صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-15@04:19:27 GMT

النسق الرأسمالي في حرب السودان

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

النسق الرأسمالي في حرب السودان

 

النسق الرأسمالي في حرب السودان

محمد بدوي

في البدء التهاني للصديقات والأصدقاء المسيحيين بكافة طوائفهم بأعياد الميلاد المجيدة، والتهاني بحلول العام ٢٠٢٥، أتمنى ان يكون عام سلام مستدام لجميع النزاعات وأخص بذلك حرب أبريل ٢٠٢٣ بالسودان.

استهل الكتابة في ٢٠٢٥ بالسمة الرأسمالية لحرب أبريل ٢٠٢٣ بالسودان، حيث لا يزال أفق وقف الحرب رازحا تحت وطاة رغبة الأطراف المتقاتلة، بعد أن خفت صوت المدنيين أصحاب المصلحة الحقيقين في اتخاذ مواقف مواحدة تفضي لالتقاطهم القفاز لوقف الحرب، لا أود الخوض في الأسباب لكن هذا الغياب مهد لتطورات مفصلية قد تهدد بقاء السودان موحدا، مثل مقترحات حكومة الظل التي قد يراها البعض قد برزت في الربع الاخير من ديسمبر٢٠٢٤، لكن حقيقة الأمر انه مقترح ظل في بعض الأجندة منذ يوليو ٢٠٢٣ وذلك لغياب التأسيس لمركز وطني للعمل الجاد والمشترك لوقف الحرب .

في هذا المقال كما أشرت فقد خصص وفقا للعنوان أعلاه فقد دفعت التطورات على الأرض بما كفاني عناء الشرح والاسهاب، أولها في ٨ يناير ٢٠٢٤ اعلنت حكومة جنوب السودان عن إعادة ضخ بترول دولة جنوب السودان عبر الأراضي السودانية إلى ميناء بورتسودان، وقد توقف الضخ في اكتوبر ٢٠٢٣ نتيجة للحرب بالسودان، مما انعكس في تراجع قيمة الجنيه الجنوب سوداني إلى أدنى مستوياته، حيث كان الدولار الأمريكي يساوي ٨٠٠ جنيه جنوب سوداني قبل بدء الحرب ليصل إلى حوالي ٣٥٠٠ جنيه جنوب سوداني للدولار الواحد،  انعكس ذلك في ارتفاع الأسعار وملاحظ في عجر الدولة عن دفع رواتب العاملين في قطاعات واسعة لعدة اشهر،  الواقع يشير إلى أن إعادة الضخ لم يتم الا بموافقة طرفي الحرب في السودان، ونتيجة ذلك المساهمة في وقف التراجع الاقتصادي وما قد ينتج عنه في الجنوب، الالتزام يقابله بالضرورة ضمان الانسياب للضخ، الذي يمكن ترجمته بحماية الخط الناقل، في المقابل رفض الأطراف اي مساع لوقف الحرب أو حماية الاعيان المدنية، إذن اثبت الأطراف بانهم يمكن أن يتفقوا على مصالح أخري لكن ليس وقف الحرب.

في التاسع من يناير ٢٠٢٥ صرح وزير المالية السوداني الدكتور جبريل ابراهيم ان جملة الذهب المستخرج في العام ٢٠٢٤ بلغ ٦٤ طنا تم تصدير نصف هذه الكمية، بالنظر إلى التصريح فهو يشمل مناطق سيطرة الجيش بما يعني أن الاحصائية لا تشمل مناطق سيطرة الدعم السريع، الأمر الثاني هو استمرار الاستخراج والتصدير للذهب في سياق الحرب، هذا بالضرورة يعني استقرار مناطق التعدين بعيدا عن الاقتتال، وهنا مربط الفرس فالقصف الجوي والمدفعي وسرقة الممتلكات جلها تستهدف المدنيين، بمعنى أن المناطق الآمنة هي المرتبطة بالموارد مقابل القصف الذي تشهده تلك المناطق التي يستظل بها المدنيون طلبا للسلامة، مع غياب المقترحات الجدية بإنشاء مناطق امنة يلتزم الأطراف بعدم الاعتداء عليها، كما يثور السؤال عن عائدات الذهب والصمغ العربي الذي استمر أيضا تصديره منذ بدء الحرب، لعل الاجابة على السؤال سيظل قائما نظريا اما عمليا فالاجابة تكمن في استمرار الحرب والاسلحة التي لأول مره تشهدها حرب من حروب السودان منذ الاستقلال مثل المسيرات والمدرعات الحديثة التي تعرف في قاموس الأطراف بـ”المنظومة” لميزة التحكم عن بعد في  إطلاق المسيرات والمقذوفات، حداثة هذه الأسلحة تدفع إلى ضرورة تقصي منشأ صناعتها، لأن ما خلفته من انتهاكات في مواجهة المدنيين، يجعل الربط بينها وبين الموارد الوطنية المستغلة في أوقات النزاع امر راجح، بما يكشف الأطراف الخارجية ذات الارتباط.

