تشهد السودان مرحلة حرجة من تاريخها السياسي والعسكري، حيث تتداخل الأزمات السياسية مع التدخلات الإقليمية والدولية، مما يجعل الحديث عن تقسيم السودان إلى كيانات مستقلة أو حكومات متوازية سيناريو محتمل تُعززه شواهد واضحة على الأرض.

انسحاب الجيش والقوات المشتركة من محاور استراتيجية، مثل الفاو، وتركها لقوات خاصة مثل البراء وقوات العمل الخاص، قد يكون خطوة تشير إلى إعادة تموضع أو ضعف التنسيق المركزي.

هذا الفراغ قد يتيح لقوى محلية السيطرة على المناطق ويُعمّق الانقسام. وفي الوقت ذاته، إذا انسحب الجيش من الفاشر، وتركها تحت سيطرة القوات المشتركة، فقد تتطور الأمور إلى سيناريوهات تفاوضية تعيد رسم خريطة دارفور بشكل مختلف، خاصة مع تزايد نفوذ الدعم السريع في المنطقة.

التوترات السياسية والانشقاقات الداخلية تظهر بوضوح، حيث إن حديث مني أركو مناوي عن إعادة تقسيم السلطة يُظهر وجود انقسامات داخل تحالفات القوى في دارفور. هذه الانقسامات قد تتطور إلى صراعات على النفوذ تؤدي إلى إعادة هيكلة السلطة بما يناسب الأطراف المتصارعة. ومن جانب آخر، فإن نقل مصطفى تمبور من بورسودان إلى وسط دارفور قد يكون خطوة لإبعاده عن المشهد الرئيسي وتخفيف تأثيره في شرق السودان، ما يُشير إلى تغييرات استراتيجية تعزز سيطرة قوى معينة على مناطق بعينها.

في بورتسودان، الحديث عن تعديلات دستورية من قبل حكومة الأمر الواقع يُبرز وجود حكومة موازية بدأت تتعامل مع نفسها ككيان شرعي، وقد تؤسس هذه الخطوة لانقسام سياسي وإداري واضح. ويبدو أن المبادرة التركية، بمشاركة الإمارات وأطراف أخرى، تلعب دورًا في تقديم دعم لطرفي النزاع للدخول في مفاوضات قد تُفضي إلى تقاسم السلطة بينهما، مما يمهد لنموذج مشابه للسيناريو الليبي، حيث توجد حكومتان متنافستان تدعمهما أطراف إقليمية مختلفة.

كما أن تشكيل الدعم السريع لحكومة موازية بالتعاون مع بعض المدنيين، يُعزز حالة الانقسام، ويضع أساسًا لتفاوض بين حكومتين على قدم المساواة. هذا السيناريو قد يجعل التفاوض بين الطرفين أمرًا محتملاً، ولكنه قد يُرسّخ انقسام البلاد على غرار ما حدث في ليبيا.

إذا استمرت هذه الديناميكيات، فإن السودان قد يدخل مرحلة جديدة تتسم بوجود حكومتين منفصلتين؛ إحداهما في بورسودان تحت سيطرة الجيش، وأخرى في مناطق دارفور تحت نفوذ الدعم السريع. ومن الممكن أن تؤدي هذه التطورات إلى انفصال دارفور كإقليم مستقل، خاصة إذا تم التوصل إلى تسوية برعاية أطراف إقليمية ودولية. وقد يمتد الانقسام ليشمل مناطق أخرى، حيث يُصبح السودان عبارة عن كيانات أصغر، كل منها يديره فصيل مسلح أو تحالف محلي.

تداعيات هذا التقسيم ستكون كارثية. على الصعيد الاقتصادي، قد يؤدي الانقسام إلى تفاقم الأزمات، حيث سيُجبر كل كيان على إدارة موارده بشكل منفصل، مما يُضعف الاقتصاد الوطني. أما اجتماعيًا، فإن الانقسامات القبلية والإثنية ستتعمق مع تشكيل حكومات محلية، مما يزيد من احتمالات الصراع الداخلي. وعلى الصعيد الإقليمي، قد يتحول السودان إلى ساحة صراع بين الدول الداعمة لأطراف النزاع، مما يُعقّد أي حلول سياسية.

رغم هذه الشواهد التي تدفع باتجاه تقسيم السودان، تبقى الحلول السياسية ممكنة إذا توفرت الإرادة الوطنية والدعم الدولي الحقيقي لاستقرار البلاد. الحوار الوطني الشامل الذي يشمل كافة الأطراف قد يكون السبيل الوحيد لتجنب السيناريو الليبي وضمان بقاء السودان موحدًا. ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يشير إلى أن التقسيم قد يصبح حقيقة إذا لم تتغير المعطيات على الأرض قريبًا.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عكاشة: الانتخابات أقرب من التصعيد العسكري في ليبيا رغم استمرار الانقسام

ليبيا – التوترات العسكرية في ليبيا: تأثير الانقسام ومحددات التصعيد

استمرار الانقسام السياسي وتأثيره على المشهد العسكري
أرجع العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، التوترات العسكرية المتكررة في ليبيا إلى الانقسام السياسي المستمر وعدم حسم الأزمة السياسية. وأوضح عكاشة، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، أن هذه التجاذبات لا تؤثر بشكل كبير على صمود اتفاق وقف إطلاق النار الساري حالياً.

سيناريو الحسم العسكري غرب ليبيا
ورغم تحذيره من احتمالية لجوء بعض المجموعات المسلحة في غرب ليبيا إلى خيار الحسم العسكري، خاصة مع التغيرات في سوريا، أشار عكاشة إلى أن توازن القوى بين شرق البلاد وغربها يجعل تنفيذ مثل هذا السيناريو أمراً صعباً. وبيّن أن الجيش الوطني الليبي يتمتع بثقل عسكري وشعبي وسياسي كبير، في حين يرفض غالبية الليبيين فكرة الاحتكام للسلاح لحل الأزمة.

الدور التركي وتوازنات القوى الدولية
وفيما يتعلق بالدور التركي، أكد عكاشة أن أنقرة، رغم تواصلها مع بعض المجموعات المسلحة غرب ليبيا، لن تدعم سيناريو التصعيد العسكري. وأشار إلى أن تركيا ستكون أقرب لاحترام توافقاتها مع مصر والتزاماتها الدولية بدعم العملية السياسية في ليبيا، وصولاً إلى مرحلة الانتخابات. كما لفت إلى أن القوى الغربية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تراقب الأوضاع في ليبيا عن كثب، ولن ترحب بأي محاولة لتغيير التوازنات القائمة.

الانتخابات أقرب من التصعيد العسكري
وفي ختام حديثه، أكد عكاشة أن الحديث عن تحقيق الاستحقاق الانتخابي في ليبيا يبدو أكثر واقعية من توقع أي تصعيد عسكري في المرحلة الحالية.

 

مقالات مشابهة

  • مصادر أميركية تكشف ملامح الصفقة المحتملة بين حماس وإسرائيل
  • الجريمة المنظمة والهجرة: كيف يعمق الانقسام السياسي معاناة ليبيا؟
  • بين الحذر والانقسام: بغداد تتأنى في التحرك نحو دمشق
  • حديث الإفك والتقسيم
  • حاكم اقليم دارفور يمتدح جهود المقاومة الشعبية بالشمالية فى دعم وإسناد القوات المسلحة وتوحيد أهل السودان
  • دين وقضايا المجتمع الراهنة – قراءة في المشهد السوداني المعاصر
  • اجتماع سري لمناقشة اليوم التالي في سوريا.. هل تتجه نحو التقسيم!
  • عقوبات أميركية على قائد الدعم السريع.. ماذا وراءها؟
  • عكاشة: الانتخابات أقرب من التصعيد العسكري في ليبيا رغم استمرار الانقسام