العقوبات الأمريكية على حميدتي واتهام الإبادة الجماعية في السودان: نقطة تحول في النظرة الدولية لحرب السودان
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في خطوة كبيرة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، في 7 يناير 2025، وقبل ايام من مغادرة الادارة الديموقراطية برئاسة بايدن للبيت الابيض، عن فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو موسى (حميدتي)، قائد مليشيا قوات الدعم السريع في السودان، بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098. وتشمل هذه العقوبات حميدتي لدوره في زعزعة استقرار السودان وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي في دارفور.
امتدت العقوبات المعلنة لتشمل شخصيات وكيانات مرتبطة بعمليات قوات الدعم السريع، وشملت:
•أبو ذر عبد النبي حبيب الله أحمد، المالك والمدير لشركة كابيتال تاب القابضة ذ.م.م المسجلة في الامارات العربية المتحدة.
•الشركات التابعة لكابيتال تاب القابضة، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، وتشمل: كابيتال تاب للاستشارات الإدارية ذ.م.م، كابيتال تاب للتجارة العامة ذ.م.م، كرييتيف بايثون ذ.م.م، الزمرد والياقوت للمجوهرات ذ.م.م (AZ Gold)، الجيل القادم للتجارة العامة ذ.م.م، وحلول الأفق المتقدمة للتجارة العامة ذ.م.م.
وتم الاعلان عن تورط هذه الكيانات في تقديم الدعم المالي واللوجستي لقوات الدعم السريع، بما في ذلك شراء الأسلحة وتهريب الذهب لتمويل أنشطتها الحربية في السودان.
تحت قيادة حميدتي، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة النطاق شملت العنف الجنسي والقتل على اساس عرقي وحرمان المدنيين من المساعدات الإنسانية بشكل منهجي. وقد أكد نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، التزام الولايات المتحدة بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، مشيراً إلى أن هذه العقوبات تهدف إلى حماية المدنيين السودانيين وتعزيز الانتقال الديمقراطي في البلاد.
إن تصنيف مليشيا قوات الدعم السريع كمُرتكِبة للإبادة الجماعية يُعتبر تطوراً قانونياً ذا أهمية كبيرة، حيث يضع هذا الاعتراف التزاماً مباشراً على المجتمع الدولي للتحرك بموجب عدد من الاطر القانونية المنصوص عليها دوليا وتشمل:
1. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)
تُعرّف الاتفاقية الإبادة الجماعية وتُلزم الدول بمنعها ومعاقبة مرتكبيها. وتشمل أهم أحكامها تعريف الابادة الجماعية بحيث: تشمل الإبادة الجماعية أعمالاً مثل القتل، التسبب في أضرار جسدية أو نفسية جسيمة، أو النقل القسري للأطفال، عندما تكون بنية الإبادة لجزء أو كل من مجموعة قومية، إثنية، عرقية، أو دينية. وتلزم الدول بمنع وقوع الإبادة الجماعية، ومحاكمة مرتكبيها، والتعاون مع الآليات الدولية، وتحدد هذه الاتفاقي الاختصاص العالمي الذي يسمح للدول بملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة.
2. أطر القانون الجنائي الدولي
•المحكمة الجنائية الدولية (ICC): أُنشئت بموجب نظام روما الأساسي (1998)، وتختص بملاحقة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حال عجز أو عدم رغبة الأنظمة الوطنية في الملاحقة.
•المحاكم الخاصة المؤقتة: مثل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY)، التي عالجت الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم.
•المحاكم المختلطة: مثل الغرف الاستثنائية في محاكم كمبوديا (ECCC) التي تجمع بين النظم المحلية والدولية لمعالجة الفظائع الجماعية.
3. القانون الدولي العرفي
حتى الدول التي لم تصادق على اتفاقية الإبادة الجماعية تُعتبر ملزمة بموجب القانون الدولي العرفي الذي يحظر الإبادة الجماعية كقاعدة آمرة (jus cogens).
4. مبدأ المسؤولية عن الحماية (R2P)
تم اعتماده في وثيقة قمة الأمم المتحدة لعام 2005، ويقوم على المبادئ التالية:
•تتحمل الدول مسؤولية حماية شعوبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
•يتعين على المجتمع الدولي مساعدة الدول في الوفاء بهذه المسؤولية.
