الناطق الرسمي للحكومة يحيي المنتصرين في مدينة ود مدني وولاية الجزيرة
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
صرّح الناطق الرسمي باسم الحكومة، وزير الثقافة والإعلام الأستاذ خالد الأعيسر، في منشور له بمناسبة انفتاح القوات المسلحة والقوات المساندة في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، قائلاً: “أتوجه بالتحية باسم الحكومة السودانية إلى أهلنا الصابرين والصامدين المنتصرين في مدينة ود مدني، وولاية الجزيرة، وكل ولايات السودان”.
وأضاف الأعيسر في منشوره على صفحته بمنصة فيسبوك: “الشعب السوداني، بإرادته القوية وإيمانه الراسخ، لا يُقهر. سيظل شامخًا، ثابت العزيمة كالجِبال، ومصممًا على النصر مهما اشتدت التحديات وتعددت الأزمات والمؤامرات”.
وأكد قائلاً: “النصر بيد الله وحده، وهو القادر على تدبير الأمور.” ووجه التحية إلى القوات المسلحة السودانية، والقوات النظامية، وجهاز المخابرات، والقوات المشتركة، والمستنفرين، وكل من ساهم في نصرة القضية الوطنية.
وختم بقوله: “ستستمر رحلة العطاء والوفاء دون انكسار حتى نصل إلى النهاية المنشودة. نسأل الله أن يحفظ السودان وأهله من كل مكروه، وأن يمنّ على بلادنا بالنصر، والأمن، والسلام، والحرية، والعدالة، ويبعد عنها كل ظلم واعتداء.”
سونا
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الذاكرة السودانية: أحمد عبد الرحمن .. شتلة محنة مثال
أحمد عبد الرحمن .. شتلة محنة مثال
محمد الشيخ حسين
ارتبط الراحل أحمد عبد الرحمن محمد بحركة الإسلام السياسي في السودان منذ كانت جنيناً لم ير النور أو أملاً يلوح في الأفق، حين طلب طلاب سودانيون في مصر من مؤسس جماعة الاخوان المسلمين الإمام حسن البنا فى العام 1943، نشر الفكرة في السودان.
وبالفعل بعث البنا وفداً من جماعته إلى السودان برئاسة الطالب السودانى جمال الدين السنهوري، بهدف دراسة الوضع وفق تصور فحواه أن (جماعة الإخوان المسلمين أول دعوة تجديدية شاملة في التاريخ المعاصر). ومنذ ذلك الوقت وحتى لحظة انتقال روحه الطاهرة إلى باريها في القاهرة في اليوم العاشر من شهر فبراير 2025، ظل أحمد عبد الرحمن وفياً للفكرة التي آمن بها وللحركة التي ارتبط بها وللمبادئ التي عمل من أجلها.
بربر الخلوة
تقع مدينة بربر على ضفة نهر النيل الشرقية، وهي مدينة قديمة جداً، يعود تاريخها إلي العصر المروي. وكانت في عهد السلطنة الزرقاء معبراً لقوافل الحجيج من وإلى الأراضي المقدسة بالحجاز. واشتهرت حسب شهادة الرحالة السويسري يوهان بوركهارت الذي زارها عام 1813 بكثرة الخلاوي، حيث كان الكثير من الأسر في بربر يرسلون أبناءهم إليها لحفظ القرآن الكريم وتلقي دروس الفقه. وقد عرفت بربر نهضة تعليمية منذ القرن السادس عشر الميلادي، وكانت مقصد طلبة العلم من مختلف أرجاء السودان.
وينتمي إليها عدد كبير من علماء ومشاهير أهل السودان الذين ولدوا في بربر المدينة وشغلوا مناصب ومراكز متقدمة في الدولة والمجتمع، كان من بينهم أحمد عبد الرحمن.
عندما نرحل مع أحمد عبد الرحمن محمد إلى أقصى نقطة في الذاكرة، نعلم أنه ولد في بربر في العام 1933، من والد ينتمي إلى العبابدة من آل غندور الذين يقيمون في كوم أمبو في صعيد مصر، لكن الطقس السياسي الذي عاش فيه والده عبد الرحمن محمد أجبره على إخفاء هذا الجانب من النسب.
