في سياق الصراع المتصاعد، وجه الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، اتهاماً للبرهان بتعمد إضعاف الإسلاميين من خلال الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك

كمبالا: التغيير: تقرير

ما أن تخبو حدة التوترات بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والتيار الإسلامي حتى تعود لتتصاعد مجدداً، وسط تبادل مستمر للاتهامات وسعي كل طرف لتقويض نفوذ الآخر، مما يعكس طبيعة العلاقة المضطربة والهشة بينهما.

التوترات

رغم ما بدا في البداية كتحالف تكتيكي بين البرهان والتيار الإسلامي، إلا أن المصالح المتضاربة سرعان ما ظهرت إلى السطح. البرهان، الذي يسعى لتعزيز قبضته على السلطة، ظهر وكأنه يتعامل مع هذا التيار كوسيلة لتحقيق أهدافه، بينما يسعى الإسلاميون لاستعادة نفوذهم الذي فقدوه عقب سقوط نظام البشير.

مثالاً لهذه الاستراتيجية، قرار البرهان الأخير بحل لجنة الاستنفار الشعبي في ولاية القضارف، التي تُعد من أبرز أدوات الحشد والتنظيم للإسلاميين، الذين اعتبروا أن الخطوة تهدف إلى تقليص نفوذهم وقطع أذرعهم التنظيمية.

وفي سياق الصراع المتصاعد، وجه الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، اتهاماً للبرهان بتعمد إضعاف الإسلاميين من خلال الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك.

 

الإسلاميون ينظرون إلى أي محاولة صلح مع الإمارات على أنها تهديد حتى إن كان الوسيط أردوغان

 

التوترات لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أطلق قائد كتائب “البراء”، المصباح أبوزيد طلحة، التي تقاتل إلى جانب الجيش، تصريحات حادة عبر صفحته في “فيسبوك” قبل يومين، أكد فيها رفض الإسلاميين القاطع لأي تفاوض مع الأطراف الإقليمية، في إشارة إلى التفاهمات المحتملة التي يجريها البرهان مع تركيا والإمارات.

تحليل سياسي للصراع

بحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، د. إبراهيم كباشي، يعود الصراع بين البرهان والإسلاميين إلى مرحلة ما قبل الحرب، إذ يتعامل الإسلاميون مع اللجنة الأمنية التي تمثل السلطة الانتقالية على أنها “خائنة” بسبب دورها في الإطاحة بنظام البشير وخلق واقع سياسي جديد في البلاد. ويشير خلال حديثه مع (التغيير) إلى أن الإسلاميين، منذ البداية، اتخذوا موقفاً استراتيجياً يقوم على التخلص من جميع المجموعات التي شاركت في التغيير بعد 2019، معتبرين الحرب وسيلة رئيسية لتحقيق هذا الهدف.

القط والفأر

المفكر والباحث د. النور حمد وصف العلاقة بين البرهان والإسلاميين بأنها لعبة القط والفأر. ويرى في مقابلته مع (التغيير) أن البرهان، الموصوف بأنه “مهووس بالسلطة”، استخدم الإسلاميين كوسيلة لتحقيق طموحاته في السيطرة الكاملة على الدولة. لكنه يشير إلى أن فشل خطة “الضربة الخاطفة” التي اتفق عليها الطرفان للقضاء على قوات الدعم السريع، أدى إلى إطالة أمد الحرب وتعقيد العلاقة بينهما.

وهو ما ذهب إليه د. كباشي، إذ يرى أن تمدد الحرب جغرافياً وزمنياً، ودخول أطراف إقليمية ودولية إلى المشهد، عقد الواقع بشكل لم يكن في حسابات الطرفين. فبدلاً من الحسم السريع، دخل الصراع في مرحلة طويلة الأمد تُوظف فيها المصالح المؤقتة لتأمين النفوذ.

الإخوان منذ البداية اتخذوا موقفاً استراتيجياً يقوم على التخلص من جميع المجموعات التي شاركت في التغيير بعد 2019

 

ويؤكد كباشي في تحليله أن الصراع بين البرهان والإسلاميين سيظل يلقي بظلاله السلبية على أي مبادرة سلمية. فمع استمرار الحرب وتحولها إلى أداة استراتيجية لكل طرف، يصبح تحقيق السلام في السودان أمراً بعيد المنال، ما لم تحدث متغيرات سياسية كبرى تُعيد ترتيب الأولويات وتفرض مساراً جديداً للحل.