•إذا فشلت الدولة في الحماية، يمكن للمجتمع الدولي التدخل عبر وسائل دبلوماسية أو إنسانية أو عسكرية، غالبًا بتفويض من الأمم المتحدة.
5. آليات الأمم المتحدة
•مجلس الأمن الدولي: يمكنه التصريح باتخاذ إجراءات، بما في ذلك العقوبات أو التدخل العسكري، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية أو وقفها.
•مجلس حقوق الإنسان والإجراءات الخاصة: يحقق ويقدم تقارير عن مخاطر الإبادة الجماعية من خلال لجان التحقيق والمقررين الخاصين.
•مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية: يقدم إنذارات مبكرة ونصائح سياساتية لمنع الإبادة الجماعية.
6. مسؤولية الدول والمساءلة
بموجب مواد مسؤولية الدول عن الأفعال الدولية غير المشروعة (Articles on Responsibility of States for Internationally Wrongful Acts (ARSIWA))، والتي وضعتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، يمكن تحميل الدول المسؤولية عن التواطؤ في الإبادة الجماعية إذا قدمت دعماً أو أخفقت في منعها.
يشكل مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) محوراً أساسياً وسياقا قانونيا ملائما في التعامل مع الوضع في السودان. بالاعتماد ثلاثة أعمدة رئيسية:
1.مسؤولية الدولة: تقع على الحكومة السودانية مسؤولية حماية سكانها من الجرائم الخطيرة.
2.المساعدة الدولية: يلتزم المجتمع الدولي بمساعدة الحكومة السودانية في تحقيق هذا الهدف.
3.التدخل إذا فشلت الدولة: إذا عجزت الحكومة عن حماية شعبها أو تواطأت في الجرائم، يصبح للمجتمع الدولي الحق في التدخل بوسائل تتراوح بين العقوبات والدبلوماسية، وصولاً إلى التدخل العسكري الإنساني.
في سياق السودان، يفرض هذا الاعتراف بالإبادة الجماعية ضغوطاً كبيرة على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عاجلة. حيث ان قيام الولايات المتحدة بالاعتراف بان ما تقوم به مليشيا قوات الدعم السريع يدخل في اطار الابادة الجماعية، وهو احد الجرائم الكبيرة المنصوص عليها في تعريف وصياغة مبدأ مسئولية الحماية، ينعكس بدوره على تعريف ما يحدث في السودان، ويحوله بشكل كبير من كونه نزاع داخلي مسلح لعملية لانفاذ القانون ومنع هذه الجرائم الفادحة.
يشير التاريخ إلى أن الاعتراف بالإبادة الجماعية غالباً ما يؤدي إلى تحركات دولية كبيرة. ومن أبرز الأمثلة:
1.البوسنة (1995): عقب الاعتراف بمذبحة سربرنيتسا كإبادة جماعية، كثّف المجتمع الدولي تدخله العسكري والدبلوماسي، مما أدى إلى اتفاقية دايتون للسلام.
2.رواندا (1994): رغم التأخر في مخاطبة الوضع في رواندا، أدى الاعتراف بالإبادة الجماعية إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لرواندا (ICTR) التي حاكمت كبار المسؤولين عن الجرائم.
3.دارفور (2004): وصف الولايات المتحدة للفظائع في دارفور بأنها إبادة جماعية دفع إلى إنشاء بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (UNAMID) وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق عمر البشير.
إن الاعتراف بالإبادة الجماعية في السودان اليوم يحمل في طياته مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي للرد بشكل حاسم.
مع الاعتراف بالإبادة الجماعية، يمكن أن تتخذ الولايات المتحدة والأمم المتحدة والهيئات الدولية خطوات ملموسة تشمل:
1.الملاحقات القضائية الدولية: حيث يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أو محكمة خاصة إنشاء آلية قانونية لمحاكمة حميدتي وقادة الدعم السريع الآخرين على جرائم الإبادة الجماعية.
2.العقوبات الدولية الموسعة: كما ان من المتوقع ان يتم التوسع في فرض عقوبات إضافية تستهدف الشبكات المحلية والدولية التي تدعم قوات الدعم السريع مالياً ولوجستياً، وتوفر لها المساحات لاستمرار ارتكاب جرائمها.
3.العزلة الدبلوماسية: وكما ان المتوقع ان يترتب على هذا التصنيف تزايد الضغط السياسي والدبلوماسي على الدول الإقليمية الداعمة لمليشيا قوات الدعم السريع، مثل الإمارات وتشاد، لوقف دعمها للشبكات المرتبطة بقوات الدعم السريع.
