ليلى بنعلي…عنوان الفشل والعجز الذي قد يكلف المغرب خسارة رهان ريادة طاقة الهيدروجين الأخضر
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
زنقة 20. الرباط
بقلم: منصف الادريسي
في مشهد سياسي يوحي بالارتباك والعجز عن مواجهة التحديات، ظهرت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، تحت قبة البرلمان، ليس لتقديم حلول أو رؤى استراتيجية، بل لتقديم نفسها كشاهدة عيان على قطاع يقف على حافة التحولات الكبرى.
فخلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة والحكامة يوم الأربعاء الماضي، والذي خُصص لمناقشة الحكامة المالية للوكالة المغربية للنجاعة الطاقية وبرامجها المستقبلية، اختارت الوزيرة أن تُلقي بكامل العبء على المدير العام للوكالة، محمد بنيحيى، متجنبة تحمل مسؤوليتها كقائدة يفترض أنها تقود قطاعًا استراتيجيًا وحيويًا.
تحت قبة البرلمان، حيث الكلمات لا تعني شيئًا ما لم تترجم إلى أفعال، لم تقدم ليلى بنعلي سوى خطابٍ فارغ، يفتقر إلى العمق السياسي والمسؤولية الأخلاقية. بدت وكأنها تضع نفسها خارج المعادلة، محاولةً تصوير بنيحيى كالمسؤول الوحيد عن الإخفاقات، في تجاهل صادم لدورها القيادي.
هذا السلوك لم يمر دون ردود غاضبة، حيث انتفض برلمانيون عن حزب التقدم والاشتراكية، معتبرين تصريحات الوزيرة “هروبًا سياسيًا مكشوفًا”، وأكدوا أنها تهربت من تحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية أمام مؤسسة دستورية تُناط بها محاسبة المسؤولين لا تبرير فشلهم.
أحد برلمانيي الحزب لم يتردد في التصريح بشكل حاد: “السيدة الوزيرة تنصلت من مسؤوليتها بالكامل، وكأنها مجرد ملاحظة من الخارج.
أين هي من الاستراتيجية الوطنية للطاقة التي وضع أسسها جلالة الملك محمد السادس قبل 15 عامًا؟
وأين هي من قيادة هذا القطاع نحو تحقيق الأهداف الكبرى التي تحتاجها بلادنا؟
أن تلقي اللوم على المدير العام لوكالة تابعة لوزارتها هو تصرف غير مقبول سياسيًا وأخلاقيًا.”
وأضاف البرلماني نفسه أن الوزيرة “لم تُظهر أي نية واضحة لتحمل دورها المركزي في إعداد السياسات الطاقية وتنفيذها، وهو ما يُظهر عجزًا في القيادة وفقدانًا للرؤية.”
إن الدعوة الملكية الأخيرة لإعادة هيكلة الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، والتي تمثل جزءًا من رؤية شاملة للإصلاح الطاقي، كانت إشارة ملكية واضحة إلى الحاجة الملحة لتغيير شامل وجذري في القطاع.
كما أن توسيع اختصاصات الهيئة لتشمل الطاقات المتجددة، الغاز الطبيعي، والهيدروجين، لم يكن سوى خطوة أخرى ضمن خارطة طريق استراتيجية تهدف إلى تعزيز السيادة الطاقية المغربية.
ومع ذلك، فإن الوزيرة بنعلي، بدلًا من مواكبة هذه الدينامية الملكية، أظهرت عجزًا فاضحًا في التعامل مع التحديات الدولية والفرص الوطنية التي تلوح في الأفق.
في كواليس البرلمان، لم يكن الاستياء من تصريحات الوزيرة مقتصرًا على كلمات البرلمانيين، بل كان واضحًا على وجوههم، تعبيرًا عن شعور عارم بأن الوزارة تسير بلا قيادة سياسية حقيقية.
“المرحلة تحتاج إلى شجاعة سياسية ووضوح في الرؤية، لا إلى مراوغة وتحميل المسؤولية للآخرين”، يقول أحد البرلمانيين، مضيفًا أن “المغاربة بحاجة إلى من يقف بجانبهم في هذه المرحلة الحرجة من التحول الطاقي، وليس إلى من يتهرب من مواجهة الحقيقة.”
المغاربة الذين يتطلعون إلى تحقيق السيادة الطاقية وتحويل البلاد إلى قوة إقليمية في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر، يجدون أنفسهم أمام وزير لا يتحمل مسؤولياته، وقطاع يراوح مكانه بسبب غياب القيادة.
إن الرؤية الملكية واضحة، والتوجيهات السياسية حازمة، لكن الوزيرة بنعلي، التي كان يُفترض أن تكون في طليعة هذا الإصلاح، تبدو وكأنها غريبة عن تفاصيل القطاع وعن متطلبات المرحلة.
الزمن يمضي، والمغرب لا يمكنه الانتظار أكثر. إن استمرار هذا البطء في التحرك، وهذا العجز في إدارة الملفات، لن يؤدي سوى إلى خسارة فرص تاريخية يمكن أن تحول المملكة إلى نموذج عالمي في مجال الانتقال الطاقي.
