الفاهم محمد
في عصر التكنولوجيا المتقدمة، والتطور الهائل للمركب العلمي الذي يطلق عليه اختصاراً NBCI، أصبحت الحدود تتداخل بين الإنسان والآلة ضمن اتجاه ما بعد الإنسانية، وبالخصوص في هذا الموضوع الشائك فلسفياً وأخلاقياً، ألا وهو موضوع تحسين الإنسان Human Enhancement الذي يتعلق بتعزيز القدرات البشرية، عبر تطبيقات تكنولوجية مثل الهندسة الوراثية، والذكاء الاصطناعي، وعلوم الإدراك، وكذا الثورة المعلوماتية.
يُشير مصطلح التحسين البشري إلى استخدام التكنولوجيا، أو الوسائل الطبية، لتعزيز القدرات البشرية فوق المستوى الطبيعي. يشمل ذلك تحسين الأداء الجسدي والعقلي، بالإضافة إلى تعزيز الصحة العامة. ويختلف التحسين البشري عن العلاج الطبي التقليدي، الذي يركز غالباً على معالجة الأمراض والاضطرابات. بينما يسعى التحسين إلى رفع القدرات البشرية إلى مستويات عليا.
منذ ظهور الإنسان، وهو يحاول أن يضيف إلى الطبيعة عناصر من ابتكاره، سيسميها علماء الأنثروبولوجيا بالثقافة. هذه الأخيرة شكلت الرحم الجديد الذي يتجاوز الرحم الطبيعي. إذا نظر إلى التحسين من هذا المنظور فسيكون شيئاً إيجابياً، لأنه يضمن لنا ترقية قدراتنا ودفعنا للانفصال والسمو عن عالم الحيوان. يقول نيكولاس أغار: «إننا نلج إلى الجامعات على أمل أن يحسنوا عقولنا. نسعى إلى تحسين صحتنا من خلال تناول أقراص أوميغا. التحسين كتحسين ليس شيئاً يمكننا التفكير في رفضه بشكل واقعي». إذن ليس التحسين هو ما يوضع موضع نقاش، ولكن التعزيز المدعم بالتكنولوجيا هو ما يثير المخاوف اليوم.
لا يتعلق الأمر بتحسين الإنسان عبر التعليم والتغذية الصحية وممارسة التمارين الرياضية، أو عبر تحسين الصحة النفسية والاجتماعية، بل بشيء آخر تماماً. الأمر يرتبط بتحسين الصفات الوراثية عبر الهندسة الجينية. ودمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء البشري، بواسطة الزرع التكنولوجي مثل إدخال شرائح أو أجهزة في جسم الإنسان. أو كذلك بواسطة التقنيات التي تسمح بمحاربة الشيخوخة وإطالة مدى الحياة.
باختصار، تتعدد تقنيات تحسين الإنسان، وتتنوع تطبيقاتها في مجالات مختلفة، مما يعكس الإمكانات الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا لتعزيز القدرات البشرية. هنا تظهر تساؤلات عميقة، عندما ننتقل من التحسين التقليدي إلى مفهوم «التعزيز» المدعوم بالتكنولوجيا، تتداخل الأخلاقيات مع الإمكانيات التكنولوجية، ويبدأ القلق في الظهور. كيف يمكن أن نضمن أن هذا التعزيز لن يؤدي إلى فقدان جوهرنا الإنساني؟
إمكانات وتنظيرات
يقوم الفيلسوف السويدي المعاصر نيك بوستروم في كتابه «الذكاء الاصطناعي الخارق» باستكشاف كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية، حيث يتناول التحولات المحتملة، التي يمكن أن تحدث نتيجة لتزايد الاعتماد على هذه التكنولوجيا. يؤكد بوستروم أهمية تحسين القدرات البشرية، كاستجابة حتمية لضمان بقاء الإنسان، في عالم تتزايد فيه قدرة التكنولوجيا وإمكاناتها بشكل غير مسبوق. يعتبر أن عملية تحسين الإنسان ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة ملحة، تنبع من الحاجة إلى التكيف مع التحديات المتزايدة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، مثل فقدان الوظائف التقليدية، وظهور مخاطر جديدة تتعلق بالأمن السيبراني.
