المحاولة الانقلابية في تشاد.. الفاعل المجهول!
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
ليلة الأربعاء الماضي، نجحت السلطات التشادية في إفشال محاولة انقلابية بعد اقتحام مسلحون للقصر الرئاسي في إنجمينا، بعد استبسال قوات الحرس الرئاسي، حيث قتل (18) مسلحا وأصيب (6)
التغيير: تقرير – كمبالا
تصنف القارة الأفريقية خلال السنوات القليلة الماضية كأحد أسخن المناطق في العالم من حيث النزاعات والحروب الأهلية التي تجعلها دومًا متخلفة عن ركب التطور والحداثة، ويجعلها ترزح تحت وطأة الجهل والفقر، ودائمًا ما يكون المتهم فيها الدول المستعمرة.
وليلة الأربعاء الماضي، نجحت السلطات التشادية في إفشال محاولة انقلابية بعد اقتحام مسلحون للقصر الرئاسي في إنجمينا، بعد استبسال قوات الحرس الرئاسي، حيث قتل (18) مسلحا وأصيب (6) رهن الاعتقال مقابل مقتل جندي، لكنها تركت العديد من التساؤلات خاصة بعد عدم اتهام الرئيس التشادي محمد إدريس دبي أي جهة بالوقوف خلفه، والهدف منه، فضلًا عن تداعياته الداخلية والخارجية.
ملاسنات لفظية
المحاولة الانقلابية الفاشلة حدثت بعد (48) ساعة من الملاسنات اللفظية بين التصعيد بين فرنسا وتشاد.
ويرى مراقبون أن تصريحات إيمانويل ماكرون كان فيها شيء من التعالي والإجحاف في حق تشاد والدول الأفريقية التي لعبت دورًا في حماية الأراضي الفرنسية طوال العهود الماضية.
وذكّر ماكرون بأن “أيا من هذه الدول ما كان لها أن تستقل لولا التدخل الفرنسي لدعمها لنيل استقلالها، وأن أحدا منهم لا يستطيع إدارة دولة ذات سيادة من دون تدخل.
الاتفاقيات الأمنية
ولجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لهذا التصعيد بعد أنهت كل من بوركينا فاسو، ومالي والنيجر، “الاتفاقيات الأمنية الاستعمارية” مع فرنسا، وجاء قرار دبي، في خواتيم نوفمبر الماضي، بمثابة الضربة القاضية التي انتهت وجد فرنسا في أفريقيا، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في هذه الدول، وعدم نجاح باريس في حمايتها من الجماعات المسلحة.
تصريحات الرئيس الفرنسي أثارت حفيظة الحكومة التشادية التي جاء ردها على لسان وزير خارجيتها عبد الرحمن كلام الله الذي أعرب عن “قلقه العميق” إزاء هذا “الموقف المزدري تجاه أفريقيا والأفارقة”، مؤكدًا أن “التدخل الفرنسي كان لمصالح خاصة”.
رد ديبي
ولم يكتف محمد دبيي بتصريحات وزير خارجيته، حيث وصف الهجوم على القصر بالمحاولة اليائسة تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد.
وذكر ديبي في منشور عبر حسابه على فيسبوك، “المهاجمين الذين حاولوا تنفيذ هذا الهجوم الفاشل، جرى التصدي لهم بفضل شجاعة ويقظة الحرس الرئاسي، الذين تمكنوا من إحباط المحاولة”.
وأشار إلى أن “المهمة الآن تقع على عاتق القضاء للتحقيق في ملابسات الحادث وتحديد المسؤولين وتطبيق أقصى درجات العدالة.
عدم اتهام
ورغم عدم اتهام دبي لجهات بعينها تقف وراء هذا الهجوم الفاشل، إلا أن بعض المراقبون يرجحون أن تكون فرنسا وراء هذه المحاولة بعد أنهت تشاد الاتفاقيات الأمنية معها، لإجبار حكومة انجمينا لتوقيع اتفاق جديد لحماية نظام دبي الذي يعاني من تصدع بالداخل، ولم يفلح في إقامة انتخابات حرة ونزيهة، إلى جانب تدخله في حرب السودان بشكل واضح ودعمه لإحدى طرفي الصراع.