تكتيكات متبادلة وتناقض في المواقف

اتفق د. النور حمد ود. إبراهيم كباشي على أن العلاقة بين البرهان والإسلاميين تتسم بالاستغلال المتبادل، حيث يعتمد الطرفان على تكتيكات مرحلية لتحقيق أهداف مؤقتة، في ظل تناقض واضح في الرسائل والمواقف.

يوضح كباشي أن الإسلاميين يفضلون توزيع الأدوار بين شخصيات بارزة مثل المصباح وآخرين، في محاولة للحفاظ على نفوذهم، بينما يسعى البرهان ومجموعته إلى الاستفادة من هذا التكتيك لإطالة أمد الحرب كوسيلة لإضعاف الإسلاميين وتعزيز سيطرتهم على السلطة.

من جهته، يُبرز د. حمد جانباً آخر من الصراع، مشيراً إلى أن التناقض في الرسائل التي يوجهها الإسلاميون إلى البرهان والتى تدل على تخوفهم منه. ويرى أن هذا التناقض يظهر جلياً في مواقف شخصيات مثل الانصرافي، والطاهر حسن التوم، وسناء حمد، ورسائلهم المتباينة بين السخرية والانتقاد الحاد والثناء المؤقت.

ويضيف حمد أن الإسلاميين يثورون على البرهان كلما أبدى ميلاً للتفاوض أو أظهر انفتاحاً على حل سلمي للأزمة. ويذهب المفكر، الذي يعد أبرز قيادات الفكر الجمهوري، إلى أن الإسلاميين أصبحوا أسرى لدى البرهان والعكس صحيح، حيث يعتمد كل طرف على الآخر مرحلياً.

 

التناقض الصارخ بين الطرفين يؤكد أن انفجار الأزمة بين البرهان والإسلاميين أصبح مسألة وقت

 

ويوضح أن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، مثل اتهام أحمد هارون وسناء حمد للبرهان باستنزاف شباب الإسلاميين، تحمل اتهاماً واضحاً للبرهان بأنه يتعمد إضعاف التيار الإسلامي عبر الزج بشبابهم في الخطوط الأمامية للمعارك المستمرة.

ويواصل قائلاً: الإسلاميون يعتبرون قرار البرهان بحل لجنة الاستنفار الشعبي في القضارف تأكيداً لاستراتيجية تهدف إلى القضاء على كتائب التنظيم المقاتلة.

ويشير إلى تصريحات سابقة لقيادات إسلامية مثل علي عثمان محمد طه، الذي تحدث عن أهمية “ادخار القوة”، في إشارة إلى ضرورة أن يقاتل الإسلاميون باستخدام الآخرين بدلاً من زج أنفسهم في المعارك.

ومع تمدد الحرب وفشل الحسم السريع، يوضح حمد أن الإسلاميين لجأوا إلى استنفار المواطنين لتعويض خسائرهم، إلا أن هذه الدعوات لم تحقق النتائج المتوقعة. ونتيجة لذلك، تحملت كتائبهم العبء الأكبر من القتال، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوفهم. وعلى الرغم من هذه الخسائر، يرى حمد أن الإسلاميين ما زالوا متمسكين بخطتهم لتحقيق نصر حاسم على قوات الدعم السريع والعودة إلى السلطة منفردين دون أي شريك.

فرصة ضائعة للإسلاميين

الصحفي والمحلل السياسي علاء الدين بشير يؤكد أن الحرب استنزفت كادر الإسلاميين المتبقي ولم تُكسبهم ثقلاً في مراكز صنع القرار. زمام الأمور بات بيد العسكريين، الذين يدركون أن الإسلاميين يخوضون هذه الحرب بأجندتهم الخاصة لاستعادة النفوذ الذي فقدوه بعد سقوط نظام البشير في ثورة ديسمبر. ويُعتبر هذا الطموح، كما يقول بشير (للتغيير)، من الخطوط الحمراء للعسكريين، الذين يلتزمون أمام القوى الإقليمية والدولية التي دعمتهم للوصول إلى مركز القرار في السودان.

