ملاحقة النشطاء المصريين في الخارج ليست حلا
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
لم يكن الشاعر عبد الرحمن يوسف أول الملاحقين من النشطاء المصريين في الخارج، ولن يكون آخرهم، سبقه آخرون وسيلحقه آخرون، فنحن أمام نظام استبدادي، لا يؤمن بحرية التعبير، ولا بسيادة القانون، ويتصرف دوما بشريعة الغاب، ويريد الفتك بخصومه بكل القوة الغاشمة التي يمتلكها في الداخل، وبشبكة علاقاته مع أنظمة مشابهة في الخارج، مستبعدا اللجوء إلى الحوار أو حتى تطبيق القوانين العادية والمحاكم الطبيعية.
نجحت الثورة المضادة هذه المرة في اصطياد عبد الرحمن القرضاوي خلال وجوده على الأرض اللبنانية التي كان هو شخصيا كما آخرين غيره يتغنى بها، وبقدرتها على احتضان التنوع الديني والثقافي ليس من لبنان فقط بل من كل المثقفين العرب الذين لا يجدون راحة في بلدانهم.
احتفت أبو ظبي والقاهرة وغيرها من عواصم الثورة المضادة باعتقال عبد الرحمن، لكن للتذكير فإن هذه العواصم فشلت من قبل في اصطياد معارضين ونشطاء مصريين آخرين رغم أنها بذلت جهدا ومالا كبيرا لاصطيادهم، وعاشت أذرعها الإعلامية لحظات فرح غامرة لم تستمر طويلا. نذكر هنا الواقعة الشهيرة للصحفي أحمد منصور، مقدم البرامج في قناة الجزيرة والذي اعتقلته الشرطة الألمانية في مطار برلين يوم 20 حزيران/ يونيو 2015 بناء على مذكرة مصرية للإنتربول الدولي، ورغم كل الضغوط التي مارستها السلطات المصرية ومن خلفها بعض العواصم الخليجية، وبعض القوى الدولية الداعمة أيضا، إلا أن السلطات الألمانية اضطرت لإطلاق سراحه بعد يومين من احتجازه، بعد تيقنها من الوجه السياسي للطلب المصري، إذ لم يثبت أن منصور ارتكب أي جرائم تستحق التوقيف سوى التعبير عن الرأي وهو أمر مصان بموجب المواثيق الدولية.
نجحت الثورة المضادة هذه المرة في اصطياد عبد الرحمن القرضاوي خلال وجوده على الأرض اللبنانية التي كان هو شخصيا كما آخرين غيره يتغنى بها، وبقدرتها على احتضان التنوع الديني والثقافي ليس من لبنان فقط بل من كل المثقفين العرب الذين لا يجدون راحة في بلدانهم
تكرر الأمر بعد عامين وشهرين (15 آب/ أغسطس 2017) مع الناشط المصري عبد الرحمن عز، حيث تم القبض عليه في مطار برلين أيضا، بموجب طلب من الشرطة الدولية (إنتربول) صدر بناء على بلاغ من النظام المصري الذي طلب تسليمه إلى القاهرة، غير أن السلطات الألمانية اضطرت لإطلاق سراحه في اليوم ذاته بعد تيقنها من كيدية وسياسية المطلب المصري الذي لم يقدم ما يبرر احتجاز عز.
وفي الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ألقت السلطات الإماراتية القبض الناشط السياسي (والضابط السابق) شريف عثمان والذي يحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب المصرية، وكانت تستعد لترحيله إلى مصر، لكنها اضطرت لإخلاء سبيله بعد احتجاز طال 40 يوما، وعقب عودته إلى الولايات المتحدة شرع عثمان في مقاضاة السلطات الأمريكية (باعتباره مواطنا أمريكيا) وسلطات الإمارات التي احتجزته، وأيضا مجلس وزراء الداخلية العرب، والإنتربول الذي تماهى مع السلطات الإماراتية، حيث زعمت الإمارات في البداية أنها قبضت عليه وفقا لنشرة حمراء صادرة من الإنتربول، ثم اتضح لاحقا أن النشرة معممة من مجلس وزراء الداخلية العرب.
وفي الثاني من أب/ أغسطس 2018 احتجزت السلطات الإيطالية لساعات الدكتور محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية والبرلمانية الأسبق، في منطقة كوميسو جنوبي البلاد، بناء على طلب من السلطات المصرية استنادا إلى تهم جنائية ملفقة تتضمن الاعتداء على الممتلكات العامة والاغتصاب والنصب. وقد كشف الدكتور محسوب قي تغريدة له عقب اعتقال عبد الرحمن القرضاوي في لبنان أن الإمارات كانت وراء القبض عليه في إيطاليا من قبل.
وفي الثالث عشر من آذار/ مارس 2014 ألقت الشرطة السعودية القبض على الدكتور أكرم الشاعر، رئيس لجنة الصحة في مجلس الشعب المصري سابقا، بناءً على طلب مصري، ومن الإنتربول الدولي، ورغم احتفاء الإعلام المصري بتسليمه فعليا إلى مصر ، إلا أنه ثبت لاحقا أن لم يتم ترحيله، وظل في السعودية حتى غادر إلى دولة أخرى.