نفى المشتركة
فيما ذكرت تقارير غير رسمية تورط بعض حركات الكفاح المسلح في دارفور، المنضوية تحت راية “القوة المشتركة” التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني في حرب 15 أبريل 2023″، بأنها وراء هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة عشية الأربعاء الماضي.
إلا أن الناطق الرسمي باسم المشتركة أحمد حسين مصطفى، نفى مشاركة قواتهم في المحاولة الانقلابية، وقال في تصريح مقتضب لـ(التغيير)، من يروجون لهذا الحديث يريدون صرفنا عن الموضوع الأساسي”.
وأضاف: “سنقالتهم في كل المحاور حتى نحقق النصر الذي نعمل له في الوقت الحالي”.
وطالب مروجي تلك الشائعات بالكف عن هذا، “لأنها لا تجعلنا نحيد عن قتال المليشيا المتمردة التي قتلت وشردت المواطنين من منازلهم”.
احتقان سياسي
من جهتها، ترى الباحثة والمختصة في الشؤون الأفريقية دينا لملوم، أن الدولة التشادية تشهد حالة من الاحتقان السياسي وعدم الاستقرار الأمنى منذ وفاة الرئيس السابق “إدريس دبي” عام 2021، ويلازم حالة التوتر هذه، هشاشة الوضع الداخلي وانتشار الجماعات المسلحة، خاصة في ظل التحديات العديدة التي تضرب المنطقة، وحصار “نجامينا” بقوس من الأزمات، فذلك الشمال يوجد الصراع الليبى، وشرقًا تدار الحرب السودانية على صفيح ساخن، فضلًا عن عدوى الانقلابات التي شهدتها القارة الإفريقية مؤخرًا”.
وقالت دينا لملوم، في مقال بعنوان: “محاولة انقلابية واشتباكات عنيفة.. ما الذي يحدث في تشاد؟” كل هذه الأمور تساعد على تأجيج حدة التوترات وتفاقم الأوضاع الأمنية المضطربة، فى ظل كتلة من الشحنات المضادة لحكم “دبي” الابن، والتكالب الغربي على المنطقة، لا سيما الوجود الفرنسي على الأراضى التشادية ودعم باريس المستمر لدبي”.
وأضافت: “منذ أن تم الإعلان عن موعد الانتخابات المزمع عقدها فى 6 مايو المقبل، وازداد الوضع تعقيدًا، حيث حاول الحزب الاشتراكى بلا حدود اغتيال رئيس المحكمة العليا؛ مما أدى إلى تصاعد حدة الاشتباكات التي تمخض عنها مقتل زعيم المعارضة “يايا ديلو” واعتقال “صالح دبي” عم الرئيس الانتقالي، وهو ما يطرح التساؤل حول مستقبل دورة حياة الحكم الانتقالي العسكري في خضم هذه التوترات”.
وأوضحت الباحثة في الشؤون الأفريقيةـ أن تطور الوضع السياسي فى تشاد، بعد مقتل الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي، برزت التحالفات الإقليمية والدولية التى دعمت بقوة الصيغة الانتقالية التي تولى فيها المجلس العسكرى الانتقالي بقيادة محمد ديبى نجل الرئيس السابق مهام الحكم فى أبريل 2021، مع الوضع فى الاعتبار إجراء انتخابات رئاسية فى غضون 18 شهرًا على أقصى تقدير.
وأشارت إلى أن فرنسا والاتحاد الإفريقى قاما بدفع مسار الترتيبات الانتقالية، التى اصطدمت فى النهاية بقوانين المنظمة الإفريقية؛ بسبب عملية التغيير غير السلمى للسلطة، ولكن الحكومة الفرنسية بررت ذلك بعدم حدوث انقلاب عسكري على النظام الحاكم.
وتابعت: “لا يمكن اعتبار سلطة المجلس العسكرى الجديد غير شرعية مسؤولة عن تحول غير دستوري على غرار الانقلابات العسكرية التى شهدتها أنظمة أخرى مثلما حدث في مالي، أيضًا رفض رئيس البرلمان التشادي تولي مهام المرحلة الانتقالية خلّف فراغًا دستوريًا لم يكن له أن يُحل بالطرق القانونية المألوفة، كما أن التخوفات التى أُثيرت بشأن احتمالية انغماس البلاد فى نفق الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي كان يوجب حتمًا منح المؤسسة العسكرية زمام الأمور فى البلاد وقيادة هذه المرحلة الانتقالية بالرغم من غياب التوافق السياسي الوطني حول ذلك”.
