هشام أصلان: الكتابة فعل مقاومة للفقد
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
أحمد عاطف
«الاحتياج للكتابة شعور لا يفارقني، وبرغم قلة إنتاجي الأدبي لا يفارق رأسي الانشغال بالكتابة لحظة واحدة، وهو شعور مرهق لأنه كما قلت مرتبط بفكرة الاحتياج.. أكتب لأنني أحتاج إلى مشاركة آخرين أسئلتي وتأملاتي، ليس لأنني أعتبر هذه الأسئلة والتأملات شيئاً مهماً للعالم، ولكن بهدف توزيع ما يشغلني على أوسع مساحة ممكنة تخفيفاً على نفسي»، بهذه الإضاءة العميقة على روحه وعلى تجربته، يفتح القاص هشام أصلان نافذة وسيعة على علاقته بالكتابة وضرورتها، وفي حديثه لـ «الاتحاد» بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «ثلاثة طوابق للمدينة»، نصعد معه طوابق كثيرة عبر أسئلة تقود إلى ملامح عالمه الإبداعي الاستثنائي في فن القصة القصيرة.
عودة إلى سؤال الكتابة، لمن ولماذا؟ يضيف أصلان: لا أشعر أن قدراتي تتحمل منفردة ما يدور في رأسي أو ينغز كياني. بالقطع أعتبر أن الكتابة فعل مقاومة، وربما أن مقاومة الفقد هي أبرز ما يقاومه الواحد، فقد أيامك بناسها وأماكنها وملامحها إجمالاً، هو كفاح أكبر من كفاح الموت، هو كفاح من أجل ألا يتوارى عالمك الذي لا تستطيع تركه والمضي في الزمن، وكأنك تدفعه بالكامل للتواجد، أو على الأقل تستدعي آخرين لمشاركتك إياه.
وحول الدلالة التي يقصدها من وراء عنوان مجموعته القصصية الجديدة «ثلاثة طوابق للمدينة»، يقول أصلان: قصص المجموعة يربط بينها عنصر مكاني كبير هو مدينة القاهرة، وهي في أغلبها تقع في حالة حركة وتجوال بين وجهين، بالأحرى عالمان مكانيان رئيسيان، من المدينة متعددة الأوجه، مع محاولة الإمساك بملامح المدينة الواقعة بين هذين الوجهين المتناقضين. وأنا شعرت بهما مثل طابقين، وثالثهما طابق آخر تمثله الحركة المنسابة في الزمن غير المحدد. تلك الحالة ألقت في رأسي فكرة العنوان «ثلاثة طوابق للمدينة». هذا ما أراه ككاتب، مع انحيازي لفكرة أن لكل قارئ تلقيه الذي قد يكون مختلفاً تماماً.
سؤال الفاصل الزمني
يقول هشام أصلان عن أثر الفاصل الزمني بين مجموعتيه القصصيتين: أتصور أنني استطعت التجرؤ على مساحات، بعضها كنت أخشى بشدة من التعامل معه بوضوح، وأعني الوضوح بيني وبين نفسي، وبعضها يتعلق بالوعي والتأثر بأفكار متوارثة أدبياً. منها مثلاً ما يتعلق ببعض أسئلتي الإنسانية داخل عالمي الشخصي، والتي هي ما يمثل الاحتياج الأول للكتابة، مثل سؤال العلاقة مع الأب، حيث كان هذا السؤال في السابق يمثل الاقتراب الواضح منه رعباً لأسباب أتصورها مفهومة، فكنت أكتب وأنا أفر من أي ما يتعلق بهذه المنطقة، بينما ظللت أشعر أن كتابتي ينقصها شيء جوهري، شيء قد لا يشعر به المتلقي، لكنني بيني وبين نفسي أعرف أنني قصدت الابتعاد عنه، وبالتالي الابتعاد عمداً عن تناول مساحة تلح عليّ. وهذه مسألة تشغلني كثيراً في معركتي مع نفسي للوصول إلى قلب المساحة الأصيلة في