عطفا على كمية الذهب المستخرجة في ٢٠٢٤ وكما اشرنا في مناطق سيطرة الجيش اي بما لا يشمل مناطق سيطرة الدعم السريع حيث لا تتوفر معلومات معلنة عنها، تساعد على استقصاء قيمتها السوقية وفقا للاسعار المحدثة فان اسعار الذهب بالطن وفقا للعيار كالآتي

سعر الطن من عيار ٢٤ = ٨٦.٠٦٠.٠٠٠

سعر الطن من عيار ٢٢= ٧٨.٨٨٨.٣٣٣

سعر الطن من عيار ٢١=٧٥.٣٠٢.٥٠٠

سعر الطن من عيار ١٨= ٦٤.٥٤٥.٠٠٠

سعر الطن من عيار ١٤ = ٥٠.٢٠١.٦٦٧

إذن لمعرفة قيمة الـ٦٤ طنا يتطلب الأمر ببساطة ضرب الكمية في الأسعار المعلنة، وحتى لا نسرح بعيدا فدعونا نركن لعياري ٢٤ و١٨ كادنى واعلى قيمة سوقية، حيث نحصل بالتقريب وعلى التوالي على ٥ مليار دولار و٥٠٠ مليون، و٣ مليار و٣٠٠ مليون دولار أمريكيا، والحصول افتراضا على الكمية المستخرجة بما في ذلك مناطق الدعم السريع علينا أن نضاعف القيم أعلاه لتكون ١١ مليار، ٦ مليارات و٦٠٠ مليون دولار امريكي، إضافة إلى الذهب المستخرج في مناطق سيطرة الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠  الحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال وحركة وجيش تحرير السودان قيادة الأستاذ عبدالواحد نور، فضلا عن الذهب المهرب والذي كانت كمياته ليس بالقليلة للدرجة التي خصص فيها نسبة ١٠% لفرق الضبط ادبان الفترة الانتقالية كتحفيز على الاستقلالية والاداء،  ولنا أن نتأمل انه في العام ٢٠١٧ ظل الرئيس المخلوع عمر البشير يساسق بين المملكة العربية السعودية وموسكو بحثا عن قروض لوقف تراجع الاقتصاد والمقدر ب ٨ مليار دولار أمريكي.

الخلاصة: منذ العام ١٩٩٧ دخلت موارد البترول دائرة تمويل الحروب في السودان، ومنذ العام ٢٠١٣ بدء الذهب يدخل في دائرة العلاقة بين الحكومة والقوات الرديفة “المليشيات” قبل أن يدخل العائد قي سياق التسليح والعتاد العسكري  في ٢٠١٧، ليمضي الحال إلى رجحان فرضية استغلال الذهب في تمويل حرب أبريل ٢٠٢٣، إذن الخلاصة على مدار ما تجاوز الـ٢٥ عاما يتم استغلال الموارد الذهب والبترول في تمويل الصراعات المسلحة في السودان أو بصيغة ثانية انعاش أسواق سيارات الدفع الرباعي والأسلحة العالمية، مع الاخذ في الاعنبار بان هنالك شركات اجنبية تعمل قي قطاع تعدين الذهب تربطها علاقة نسبة قد لا تصل الثلث من الذهب المستخرج  بالسلطات الحكومية، إضافة إلى ارتباط الحرب الحالية بأطراف خارجية التي بدأت عقب الازمة المالية العالمية في ٢٠١٣ والردود الاقتصادي ادبان جائحة الكرونا في التخطيط الاستراتيجي للسيطرة على الموارد في العديد من الدول الافريقية وغيرها  التي اقعدتها الدكتاتوريات، سوء ادارة الدول، والصراعات المسلحة المتكاثرة من رؤية مواردها الحقيقة ناهيك عن التفكير في الاستغلال الراشد وفي البال النفط العراقي والغاز الافغاني .