المصدر: زنقة 20
إقرأ أيضاً:
اقتصاديات الملكية الفكرية في الرسائل الجامعية
بقلم: المحامية والباحثة في الملكية الفكرية د. رباب أحمد المعبي
لا شك أن الأفكار العظيمة تراود أذهاننا جميعًا بين الحين والآخر، إلا أن قلة قليلة من هذه الأفكار تجد طريقها إلى التنفيذ. في المملكة العربية السعودية، حيث تشهد نهضة علمية واقتصادية غير مسبوقة في ظل رؤية 2030 الطموحة وتطبيق الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، بات من الضروري التفكير في وسائل مبتكرة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الأفكار وتحويلها إلى مشاريع قابلة للتطبيق. وتعد المكتبات الجامعية في المملكة مستودعات غنية بنتاج الباحثين من الرسائل العلمية والبحوث التي أُشرف عليها وأُقرت من لجان جامعية متخصصة، مما يتيح فرصة كبيرة لاستثمار هذه الموارد الفكرية في تحقيق التحول المعرفي والاقتصادي.
إن سياسات الملكية الفكرية في الجامعات توفر الحماية القانونية للأفكار والابتكارات الناتجة عن الأبحاث العلمية. ومن هنا يأتي المقترح الذي يهدف إلى استثمار الرسائل العلمية والنظرية بشكل يدعم الباحثين والمؤسسات التعليمية على حد سواء. هذه الرسائل تعد مصدرًا هامًا للاستدامة والعوائد الاقتصادية، إضافة إلى الفرص التجارية على المستويين الوطني والعالمي. من خلال استخدام آليات قانونية مثل الطباعة والنشر والتسويق، يمكن تحقيق توازن اقتصادي مستدام يعود بالفائدة على الطرفين. وهذا يتطلب دراسة جادة من الجهات المختصة لتطبيق هذا النموذج، بما يسهم في تحفيز الاستثمار في المعرفة الأكاديمية وتنميتها.
لفهم هذا المقترح بشكل أفضل، يجب توضيح المصطلحات ذات الصلة. الباحث هو الشخص الذي يقوم بإجراء البحوث العلمية ويبتكر حلولًا وأفكارًا جديدة، وتُعتبر الرسالة العلمية ملكًا له كحقوق ملكية فكرية، إلا في حال تم الاتفاق على نقل بعض الحقوق إلى المؤسسة التعليمية. أما المؤسسات التعليمية فهي الجهات الأكاديمية التي تشرف على الأبحاث وتضمن تحقيقها للمعايير الأكاديمية، وفي بعض الأحيان تقوم بتمويل الأبحاث، ما يمنحها حقوق الملكية الفكرية لهذه الأبحاث. أما الإيداع والنشر العلمي فهو إجراء تنظيمي يُلزم الباحث بإيداع نسخة من أطروحته في مكتبة الجامعة لأغراض الحفظ والأرشفة وفق سياسات المؤسسة.
الملكية الفكرية تمثل الحقوق التي تحمي الفكر والإبداع الإنساني وتشمل حقوق المؤلف وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وغيرها. وإدارة الملكية الفكرية في الجامعات هي الجهة المسؤولة عن تنظيم هذه الحقوق وحمايتها واستثمارها بشكل متكامل يضمن تحقيق الفائدة لجميع الأطراف. أما الترخيص الإلزامي، فهو إذن يُمنح للغير لاستغلال المصنف دون موافقة المؤلف، مما يتيح للمؤسسات التعليمية الاستفادة من هذه الحقوق وفق ضوابط نظامية محددة.
في هذا السياق، تعد الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية أحد أهم أدوات تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. تهدف هذه الاستراتيجية إلى بناء منظومة متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني القائم على الابتكار والإبداع، من خلال تعزيز تنافسية الابتكار وتوليد أصول ملكية فكرية ذات قيمة اقتصادية واجتماعية عالية. كما تسعى الاستراتيجية إلى تحفيز الاستثمار التجاري في المنتجات القائمة على الملكية الفكرية، بما يعزز من قدرة المملكة على جذب الاستثمارات وتوليد العوائد الاقتصادية.
تشهد الجامعات السعودية إنتاجًا غزيرًا من الرسائل العلمية، التي يمكن تحويلها إلى منتجات معرفية تُطبع وتُنشر وتُتاح للجمهور المحلي والعالمي. المقترح المقدم يدعو إلى إنشاء شراكة بين الجامعات والباحثين، يتم من خلالها تقديم خدمات نشر الرسائل في المجلات العلمية، وطباعة المصنفات، وتسويقها، وترجمتها، والترويج لها على المستوى العالمي. يتم ذلك مقابل تخصيص نسبة من العائدات للمؤسسة التعليمية، بما يحقق فائدة مشتركة للطرفين.
هذا التعاون يمكن أن يحقق نقلة نوعية في استثمار الرسائل العلمية من خلال تحويلها إلى موارد اقتصادية ومعرفية. النشر في المجلات العلمية المرموقة يسهم في رفع التصنيف الأكاديمي للمؤسسات التعليمية، كما أن الترجمة والترويج يعززان من سمعة الباحث ومكانته العلمية. انتشار الأبحاث على نطاق واسع يدعم النمو الاقتصادي القائم على المعرفة ويجذب الاستثمارات، مما يبرز دور الجامعات كمؤسسات منتجة للمعرفة تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني وزيادة القيمة المضافة. بهذا، يمكن للجامعات السعودية أن تكون في طليعة المؤسسات التي تسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة الطموحة.
والله أعلم وأحكم.