أما والدته سعدية محمد إبراهيم موسى، فهي من أسرة عريقة جدا من الركابية، وتنحدر من آل موسى الذين جاء ذكرهم في قصيدة التمساح لحاج الماحي حين قال (يا الزرق أولاد حاج موسى يالكمل ما فيكم دوسة. البلد الكانت محروسة حجر العوم والناس محبوسة).
قطع أحمد عبد الرحمن رحلة تعليمة عبر أربع مدن مختلفة، فأتاح له ذلك معايشة نماذج مختلفة من الناس، والتعرف على أنماط متعددة من العادات والتقاليد، والوقوف على ألوان متباينة من القيم والمثل. دخل الخلوة طفلا صغيرا، ثم التحق بكُتاب بربر التي حظي فيها بأساتذة أجلاء يهتمون بالطلاب والتدريس منهم: أحمد الأمين الغبشاوي، محي الدين راشد، والناظر عبد الواحد إبراهيم.
طبيعة عمل والد أحمد عبد الرحمن في سكك حديد السودان جعلته كثير التنقل بين المحطات والسندات. ولذا انتقل أحمد عبد الرحمن مع خاله الدكتور إبراهيم الصاوي إبراهيم موسي المحامي إلى أم درمان، حيث درس الصف الثاني بمدرسة العباسية.
بدايات الوعي السياسي
رغم أن السكن في حي بيت المال في أمدرمان كانت نقلة كبيرة جدا في حياة أحمد عبد الرحمن الاجتماعية، إلا أنها لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما نقل خاله إلى مدرسة مدني الوسطى التي تعرف فيها على طلاب آخرين كان أبرز هؤلاء الطلاب الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، وسبب العلاقة أن الأستاذ الصائم خال أحمد كان المشرف الرياضي على النشاط.
وفيما تمثلت نقلة أم درمان في حياة أحمد عبد الرحمن في توفير الرعاية الصحية والكشف الشهري الصحي على الطلاب والاهتمام الكبير بالتعليم، والتعرف على مجتمع العاصمة، قادته نقلة مدني إلى الاهتمام بالرياضة والشغف بالسباحة والتنس.
غير أن مدني شهدت بداية الوعي السياسي لأحمد عبد الرحمن، ببروز اهتمام الطلاب بالعمل الوطني، حيث شاهد وشارك وهو في سن صغيرة في النشاط الأولى لمؤتمر الخريجين. وكان نجم تلك الأحداث التي وقعت في العام 1942، بلا منازع هو الأستاذ أحمد خير المحامي
ويتذكر أحمد عبد الرحمن، أنهم كانوا يقومون بحفظ وترديد الأناشيد مثل (إلى العلا).
وفي مدني تعرف على عدد كبير من الناشطين في تلك الفترة السابقة لتكوين الأحزاب السياسية، منهم: أحمد خير، مصطفى الصاوي، إبراهيم الكاشف، وعبد الحميد يوسف.
العودة لبربر
كانت لمدينة مدني حيوية خاصة في حياة أحمد عبد الرحمن، فقد كان يتم إرسالهم كطلبة لحصاد القطن، وكان يجد متعة ولذة في الذهاب للحواشات والجلوس وسط المزراعين. لكن هذه الحيوية لم تستمر طويلا، إذ اضطر في أخر سنة من المرحلة الأولية للرجوع لبربر، لأن خاله الصايم كان قد هرب إلى القاهرة لدراسة القانون، لأن المستعمر كان لا يسمح بدراسته، و هنا يجدر الذكر أن الدكتور إبراهيم الصاوي إبراهيم موسي، هو أول من عمل بالمحاماة في السودان. وقد دخل أحمد عبد الرحمن ضمن أول دفعة قبلت بمدرسة بربر الوسطى، وكان ناظر المدرسة الأستاذ هاشم الكمالي الذي خصه بمعاملة خاصة بعد برقية خاله لناظر المدرسة حتى يهتم بتعليمه.
وكانت الجمعية الأدبية ذات طابع سياسي، لأن تفاعل الطلاب كان كبيراً مع قضايا الحركة الوطنية، خاصة بعد تعيين شيخ الدين جبريل مديرا لمدرسة بربر خلفاً لهاشم الكمالي.
قضى أربع سنوات في بربر الوسطى، ولوحظ وسط الأساتذة والطلاب أن الوعي السياسي لأحمد عبد الرحمن كان أكثر من زملائه الذين كان بينهم المرحوم أحمد عبد الرحمن الشيخ، السفير عبد الماجد الأحمدي، والسفير حسن المصباح.
