لجريدة عمان:
2025-04-17@01:44:57 GMT

خريطة طريق للعمل الاجتماعي 2/3

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

نستكمل في هذا الجزء من المقالة ما ابتدأنا به في جزئها الأول والذي تناول محورية السياسة الاجتماعية وهواجسها الرئيسية في سلطنة عُمان، في ظل حالة التحولات الاجتماعية التي يعيشها المجتمع والدولة في سلطنة عُمان، والتي تشكّل بدورها ضغوطًا على أبعاد التركيبة السكانية والثقافية والقيمية بالنسبة للمجتمع، وتتطلب في الآن ذاته برامج وسياسات محددة للتعامل معها، وألفتنا إلى الدور المحوري الذي يتوجب أن تقوم به منظومة الرصد الاجتماعي في سلطنة عُمان؛ وذلك لمراكمة معرفة دقيقة ومنتظمة ودورية حول الحالة الاجتماعية.

ولعلنا نبدأ هذه المقالة من جزئية (المعرفة بالمجتمع)، وهي في تقديرنا عنصر أساس لا بد من التنبه إليه ومعالجته في ظل الاتجاه لبناء سياسات اجتماعية فعالة ومتوازنة. ثمة ملاحظة يمكن أن نسجلها كمختصين حيال (المعرفة بالمجتمع)، وهي من واقع البحث والرصد على النحو الآتي:

- المعرفة الأكاديمية: تتمركز في موضوعات محددة، وتغلب عليها البحوث الموجهة لأغراض الشهادات الأكاديمية والنشر الأكاديمي، والمنتج المعرفي الذي يمكن أن يكون صورة متكاملة عن فهم حركة المجتمع يكاد يكون محدودًا جدًا، في الوقت الذي تتوافر منتجات معرفية في حقول أخرى تتصل بالسياق الاجتماعي وخاصة المعرفة التأريخية، والمعرفة الدينية.

- المعرفة المؤسسية (الرسمية): هي موجهة لأغراض استكمال أطر البيانات الرسمية، وتعتمد في غالبها على استقصاء الحالة الاجتماعية لفئات (عينات) محدودة جدًا، والبناء عليها كأحد مدخلات السياسة العامة، ودورية هذه المعرفة غير منتظمة، ولا تشكّل إطارًا موضوعيًّا لفهم الحركة الاجتماعية وبالتالي فهي تقدم فهمًا جزئيًّا للمجتمع، يمكن البناء عليه كمؤشرات عامة.

- المعرفة العامة: تنتج من عموم الباحثين، الكتّاب، المستقلين، المؤسسات المعنية بنشر الثقافة العامة، مؤسسات المجتمع المدني هي معرفة (موضوعاتية) تستغرق في موضوعات طارئة (دون انتظام) أو (موجه عام)، وبالتالي هي مفيدة لفهم القضايا الناشئة، ومحدودة في فهم الحركة الاجتماعية والصيرورات التي يؤول إليها نسق المجتمع في حركته ومتغيراته وتحولاته وما يطرأ عليه.

