تحرير ود مدني.. نصر إستراتيجي يعيد رسم مشهد الحرب في السودان
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في مشهد تاريخي يحمل دلالات عميقة على التحولات الجارية في السودان، نجح الجيش السوداني يوم السبت 11 يناير 2025، في تحقيق نصر إستراتيجي كبير بالسيطرة على مدينة ود مدني، ثاني أكبر مدن البلاد وعاصمة ولاية الجزيرة.
وهذا الإنجاز الميداني لا يعكس فقط تفوقًا عسكريًا، بل يحمل أبعادًا وطنية وإنسانية تؤكد قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة في صراع يهدد وحدة السودان واستقراره.
تقع ود مدني في قلب السودان، وتشكل عقدة وصل رئيسية بين العاصمة الخرطوم ومناطق الشرق والجنوب، باعتبارها عاصمة ولاية الجزيرة، تحتل المدينة مكانة اقتصادية كبيرة لاحتضانها مشروع الجزيرة الزراعي، الذي يُعد من أهم مصادر الإنتاج الزراعي والغذائي في البلاد.
ولا تمثل السيطرة عليها فقط نجاحًا عسكريًا، بل تأمينًا لخطوط الإمداد الحيوية والبنية التحتية التي تعزز من قدرة الجيش على التوسع نحو مناطق أخرى.
تحمل المدينة أيضًا ثقلًا اجتماعيًا وسياسيًا، حيث تُعرف بدورها التاريخي في دعم الوحدة الوطنية، تحريرها يعكس التفافًا شعبيًا حول الجيش، الذي يُنظر إليه كرمز للوحدة الوطنية واستعادة الدولة.
تداعيات النصر على الدعم السريعخسارة قوات الدعم السريع لمدينة ود مدني تشكل ضربة كبيرة لهذه الميليشيا، التي كانت تعتمد على السيطرة على المدن الكبرى لإبراز قوتها، وتأتي هذه الخسارة في سياق سلسلة من الهزائم التي تعكس تراجع قدرتها القتالية والتنظيمية أمام جيش منظم وعريق مثل الجيش السوداني.
والدعم السريع، الذي يعتمد على تكتيكات غير تقليدية، يواجه صعوبات متزايدة في مواجهة جيش يتمتع بهيكل تنظيمي قوي وتدريب مكثف. فقدانه لود مدني يعني تقلص نفوذه، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا في التأثير على المشهد السياسي والاقتصادي.
الأبعاد الإستراتيجية للانتصارتحرير ود مدني لم يكن مجرد نصر عسكري، بل خطوة إستراتيجية أسهمت في تغيير توازن القوى داخل السودان، السيطرة على المدينة تتيح للجيش السوداني الانطلاق نحو مناطق جديدة، مثل القضارف وسنار، مما يعزز من قدرته على حصار فلول الدعم السريع.
هذا الإنجاز أيضًا يعزز من الشرعية الشعبية للجيش، الذي أظهر كفاءة في التخطيط والتنفيذ، مما أكسبه دعمًا متزايدًا من مختلف شرائح المجتمع.
ومع دخول الجيش إلى ود مدني، عمت الاحتفالات المدن السودانية، حيث نزل المواطنون إلى الشوارع رافعين الأعلام السودانية ومرددين الأناشيد الوطنية.
هذه الاحتفالات لم تكن مجرد مظاهر فرح عفوية، بل رسالة واضحة على وحدة الشعب خلف جيشه في مواجهة التحديات الوطنية.
الشعب السوداني، الذي تحمل معاناة الحرب والدمار، وجد في هذا الانتصار بارقة أمل لاستعادة الأمن والاستقرار، الهتافات والشعارات التي رُفعت خلال الاحتفالات أكدت أن الجيش يمثل إرادة وطنية جامعة.
تحديات ما بعد التحريررغم أهمية الانتصار الذي تحقق، فإن المرحلة المقبلة تحمل في طياتها تحديات كبيرة تواجه الجيش السوداني، فعمليات تأمين المدينة ومنع أي محاولات لاستعادتها من قِبل قوات الدعم السريع تتطلب جهودًا عسكرية مكثفة وخططًا إستراتيجية مُحكمة ودقيقة.