يطرح بوستروم تساؤلات عميقة حول طبيعة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن يتجاوز الذكاء البشري. في هذا السياق، يعتبر أن تحسين القدرات البشرية، وسيلة لضمان أن الإنسان يمكنه المنافسة والبقاء، في مواجهة هذه التقنيات المتطورة. لذلك فهو يتحدث عن ضرورة استغلال التطورات العلمية، مثل الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية، لزيادة الذكاء والقدرات العقلية والجسدية، مما يفتح آفاقاً جديدة للبشرية، لكنه أيضاً يثير تساؤلات حول الأخلاقيات والمخاطر المحتملة.
وفي السياق نفسه، يتحدث راي كوتزفايل في كتابه «المفردة قريبة» عن فكرة التفرد التكنولوجي، حيث يتوقع أن تصل التكنولوجيا إلى مرحلة تتجاوز فيها الذكاء البشري. ويعتبر كوتزفايل أن تحسين الإنسان، من خلال تقنيات مثل الزراعة الجينية والذكاء الاصطناعي، سيمكن الأفراد من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. مما يمكنهم من مواجهة الأمراض وتحسين الصحة العامة. وهو يتوقع أن تؤدي هذه التحسينات، إلى تعزيز نوعية الحياة بشكل كبير، من خلال القضاء على الأمراض الوراثية، وزيادة متوسط الأعمار.
يؤكد كوتزفايل كذلك أن المستقبل الذي يتحدث عنه ليس مجرد خيال علمي، بل هو واقع قريب يمكن تحقيقه من خلال الابتكارات التكنولوجية المستمرة. وهو يرى أن التقدم في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، سيمكن البشر أن يكونوا أكثر صحة وذكاءً، مما سيسمح لهم بالتعامل مع التحديات المعقدة التي تواجه البشرية، مثل تغير المناخ والأزمات الصحية العالمية.
أما بيتر ديامانديس فقد أكد في كتابه «الوفرة.. المستقبل أفضل مما تظن» على إمكانية استخدام التكنولوجيا، لحل التحديات العالمية الكبرى، مثل الفقر والجوع والأمراض. في نظره الابتكارات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطاقة المتجددة، يمكن أن تخلق وفرة غير مسبوقة من الموارد، وتحسن نوعية الحياة للبشرية. كما يبرز أهمية التعاون بين الحكومات، والشركات، والمجتمع المدني لتحقيق هذه الرؤية. من خلال تقديم أمثلة حقيقية على مشاريع تكنولوجية ناجحة، يشجع ديامانديس على الإيمان بأن الحلول الفعالة، يمكن أن تأتي من التفكير الإبداعي والتعاون الجماعي، مما يساعد على دفع البشرية نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.
التحديات الأخلاقية
رغم الإمكانات المثيرة التي تعدنا بها تقنيات تحسين الإنسان، تبرز مجموعة من التحديات الأخلاقية التي يجب مواجهتها بعناية، أبرزها مسألة العدالة الاجتماعية، فمع تزايد تكلفة هذه التقنيات، قد يصبح الوصول إليها محصوراً على فئات معينة من المجتمع، مما قد يؤدي إلى تفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، بل قد نشهد تطور طبقة جديدة من «المحسنين» الذين يتمتعون بقدرات تفوق الآخرين، بينما يظل الإنسان الطبيعي في الخلف.