شتلة محنة
عاد أحمد عبد الرحمن لأم درمان في عام 1949م حين قبل بمدرسة أم درمان الأهلية الثانوية. وكان يسكن مع جده ببيت المال جوار سوق الشجرة. وبعد أن غادر جده إلى شندي التي جاء منها. انتقل أحمد عبد الرحمن للإقامة مع عمه (بحي المظاهر) وكان حياً جديداً و كانت مدرسة أم درمان الأهلية ذات نشاط سياسي كبير في ذلك الوقت.
كانت مدرسة أم درمان الأهلية تعج بالنشاط السياسي بحكم أنها كانت مركزا لاتحاد الطلاب ووقتها كان يوجد المؤتمر الطلابي وكانت واجهة يسيطر عليها اليسار، إلى أن طرحت الحركة الإسلامية موضوع إنشاء الاتحاد العام للطلاب السودانيين الذي سحب به البساط من اليسار وتعرى تماما. وكان أحمد عبد الرحمن وزملاؤه قد انضموا للاتحاد العام للطلاب السودانيين باعتبارهم إسلاميين في العام 1951.
وكانت هذه بداية لخلية تشكلت بقناعة من القيادات، وكانت الأدبيات تأتي من مصر وتأثرت بكتب حسن البنا، ومحمد قطب، فيما كانت الجمعية الدينية هي المظلة التي تشتغل بها الحركة الإسلامية.
مواجهات كبيرة
دخل أحمد عبد الرحمن جامعة الخرطوم في منتصف الخمسينيات، وتميزت تلك الفترة بمواجهات كبيرة جداً لحركة الإخوان في مصر، وكان هناك موقف مؤيد من الحركة الإسلامية في السودان، فيما كانت الجمعية التأسيسية الأولى متجاوبة مع الأحداث في السودان، وهذا أثر في الاستقلال.
أما تأثير تلك الأحداث في مصر على استقلال السودان فتفسيره عند أحمد عبد الرحمن أن (الرأي العام السوداني أصبح ماعندو شهية للعلاقة مع مصر).
يضاف إلى ذلك التفسير أن الصراع كان محتدما جدا مع الحزب الشيوعي الذي وقف ضد اتفاقية 1953 التي مهدت لاستقلال السودان باعتبار أن هذا ليس هو الطريق، والطريق في رأيهم هو العمل السياسي مع مصر، بجانب التشكيك الشديد في منبر جامعة الخرطوم
الشاهد عند أحمد عبد الرحمن أن طلاب الحركة الإسلامية لعبوا دوراً في التهدئة باعتبار أن الصراع مع اليسار لا يوصل لنتيجة، وبدا هناك رشد وسط الطلاب قاده المرحوم دفع الله الحاج يوسف رئيس الاتحاد آنذاك. وبادرت قيادات من الحركة الإسلامية واليسار بتهدئة الأحوال.
ملامح السيرة
تخرج الراحل احمد عبد الرحمن في جامعة الخرطوم ويحمل درجة الماجستير في العلوم الإدارية من دولة هولندا. وبدأ حياته العملية ضابطاً إدارياً، وكان من مؤسسي معهد الإدارة العامة في السعودية. وعندما تقدم باستقالته من العمل في معهد الإدارة حرر خطاباً يعتبر نموذجاً في الوطنية حين برر الاستقالة لتلبية نداء الوطن والعمل في إطار المصالحة الوطنية في العام 1978. هذه الرسالة أوردها الشيخ عبد المحسن عبد العزيز التويجري المستشار في الديوان الملكي السعودي في كتابه القيم (رسائل خفت عليها من الضياع).
كان أحمد عبد الرحمن مقررا للجنة المصالحة الوطنية والتعويضات وعضو مجلس الشعب ووزير الشؤون الداخلية ووزير الرعاية الإجتماعية في عهد الرئيس جعفر نميري، ثم أصبح رئيسا للجنة الحكم الإتحادي بالمجلس الإنتقالي للمجلس الوطني.
وشغل الشيخ أحمد عبد الرحمن منصب الأمين العام لمجلس الصداقة الشعبية ثم رئيسا لمجلس إدارة جامعة السودان العالمية ورئيسا للجنة القومية للتوعية بمخاطر التبغ.