عالمي، وسؤالي الدائم حول كيف تستطيع تناول تلك العلاقة في كتابة لا تذهب بالمتلقي إلى كونه يقرأ عن إبراهيم أصلان، ولكن عن شخصية الأب التي هي مثل شخصية الأم أو الأخ أو الخال أو أي شخصية مؤثرة في عالمك، بالأحرى كونه أحد شخوص حياتك، وأنا أدرك أنها مسألة صعبة ومغامرة ليست هينة في ظل حضوره الطاغي لدى المتلقي العام، لكنني أدرك أيضاً ضرورة التجرؤ على ذلك أحياناً لأنني إن غفلته فإنني أغفل بالتأكيد مساحة مهمة من عالمي. ومع مرور السنوات وبعض الاطمئنان لنفسي في محيط الحياة الأدبية ومتلقيها فكرت أنه من حقي تناول هذه المساحة التي تلح علي، بمنطق أنه يتوجب علي كتابة ما أحتقن به بصدق والابتعاد عن ليّ عنق الأشياء لتوجيه عين المتلقي بعيداً عن علاقتي بأبي. قلت لنفسي: من المفترض أنني أكتب لقارئ لا يعرفني شخصياً ولا يتتبع شجرة عائلتي، ولو تتبعها له حرية هذا، ولكن من حقي أن أتعامل مع شخوص عالمي بحرية أكثر ومن هؤلاء الشخوص بطبيعة الحال الأب.
أيضاً من المناطق التي أتصور أنها تأثرت بفعل السنوات السابقة بين المجموعتين، هو فهمي للمسافة بين الواقع والخيال في الكتابة، والخروج من أسر الأفكار المتوارثة أدبياً حول ذلك، وأنك ككاتب لست مضطراً إلى تصدير بريق الخيال، وأن اللجوء إليه بالنسبة لكتابتي هو وسيلة فنية أتحرك فيها لضبط ما أريد نقله من الواقع. والمدهش أنه بانتهاج هذه الفكرة وجدت أن مساحات الخيال في المجموعة الجديدة أوسع منها في المجموعة السابقة، لكنني أعرف بيني وبين نفسي أنني لم أقصد تصديره كهدف، ولكن كوسيلة، ولا أشعر بعدم اتساق حياله. أخبار ذات صلة مكتبات الإمارات والثورة الصناعية الـ 4 تكنولوجيا تحسين الإنسان!
القصة، الأب، الذات
الاحتفاء بخبر صدور المجموعة القصصية الجديدة لهشام أصلان «ثلاثة طوابق للمدينة»، رأى البعض في جانب منه احتفاء باستعادة فن القصة القصيرة حضوره وتميزه، غير أن أصلان في إجابته يرى أن الانشغال العام بالتصنيفات لم يعد كما كان في التسعينيات وأوائل الألفية، يقول: أولاً أسعدني بشكل كبير هذا الاحتفاء بخبر صدور المجموعة، كما تسبب لي في قلق بالغ، متمنياً ألا يصاب المحبون بالإحباط، وأن يكون مستوى المجموعة عند حسن الظن، وأتصور أن من أسباب هذا الاحتفاء هو مرور عشر سنوات كاملة على صدور مجموعتي الأولى، وأن كثيراً من الأصدقاء الداعمين كان مشغولاً وقلقاً حول هذه المسألة، وكثير منهم كان يحرض على العمل وإصدار كتاب جديد. أما ما يخص إشارتك حول فن القصة القصيرة وكونها كادت تختفي، فأنا لدي تصور أحب طرحه بصراحة، وهو أن القارئ العام ليس مشغولاً بما يشغلنا نحن حول مسألة التصنيف التي بدأت منذ فترة طويلة مع انتشار مصطلح «زمن الرواية» الذي صكه الدكتور جابر عصفور ربما في التسعينيات أو أوائل الألفية، ثم تفاقمت الفكرة مع إطلاق عدد من الجوائز الأدبية الكبيرة التي تهتم بفن الرواية ما جعلها صنفاً مغرياً للكثير من الكتاب ودعمها كثيراً كفن، فضلاً