إذن رهاننا الأول هو معالجة بنية وهياكل (المعرفة بالمجتمع)، وهذه المعالجة تنطلق من خمسة عناصر أساسية: (الإتاحة) وهي أن تضع المؤسسات الرسمية المزيد من البيانات الرسمية لعموم الباحثين ومنتجي المعرفة، بما يمكّنهم من البناء عليها في أبحاثهم ودراساتهم. والعنصر الآخر (التضامنية) وهذه تتشكّل من خلال تجمعات فكرية للباحثين والانتظام في مجموعات بحثية ومعرفية تحمل مشروعًا فكريًّا موجهًا لا مجزأ، ويتشكّل لديها فقه الأولويات والهواجس، دون الاهتمامات الذاتية، والمؤسسية. والعنصر الثالث يعنى بـ(التوجيه)، وهي أن تشتغل المؤسسات الأكاديمية على توجيه أكاديمييها وطلابها لإنتاجه معرفة شمولية ومتكاملة للمجتمع، لا أن تكون منشورات متفرقة، ويقودها هاجس الأكاديميا أكثر من الهاجس الاجتماعي الأساسي، وأن تشكّل المؤسسة الأكاديمية (مدرسة) بالمعنى الفكري في مناقشة وتحليل الظواهر والمتغيرات الاجتماعية، وأن يزيد الاتصال بينها وبين المؤسسة الرسمية لتحديد أولويات البحث والتقصي. أما العنصر الرابع فهو (التوافقية)، وقد دعونا في مقالات سابقة إلى ضرورة (المختبر الاجتماعي) و(السياسة الاجتماعية)، فهما بقدر أهمية السياسات المالية، والسياسات الاقتصادية ووجود اتجاه وتوافق وطني عبر مختبر متكامل يجمع المختصين والمهتمين، ويعنى بتحليل الحالة الاجتماعية، ويخرج بسياسات واضحة، ويتبنّى برامج عمل فعالة (غير فئوية) أو (قطاعية) أصبح اليوم ضرورة قصوى. فالمجتمعات لا تُفهم مجزأة، وإنما تفهم في حالة حركتها وبنائها وتكوينها المتكامل، والسياسات الاجتماعية لا يمكن أن تبنى بشكل فئوي دون أن تكون متكاملة ومتسقة ومتوافقة لتحقيق المقاصد الاجتماعية القصوى. والعنصر الخامس والأخير وهو معني ببناء (الاهتمام) فحراك الباحثين والمؤسسات والمشتغلين بإنتاج المعرفة لا بد أن ينطلق من بناء الاهتمام بالحالة الاجتماعية، ونعتقد أن توجيه القيادة السياسية في أكثر من موضع هو انطلاقة لبناء هذا الاهتمام، غير أنه من المتوجب توسيع المساحات الإعلامية، ومناقشات المجتمع المدني، والمناقشات المحلية، حيال ما يطرأ، وأن تكون هذه المناقشات جادة وتضع المختصين، وصوت العلم، والرأي المحكم في واجهتها، لا أن تكون مناقشات لمجرد المناقشات.

على الجانب الآخر هناك مفرزة أخرى يضعها التحول الراهن إلى اللامركزية، باعتبارها شكلًا أيضًا من أشكال التدبير الاجتماعي، وقد رسخها الإطار التشريعي لقانون المجالس البلدية في اختصاصات تلك المجالس، وتحديدًا في البند الذي يشير إلى دورها في «دراسة القضايا الاجتماعية والظواهر السلبية في المحافظة، واقتراح الحلول المناسبة لها بالتعاون مع الجهات المختصة»، ونعتقد أن هذا الاختصاص يفتح المجال أمام هذه المجالس والمحافظات عمومًا لتبنّي مبادرات وبرامج (مخصصة) تتسق مع طبيعة كل محافظة، وتتلاءم مع خصوصية المجتمع فيها، وذلك لدرء ظهور قضايا، أو مشكلات اجتماعية في المجتمع، وتعزيز التماسك المجتمعي، وتطوير البنى القيمية، والرقابة على أدوار المؤسسات الاجتماعية في تعزيز التوافق الاجتماعي والقيمي، ونرى في هذا المجال مجالًا تنافسيًّا واسعًا، بقدر ما هو ضرورة وطنية ملحّة في الوقت الراهن. ونقترح هنا أن تتبنّى مكاتب المحافظين مجموعات بحثية مركزة، تكون ذراعًا استشارية للمحافظين، وتعنى برصد الظواهر والمشكلات والقضايا الاجتماعية الناشئة، واقتراح التوصيات والسياسات -المحلية- المناسبة للتعامل معها، مع أهمية توسيع نطاق الاستشارة داخل السياق المحلي بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية القائمة فيها.

هذا فيما يتصل بالسياق الذي حددناه للنقاش في هذا الجزء وقد تمحور حول (المعرفة الاجتماعية) بشكل رئيس، ليوصلنا إلى الجزء الثالث والذي سنركز فيه بشكل أساس لمناقشة السياسات المحددة للهواجس الاجتماعية الخمسة التي تطرقنا لها في الجزء الأول من المقالة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

عجز الموازين التجارية.. هل يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي؟

عمان: في غضون أيام قليلة تبخرت تريليونات الدولارات مع انهيار أسواق المال العالمية، وهوت أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ مطلع عام 2021، على خلفية حرب الرسوم الجمركية التي أشعل فتيلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولا تزال آثارها تتسع، في وقت بالكاد بدأ فيه العالم يتعافى من أزمات سابقة.