معارضة أي مصالحة إقليمية

ويعتبر بشير أن الإسلاميون ينظرون من جانبهم إلى أي محاولة للصلح مع الإمارات أو غيرها من القوى الإقليمية على أنها تهديد مباشر لمصالحهم، حتى إذا كان الوسيط هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حليفهم الأيديولوجي. ويرجع بشير  ذلك الى أن السودان يختلف عن بقية دول المنطقة العربية والإسلامية، حيث قامت الثورة ضد حكم الإسلاميين، مما يجعل من الصعب إعادة إنتاج نفوذهم خصوصاً مع استمرار المطالب الشعبية للخلاص من سياساتهم وأيديولوجياتهم.

مواجهة حتمية

ذهب د. النور حمد وعلاء الدين بشير إلى أن الصراع بين البرهان والإسلاميين يتجه نحو مفاصلة حتمية. يقول د. حمد إن التناقض الصارخ بين الطرفين يؤكد أن انفجار الأزمة بين البرهان والإسلاميين أصبح مسألة وقت. فالطرفان يلعبان على أوتار الوقت والمصالح المشتركة، لكن نية الإقصاء متبادلة، مما يجعل الصراع بينهما أمراً حتمياً طال الزمن أم قصر.

ويؤكد بشير أن تقلص هامش المناورة بين الطرفين يجعل من الصعب تأجيل هذه المواجهة، خاصة في ظل استمرار العسكريين في التزامهم بإبعاد الإسلاميين عن مراكز القرار.

الوسوماحمد هارون الاسلاميين البرهان سناء حمد كتيبة البراء

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: احمد هارون الاسلاميين البرهان سناء حمد كتيبة البراء

إقرأ أيضاً:

الجنرال البرهان مكانه السجن

لا يمكن أن يكون (حاميها حراميها)، ولا يوجد مسوغ أخلاقي واحد يجعل من قائد جيش الاخوان مشعل حرب السودان، جسراً للعبور الى الحكم المدني الديمقراطي، ولا يجوز للشعب أن يتغافل عن الجريمة الكبرى التي ارتكبها هذا الرجل، الذي ذبح ثورة ديسمبر من الوريد الى الوريد، فضلاَ عن قيادته للحرب ضد شعبه صبيحة يوم الخامس عشر من شهر ابريل قبل عامين، الرجل الذي ما يزال يرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين بطيرانه الأجير، وسكاكين جنود كتائبه الإرهابية، وبنادق مرتزقته الأجانب، كل فظائع قطع الرؤوس وبقر البطون في ولاية الجزيرة، ومجازر اسقاط براميل الموت على سكان دارفور وجنوب كردفان، تعد جرائم حرب وإبادة جماعية، قد اعترف بها في مدينة "ود مدني" متحدثاُ إلى جنوده، بأنه هو الذي أمر الطيار بقصف (العبــد) الذي كان مختبئاً تحت الجسر، ما أكد على أن التعليمات للطيارين بقصف المدن صادرة منه، فهو لا يملك أدنى أسباب الموثوقية من القوى المدنية، وأعظم خطيئة ارتكبها هذا الجنرال الغارق في دماء السودانيين، انقلابه على الحكومة المدنية الانتقالية التي أتى بها ثوار ديسمبر، فالمثل الشعبي يقول بأن الذئب لا يٌعيّن حارساً لحماية الأغنام، وبدوره الكبير في اطلاق رصاصة الحرب، من المستحيل أن يسمح الشارع السوداني لأن يقود منصة التغيير، لأنه يمثل أقوى عمود ارتكز عليه نظام الاخوان المسلمين الإرهابي في الآونة الأخيرة.
الخطاب المهادن الذي تقدم به الجنرال مصاص الدماء، أمام حشد من بقايا نظام الاخوان المسلمين والمتحالفين معهم، ومجيئه متأخراً لاستعطاف القوى المدنية، وبعض حملة السلاح الاستراتيجيين المؤمنين بجذرية الحل، يدل على أن التخبط قد أخذ من الرجل مأخذاً، وبات الشارع يتساءل كيف لنا أن نصوم أربعة وأربعين شهراً ثم نفطر على بصلة؟، فمن بعد ما أصاب الناس من نزوح وهجرة وتشرد وفقدان للأنفس والثمرات، يأتي هولاكو العصر ليبشر الناس الصابرين بأنه سيقود سفينتهم لبر الأمان، بينما أنيابه تتقطر دماً ملعوقاً من رقابهم، وكأنما كتب على السودانيين أن يمتطي ظهرهم على الدوام القتلة والسفّاحون، من جنرالات الاخوان المسلمين، الذين تغولت ترسانتهم العسكرية على ثمانين بالمائة من موارد البلاد الاقتصادية، فكيف يأتي مثل هؤلاء بالحكم المدني الرشيد؟، الذي يؤمن أصحابه بالتداول الديمقراطي للسلطة التي أساءوا استخدامها، حتى قال عنهم عرّابهم الراحل الدكتور الترابي (أكلوا الأموال أكلاً عجيبا)، لم تنجب حواء السودانية رجالاً بهذا القدر من ظلم الأهل والعشير، مثلما أنبتت هذا النبات الشيطاني المسمى بالإخوان، إنّه السرطان المتجذر في عظم الدولة، والذي لابد من إزاحته بعد أن دفع الشعب الكلفة الباهظة للحرب التي استهدفت السودانيين، لم يعد الخطاب القديم والنبيذ الأقدم يصلح لكي يكون علفاً تأكله الدواب، ناهيك عن أن يكون دليل قوم فقدوا كل شيء ليحصلوا على الوطن الفسيح.
كيفما تكون نهاية الحرب، لن يكون الجنرال البرهان جزءًا من المشهدين السياسي والعسكري، مهما كلف الأمر من تضحيات جديدة، ليس هذا فحسب، بل لن يفرّط السودانيون هذه المرة في إغلاق الباب بالضبّة والمفتاح، حتى لا تأتيهم (ريح) الاخوان، إلى قاعات الاجتماعات الباتّة في شئون مستقبل الانسان والدولة، فمسرح الحكم القادم أياً كان نوعه وكيفما كان شكله، لن يشمل طاقم الجنرال مجرم الحرب، من الساسة الفاسدين والعسكريين الخاضعين لأوامر مرشد اخوان السودان – علي كرتي، وهؤلاء هم العطا وكباشي وجابر وعقار ومناوي وجبريل وآخرون، إنّهم جوقة الفساد الكبير، وشرذمة الخطيئة التي جعلت من حرائر السودان سلعة رخيصة، تسام بمهانة في عواصم الدول التي هاجر إليها السودانيون، فهؤلاء وأدوا حلم الثورة بالإصرار على دوس الجماجم والأشلاء بأقدامهم، عسى أن يعيدوا ملكاً باطشاً قضى الله أن يكون منزوعاً، جميعهم سوف يجمعهم السجن الجديد، بجدرانه الصميم، والمخصص لحبس مرتكبي جرائم الحرب، وهنا نأمل أن تقوم منظومة الحكم المدني الديمقراطي الحقيقي القادمة، بجعل القصر الجمهوري الذي بناه المستعمر متحفاً للحقيقة والتاريخ، ليشهد على خطيئة الإخوان المسلمين، وأن لا يرمم ولا يصان ويترك بثقوب الجدار التي خرقها الثوار، وبسقفه المخروق بقنابل الطيران الأجير لمجرم الحرب، ليكون مزاراً للقادمين من احفادنا حتى يتعرّفوا على من خان، ويثمّنوا دور من صمد أمام الظلم والعدوان والطيران.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • صحيفة عبرية: اليمن تواصل أنشطتها الاستعدادية للجولات القادمة من الصراع
  • ثم ماذا بعد تصريحات الفريق/ البرهان
  • السودان: أحد قادة كتائب الإسلاميين يكشف عن صدور مذكرة توقيف بحقه لانتقاده «البرهان»
  • ثم ماذا بعد تصريحات الفريق البرهان
  • الجنرال البرهان مكانه السجن
  • ماذا بين البرهان والإسلاميين في السودان؟
  • زمن الخداع والحرب السائلة
  • مزمل أبو القاسم.. قراءة في خطاب البرهان!!!..
  • الإسلاميون ومخاوف التحالف مع البرهان: حسابات المصالح والمخاطر السياسية
  • البكيري: صراع الهلال والاتحاد يخدم النصر.. فيديو