يمانيون../
يتأرجَحُ اتّفاقُ وقف إطلاق النار في لبنانَ بين عواملَ تُسهِمُ في بقائه وأُخرى تهدّدُه، وَتبعاً لذلك تتباينُ تقديراتُ المُراقبين بين من يُرجِّحُ انهيارَ الاتّفاق في الأيّام القليلة القادمة، وَالعودة إلى النقطة صفر قبل انتهاء مهلة الستين يومًا المنصوص عليها في الاتّفاق، وَبين من يرى أن يستمر وقف إطلاق النار فيما بعد المهلة، وَالعوامل -حسب أصحاب هذا الرأي- تتمثل في حالة ضعف غير مسبوقة لحزب الله استوفت أركانها مع إسقاط سوريا بما تعنيه من قاعدة عسكرية للحزب وطريق إمدَاد دائمة له، بالإضافة إلى ضغوط القوى اللبنانية المناوئة للحزب في حال قرّر وضع حدٍّ لانتهاكات العدوّ الإسرائيلي، لدرجة قد يجد الحزب معها نفسه في مواجهة مزدوجة لا يأمن فيها ظهره، في ظل مخاوف ظهور جيش الجنوب بنسخته الثانية؛ ما يُجبره على غض النظر عن خروقات العدوّ، وَحتى وإن استمرت في أشكالها الراهنة ومنها التوسع في احتلال بعض القرى الجنوبية التي لم تسقط تحت أعتى غزو بري، ترافقت معه وسبقته أكبر حملة جوية مُكثّـفة على لبنان على مر التاريخ.

والنقطة الأخيرة تشكل أبرز عوامل ترجيح ضعف حظوظ صمود وقف إطلاق النار في لبنان، ويُضاف إليها بنود الاتّفاق ذاته، وَعدم فاعلية لجنة مراقبة الاتّفاق مع اقتصار دورِها على تلقّي شكاوى الجانبين عن انتهاكات الاتّفاق من أيٍّ من طرفيها، وهذه القراءة التحليلية لا يعنيها التنبؤ بمستقبل وقف إطلاق النار في لبنان، وهي تركز على استبيان الرؤية الحاكمة للعدو تجاه هذا البلد العربي؛ باعتبَارها القوة الدافعة للصهاينة اليوم وغداً، أَو قبل وَبعد الاتّفاق، أَو في الماضي والحاضر وَالمستقبل.

لبنان موطنُ قبيلة أشير:

لبنان في السردية اليهودية، موطن قبيلة أشير ثامن أبناء نبي الله يعقوب، ومع كُـلّ عدوان يُشن عليه من قبل العدوّ الإسرائيلي، يحتدم التبشير بشكل ملحوظ في الأوساط الصهيونية باقتراب تحقّق جزء من الوعد التوراتي المُدعى تجاه الأرض العربية بين نهرَي النيل والفرات، وتتردّد مقولات من مثل “لبنان جزء من أرض “إسرائيل” الموعودة التي سيعيدها الله إلى “إسرائيل” قريباً” وكما كُـلّ مرة سارع الصهاينة مع العدوان الأخير على لبنان إلى الاستشهاد بما يصفونها آيات تؤكّـد أن لبنان يقع ضمن حدود “إسرائيل” وَتلزم الإسرائيليين دينيًّا بغزو لبنان، مع التشديد على أهميّة فهم رسائل التوراة المتجاوزة للتاريخ، بما تحمل من رسائل عميقة، من الممكن الاستفادة منها في الأحداث الجارية، كما يزعمون، وثمة الكثير مما ينسبه الصهاينة إلى الكتب وَالصحف المقدسة، وجميعها تحث على احتلال لبنان واستيطانه، ومما يتم ترويجه في هذا السياق وينسب لسفر التثنية الآتي: “كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ، مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ، مِنَ النَّهْرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ، إلى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ يَكُونُ تُخْمُكُمْ” وَأَيْـضًا ينسب لسفر التثنية: “تَحَوَّلُوا وَارْتَحِلُوا وَادْخُلُوا جَبَلَ الأَمُورِيينَ وَكُلَّ مَا يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبَةِ وَالْجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَالْجَنُوبِ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ، أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّ وَلُبْنَانَ إلى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَات”، وثمة نماذج أُخرى تحكم رؤية العدوّ تجاه لبنان ولكن تنسب لسفر يوشع مثل: “مِنَ الْبَرِّيَّةِ وَلُبْنَانَ هذَا إلى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ، جَمِيعِ أَرْضِ الْحِثِّيِّينَ، وَإِلَى الْبَحْرِ الْكَبِيرِ نَحْوَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ يَكُونُ تُخْمُكُمْ”.

أما من سفر إشعيا فيتردّد على ألسنة الصهاينة الآتي: “ستفرح البرية والبادية ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس ويبتهج ويرنم طربًا، مجد لبنان أُعطي له، شدوا الأيدي المسترخية وثبتوا الركب المرتجفة، قولوا لخائفي القلوب، تشدّدوا لا تخافوا، هوذا إلهكم، الانتقام قادم”.