علاوة على ذلك تثير فكرة تحسين الإنسان، قضايا فلسفية شائكة، تتعلق بالهوية الإنسانية. إذ ماذا يعني أن نكون بشراً في ظل هذه التغيرات؟ هل ستؤدي هذه التحسينات إلى فقدان القبول بالعيوب الإنسانية، مما يخلق ضغطاً اجتماعياً على الأفراد للامتثال للمعايير الجديدة التي تفرضها التكنولوجيا؟
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: التكنولوجيا التكنولوجيا المتقدمة الهندسة الوراثية الذكاء الاصطناعي الثقافة الذکاء الاصطناعی القدرات البشریة تحسین الإنسان یمکن أن من خلال
إقرأ أيضاً:
مساعد الذكاء الاصطناعي «Gemini» يصل عالم السيارات| تفاصيل
مساعد الذكاء الاصطناعي"Gemini" يوفر للأجهزة الجوالة أفضل مجموعة من نماذج الذكاء الاصطناعي المقدمة من Google بشكل مباشر على جهازك، وذلك يتيح الحصول على المساعدة في الكتابة والتعلم والقيادة واستلهام الأفكار وتلخص المعلومات وتعثر عليها بسرعة في Gmail أو Google Drive، ويمكنه أيضا إنشاء صور بكل سهولة.
مساعد الذكاء الاصطناعي “Gemini” يصل عالم السياراتأرخص 5 سيارات مستعملة في السوق المصري.. مواصفات وأسعارسوق المستعمل .. شيفروليه أفيو للبيع بـ 300 ألف جنيهظهر مساعد السيارات Gemini المدعوم بالذكاء الاصطناعي من جوجل تدريجيًا عبر منصات شركات السيارات، بالإضافة إلى أن هناك مؤشرات قوية على قرب دمجه في أندرويد أوتو.
- أهمية مساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini"مساعد الذكاء الاصطناعي “Gemini” يصل عالم السياراتمساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini" المقدم من جوجل يمثل قفزة نوعية في عالم القيادة الذكية، ويعزز التكامل بين السائق والتكنولوجيا، ويتم ذلك عن طريق وجود كود متعلق بـ Gemini عند تحليل النسخة التجريبية من تطبيق Android Auto v13.5، وذلك بجانب واجهة مستخدم تجريبية تشير إلى التكامل المرتقب.
- تشغيل مساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini"عند تشغيل ميزة مساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini" يدويًا، يظهر رمز متدرج الألوان مكان أيقونة الميكروفون التقليدية لمساعد جوجل .
مساعد الذكاء الاصطناعي “Gemini” يصل عالم السياراتبالإضافة إلى أن دمج "Gemini" في "أندرويد أوتو" ليس خطوة منعزلة، حيث أعلنت جوجل سابقًا عن خططها لتوسيع دور Gemini ليشمل:
مساعد الذكاء الاصطناعي “Gemini” يصل عالم السيارات1- Google TV
سيتم تفعيل Google TV لإضافة توصيات ذكية وتسريع الوصول إلى المحتوى.
2- Wear OS
ويعمل نظام Wear OS علي تحويل الساعات الذكية إلى مساعدين شخصيين أكثر ذكاءً.
3- الأجهزة المنزلية الذكية
مساعد الذكاء الاصطناعي "Gemini" سيتم استخدامة علي في جميع نواحي الحياة اليومية.
- ماذا يعني "Gemini" للسائقيندمج Gemini في "أندرويد أوتو" يقدم مزايا متعددة من ضمنها، تجربة محادثة طبيعية عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة التي ستجعل الأوامر أكثر انسيابية ودقة.
مساعد الذكاء الاصطناعي “Gemini” يصل عالم السياراتومن ضمنها أيضا مساعد شخصي متقدم يساعد علي تعلم عادات السائق، مثل الطرق المفضلة أو تفضيلات الموسيقى، لتقديم توصيات مخصصة.
ويقدم مساعد "Gemini" تكامل شامل يعمل علي ربط "أندرويد أوتو" بسلاسة مع الأجهزة الأخرى لتحقيق تجربة موحدة عبر النظام البيئي.