السودان بين الوحدة والانقسام- قراءة في شواهد التقسيم وتداعياته المحتملة
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
تشهد السودان مرحلة حرجة من تاريخها السياسي والعسكري، حيث تتداخل الأزمات السياسية مع التدخلات الإقليمية والدولية، مما يجعل الحديث عن تقسيم السودان إلى كيانات مستقلة أو حكومات متوازية سيناريو محتمل تُعززه شواهد واضحة على الأرض.
انسحاب الجيش والقوات المشتركة من محاور استراتيجية، مثل الفاو، وتركها لقوات خاصة مثل البراء وقوات العمل الخاص، قد يكون خطوة تشير إلى إعادة تموضع أو ضعف التنسيق المركزي.
التوترات السياسية والانشقاقات الداخلية تظهر بوضوح، حيث إن حديث مني أركو مناوي عن إعادة تقسيم السلطة يُظهر وجود انقسامات داخل تحالفات القوى في دارفور. هذه الانقسامات قد تتطور إلى صراعات على النفوذ تؤدي إلى إعادة هيكلة السلطة بما يناسب الأطراف المتصارعة. ومن جانب آخر، فإن نقل مصطفى تمبور من بورسودان إلى وسط دارفور قد يكون خطوة لإبعاده عن المشهد الرئيسي وتخفيف تأثيره في شرق السودان، ما يُشير إلى تغييرات استراتيجية تعزز سيطرة قوى معينة على مناطق بعينها.
في بورتسودان، الحديث عن تعديلات دستورية من قبل حكومة الأمر الواقع يُبرز وجود حكومة موازية بدأت تتعامل مع نفسها ككيان شرعي، وقد تؤسس هذه الخطوة لانقسام سياسي وإداري واضح. ويبدو أن المبادرة التركية، بمشاركة الإمارات وأطراف أخرى، تلعب دورًا في تقديم دعم لطرفي النزاع للدخول في مفاوضات قد تُفضي إلى تقاسم السلطة بينهما، مما يمهد لنموذج مشابه للسيناريو الليبي، حيث توجد حكومتان متنافستان تدعمهما أطراف إقليمية مختلفة.
كما أن تشكيل الدعم السريع لحكومة موازية بالتعاون مع بعض المدنيين، يُعزز حالة الانقسام، ويضع أساسًا لتفاوض بين حكومتين على قدم المساواة. هذا السيناريو قد يجعل التفاوض بين الطرفين أمرًا محتملاً، ولكنه قد يُرسّخ انقسام البلاد على غرار ما حدث في ليبيا.
إذا استمرت هذه الديناميكيات، فإن السودان قد يدخل مرحلة جديدة تتسم بوجود حكومتين منفصلتين؛ إحداهما في بورسودان تحت سيطرة الجيش، وأخرى في مناطق دارفور تحت نفوذ الدعم السريع. ومن الممكن أن تؤدي هذه التطورات إلى انفصال دارفور كإقليم مستقل، خاصة إذا تم التوصل إلى تسوية برعاية أطراف إقليمية ودولية. وقد يمتد الانقسام ليشمل مناطق أخرى، حيث يُصبح السودان عبارة عن كيانات أصغر، كل منها يديره فصيل مسلح أو تحالف محلي.
تداعيات هذا التقسيم ستكون كارثية. على الصعيد الاقتصادي، قد يؤدي الانقسام إلى تفاقم الأزمات، حيث سيُجبر كل كيان على إدارة موارده بشكل منفصل، مما يُضعف الاقتصاد الوطني. أما اجتماعيًا، فإن الانقسامات القبلية والإثنية ستتعمق مع تشكيل حكومات محلية، مما يزيد من احتمالات الصراع الداخلي. وعلى الصعيد الإقليمي، قد يتحول السودان إلى ساحة صراع بين الدول الداعمة لأطراف النزاع، مما يُعقّد أي حلول سياسية.
رغم هذه الشواهد التي تدفع باتجاه تقسيم السودان، تبقى الحلول السياسية ممكنة إذا توفرت الإرادة الوطنية والدعم الدولي الحقيقي لاستقرار البلاد. الحوار الوطني الشامل الذي يشمل كافة الأطراف قد يكون السبيل الوحيد لتجنب السيناريو الليبي وضمان بقاء السودان موحدًا. ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يشير إلى أن التقسيم قد يصبح حقيقة إذا لم تتغير المعطيات على الأرض قريبًا.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
نكبة 11 فبراير.. بداية انزلاق اليمن إلى هاوية الفوضى والانقسام
مثلت نكبة 11 فبراير 2011 بداية لانزلاق اليمن في هاوية الفوضى والانقسام، مع دخوله مرحلة جديدة من الاقتتال والدمار.
ففي ذلك اليوم، شهد اليمن بداية انهيار مسار الجمهورية والديمقراطية، إثر تحالف بين حزب الإصلاح، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وجماعة الحوثي، وهو التحالف الذي كان هدفه المشترك الانقلاب على النظام السياسي القائم والسيطرة على مؤسسات الدولة، وتدمير كل ما تم بناؤه على مدار عقود.
وبدا تحالف الإخوان والحوثيين يتكشف تدريجيًا عن نوايا هدم النظام الجمهوري والديمقراطي في البلاد، بدلاً من تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي.
وبدأت هذه القوى تتعاون وتتحالف لهدم مؤسسات الدولة اليمنية، حيث اتفقوا على تقويض النظام السياسي وتدمير أسس الدولة الحديثة التي كانت قد بدأت تتطور خلال السنوات السابقة.
ومع مرور الوقت، تحول هذا التحالف التكتيكي إلى صراع مفتوح، ليصل الأمر إلى الانقلاب الفعلي حيث نفذت مليشيا الحوثي انقلابها المسلح في 21 سبتمبر 2014 على الحكومة الشرعية، واستولت على العاصمة صنعاء، لتبدأ مرحلة جديدة من الفوضى والحرب في اليمن، ما أسهم في تدمير البلاد بشكل كامل.
على الرغم من أن تحالف الإخوان المسلمين مع الحوثيين كان يهدف إلى تدمير النظام القائم وتفكيك مؤسسات الدولة، فإن هذا التحالف لم يكن سوى تكتيك لتحقيق مصالح شخصية، وفي النهاية، اختلف الطرفان على كيفية تقسيم السيطرة على البلاد.
وتسبب هذا الاختلاف في اندلاع الحرب المدمرة التي لم تقتصر على دمار البنية التحتية، بل أيضًا في معاناة الشعب اليمني.
يؤكد سياسيون أنه لا يمكن اعتبار جماعات ومليشيات الموت، سواء كانت الحوثية أو الإخوانية، كيانات يمكن أن تكون بديلًا للدولة أو تدافع عن مصالح اليمنيين، فبينما كانت هذه الجماعات تتصارع على النفوذ، كانت البلاد تتجه نحو مزيد من الخراب والانهيار.
وأشاروا إلى ضرورة أن تكون الذكرى السنوية لنكبة 11 فبراير، فرصة للاعتذار للوطن، الذي ضُحّي به على مذبح الأطماع السياسية والحزبية، مع الإدراك أن حجم الخسائر التي مُني بها اليمن نتيجة للتحالف الانقلابي المدمر، وأن يقر الجميع بأن نكبة 11 فبراير كانت بمثابة بداية الطريق إلى الدمار الشامل الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.