إلى جانب هذه الحالات البارزة هناك حالات أخرى لشخصيات ليست معروفة إعلاميا، ومنها احتجاز المغرب للطبيب المصري الذي يحمل أيضا الجنسية التركية، عبد الباسط الإمام، في مطار الدار البيضاء في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بناء على طلب مصري بحجة أنه محكوم بالسجن غيابيا في مصر، لكن القضاء المغربي أمر بإطلاق سراحه، وعاد بالفعل إلى تركيا، وتكرر الأمر مع آخرين، لكن في المقابل جرت بعض وقائع التسليم لمصريين دون ضجيج إعلامي من بعض الحكومات العربية خاصة الخليجية.
ينشط وزراء الداخلية العرب في تعقب المعارضين السياسيين في بلدانهم، وقد وقعوا بعض الاتفاقيات للتعاون المشترك بينهم، منها اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وبموجب هاتين الاتفاقيتين تتقدم مصر للحكومات العربية الأخرى بطلبات تسليم للمعارضين السياسيين، ومن ذلك ما حدث لعبد الرحمن يوسف ومن سبقوه.
وقد انتقدت منظمة منا لحقوق الإنسان دور مجلس وزراء الداخلية العرب في "القمع العابر للحدود"، وذلك في تقرير أصدرته في آب/ أغسطس 2023، ذكر أن تلك الاتفاقيات تسمح بإجراء عمليات التسليم ذات الدوافع السياسية، والتي يحظرها بشكل صريح الميثاق العربي لحقوق الإنسان، كما أكدت أن مجلس وزراء الداخلية العرب ليس لديه هيئة رقابة تعمل على تنقية لوائح أوامر الاعتقال من انتهاكات أنظمتها، ولا تمنح الأفراد المستهدفين إمكانية تقديم طلبات الوصول أو المطالبة بإزالة أوامر الاعتقال المنشورة ضدهم. وأشار التقرير إلى أنه في الحالات الحديثة تؤدي عمليات اعتقال وتسليم الأفراد المطلوبين التي ينفذها مجلس وزراء الداخلية العرب إلى انتهاك معايير حقوق الإنسان الدولية، مثل مبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لم تكتف السلطات المصرية بهذه الاتفاقيات بل عمدت إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول لتسليم المطلوبين، وقد حاولت مؤخرا عقد اتفاق مع ماليزيا التي سلمت حكومتها السابقة 5 مصريين، لكن الحكومة الماليزية الحالية رفضت إبرام اتفاقية تعاون أمني بين البلدين تسمح بتسليم المطلوبين الأمنيّين من الجانبين، اعتقال أو تسليم معارضين يقيمون في الخارج لا يعد نصرا يحتفل به، ولا يفت في عضد أصحاب القضايا الذين قدموا الكثير دفاعا عن قناعاتهم، الحل هو عودة الجيش إلى ثكناته، واستعادة المسار الديمقراطي بشكل كاملبسبب تعارض المطلب المصري مع القيم الحقوقية التي تلتزمها ماليزيا، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالمعارضة السياسية، والنشطاء السياسيّين، والأحكام القضائية ذات الطابع السياسي.
لا تعترف الدول الغربية والدول المتقدمة عموما بأحكام القضاء المصري الهزلية الصادرة بحق سياسيين معارضين، ولا تعترف بما يسمى قوائم الإرهاب التي تضعها السلطات المصرية لملاحقة خصومها، حيث تحظر مبادئ القانون الدولي عدم تسليم اللاجئين السياسيين، بل تلزم المواثيق الدولية الدول المضيفة بعدم تسليم الأفراد الملاحقين على خلفية قضايا سياسية استنادا إلى اتفاقية جنيف لعام 1951، لكن غالبية الدول العربية لا تمانع في تسليم المعارضين المصريين، فهي دول لا تعرف الديمقراطية ولا سيادة القانون أو حقوق الإنسان، كما أنها تطارد بدورها معارضين سياسيين لها يقيمون في دول أخرى.
اعتقال أو تسليم معارضين يقيمون في الخارج لا يعد نصرا يحتفل به، ولا يفت في عضد أصحاب القضايا الذين قدموا الكثير دفاعا عن قناعاتهم، الحل هو عودة الجيش إلى ثكناته، واستعادة المسار الديمقراطي بشكل كامل.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصريين حقوق الإنسان مصر حقوق الإنسان انتربول ملاحقة مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس وزراء الداخلیة العرب السلطات المصریة عبد الرحمن فی الخارج بناء على
إقرأ أيضاً:
بديل الثانوية العامة.. خبر يهم المصريين من الحكومة بشأن البكالوريا
علق المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء، على مقترح وتصور وزارة التعليم بشأن تطوير نظام الثانوية العامة " البكالوريا".
مدبولي يتفقد أنشطة معمل الابتكار الحكومي وبرامج بناء القدراتمدبولي يتفقد الاستعدادات النهائية لافتتاح المتحف المصري الكبيروقال محمد الحمصاني في مداخلة هاتفية مع الإعلامية فاتن عبد المعبود في برنامج " صالة التحرير " المذاع على قناة " صدى البلد"، :"وزارة التربية والتعليم قدمت مقترحًا لتحويل الثانوية العامة إلى نظام البكالوريا، وتم مناقشة الأمر لمدة ساعتين داخل مجلس الوزراء، والمقترح سيعرض على اللجنة الوزارية لمزيد من الدراسة".
وأكمل محمد الحمصاني :" بعد الوصول لمقترح متكامل لتطوير نظام الثانوية العامة سيتم طرح النظام للحوار المجتمعي قبل اتخاذ أي قرار نهائي بشان تطبيقه".
وتابع محمد الحمصاني :" لن يطبق نظام الثانوية العامة المقترح إلا بعد تطويره وطرحه للنقاش في حوار مجتمعي وتلقي كافة المقترحات عليه "