رغم أهمية هذه الخطوات، فإن التنفيذ يعتمد بشكل كبير على الإرادة السياسية. على الولايات المتحدة وحلفائها اصلاح سياساتهم الحالية وتاريخهم في النزاع السوداني. فقد قامت الولايات المتحدة الامريكية ودول اخرى بتقديم دعم مادي مباشر لانشاء وتمويل كيانات وتحالفات سياسية تضم حلفاء لقوات الدعم السريع، مثل تحالف “تقدم”. وكما تعرضت إدارة بايدن لانتقادات شديدة لدورها في تخفيف مطالبات المساءلة منذ اندلاع الحرب، بما في ذلك رفض سفيرها السابق في السودان جون غودفري تسمية مرتكبي الاغتصابات والعنف الجنسي علناً، مما منح افراد مليشيا قوات الدعم السريع نوعا من انواع الحصانة المؤسسية مساحة أكبر لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات.
بينما تمثل العقوبات والاعتراف بالإبادة الجماعية خطوة مهمة، فإن الحل الدائم يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع. يجب تفكيك الشبكات الاقتصادية والسياسية التي تدعم قوات الدعم السريع، وضمان تحقيق العدالة عبر محاكمات عادلة للمتورطين في الجرائم، بالاضافة الي معالجة مشكلة المقاتلين المحليين والمرتزقة الاجانب الذي نشرتهم المليشيا في انحاء السودان المختلفة.
يتطلب ذلك شراكة قوية بين المجتمع الدولي والحكومة السودانية القوى المدنية الوطنية السودانية بحيث تفتح هذه الاجراءات الباب للانتقال الديمقراطي وبناء مؤسسات دولة قادرة على حماية مواطنيها وحفظ حقوقهم.
إن الاعتراف بالإبادة الجماعية في السودان ليس مجرد تصنيف قانوني، بل هو دعوة للتحرك. نجاح المجتمع الدولي في الاستجابة لهذا الوضع سيحدد ما إذا كان سيتم توفير العدالة لضحايا الجرائم المروعة أو استمرار الإفلات من العقاب.
تظل أعين العالم الآن على السودان، حيث تتقاطع المصالح الإنسانية والسياسية، وبينما يقف المجتمع الدولي عند مفترق طرق، يبقى الأمل معقوداً على أن تكون هذه اللحظة بداية لإنهاء معاناة شعب طالما تعرض للخيانة والإهمال والتجاهل.
amjedfarid@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة ملیشیا قوات الدعم السریع الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة المجتمع الدولی الأمم المتحدة فی السودان بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
هزيمة الدعم السريع.. ثاني أكبر مدن السودان تتحرر
في لحظة تاريخية فارقة، نجح الجيش السوداني في تحقيق انتصار جديد على قوات الدعم السريع السبت 11 يناير/ كانون الثاني 2025، بإحكام سيطرته على مدينة ود مدني، ثاني أكبر المدن السودانية وعاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم.
هذا التقدم العسكري ليس مجرد نصر ميداني، بل يمثل تحولًا إستراتيجيًا في مسار الصراع الدائر وانتهاء الحرب لصالح صيانة الدولة الوطنية، ودليلًا على كفاءة الجيش السوداني وقدرته على استعادة زمام المبادرة في مواجهة واحدة من أخطر التحديات التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
وليست ود مدني، بموقعها الجغرافي الحيوي وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، مجرد مدينة؛ فهي رمز للصمود والإرادة الوطنية، مما يجعل تحريرها من قبضة القوة المتمردة إنجازًا له أبعاد عميقة، تتجاوز حدود المعركة إلى التأثير على توازن القوى على المستوى الوطني.
لم يكن انتصار الجيش في هذه المدينة الإستراتيجية مجرد حدث عسكري معزول، بل رافقته احتفالات عفوية اجتاحت مختلف مدن السودان، حيث خرجت جموع الشعب السوداني تعبيرًا عن فرحتها الصادقة بهذا الإنجاز، مما يعكس بوضوح الالتفاف الشعبي حول الجيش باعتباره الحامي الأول للوطن ووحدته.