عن الحسابات التجارية للناشرين وتأثر المؤسسات الثقافية بهذه الحالة في مجملها، ولكن دعني أؤكد لك أن القارئ سيحب النص الذي بين يديه إذا أعجبه، بصرف النظر عن تصنيفه، وإذا عدنا بالذاكرة سنجد أن بعض الكتب التي تم تصنيفها بوصفها «نصوصاً مفتوحة أو سيرة ذاتية» مثلاً وكتبها روائيون، لاقت نجاحاً لا يقل عن نجاح رواياتهم، إن لم يكن أكبر، وإذا وضعنا في اعتبارنا احتياج القارئ الجديد في عصر السوشيال ميديا وسمات اللحظة الزمنية السريعة التي نعيشها ستجد أن النصوص القصيرة أنسب لها، ذلك أنك أمام قارئ يملّ من قراءة تدوينة طويلة على فيسبوك، ومن هنا، فإن الرواية إن لم تكن شديدة الجاذبية سيتركها القارئ بعد عدة صفحات، بعكس القصة القصيرة التي يمكن للقارئ معها أن يترك قصة لم تعجبه ويقرأ أخرى أعجبته في الكتاب نفسه.. ما أعنيه أن معركة التصنيفات وانتشار فن أو تراجع غيره لا يعد دلالة صادقة مع الأسف على حالة القراءة، بقدر ما هو دلالة على التوجه المؤسسي العام، والذي لا يوجد له هدف خبيث أو حميد، هو فقط انسحاب وراء موجات تنظيرية ذات سلطة معنوية على الحياة الأدبية العربية. ومع ذلك لا أرى ضرورة للاستماتة في الدفاع عن فن القصة القصيرة لو أنها صارت فناً لا يستطيع الانسجام مع اللحظة والدفاع عن نفسه بجمالياته الخاصة، وكم من فنون اندثرت لأنها لم تعد مناسبة للزمن ولم تقف عجلة الفنون عليها، مثل راوي الربابة مثلاً، لكن صدقاً لم يحدث هذا بعد مع فن القصة القصيرة، ذلك أنه فرع من فروع السرد، والقارئ سيحب السرد في أي من أشكاله لو كان جيداً.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الكتابة الثقافة القصة القصيرة الأدب
إقرأ أيضاً:
استشاري: الإفراط في تناول الأطفال للحلوى والسكريات قد يصيبهم بالاكتئاب
قال الدكتور محمد شريف، استشاري التغذية العلاجية، إنّ هناك الكثير من الآراء المختلفة حول تربية الأطفال، لكن العلم متفق على فصل الطعام والشراب عن مشاعر ومكافآت الأبناء، بمعنى عدم مكافئته على فعل شيء معين بإعطائه الحلوى؛ من أجل الحفاظ على صحته.
وأضاف «شريف»، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ تناول الحلويات والسكريات يساعد في ارتفاع هرمون السعادة ويجعل الطفل يشعر بالفرح والرضا، لكن مع استمرار تناولها تتسبب في التقلبات المزاجية التي قد تصل إلى الاكتئاب الناتج عن الإفراط في تناول الحلويات في سن صغيرة.
وتابع: «الإكثار من تناول الحلويات يساعد في مقاومة الأنسولين، إذ إن مقاومة الأنسولين أساسها الإفراط في السكريات والبطاطس المقلية والأطعمة التي تحتوي على دهون كثيرة، بالتالي يجب الحرص على صحة أولادنا وتجنب عادة الحلوى بحجة مكافأتهم وإدخال السعادة عليهم».
ولفت استشاري التغذية العلاجية إلى أنّ ربط مشاعر وعواطف الأطفال بالطعام يؤثر على السلوك الغذائي للأطفال بالسلب ويجب تجنب هذا الفعل، خاصة أن الطعام يتسبب في متعة مؤقتة ولا يؤدي إلى السعادة.