الانتصارُ على لبنان يُمهِّدُ لقدوم المسيح:

والصهاينة لا يقدمون ما سبق كموروث ديني مُجَـرّد، بل يسعون لتنفيذه بكل سبيل ويكرّرون الإعلان عن ذلك بشكل دائم، كما أن هناك جهات يوكل إليها استمرارية الترويج لهذه الأساطير بوصفها توجيهات.

واللافت أن ما يسمى بحركة “غوش إيمونيم” تتولى كبر استهداف لبنان، وهي حركة صهيونية لعبت دوراً في التوسع اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بتأييد واضح من كبار مجرمي الحرب الصهاينة، وَهي ترى ضرورة الاستيطان في كُـلّ موقع من أرض “إسرائيل” الموعودة حتى لا يتم الاستيلاء عليها من الغرباء -في إشارة إلى العرب أهل الأرض- ومذ ثمانينيات القرن الماضي روجت “غوش إيمونيم” لفكرة الاستيلاء على لبنان أَو ما تصفُه بالعودة إلى وطن قبيلة أشير ثامن أبناء النبي يعقوب، بحسب العقيدة اليهودية.

حلقة أُخرى ضمن هذا النشاط يتولاها من تُسند لهم مهمة التخصص فيما يوصف بجغرافيا الكتاب المقدس، منهم على سبيل المثال “يوؤال إليتزور”، هذا الصهيوني له حكاية تعود لفترة كان فيها قاتلاً ميدانيًّا ضمن قوات المشاة في غزو لبنان الأول عام 1982 يقول: إنه انبهر حينذاك بالمناظر الطبيعية الخلابة في لبنان وتذكر شوق موسى في العهد القديم لرؤية لبنان وبعد أن زحفت قوات المشاة على طول وادي البقاع، وجد حبات تين لذيذة، فقرّر أن يُردّد قبل أن يأكل التِّين دعاء يُقرأ على الأطعمة المنتمية لأرض “إسرائيل” وَليس ما يُقرأ عند الإمساك بالأطعمة الأجنبية، ذلك أن تين لبنان بالنسبة له فاكهته المستحقة.

على أن ما يستوقفَ بعضَ المختصين بشؤون العدوّ الإسرائيلي هو حجم شعبيّة ورواج أفكار التوسع وَتعجيل نهاية التاريخ وَقدوم المسيح كيما يخلف مُجرِمُ الحرب نتنياهو!، مشاهير الحاخامات على يوتيوب يقنعون جماهيرهم العريضة أن الحرب الحالية هي آخر حرب قبل مجيء المسيح؛ فالآن “قد منح الله الجيل الإسرائيلي الحالي القدرة على أن يتلقى الهدية مرة أُخرى ويغزو الأرض ويستوطنها” وفق تعبير الحاخام إسحاق جينسبيرج، المنشور في صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية وغيرها، ووفقًا لها فَــإنَّ حاخامات آخرين صاروا يردّدون نفس النغمة ويقولون إن الانتصار على لبنان سيرسُمُ طريقًا جديدًا لقدومِ المسيح.

هذا التبشيرُ ينطلقُ من أمريكا أَيْـضًا، وقد شهدت قبيل أن يتوصل لاتّفاق وقف إطلاق النار في لبنان مؤتمراً لحركةٍ تُدعى “أوري تسافون” ناقش سُبُلَ الاستيطان الناجحة في لبنان، وهذه الحركة تتخذ رمزاً لها الهالك “إسرائيل سوكول” أحد العناصر الصهيونية الصريعة في قطاع غزة مطلع 2024، ذلك أن هذا الصريع كان يحلم أن يستوطن لبنان وأن يعيش في ذلك البلد الأخضر في الصيف والأبيض في الشتاء، وبالتالي فَــإنَّ مهمة “أوري تسافون” هي إحياء حُلم الصريع الراحل.

في الأراضي الفلسطينية المحتلّة نفسها كان قد نشب نقاش مفتوح في أوساط العدوّ حول أين ينبغي أن “تقع الحدود الشمالية لأرض “إسرائيل” دينيًّا وَهل “إسرائيل” ملزمة بغزو ما يتضمنها الوعدُ الإلهي من مناطق لـ “إسرائيل” أم أن تلك المناطق تعد خارجَ حدود إسرائيل” في إشارة إلى لبنان، لا بل وذهب النقاشُ بعيدًا فبحث كيفيةَ التعامل مع الأراضي الزراعية في تلك الأراضي التوراتية في حال غزوها، وَهكذا تكثُرُ شواهدُ عدةٌ أن لبنان لن تكونَ هي فقط الهدفَ التالي للعدو الإسرائيلي، بل يمتدُّ الطموحُ للأراضي المشمولة بآخر خرائط نشرتها مواقعُ العدوّ الرسمية، وهي تَضُمُّ إلى جانبِ فلسطينَ التاريخية الأردنَ وسوريا ولبنان، ولا يمكن أن نعزِلَ عن هذه الخرائط المُتخيلة لـ “إسرائيل” حالةُ توسيع السيطرة على جنوب لبنان بعد اتّفاق وقف إطلاق النار ومقدمات ومؤشرات عدمِ الانسحاب منه بعد مُهلة الستين يومًا المحدّدة.

