خذ وهات" واللعب السلس والاستحواذ الممتع، وهو ما جعل أداء المنتخب محل إشادة واسعة. قدم اللاعبون لمحات فنية راقية وعروضًا ممتعة أكدت أن الفريق قادر على مقارعة كبار القارة بأسلوبه الخاص.
ظهر جليًا خلال البطولة أن المدرب استوعب إمكانيات اللاعبين ونجح في توظيفهم بالشكل الأمثل، كما أن اللاعبين أنفسهم أظهروا قدرة كبيرة على تطبيق فكر المدرب، وهو ما عزز من الانسجام داخل الفريق. هذا التناغم سيكون عاملًا مهمًا في التحضير للاستحقاقات القادمة، لا سيما التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.
في بطولات الخليج، دائمًا ما يكون العامل البدني عامل حسم في الأدوار المتقدمة، وقد ظهر منتخبنا بمستوى لياقي عالٍ ساعده على الاستمرار بنفس النسق حتى نهاية المباراة ولو بانخفاض نسبي بسيط لم نعتده. هذه الجاهزية تعكس عملًا بدنيًا كبيرًا قام به الجهاز الفني، ما يمنح المنتخب أفضلية تنافسية في المباريات القوية والحاسمة.
ومن الأمور الإيجابية التي برزت في مشوار المنتخب قدرته على العودة في المباريات رغم التأخر في النتيجة، وهو ما يعكس شخصية قوية وإصرارًا ذهنيًا عاليًا لدى اللاعبين. هذه السمة ستكون سلاحًا هامًا في التصفيات الآسيوية، حيث تحتاج المنتخبات الطامحة للتأهل إلى المونديال إلى هذه العقلية القتالية.
بعد هذا الأداء المشرف، أصبح واضحًا أن المنتخب جاهز للمنافسة بقوة في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم. الأداء الجماعي والانضباط التكتيكي والقدرة على مجاراة المنتخبات القوية كلها مؤشرات تؤكد أن المنتخب يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق حلم الوصول للمونديال ولو من باب المُلحق.
ورغم الإيجابيات الكثيرة، والدعم والجهد الكبير الذي تم تقديمه من الوزارة والاتحاد، إلّا أنه لا يمكن تجاهل ما حدث لجماهير الأحمر الوفية في النهائي؛ إذ عانى المشجع العُماني من مشكلات تنظيمية كبيرة، خاصةً فيما يتعلق بتوزيع التذاكر وعدم الاستفادة من كامل الحصة المُخصَّصة للمنتخب.
ورغم إعلان الجهات المسؤولة عن شراء 10 آلاف تذكرة لتوزيعها مجانًا، إلّا أن هذه التذاكر اختفت بسرعة غير مفهومة، فيما لم يتم ضمان حجز الـ14 ألف تذكرة المتبقية! مما أدى إلى سيطرة الجماهير البحرينية على المدرجات وتأثيرها الكبير في النهائي.
أعتقدُ أنَّ المُعضلة تنظيمية بحتة، تتعلق بتعدد المسؤولية بين الوزارة والاتحاد، وتتكرر في كؤوس الخليج، ولذا لا ينبغي أن يُعاني المواطن في دولة المؤسسات والسفارات في كل بقاع العالم من تحديات مثل التي حدثت في "خليجي 26"؛ إذ إنَّ هذه المؤسسات وُجِدَت لخدمة المواطن وعليها دور مُهم في مثل هذه المواقف.. وأخيرًا.. إنَّ تأسيس صندوق واحد يُدار من جهة واحدة لاستقطاب الدعم المقدم من القطاع الخاص والمؤسسات الرسمية والأهلية في مشاركات المنتخب الخارجية وبل في دعم الرياضة العُمانية، بات ضرورةً تنظيميةً مُلحَّةً.
رابط مختصر