 

الوسومالذهب حرب السودان شراء السلاح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الذهب حرب السودان شراء السلاح

إقرأ أيضاً:

سرديات الخراب: كيف تعيد الحرب إنتاج نفسها في السودان؟

إنه الارتطام الأخير في سلسلة الارتطامات التي لم تكن سوى استكمالٍ لسردية الطغاة الذين يقتاتون على هشاشة البنية التاريخية لهذا المكان.
منذ اللحظة التي استُبيحت فيها الخرطوم ومدن الجزيرة والنيل الأزرق وغرب السودان تحت وطأة البنادق التي جيفت خطاها في شوارع صنعها المقهورون بعرقهم ودمائهم، بدا واضحًا أن المأساة ليست سوى إعادة إنتاج لحتميةٍ لم يتبقَّ منها إلا أنيابها المنغرزة في لحم المدن.

ما الذي يجعل الجلادين ينهشون بعضهم بعضًا بعد أن فرغوا من معاركهم ضد الأبرياء؟ لعل التاريخ، كما قال بنيامين، لا يسير نحو التقدم، بل هو كومة من الركام يزداد ارتفاعها مع كل طاغية جديد.
فمنذ سقوط الخرطوم الأول في 1885، كان المشهد معدًّا لولادة دائمة للحروب التي لا تجد نهايتها، بل تتشكل في كل مرة وفق سرديات الهيمنة السائدة: الدين، العرق، القومية، ثم أخيرًا تلك الفانتازيا القاتلة التي تُسمى الدولة.

غير أن الخرطوم لم تسقط وحدها، بل سقطت معها آخر أوهام الاستقلال، فالدولة الوطنية التي بُنيت على أنقاض الاستعمار لم تكن سوى استبدال مباشر للسيد الأبيض بسيد محلي لا يقل عنه تعطشًا للهيمنة.
كانت السلطة منذ البدء مشروعًا قمعيًا، تُعاد صياغته وفق مقتضيات اللحظة، لكن جوهره ظل ثابتًا: السيطرة عبر القوة، وتبرير تلك السيطرة عبر سرديات تبدو منطقية في ظاهرها، لكنها لا تصمد أمام التفكيك النقدي العميق.

حين وقعت ثورة ديسمبر 2018، كان ثمّة رهان على أن التاريخ قد انحرف أخيرًا عن مداره المعتاد، وأن القوى المدنية، ولأول مرة منذ 1956، قد أصبحت قادرة على كسر احتكار العسكر لمصير البلاد. لكن سرعان ما تبدّد هذا الوهم، ليس لأن الثورة لم تكن أصيلة، بل لأنها كانت تحاول زرع بذور المستقبل في أرض صلبة من اختزال الصراعات داخل ثنائية الخير والشر، متناسيةً أن من يدير آلة القمع ليس مجرد جنرال، بل بنية متشعبة تمتد من السوق إلى الجامع، ومن المنهج الدراسي إلى التلفزيون الرسمي، ومن دور الفقه إلى غرف العمليات في السفارات الأجنبية.

لم يكن العسكر وحدهم من انقضّ على الثورة، بل كان معهم تحالف كامل من الطامحين لوراثة الخراب، كلٌّ وفق رؤيته الخاصة لمستقبل الهيمنة. رجال الأعمال الذين كوّنتهم سنوات التمكين، سماسرة الحرب، زعماء الطوائف الذين لا يعيشون إلا في ظل الفوضى، والنخب التي لم تتردد لحظة في بيع الوهم للشعب مقابل موطئ قدم في مائدة السلطان.
وهكذا، كان الانقلاب على الثورة تحصيل حاصل، فلم يكن ممكنًا لنظام عسكري-رأسمالي-أيديولوجي أن يسمح بظهور نموذج جديد للحكم يهدد مصالحه.

في مساء الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، حين انقلب البرهان وحميدتي على الشراكة الهشة، لم يكن ذلك انقلابًا ضد الوثيقة الدستورية فحسب، بل كان إعلانًا صريحًا بأن المؤسسة العسكرية، التي تشكلت عبر عقود من التحالف بين الدولة العميقة والجبهة الإسلامية، لن تسمح بتحول السودان إلى فضاءٍ مدني. كان ذلك تأكيدًا على أن الهيمنة لا تعترف إلا بالقوة، وأن السردية الوحيدة المقبولة هي تلك التي تخرج من فوهة البندقية.

لكن، مثل كل الطغاة الذين ينسجون نهايتهم بأيديهم، لم يدرك الرجلان أن استيلاءهما المشترك على السلطة ليس سوى بداية لمعركة شرسة بينهما. فالقوة، كما يعلم كل من قرأ غرامشي، لا يمكن أن تظل مقسّمة بين مركزين متصارعين دون أن يحاول أحدهما ابتلاع الآخر. وهكذا، بين ليلة وضحاها، تحولت الشراكة إلى تنازع، ثم إلى قطيعة، ثم إلى الحرب.