وحتى لا يقعَ لبنانُ ضحيةً من جديد لنصوصِ العهد القديم والتوراة… وإلخ، المعاد استدعاؤها صهيونيًّا ليس أمام الشعب اللبناني سوى خيار واحد هو المواجَهة المفتوحة.

المسيرة عبدالحميد الغرباني

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار فی لبنان على لبنان الات فاق إلى ال ات فاق

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تقترح تمديد وقف إطلاق النار بغزة 60 يوما

يجري المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط سيتف ويتكوف مباحثات في الدوحة، مع وجود مقترح إسرائيلي لتمديد وقف إطلاق النار في قطاع غزة 60 يوما، وفق إعلام عبري رسمي الثلاثاء.

وبنهاية 1 مارس 2025 انتهت مرحلة أولى استمرت 42 يوما من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين « حماس » إسرائيل، بدأ في 19 يناير الماضي، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.

وتنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ يرغب في إطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين، دون الوفاء بالتزامات هذه المرحلة، ولا سيما إنهاء حرب الإبادة والانسحاب من غزة بشكل كامل.

وقالت هيئة البث العبرية (رسمية)، مساء الثلاثاء، إن « ويتكوف بدأ محادثات في الدوحة لدفع الأطراف للتقدم نحو تفاهمات حول إطلاق سراح المختطفين »، في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين.

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

الهيئة أفادت « بوجود مقترح إسرائيلي بروح مبادرة ويتكوف، يشمل إطلاق سراح 10 مختطفين (أسرى إسرائيليين) أحياء في اليوم الأول مقابل (تمديد) وقف إطلاق النار 60 يوما ».

لكن الهيئة نقلت عن مصادر إسرائيلية مطلعة لم تسمها إنه « من المشكوك فيه أن توافق حماس على المقترح الإسرائيلي ».

وتتمسك « حماس » ببدء المرحلة الثانية من الاتفاق، وتعتبر قرار إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ 8 مارس الجاري « ابتزازا رخيصا وجريمة حرب وانقلابا سافرا على الاتفاق ».

من جانبها ذكرت القناة « 12 » العبرية (خاصة) أن « قطر ومصر والولايات المتحدة تحاول تقديم « بادرة حسن نية » من حماس لإسرائيل، على شكل دفعة إفراج محدودة (عن أسرى) ربما خلال الأيام القريبة ».

وأوضحت أن « هدف الوسطاء هو تنفيذ دفعة إفراج جزئية، لكسب مزيد من الوقت للتوصل إلى تفاهمات أوسع، لكن ثمة تخوف من أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق ستستأنف إسرائيل القتال ».

وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل، منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

القناة زادت بأن « الوسطاء نقلوا رسالة إلى حماس مفادها: هذه هي فرصتكم الأخيرة لمنع إسرائيل من استئناف القتال، الجميع بحاجة إلى الوقت، بما في ذلك أنتم ».

وأضافت أن « ويتكوف سيحاول الدفع نحو اتفاق سريع يحقق مكاسب للطرفين، بالنسبة لإسرائيل الإفراج عن المزيد من المختطفين، وبالنسبة لحماس وقف إطلاق نار طويل الأمد وإفراج عن أسرى، واستئناف المساعدات الإنسانية، والتحرك نحو إعادة إعمار غزة ».

وحوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن بالعالم، إذ تحاصرها للعام الـ18، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها، البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، وسط شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.

وحتى الساعة 19:50 « ت.غ » لم تعقب « حماس » ولا دولتا الوساطة قطر ومصر على تقريري هيئة البث والقناة 12 الإسرائيليتين.

وفي وقت سابق الثلاثاء أعلن القيادي بالحركة عبد الرحمن شديد، في إفادة صحفية، بداية جولة جديدة من المفاوضات.

وأكد أن « حماس » تتعامل « بكل مسؤولية وإيجابية »، وتأمل في إحراز « تقدم ملموس نحو بدء المرحلة الثانية من المفاوضات لتمهيد الطريق لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة ».

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

مقالات مشابهة

  • محللان: حماس رمت بـكرة من نار على إسرائيل
  • المكتب الاعلامي: العدو يتنصل من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة
  • العدوّ الإسرائيليّ أطلق النار على قطيع ماشية
  • وفد “الجهاد” يصل إلى الدوحة وحماس تأمل أن تسفر المفاوضات عن تقدم ملموس
  • حماس: العدو تنصل من اتفاق وقف إطلاق النار وهذا يتناقض مع الإرادة الدولية وجهود كل الوسطاء
  • الناطق باسم حماس: إسرائيل تنصلت من اتفاق وقف إطلاق النار
  • إسرائيل توافق على محادثات بشأن الحدود مع لبنان
  • إسرائيل تقترح تمديد وقف إطلاق النار بغزة 60 يوما
  • الأورومتوسطي: جيش العدو الإسرائيلي قتل 145 فلسطينيا منذ وقف إطلاق النار بقطاع غزة
  • إسرائيل تفرج عن 5 لبنانيين ووساطة أميركية لحل مشكلة الحدود