مرحلة جديدة حرجة بدأت مع الانتفاضات العربية عام 2011، وتتطورت  معها  سياسة الشد والجذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث جلبت تلك الفترة ومازالت تحديات أمنية خطيرة لكلا الجانبين فيما يتعلق بالمنطقة التي لديهما فيها مصالح استراتيجية حيوية.

حتى أن مخاوف الاتحاد الأوروبي دفعت المفوضية الأوروبية إلى إطلاق "أجندة إيجابية" في عام 2012 تهدف إلى معالجة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط من خلال التعاون الوثيق مع تركيا، و أيدت دول الاتحاد الأوروبي، التي ذكرت أن تركيا والكتلة يمكن أن تكون أقوى إذا اتحدت، المبادرة بسبب الأهمية الاستراتيجية لأنقرة في المنطقة.

وبسبب الافتقار إلى التقارب فيما يتعلق بمواقفها بشأن التطورات الإقليمية، فضلاً عن مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بعضوية تركيا المحتملة في الكتلة، فشلت في التعاون بشكل فعال والاستفادة من هذه المبادرة، ومع ذلك، وعلى الرغم من التوترات السياسية والخلافات بين القادة الأتراك وقادة الاتحاد الأوروبي، تعاونت أنقرة مع بروكسل في مسائل أمنية بالغة الأهمية طوال هذه الحقبة.

يعتقد صناع السياسات الأتراك أنه إذا تم منح تركيا العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين - والتي غالبًا ما يشار إليها بالعصر الذهبي للعلاقات التركية الأوروبية - فإن أوروبا كانت ستتمتع ببنية أمنية أكثر تكاملاً وقوة.

نظرًا لموقعها الراسخ داخل الهياكل الأمنية الغربية وصناعة الدفاع المتقدمة والقدرات العسكرية المثبتة، فإن تركيا في وضع جيد لتعزيز البنية الأمنية في أوروبا،  كما أن التهديدات الأمنية المتزايدة، بدءًا من العدوان الروسي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، تثبت بشكل أكبر الدور الحاسم الذي تلعبه تركيا في دعم أمن أوروبا.

ونظراً لهذا الواقع، دعا  وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى تحول في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وحث على العودة إلى عصر "ما قبل ساركوزي" ــ في إشارة إلى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي خدم من عام 2007 إلى عام 2012. وعلى مدى السنوات الأخيرة، أدى صعود زعماء مثل ساركوزي، الذي زعم أن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا، إلى تغذية الشكوك المتزايدة داخل النخبة التركية وزيادة المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي بين عامة الناس.

وعلاوة على ذلك، فإن التحوط التكتيكي لتركيا، مثل نهجها تجاه مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، أدى إلى تعميق الشكوك داخل الاتحاد الأوروبي، وقد أوضح "فيدان" في السابق أن تركيا لن تكون مهتمة بالانضمام إلى هذه المنظمات إذا كانت بالفعل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

وهذا يشير إلى أن أنقرة لا تسعى بجدية إلى الانضمام إليها. وعلى الرغم من التوترات المستمرة مع الاتحاد الأوروبي، فإن الموقف الجيوستراتيجي لتركيا يفرض عليها السعي إلى تعاون أوثق مع أوروبا. وفي المقابل، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتخلى عن موقفه المنافق وأن يعترف بتركيا كشريك حيوي للتعاون.

في حقبة ما بعد الانتفاضات، كان الاتحاد الأوروبي هو الذي سعى إلى التعاون التركي في مواجهة التحديات الإقليمية، وليس العكس. وفي مارس 2016، وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع تركيا تهدف إلى وقف تدفق الهجرة غير النظامية عبر تركيا إلى أوروبا، ومع ذلك، فشلت هذه الصفقة في تحقيق النتائج المتوقعة للعلاقات التركية الأوروبية.

وتدعو أنقرة الآن إلى تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على أساس بناء وموجه نحو النتائج، وخاصة بعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أنقرة الشهر الماضي، والتي أشارت إلى رغبة الجانبين في إعادة بدء حوار سياسي رفيع المستوى. وأعلن فيدان أنهما اتفقا من حيث المبدأ على عقد قمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في عام 2025 للتنسيق بشأن كيفية المضي قدما في كل هذه القضايا.

نافذة جديدة من الفرص مفتوحة الآن أمام الاتحاد الأوروبي للتعاون مع تركيا..