ولأن لكل حرب سردياتها، بدأ كل طرف في إعادة تشكيل ماضيه ليناسب طموحاته. البرهان، وريث المؤسسة العسكرية التقليدية، استعاد خطاب “الدولة” و”المؤسسة”، مستندًا إلى علاقاته القديمة مع القاهرة ورياض الانقلابات، محاولًا إقناع العالم بأنه الامتداد الطبيعي لعسكر ناصر والسادات والبشير. أما حميدتي، ابن الهامش الذي صعد من بؤس دارفور إلى قلب الخرطوم، فقد حاول أن يعيد اختراع نفسه كمنقذٍ من الطغيان، متقمصًا دور الثائر ضد البيروقراطية العسكرية التي همشته رغم خدماته الطويلة لها، مستعينًا بحلفائه في العواصم البعيدة التي رأت فيه وكيلًا مثاليًا لمصالحها.

لكن كلا السرديتين لم تكونا سوى محاولتين لإخفاء الحقيقة: أن الحرب ليست صراعًا على المبادئ، بل هي معركة بين شبكتين من المصالح، تتداخل فيهما حسابات الذهب مع خطوط الإمداد الإقليمي، وتتحرك فيهما المواقف وفق الرياح القادمة من أبوظبي والخرطوم وباريس. فمنذ متى كان البرهان ديمقراطيًا؟ ومنذ متى كان حميدتي نصيرًا للثورة؟

إن استدعاء ماركس هنا ليس ترفًا، فالسودان اليوم هو النموذج الحي لما وصفه في الثامن عشر من برومير، حيث يعيد التاريخ نفسه أولًا كمأساة، ثم كمهزلة. فالجيش، الذي كان يفترض أن يكون أداةً لحماية البلاد، أصبح هو نفسه العدو الأول لها. والدعم السريع، الذي بدأ كأداة لقمع الهامش، صار وحشًا يلتهم المركز. وفي كل هذا، يبقى المدنيون، الذين ملأوا الشوارع بأحلامهم، مجرد مشاهدين لمسرحية تُكتب فصولها بالدماء، وقودًا لسرديات تُصاغ في أروقة مراكز النفوذ العالمية، بين تقارير الاستخبارات وحسابات شركات السلاح.

ما العمل إذن؟ هل نقول مع برناردو في افتتاحية هاملت: “ثمة شيء عفن في مملكة الدنمارك”؟ أم نستدعي فرانز فانون لنفهم كيف أن النخب الفاشلة تظل تعيد إنتاج الاستعمار بأدوات وطنية؟ أم نعود إلى ألتوسير لنتأمل كيف أن مؤسسات الدولة الأيديولوجية تخلق مواطنين مستعدين لتكرار المأساة إلى ما لا نهاية؟

ربما لا نحتاج إلى أيٍّ منهم، فالحقيقة أبسط من ذلك: ما لم يتم تفكيك الدولة العميقة التي جعلت من الجيش والميليشيا صنوان، وما لم يتم إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع خارج منطق القوة، وما لم تدرك الأجيال الجديدة أن الثورة لا تُختزل في مظاهرة، ولا في بيان، ولا حتى في حكومة مدنية، بل هي عملية طويلة من تفكيك البنى المهترئة وإعادة بناء مفهوم الدولة من الأساس، فإن هذه الحرب لن تكون الأخيرة، بل مجرد فصل جديد في الحكاية التي لا تنتهي

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • المرحلة الأخيرة.. هل نحن على أعتاب نهاية الحرب في السودان؟
  • مركزي عدن يقول بأنه تلقى بلاغاً خطياّ من البنوك التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين .. هذا ماجاء فيه
  • نقل الحرب إلى جنوب كردفان و النيل الأزرق !!
  • شاهد بالصورة والفيديو.. بالتهليل والتكبير.. الفنان طه سليمان يصل مدينة بحري ويختبر معدات الصوت التي استجلبها لخدمة مساجد المدينة
  • جرحى غزة يعانون آلام بتر الأطراف وسط الحرب
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
  • سرديات الخراب: كيف تعيد الحرب إنتاج نفسها في السودان؟
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • على أبرسي.. وتبقى المآثر (2/2)
  • هل تندلع الحرب في جنوب السودان مجددا؟