وبينما اعتبر الخبراء الاقتصاديون أن هذه الخطوة هي انتهاك صارخ لقواعد منظمة التجارة العالمية، وتنذر باندلاع حرب تجارية، يتمسك ترامب بمبدئه أن التعريفات الجمركية أفضل وسيلة لوقف الممارسات التجارية غير العادلة، والضغط على الدول الأخرى للجلوس إلى طاولة المفاوضات، في إطار خطته «أمريكا أولا» لتقوية الاقتصاد الأمريكي وتشجيع الصناعة وخفض العجز في الميزان التجاري من خلال تحويل السياسة التجارية الأمريكية من اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف إلى صفقات تجارية ثنائية.

على الرغم من ردود الفعل الغاضبة عالميا تجاه فرض الرسوم الجمركية واعتبار الدول التي فُرضت عليها رسوم عالية أن هذا الأجراء يستهدف زعزعة اقتصادها، فإنه من منظور ترامب ليس حمائيا، بل هو جزء من سياسة أوسع لتصحيح اختلالات تاريخية في الميزان التجاري للولايات المتحدة، الذي ظل يسجّل عجزاً متفاقماً ما بعد فترة الحرب العالمية الثانية، إذ يتفوّق الاقتصاد الأمريكي في قطاع الخدمات، لكن العجز التجاري في السلع والبضائع الاستهلاكية بلغ مستويات قياسية، حيث تجاوز 918 مليار دولار بنهاية عام 2024، وكانت الحصة الأكبر من هذا العجز مع الصين.

ومع تصاعد حرب الرسوم الجمركية، يواجه نظام التجارة العالمي أكبر تحد له منذ عقود، كما أن ذلك يهدد الاقتصاد العالمي في ظل هذا التصعيد المتبادل بين القوى الاقتصادية الكبرى، ويثير المخاوف من انهيار العولمة والدخول في دوامة حرب تجارية طويلة الأمد. وعبّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن التأثيرات السلبية بقوله: «العولمة كما عهدناها قد انتهت»، في إشارة إلى التغييرات التي نتجت عن سياسات فرض الرسوم، مما خلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي عالمياً.

وتعاني التجارة العالمية أزمات متتالية بدءا من تبعات تفشي الجائحة والعراقيل التي واجهت سلاسل التوريد ووصولا للتوترات الجيوسياسية. وفي ظل هذه الأوضاع يبرز التساؤل: هل ما زال هناك متسع للتفاهمات الدولية التي تحافظ على حرية التجارة وتحدّ في الوقت ذاته من اختلال الموازين التجارية.

الرسوم الجمركية .. ما مدى تأثيرها على الصادرات العُمانية؟

رغم استهداف سياسات الرسوم الجمركية الأمريكية غالبية الدول، تشير التوقعات إلى أن تأثيرها على الصادرات العمانية سيكون محدودًا، وقد تخضع لإعادة التفاوض في إطار اتفاقية التجارة الحرة بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة الأمريكية، ما يفتح المجال لمزيد من المرونة في العلاقات التجارية بين البلدين.

وخلال عام 2024، سجل حجم صادرات سلطنة عُمان إلى الولايات المتحدة حوالي 407 ملايين ريال عماني، أي نحو 1.8% من إجمالي الصادرات، وتوزعت أبرز الصادرات إلى السوق الأمريكية بين اللدائن والألومنيوم إلى جانب مواد أولية تدخل في تصنيع الأسمدة وخامات وأنابيب معدنية. كما سجلت أنشطة إعادة التصدير من سلطنة عُمان للولايات المتحدة قرابة 123 مليون ريال عماني.

في المقابل بلغت واردات سلطنة عُمان من الولايات المتحدة الأمريكية 505 ملايين ريال عُماني، مشكلة ما نسبته 3 بالمائة من إجمالي واردات سلطنة عُمان العام الماضي، وتعد السيارات ووقود المحركات من أهم الواردات.

كيف يبدو وضع الميزان التجاري في سلطنة عمان؟

في السنوات الأربع الماضية ارتفع إجمالي الصادرات السلعية النفطية وغير النفطية لسلطنة عُمان مع تسجيل أسعار النفط مستويات جيدة، كما شهدت هذه السنوات زيادة ملحوظة في حجم الصادرات غير النفطية ونموا لأنشطة إعادة التصدير، الأمر الذي يعكس تعافيا مستمرا للأنشطة الاقتصادية. ونتيجة ذلك حقق الميزان التجاري لسلطنة عُمان فائضا متواصلا بلغ في عام 2021 نحو 4.7 مليار ريال و10.5 مليار ريال في عام 2022 و7.8 مليار ريال في عام 2023 و7.5 مليار ريال في عام 2024.