ويعتبر الشيخ أحمد عبد الرحمن رجل دولة من الطراز الأول وسياسياً بارعاً يجتمع عنده الخصوم وتلتئم بحكمته الجروح والشروخ ويرقد علي مستودع هائل من أرصدة العمل السياسي والوطني والمجتمعي.
الخبرة السياسية
خبرة أحمد عبد الرحمن السياسية تجعله يبتعد عن المناخات التي صاحبت حدوث المفاصلة بين الإسلاميين، و تقوده هذه الخبرة إلى الاستناج أن الانشقاقات التي حدثت في الأحزاب السودانية قد نالت منها، وأدى ذلك من زمن بعيد إلى شخصنة السلطة والركوض خلفها دون استصحاب برامج تقنع الشعب الذي يتوق للحكمة في إدارة شأنه.
وشهادة أحمد عبد الرحمن عن المفاصلة بين الإسلاميين لا تقلل من الأثر السلبي للخلافات، ولكنه يعتقد أن الخلافات عادية جداً. فإذا كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لم ينجوا من الخلافات، فمن الطبيعي أن يحدث ذلك في الحركة الإسلامية، لكنه على يقين أنها فتنة سلطة ولا توجد خلافات موضوعية على أساس قضايا فكرية. ويصل إلى أن خلافات الإسلاميين تجاوزت المألوف، لأن الأحزاب والطوائف في السودان كلها اختلفت، ولكنها لم تكن بالحدة التي شهدها انشقاق الحركة الإسلامية. ويبدي أسفا فحواه أن الخلاف كان طابعه خلافاً شخصياً.
تصور الحركة الإسلاميَّة للشريعة الإسلامية أنها (منهج حياة)، لكن قناعة أحمد عبد الرحمن أن الحركة الإسلامية لم تأت بالشريعة للشعب السوداني بل وجدتها متجذرة فيه.
اللقاء التاريخي
من خفايا خبرة أحمد عبد الرحمن السياسية ذلك اللقاء التاريخي في منزله بين الدكتور حسن الترابي والأستاذ علي عثمان محمد طه، وقد تم هذا اللقاء قبل وفاة الدكتور الترابي بفترة قليلة.
وللحقيقة والتاريخ يقول أحمد عبد الرحمن إن (الترابي كان كالعادة متجلياً جداً في ذاك الاجتماع ولم يقف عند محطة الماضي كثيراً ولذلك تركز حديثه حول المستقبل والمهددات وحول وحدة السودان). وأضاف الترابي أنه (يخشى وهم أحياء أو أموات أن يتشظى السودان، بل وسيكون أفظع من الصومال إن لم نتدارك ذلك، لأن القبائل جميعها في السودان عربية وغيرها توفر لها السلاح وتوافرت فرص تدريب من بؤر الصراع التي من حولها، ولذلك لابد من أن يكون الأمن هو في مقدمة الأولويات).
ويتفق أحمد عبد الرحمن تماما مع حديث الترابي. ويضيف إليه أن (مكمن تخوفه ايضاً هو على الحركة الإسلامية والتي هي مواجهة الآن سواء كان في الشعبي أو الوطني وبالتالي ليست لديها أي خيار سوى لم الشمل حتى تستطيع أن تواصل المسيرة، وتمنى الترابي في حديثه أن يأتي من يحقق هذه الغاية.
وحديثه كأنما هو قد استشعر بأنه مفارق لهذه الحياة، وهو يعتقد أن هذه هي اللبنة الأولى في الإصلاح وجمع الصف الإسلامي الحركي بشقيه لتأتي الخطوة الثانية والتي هي أهل القبلة والثالثة الوطن كله).
يأتي رحيل الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد المر متزامنا مع عبثية الزمن السياسي السوداني، حيث تعلو المصالح الذاتية للأشخاص فوق كل الاعتبارات، وأيضا فوق كل القوانين. وهكذا تفتقد بلادنا الحكماء والنبلاء وأسياد الكلمة النجيضة. ألف رحمة ونور تنزل على قبره وأحسن الله العزاء لأسرته الصغيرة والكبيرة والممتدة ولأصاقائه ومحبيه وعارفي فضله.
إنضم لقناة النيلين على واتساب