يكتبها اليوم / سند الصيادي
مهما كان الثمن والكلفة التي تدفعها اليمن، إلا أنه قليل وهين مقارنة بأعظم موقف بلا منافس ممكن أن يتخذه الإنسان في الحياة ويضحي لأجله، كم من أوطان دمرت ودماء نزفت بلا قضية عادلة ولا هدف مقدس.!، فما بالكم بقداسة الهدف الذي رسمه ويسعى إليه اليمنيون وهم يشاهدون – ليلاً نهار – أرواحاً بريئة تزهق بالجملة ومعاناة تتفاقم وأرضاً تحرق ومقدسات تستباح.
أي أننا من حيث المبدأ – وبشكل مجرد من أي حسابات مادية أو دنيوية لجدوائية تحركنا وعملياتنا – نخسر في الموقف الصحيح ونموت في المسار الصائب الذي يرضي الله ويرضي ضمائرنا، ويكتب لنا آمالا واقعية قطعية في حياة أخرى موعودة وخالدة، هكذا يبدو الحال عظيما ومريحا في دوافعه.
فما بالنا ونحن نلمس ما حققه شعبنا وقواته المسلحة على مدى عام من العدوان من انتصارات ومنجزات، ونجاح في تنفيذ خياراتنا البحرية، ونحصد نواتج لعمليات برية وجوية ترسم معادلة تميل كفتها العملياتية والتكتيكية بشكل واضح لصالح اليمن أرضا وشعباً وجيشاً، ونحن نقرأ في شهادات الأعداء والأصدقاء كيف أصبحت بلادنا واحدة من الدول المتطورة في عدد من القدرات العسكرية التي لا تملكها إلا دول محدودة بالعالم، ونشاهد بأم أعيننا فشل العدو بتسمياته المختلفة، فشل يتسع ويتعمق، ومعه تنعدم خياراته العسكرية والسياسية .
وكيف سيكون الحال والمعنويات ونحن نشهد تحولات آنية أو استراتيجية بعيدة المدى، لطالما تطلعت دول وأمم وشعوب أن تصل إليها، وهي تشاهد حجم الوهن الذي أصابها، ومدى الغطرسة والاستقواء والاستكبار الذي يحيط بها، من منطلق وشعور انساني يبحث عن وجوده وذاته وتأثيره في الصراعات، وهو شعور فطري جبل الله به خلقه منذ النشأة، لا يتخلف عنه إلا من فقد آدميته وامتهن وجوده وكرامته .
أي أننا في الوقت الذي نحارب فيه هذا القبح والإجرام والانتقاص المستفز لكرامتنا – انطلاقا من مبادئنا الدينية والإنسانية – فإننا نكسب أيضا في حسابات السياسة والقوة الرادعة والتأثير الحضاري الإنساني ونراكم حظوظنا، ونحجز لأنفسنا موضعا متقدما في محافل الدنيا وصراع الأمم، وهو ما يفتح آفاقا رحبة لمستقبل أجيال تكون فيه اليمن وشعبها قادرة على أن تحمي كيانها أولا، وقادرة على أن تحدث أثرا إيجابيا في العالم من حولها، وبهذه المبادئ نكون قد كسبنا الدنيا بأبعادها المأمولة والآخرة بفضائلها المرجوة، فيما يخسر الآخرون من حولنا كل ما سبق.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم؟
إذا أرادت شركات الإحصاء إجراء مقارنة بين الوضع النفسي للبناني في 9 كانون الثاني من كل الفئات الطائفية والحزبية والمناطقية وبين الأشخاص أنفسهم في 9 شباط لأكتشف القائمون بهذه المقارنة أن الفرق كبير جدّا. فما الذي تغيّر؟
في التاريخ الأول لم يصدّق اللبنانيون لكثرة فرحتهم أنه قد أصبح لهم رئيس للجمهورية وعادت الحياة إلى القصر الجمهوري بعد سنتين وشهرين تقريبًا من الفراغ، الذي احتل هذا القصر، وحجب عنه الدور الوطني الكبير المفروض أن يؤدّيه في كل الأزمنة، وبالأخص في زمن التغيير والإصلاح. فهذا الرئيس آتٍ من تجربة عميقة في الحفاظ على المؤسسة العسكرية في أشد المحن التي مرّت بها، فأبقاها واقفة على رجليها، ولو بإمكانات متواضعة، ومدّها بكل ما تحتاج إليه من أمصال معنوية ومادية متاحة وممكنة، فقامت بالأدوار المطلوبة منها بكل مسؤولية وشجاعة وإقدام، ولم تتلكأ عن القيام بأي واجب وطني من النهر الكبير الجنوبي حتى الناقورة في مراحل مهامها المتقدمة.