غير صحيح
إلا أن ثمة رأى مغاير ذهب إليه الصحفي التشادي، سعيد أبكر أحمد، بأن وسائل الإعلام سارعت بأنه الهجوم قد حدث من جماعة بوكو حرام، أو بسبب الأحداث في السودان، أو بسبب رحيل القوات الفرنسية فذلك غير صحيح جملة وتفصيلاً، وينبغي على القنوات التي قالت ذلك الاعتذار للمشاهدين.
وقال أبكر في تغريدة على حسابه بمنصة “اكس” إنّ ما حدث في القصر الرئاسي في تشاد، عند السابعة وأربع وأربعين دقيقة توقفت شاحنة صغيرة تحمل عمالًا تشاديين أمام بوابة القصر (البوابة الرابعة) كان أولئك العمال يحملون أسلحةً بيضاء (سواطير – سكاكين – مناجل) هاجموا بها الحرس الموجود على البوابة، سقط أحد أولئك الجنود على الفور، بينما فتح الجندي الآخر النار على المهاجمين.
وأضاف: “في غضون ذلك وصلت قوة عسكرية مدججة من البوابات العسكرية، وقتلت (19) شخصاً من المهاجمين وأسرت (6) منهم، وبحسب الرواية التي صدرت من المهاجمين فإنّ أحد المشعوذين قد خدعهم وسكب لهم مادة في الشراب، وأخبرهم أنّ الواحد منهم لن يكون مرئياً بعد الشراب وبإمكانه فعل أي شيء وذلك أمرٌ لا يصدقه عاقلٌ ولا يرضَ به سويٌ.
وتابع: “لكن تحليلي في المسألة يختلف جداً، ثمة صراع حقيقيٌ بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي على السلطة.
وأردف: “كانت السلطة عند الجنوب منذ الاستقلال أغسطس 1960 حتى عام 1980 ثم جئنا واستلمنا السلطة منهم حتى اللحظة، مع غياب العدالة الاجتماعية، وزيادة الهوة الاقتصادية، وتبني الخطاب العنصري والجهوي.
وأشار الصحفي التشادي، إلى أن الأحزاب الجنوبية بدأت تتململ من الوضع، فهم أكثر حظاً في التعليم ويسيطرون على مؤسسات الدولة وظيفياً، ونسبة الوعي لديهم فيما يتعلق بالحريات والحقوق أعظم أثراً، وخرجوا في مظاهرات عارمة في أكتوبر 2022 تعامل معها الرئيس محمد كاكا بعنفٍ، ولعل ما حدث من آثار العنف الذي فتح شهية الانتقام وذلك يفسر القصة الحقيقية لأحداث الثامن من يناير إذ أن بعض المهاجمين قد قُتل ذويهم وأقاربهم في العشرين من أكتوبر ويريدون الانتقام من الحرس الرئاسي الذي كان السبب الرئيسي وراء ذلك”.
الوسومتشاد فرنسا مالي محمد ديبي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: تشاد فرنسا مالي محمد ديبي
إقرأ أيضاً:
السعودية تدين استهداف القصر الرئاسي في العاصمة التشادية
دانت المملكة العربية السعودية، الهجوم الذي استهدف القصر الرئاسي في العاصمة التشادية أنجمينا، وأسفر عن مقتل جندي وإصابة آخرين.
وأكدت الخارجية السعودية -في بيان أوردته وكالة الأنباء السعودية السبت - موقف المملكة الثابت بدعم كل ما يعزز أمن جمهورية تشاد واستقرارها، ورفض أي تهديد لهما.
كما أعربت الوزارة عن خالص تعازي المملكة لأسرة الضحية ولحكومة وشعب تشاد، متمنية الشفاء العاجل لجميع المصابين.
اقرأ أيضاًروسيا تدين بشدة الهجوم الإرهابي الذي استهدف القيادة الشرعية في تشاد
مصر تدين استهداف القصر الرئاسي في تشاد
وزير الخارجية: لجنة مشتركة بين مصر وتشاد لمراجعة المشروعات والعمل على تنفيذها