إعلانتشير أحدث الإحصاءات المتعلقة بالحرب في السودان إلى أن التقديرات بشأن عدد القتلى المدنيين منذ اندلاع الصراع في أبريل/ نيسان 2023 يُقدَّر بنحو 150.000 شخص وفقًا لمنظمة "جينوسايد ووتش". فيما أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن النزاع أدى إلى نزوح نحو 10.7 ملايين شخص، منهم 9 ملايين نزحوا داخليًا، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول مجاورة. كما أدت هذه الحرب إلى خسائر اقتصادية ضخمة، بما في ذلك انهيار شبه كامل لاقتصاد البلاد؛ نتيجة توقف الإنتاج، والخدمات.
الجيش.. التاريخ والدور الوطنيظلّ الجيش السوداني منذ تأسيسه عام 1925 واحدًا من أهم دعائم الدولة الوطنية الحديثة في السودان، وممثلًا للقيم العليا للوحدة والسيادة الوطنية. كما لعب أدوارًا مهمة في حفظ السلام والاستقرار عبر مشاركاته ضمن قوات الردع العربية في لبنان، ما يؤكد مكانته كأحد الجيوش الأفريقية والعربية ذات السمعة العالية. هذه السمات جعلت منه ليس فقط حاميًا للحدود، بل أيضًا للمشروع الوطني السوداني في أوقات الأزمات.
في خضم الصراعات السياسية التي أعقبت سقوط نظام البشير عام 2019، واجه الجيش السوداني تحديات غير مسبوقة، تمثلت في محاولات بعض الأطراف المدنية التدخل في شؤونه الداخلية، من قرارات الإعفاء والترقيات، إلى رفع شعارات تحريضية ضد المؤسسة العسكرية خلال التظاهرات.
هذه التدخلات ليست فقط مخالفة للوثيقة الدستورية التي منحت الجيش استقلالية تامة في شؤونه، لكنها أيضًا تهديد مباشر لواحدة من أهم ركائز الوحدة الوطنية. ولضمان مستقبل مستقر، لا بد من احترام استقلالية الجيش وتجنيبه صراعات القوى السياسية، مع العمل على تحقيق شراكة حقيقية بين كافة المكونات الوطنية لبناء سودان قوي وموحد.
الجيش والدعم السريع.. صراع المصيريتجلى الفارق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العديد من الجوانب، بدءًا من العقيدة القتالية وانتهاءً بالهيكل التنظيمي، وهو ما يُفسر تماسك الجيش وقدرته على الصمود، مقابل الطبيعة الهشة والانتهازية للدعم السريع.
إعلانفالجيش السوداني يعتمد على عقيدة قتالية وطنية متجذرة في تاريخ طويل من الدفاع عن سيادة السودان ووحدته. هذه العقيدة تقوم على الولاء للدولة ومؤسساتها، مما يضمن التزام الجنود بالمهام العسكرية وفق قيم الانضباط والتضحية.
وقد أثبت الجيش السوداني قدرته على القتال في ظروف شديدة التعقيد، مستمدًا قوته من إرثه الوطني، وتقاليد صارمة تُعزز روح الفريق والانتماء للمؤسسة.
على النقيض، تفتقر قوات الدعم السريع إلى عقيدة قتالية راسخة. إذ تأسست كقوة غير نظامية قائمة على الولاء الشخصي والارتباط القبلي، وليس الولاء للوطن. وتُعرف العقيدة القتالية للدعم السريع بالانتهازية، حيث تعتمد بشكل كبير على الغنائم، واستغلال الفوضى، والتكتيكات غير التقليدية التي تتسم غالبًا بالعنف المفرط ضد المدنيين. هذه الطبيعة تجعل قوات الدعم السريع تفتقر إلى الاستدامة في القتال أمام قوة منظمة كالجيش السوداني العريق.
ويتمتع الجيش السوداني بهيكل تنظيمي متين قائم على التراتبية الواضحة، التي تحدد الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسة العسكرية. وهو يُدار وفق نظم صارمة في التدريب والتخطيط الإستراتيجي، مع التزام كامل بقوانين الحرب الدولية. هذا الانضباط يجعل الجيش أكثر قدرة على التكيف مع مختلف التحديات، كما يُعزز من استمرارية العمليات العسكرية حتى في أحلك الظروف.