وما ينتظر الرئيس جوزاف عون من تحدّيات سبق أن واجهها بحكمة ودراية ومسؤولية. وعندما توافق مئة نائب من ممثلي الأمة على اختياره رئيسًا للجمهورية كان يعرف أن المهمة المقبل عليها ليست سهلة، وقد تكون أكثر صعوبة من مهمته الأولى، لكنه مقتنع بأنها مهمة غير مستحيلة، خصوصًا إذا توافرت الإرادة الصلبة لمواجهة كل العراقيل والصعاب، والعمل بالتالي على معالجتها بحكمة وحزم وحسم في الوقت ذاته.
فما جاء في خطاب القسم من وعود زهرية هو تعبير صادق عمّا يريد كل لبناني أن يكون عليه الوضع، خصوصًا أنهم عاشوا أسوأ الأزمات في السنوات الأخيرة، وذلك لكثرة ما مرّ عليهم من تجارب قاسية بدأت بانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية وفقدانهم لودائعهم، التي تبخرّت بفعل فاعل مجهول بين ليلة وضحاها، مرورًا بكل الأزمات الناتجة عن الرهانات الخاطئة، وصولًا إلى الحرب المدّمرة التي شنتها إسرائيل على لبنان.
وبانتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية بدأ الاطمئنان يدخل إلى قلوب اللبنانيين لناحية أن الغد سيكون حتمًا أفضل من الأمس، وأن الأيام المقبلة ستحمل معها حلولًا سحرية. ولهذا السبب، ولأنهم مستعجلون على رؤية لبنان وقد استعاد عافيته بسرعة قياسية، فهم يشعرون اليوم بعد تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد، التي تجاوزت كل العراقيل التي وضعت في طريق تشكيلها، أن شيئًا ما قد تغيّر، وأن ثمة أملًا بدأ يلوح في أفق الأزمات المتراكمة.
صحيح أن رئيس الجمهورية لا يستطيع لوحده أن يجترح الأعاجيب، وأنه لا يملك عصا موسى السحرية، ولكن الصحيح أيضًا أنه قادر بما لديه من إرادة وتصميم، وبالاتكال على ما يمكن أن تقوم به الحكومة الجديدة، حكومة "الإصلاح والإنقاذ"، من إنجازات في خلال سنة وثلاثة أشهر تقريبًا، وهي فترة كافية لكي تتمكّن "الحكومة السلامية" من انجاز ما بدأت به حكومة "معا للعمل"، التي ترأسها الرئيس نجيب ميقاتي في أكثر الفترات صعوبة في تاريخ لبنان، فاستطاعت بالحدّ الأدنى من مقومات الصمود أن تمنع سقوط لبنان في أكثر من تجربة.
فالجميع يراهنون على أن يستوحي البيان الوزاري لنقاط الأساسية التي تحتاج إلى معالجات سريعة مما جاء في خطاب القسم، وأن يكون ممنهجًا وفق الأولويات، وهي كثيرة، ولكن الأهم ألا تكبّر الحكومة حجرها، وذلك تلافيًا لعدم الالتزام بكل ما قد يتضمنه هذا البيان من وعود، ولئلا تأتي ردات الفعل متباينة بين خيبات الأمل وبين السعي إلى تحقيق خطوات صغيرة تراكمية من شأنها أن تترك بعض البصمات المتواضعة، ولكن ثابتة في الوقت ذاته. المصدر: خاص "لبنان 24"