ورغم الفوائض التجارية، إلا أن هناك اختلالات في الميزان التجاري أبرزها هيمنة الصادرات النفطية على هيكل الصادرات السلعية، وميل ميزان تجارة السلع غير النفطية لصالح بعض الدول نظرا لارتفاع حجم صادراتها لسلطنة عُمان مقارنة مع حجم ما تقوم هذه الدول باستيراده من عُمان، كما يستمر إجمالي حجم الواردات إلى سلطنة عُمان في الزيادة خاصة مع نمو الاقتصاد وزيادة الطلب المحلي على السلع والمنتجات الصناعية والتي تمثل الجانب الأكبر من فاتورة الواردات.

وفي ظل توجهات رؤية عمان المستقبلية، تسعى سلطنة عُمان لتعزيز نمو الصناعات المحلية ورفع جودة المنتجات وفتح أسواق جديدة إقليميا وعالميا أمامها بهدف خفض حجم الواردات وزيادة الصادرات، والتوجه نحو توسعة الشراكات الاستراتيجية لدعم التنويع الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان والعالم.

الميزان التجاري -

أحد المؤشرات الاقتصادية التي تقيس حركة التبادل التجاري للدول من خلال رصد الفارق بين حجم الصادرات والواردات من السلع في مدى زمني محدد.

ووفقا لقيمة كل من الصادرات والواردات يحقق الميزان التجاري للدولة فائضا في حال ارتفاع حجم الصادرات مقارنة مع الواردات، أما في حال تفوقت الواردات على الصادرات يكون الميزان في حالة عجز وهو ما يطلق عليه خلل في الميزان التجاري أي ميل الميزان التجاري لصالح الدول التي تقوم بالتصدير على حساب الدول المستوردة، وخلل الميزان التجاري لا يشير فقط لزيادة الواردات بل يعني أيضا مشكلات هيكلية في الاقتصاد تؤدي إلى عدم قدرة الصناعات المحلية على تلبية الاحتياجات المحلية والحاجة لاستيرادها من دول أخرى.

الرسوم الجمركية -

وتسمى أيضا التعريفات الجمركية وهي رسوم أو ضرائب جمركية تفرضها دولة على السلع المستوردة من دول أخرى، وعادة ما تكون التعريفة الجمركية نسبة مئوية من قيمة السلعة المستوردة لرفع قيمتها، وبالتالي تقل تنافسيتها أمام المنتجات المحلية. ورغم أن التعريفة الجمركية أداة اقتصادية مشروعة، تستخدمها الدول لحماية مصالحها وتنظيم تجارتها، لكنها قد تكون لها نتائج عكسية على المنافسة الحرة وترفع أسعار السلع على المستهلك، فكلما زادت الرسوم زادت الأسعار وتقلصت الخيارات. وفي كثير من الأحيان تستخدم كورقة ضغط سياسية واقتصادية في مواجهة دول أخرى، ضمن ما يُعرف بسياسة الرد التجاري أو الاحتجاج الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: الرحمة هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي
  • خالد حمادي.. رجل الأعمال الذي باع (طريق الشعب) في الإشارات الضوئية !
  • خريطة مواقف الأطراف في مفاوضات وقف الحرب على غزة
  • ندوة تثقيفية بجامعة كفر الشيخ للإرتقاء بمستوى المعرفة والوعي
  • حقيقة فيديو البرق الغاضب الذي حصد ملايين المشاهدات عبر الشبكات الاجتماعية
  • جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول "الذكاء الاصطناعي" بمدرسة الإسماعيلية الرسمية للغات
  • عجز الموازين التجارية.. هل يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي؟
  • وزيرة الشؤون الاجتماعية تبحث مع نائبة الأمين العام للأمم المتحدة سبل ‏دعم المجتمع السوري
  • جامعة قناة السويس تنظم برنامجا تدريبيا حول العنف القائم على النوع الاجتماعي
  • الأكاديمية العسكرية تنظم ماراثون "اجرى من أجل أطفال التوحد ".. صور