في مقابل ذلك تفتقر الدعم السريع إلى البنية التنظيمية المتماسكة. فهي تعتمد على هيكل هرمي مبني حول قائد واحد، ما يجعلها عرضة للتفكك بمجرد غياب هذا القائد. تعمل تلك القوات وفق آليات غير رسمية وغير منضبطة، مما يؤدي إلى ضعف التنسيق الداخلي وانعدام التخطيط طويل الأمد. إضافة إلى ذلك، فإن اعتمادها على المجندين من خلفيات غير عسكرية، غالبًا بدافع الحاجة المادية أو الولاء القبلي، يضعف من جاهزيتها وقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة.
إعلانويخضع أفراد الجيش السوداني لتدريبات متقدمة وفق معايير عسكرية دولية، مع توفير أسلحة نوعية تناسب العمليات القتالية المتعددة. فالتدريب المكثف يخلق أفرادًا لديهم كفاءة عالية في استخدام الأسلحة الحديثة والتعامل مع المواقف القتالية المتنوعة.
بينما تفتقر الدعم السريع إلى تدريب منهجي محترف، وتعتمد على التجنيد العشوائي الذي غالبًا لا يُراعي معايير الكفاءة. تسليحها، رغم أنه متنوع ويشمل أسلحة حديثة، إلا أنه يُستخدم غالبًا بشكل غير منظم أو مدروس، مما يجعلها غير فعالة في العمليات العسكرية المنظمة.
كما يعمل الجيش السوداني ضمن إطار أهداف وطنية واضحة، تشمل الدفاع عن حدود البلاد وحماية سيادتها واستقرارها. هذا الالتزام يجعل الجيش يتمتع بشرعية شعبية واسعة تدعم جهوده العسكرية. بينما تتمحور أهداف الدعم السريع حول تحقيق مصالح قيادتها والسيطرة على الموارد والمناطق الإستراتيجية. عدم ارتباطها بمشروع وطني جامع يفقدها أي شرعية شعبية، ويضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع السوداني.
البعد الإستراتيجي للانتصارسيطرة الجيش السوداني على ود مدني جاءت نتيجة لتخطيط إستراتيجي محكم قائم على فهم دقيق لطبيعة الأرض، وتوزيع قوات الدعم السريع، مما مكنه من استغلال نقاط ضعفها بشكل فعال.
كما لعبت المقاومة الشعبية من سكان المدينة دورًا مهمًا في نجاح العمليات، حيث قدم الأهالي معلومات استخباراتية وسهّلوا التحركات العسكرية، الأمر الذي عزز من قدرة الجيش على التقدم.
إلى جانب ذلك، أظهر الجيش تفوقًا في التنظيم والتنسيق بين وحداته المختلفة، وهو ما افتقرت إليه قوات الدعم السريع التي بدت منهكة ومشتتة؛ بسبب المعارك الممتدة. ساعدت هذه الفجوة التنظيمية، الجيش في إحكام سيطرته واستغلال الإرهاق النفسي والمعنوي الذي تعاني منه الدعم السريع بعد سلسلة من الهزائم الميدانية.
إعلانأما أهمية ود مدني، فتبرز من موقعها الجغرافي المميز في قلب السودان، حيث تمثل حلقة وصل بين الخرطوم وبقية ولايات البلاد، مما يجعل السيطرة عليها تأمينًا لخطوط الإمداد الحيوية، وممرًا إستراتيجيًا نحو مناطق الجنوب والشرق.
المدينة ذات ثقل اقتصادي كبير، كونها عاصمة ولاية الجزيرة، ومركزًا لمشروع الجزيرة الزراعي، ما يُتيح للجيش تأمين الموارد الغذائية والمائية والاستفادة من البنية التحتية كشبكة الطرق الرئيسية لتمركز القوات، وإعادة توزيعها نحو جبهات أخرى.
كما تكتسب ود مدني كذلك رمزية سياسية واجتماعية كبيرة نظرًا لثقلها السكاني ودورها التاريخي، ما يضيف بعدًا معنويًا لسيطرة الجيش عليها، ويُظهر قدرته على استعادة المدن الكبرى من قبضة المليشيات.
هذه السيطرة تُهيئ المدينة لتكون قاعدة انطلاق نحو مناطق إستراتيجية أخرى، مثل القضارف وسنار، مما يعزز التوسع العسكري، ويفرض مزيدًا من الحصار على الدعم السريع، في خطوة قد تكون حاسمة لتأمين كامل البلاد.