إذن، لماذا يشكل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أهمية كبيرة في الاستراتيجية الإقليمية للاتحاد الأوروبي؟

مع انهيار نظام الأسد، يمكن لسوريا، التي غيرت بشكل جذري في السابق ديناميكيات العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، أن تكون بمثابة نقطة انطلاق رئيسية للتعاون، لقد كان سقوط نظام الأسد الشهر الماضي بمثابة نقطة تحول بالنسبة لسوريا والتي سيكون لها عواقب بعيدة المدى ليس فقط على المنطقة ولكن أيضًا على أوروبا.

وبعد مناقشات مع القيادة التركية، أشارت فون دير لاين إلى أن الاتحاد الأوروبي سيعزز مشاركته مع السلطة الجديدة التي أطاحت ببشار الأسد، لقد أصبحت سوريا نقطة محورية لكل من تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، ومن المرجح أن تؤكد أنقرة على أن اللحظة الحالية تقدم فرصة تاريخية في سوريا، وهي فرصة يمكن أن تكون بمثابة نقطة تحول للاستقرار الإقليمي وأمن أوروبا.

ولا شك أن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم ستكون محوراً مركزياً للمناقشات السياسية الأوروبية، وفي حين أن هذا وقت من عدم اليقين الكبير في سوريا والمنطقة بشكل عام، فإنه يقدم أيضاً فرصة فريدة للتعاون.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: تركيا الاتحاد الأوروبي المزيد الاتحاد الأوروبی فی

إقرأ أيضاً:

حرائق أمريكا هل توقف تهديدات ترامب للشرق الأوسط ؟

بعد مرور يوما واحدا فقط من تصريح دونالد ترامب خلال مٌؤتمره الأخير بمنتجع مار إيه لاجو عن تحول الشرق الأوسط إلى جحيم، اندلعت حرائق غير مسبوقة في ولاية كالفورنيا، وخاصة مدينة لوس أنجلوس أدت إلى تدمير أكثر من ألف منزل وتفحم مساحات واسعة من الولاية.

وتشير تقديرات إلى أن الخسائر الاقتصادية الناتجة على حرائق كاليفورنيا ولوس أنجلوس ستتجاوز الـ 16 مليار دولار، والتي نتجت عن حرائق غابات في ماوي، وهي ثاني أكبر جزر هاواي، قبل عامين.

ومن المتوقع أن تكلف حرائق الغابات القاتلة في لوس أنجلوس أكثر من 50 مليار دولار من الأضرار، لتصبح واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ الولايات المتحدة.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ربط نشطاء بين تهديد «ترامب» باندلاع الجحيم في الشرق الأوسط، وبين حرائق كاليفورنيا ولوس أنجلوس، وعلق العديد قائلًا: «ترامب يٌهدد يوم أمس بإشعال الشرق الأوسط واليوم لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية تشتعل.. ولا يعلم جنود ربك إلا هو».

وقال آخرون: «مشاهد من ولاية كاليفورنيا الأمريكية.. النار في قلب أمريكا وليس الشرق الأوسط»، «ترامب توعد أهل غزة بالجحيم إذا لم يتم إطلاق سراح المحتجزين فأتاه الجحيم».

وعلق البعض: «قال ترامب إن لم يتم إطلاق سراح المحتجزين قبل استلامي السلطة، فسيتحول الشرق الأوسط إلى جحيم، فيشاء أن تعوم ولاية كبيرة من ولايات أمريكا في جحيم».

مقالات مشابهة

  • هل يملك ترامب رؤية واضحة لقطاع غزة؟
  • إسبانيا تعلن مساندة تركيا في سوريا
  • الهلال يصدم البليهي بعرض التجديد
  • مُغردون يستذكرون مقولة ترامب عن «جحيم» بالشرق الأوسط إذا لم يُسلَّم الرهائن في غزة
  • أمجد مصطفى يكتب: 50 عاماً على الميلاد الجديد لكوكب الشرق
  • حرائق أمريكا هل توقف تهديدات ترامب للشرق الأوسط ؟
  • عمر السومة ينضم إلى العروبة السعودي
  • فرصة ترامب لتحديد مستقبل الشرق الأوسط
  • مسعود بارزاني يبحث مع القنصل الإيراني الجديد في أربيل أوضاع الشرق الأوسط