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تبرز الحاجة الملحة للتعامل مع الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب، فمع نزوح آلاف الأسر، تصبح المرحلة المقبلة بحاجة إلى جهود مكثفة لإعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وإعادة تأهيل البنية التحتية التي دُمرت بسبب الصراع.
وتُظهر سيطرة الجيش على مدينة ود مدني أهمية التوجه نحو حلول سياسية شاملة تُنهي الصراع بشكل نهائي، فبالرغم من أهمية الانتصارات العسكرية، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلًا عن التسويات السياسية التي تعيد للسودان وحدته وتُخرجه من دوامة الحرب المستمرة.
يجب أن تشكل هذه الانتصارات العسكرية نقطة انطلاق نحو بناء سلام شامل ومستدام، وذلك من خلال حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف الفاعلة، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تحافظ على سيادة البلاد ووحدتها.
إن تحرير ود مدني يمثل لحظة تاريخية فارقة في مسار الصراع السوداني، ولكنه في الوقت نفسه يضع مسؤوليات جسيمة على عاتق الجيش والشعب السوداني معًا، ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا النصر، يجب أن يكون هدفًا لترسيخ الوحدة الوطنية وبناء مستقبل مشرق يتخطى آثار الحرب، وهذا يتطلب تعاونًا وطنيًا واسعًا ودعمًا دوليًا فعالًا لتجاوز التحديات الإنسانية والتنموية التي نتجت عن سنوات الصراع الطويلة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجيش الخرطوم الدعم السريع ود مدني المزيد الدعم السریع ود مدنی
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يعلن سيطرته على مواقع إستراتيجية في الفاشر
أعلن الجيش السوداني، اليوم الأربعاء، أنه تمكن من بسط سيطرته على مواقع إستراتيجية في مدينة الفاشر شمال دارفور، بعد معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع.
وأكد الإعلام العسكري السوداني أن القوات المسلحة، بدعم من حركات الكفاح المسلح والقوات المشتركة، تمكنت من إفشال خطط الدعم السريع وإضعاف قدرتها القتالية في المنطقة.
وبحسب بيان الجيش، فقد شنت قوات الدعم السريع هجوما مكثفا على الفاشر، مستخدمة أكثر من 50 طائرة مسيّرة مصحوبة بقصف مدفعي استمر لأكثر من 6 ساعات، إلا أن الجيش تمكن من تدمير 7 مسيّرات قبل أن تصل إلى أهدافها، إلى جانب تدمير عربتين قتاليتين وشاحنة نقل كانت تقل عناصر من الدعم السريع.
وأوضح البيان أن قوات الدعم السريع حاولت استغلال القصف المدفعي لتغطية انسحاب بعض عناصرها من الفاشر، إلا أن يقظة الجيش والقوات المشتركة حالت دون ذلك، إذ تمكنت الدفاعات الأرضية من إفشال أي محاولات للتسلل عبر المحور الشمالي الغربي للمدينة.
تعزيز الأمنإلى جانب العمليات العسكرية، نفذت لجنة دعم أسر العسكريين بالفرقة السادسة مشاة، بالتعاون مع ديوان الزكاة بولاية شمال دارفور، مبادرة "كيس الصائم"، حيث تم توزيع المساعدات الغذائية على 950 أسرة من أسر العسكريين، في خطوة تهدف إلى التخفيف من معاناة الأهالي المتضررين من الصراع.
إعلانبدوره، أكد الجيش في بيانه أن مدينة الفاشر لا تزال تحت سيطرة القوات المسلحة، وأن الوضع فيها آمن ومستقر، مشددا على استمرار العمليات العسكرية حتى تطهير المنطقة بالكامل من قوات الدعم السريع.
كما جدد الجيش عزمه على مواصلة الانتصارات واستعادة الأمن والاستقرار في كامل البلاد.
وتأتي هذه التطورات وسط تصعيد مستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم دارفور، حيث تسعى الأخيرة إلى توسيع نفوذها في المنطقة، بينما يحاول الجيش استعادة السيطرة على المدن الإستراتيجية.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن المعارك في الفاشر قد تكون نقطة تحول في مسار الحرب الدائرة منذ أبريل/نيسان 2023، حيث تمثل المدينة بوابة حاسمة للسيطرة على دارفور.