قراءة مظاهر الفرح الشعبيفور دخول طلائع الجيش ود مدني صباح السبت اندلعت احتفالات عفوية في مختلف المدن السودانية، حيث عمت مشاعر الفرح والفخر الأرجاء، لتتحول الشوارع إلى ساحات احتفاء بالإنجاز الوطني.
تعالت الأناشيد الوطنية والهتافات التي تشيد بانتصارات الجيش وتحيي صموده، بينما علت الأعلام السودانية لتزين الأحياء والساحات، في مشهد يعكس وحدة الشعب والتفافه حول مؤسسته العسكرية باعتبارها رمزًا للوطنية والكرامة.
لم تكن هذه الاحتفالات مجرد تعبير عن فرح لحظي، بل رسالة شعبية واضحة تجسد ثقة المجتمع في الجيش كحامٍ للسيادة الوطنية، ورفضًا قاطعًا لوجود قوات الدعم السريع التي باتت معزولة اجتماعيًا بعد جرائمها وانتهاكاتها.
الشعب السوداني، الذي عانى ويلات الحرب والدمار، وجد في انتصارات الجيش بارقة أمل لاستعادة الأمن والاستقرار. إن الهتافات والشعارات التي رددها المحتفلون عبّرت عن وحدة الموقف الشعبي، إذ شددت على أن الجيش يمثل إرادة الوطن بأكمله، وليس مجرد مؤسسة عسكرية.
إعلانووسط أصوات الطبول والتصفيق، بدت رسالة الشعب واضحة: السودان باقٍ بتماسك جيشه والتفاف أبنائه حول قيم الوحدة والصمود في وجه كل من يهدد أمنه وسلامه. وتمثل هذه الاحتفالات مؤشرات داخلية وخارجية:
داخليًا توحيد الصف الوطني عبر إحياء الروح الوطنية المشتركة بين السودانيين. والتأكيد على أن النصر في ود مدني ليس نصرًا عسكريًا فقط، بل أيضًا انتصارًا للأمل في مستقبل أفضل. كما تعكس أن الشعب مستعد لتحمل المصاعب دعمًا للجيش حتى تحقيق الحسم الكامل. خارجيًا؛ تعتبر رسالة للعالم بأن الجيش يحظى بدعم شعبي واسع، مما يعزز شرعيته أمام الأطراف الإقليمية والدولية. مما يزيد من احتمالات إعادة تقييم الأطراف الدولية لأدوار الفاعلين في هذا الصراع. تحديات ما بعد التحريرعلى الرغم من أهمية الانتصار الذي حققه الجيش السوداني في مدينة ود مدني، فإن المرحلة القادمة تحمل في طياتها تحديات كبيرة تتطلب التعامل معها بحذر وحكمة.
من أبرز هذه التحديات قدرة الجيش على الاحتفاظ بالمدينة وتأمينها، في ظل التهديدات المستمرة التي قد تشكلها فلول الدعم السريع، خاصة عبر تكتيكات الكر والفر. تأمين المدينة يتطلب جهدًا عسكريًا مكثفًا، إلى جانب تعزيز ثقة السكان المحليين من خلال بسط الأمن وإعادة الخدمات الأساسية.
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تبرز الحاجة الملحة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي خلفتها الحرب. آلاف الأسر تعاني من النزوح وفقدان سبل العيش، ما يستدعي جهدًا جماعيًا من الحكومة والمجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرها الصراع. معالجة هذه القضايا الإنسانية تشكل خطوة أساسية في تعزيز استقرار المناطق المحررة، وكسب دعم السكان المحليين.
لكن التحدي الأكبر يكمن في الانتقال من الانتصار العسكري إلى بناء سلام دائم وشامل. فالحرب مهما طالت لا يمكن أن تحل محل الحلول السياسية التي تضع نهاية جذرية للصراع وتعيد للسودان وحدته وسيادته. يتحمل الجيش، بوصفه رمزًا للسيادة الوطنية، مسؤولية دعم المبادرات السياسية التي تسعى لتوحيد السودانيين وإنهاء الانقسامات.
إعلانختامًا، لا بد من دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي حقيقي ينهي الصراع المسلح، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تضمن السيادة والوحدة، وتُخرج السودان من دوامة الحرب إلى آفاق جديدة من التنمية والسلام. هذا الطموح لن يتحقق إلا بتكاتف السودانيين جميعًا، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية