«المصارع».. تراجيديا الإرادة والمصير
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
علي عبد الرحمن
أخبار ذات صلةعلى رمال الكولوسيوم في «Gladiator» الأول، أضاءت شمس الشرف والانتقام بأفق سينمائي ممتد، حيث كان «ماكسيموس» في صراع بين تاريخه الشخصي وواقعه القاسي، ومع طرح الجزء الثاني من الفيلم، يعود المخرج الإنجليزي ريدلي سكوت ليعيد تشكيل هذه الأسطورة من خلال شخصية «لوسيوس»، الذي يقف في مفترق طرق بين إرث روما المتلاشي وآفاق المستقبل المجهول، «Gladiator II» لا يعيد بناء معركة فحسب، بل أيضاً يطرح أسئلة وجودية حول الحرية، الهوية، والمصير.
كان الجزء الأول من «Gladiator» قد ألهم عوالم لا حصر لها من الأسئلة حول المجد والسلطة والموت، وفتح أمامنا أبواباً مغلقة كانت تحجب رؤية أعماق الروح البشرية، بينما يتجاوز الجزء الثاني تلك الحدود ليستكشف أفقاً أوسع وأكثر ظلمة في تعاطيه مع الفلسفة الوجودية.
يستحضر الجزء الثاني من «Gladiator» أفكاراً فلسفية عميقة تتعلق بتشكيل الذات. ويُرى في الشخصية المركزية «لوسيوس» تجسيداً لهذا المفهوم، حيث ينقض على كل القيم التي رسمها له أسلافه من الأباطرة المحكومين بالمجد والتقاليد، ليبحث عن فرصة لتحرير نفسه من قيد الإمبراطورية التي صاغت هويته قبل أن يُولد.
كما أن رحلة «لوسيوس» ليست مجرد صراع من أجل الثأر أو استعادة العرش، بل رحلة لتجاوز ذاته، لا لكي يصبح أكثر قوة، بل ليكتشف في أعمق أعماقه حقيقة أن المجد الذي يبحث عنه مجرد خرافة فرضها الآخرون عليه.
نحن هنا أمام سؤال فلسفي عميق: هل نمتلك الحرية الكافية لتجاوز ماضينا، أم أن الماضي يبقى في النهاية جزءاً لا يمكن التخلص منه؟ هذا الوجود الذي يعكس السعي الإنساني للخلاص من السلاسل المفروضة عليه، يمثل صراعاً لا نهاية له بين إرادة الإنسان في أن يصبح أعلى وبين تلك القوى التي تسحب رجليه إلى الأرض، لتظل الأساطير هي معادلة فصله بين العظمة والانكسار.
الرمزية المعمارية
ينقلنا «Gladiator II» إلى بُعد جديد، حيث تصبح روما في الفيلم أكثر من مجرد رمز للعظمة التي دمرتها الحروب والدماء، فهي تتحول إلى تجسيد لتحلل الأسطورة نفسها التي حملت في طياتها وعداً أبدياً بالخلود، وإن تدمير المعالم الرومانية القديمة، الذي يُعرض من خلال لقطات حية لعملية انهيار الإمبراطورية، ليس مجرد تفصيل بصري، بل تمثيل فلسفي لانهيار الهوية الإنسانية التي كانت مرتبطة بتاريخ طويل من الانتصارات والإنجازات.
ويقدم «Gladiator II» أسلوب إخراج فريداً يعكس عمقاً فلسفياً يتجاوز التناول التقليدي للأحداث، ليغمر المشاهد في تجربة سينمائية مشحونة بالأسئلة الوجودية، حيث تتجاوز الحركة كونها مجرد فعل مادي لتصبح أداة فكرية تُعبّر عن الوجود الإنساني، ويبرز الصمت في هذه الرؤية ليكون جزءاً مكملاً للمشهد، حيث لا يُستخدم كفراغ مجرد، بل كمساحة تتداخل فيها الأسئلة الكبرى التي تدور حول المعنى والمصير. وتتداخل الحركة مع الصمت لتصنع توازناً بين الجسدي والعقلي، بين الفعل والتفكير، وهو ما يمنح كل مشهد بُعداً فلسفياً عميقاً، كما يتيح هذا التوازن للمشاهد التوقف والتأمل، ليعيش الحالة الداخلية للشخصية بشكل حيوي.
الصراع النفسي
ترى الاختصاصية النفسية أسماء علاء الدين، أن «Gladiator II» يعرض صراعاً نفسياً يتجسد في شخصية «لوسيوس»، الذي يواجه التوتر بين التقاليد القديمة والرغبة في التغيير، الإضاءة في العديد من المشاهد، خاصة في اللحظات المظلمة، تسلط الضوء على هذا الصراع الداخلي، مع تصوير بصري يعكس الانقسام بين الماضي الذي لا يمكن الهروب منه والمستقبل المفتوح على الاحتمالات.
وتوضح الناقدة الفنية جهاد هشام أن «Gladiator II» لا يُعتبر مجرد تكملة للجزء الأول، بل دراسة حول صراع الشخصية مع مفاهيم السلطة والحرية في إطار ثقافي محكوم بالقيم القديمة، ويعكس تطور شخصية «لوسيوس» في سياق اجتماعي مليء بالقمع، حيث يحاول تجاوز التقاليد وخلق مسار جديد.
ويشير المخرج المصري يسري نصر الله، إلى أن «Gladiator II» يعتمد على توظيف الإضاءة بذكاء لتجسيد التحولات النفسية في «لوسيوس»، ويتغير الضوء مع تطور الشخصية، مما يعكس التوتر الداخلي والنزاع مع القيم الموروثة، هذه التقنية البصرية تبرز الحيرة والشكوك التي يواجهها البطل في محاولته كسر القيود التي فرضتها التقاليد.
أما الموسيقى، فهي ليست مجرد أداة لخلق الأجواء العاطفية، بل تسهم في بناء تطور الشخصية، وتزداد سرعتها في اللحظات التي يشعر فيها «لوسيوس» بالقوة والتمكين، بينما تتباطأ وتصبح أكثر ضبابية في اللحظات التي يواجه فيها صراعاته الداخلية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: المصارعة السينما الدراما الفلسفة Gladiator II الذی ی
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: السنة النبوية ليست كلامًا بشريًّا مجردًا بل وحيٌا من عند الله
أكّد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن السنة النبوية تدخل في إطار الوحي الإلهي، وليست مقصورة على القرآن الكريم فقط.
وأشار إلى أن هذا السؤال من القضايا القديمة المتجددة، إذ لم تخلُ العصور من محاولات الطعن في السنة والسعي إلى إخراجها من دائرة الوحي، بالرغم من تعارض هذا الطرح مع ما جاء في القرآن الكريم، الذي يُستند إليه في كثير من الأحيان للتشكيك بها.
جاء ذلك خلال حديثه الرمضاني، حيث أوضح أن السنة النبوية هي وحي من عند الله، وأن العلاقة بينها وبين القرآن الكريم علاقة وثيقة، مشيرًا إلى قول الله تعالى:
{هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2]، وقال العلماء إن المقصود بـ"الكتاب" هو القرآن الكريم، أما "الحكمة" فهي السنة النبوية.
وأضاف أن هذا المعنى يتأكد أيضًا في قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علّمه شديد القوى} [النجم: 3-5]، ما يدل على أن كل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي محفوظ من الله تعالى.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن السنة تأتي مفسِّرة للقرآن الكريم، بل إن النظر إليها يتم في ضوء ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو حتى من صفاته الخُلقية والخَلقية، وما صدر عنه في اليقظة أو في المنام، سواء قبل البعثة أو بعدها.
وبيّن أن من أبرز ما يدل على أن السنة وحي إلهي العلاقة الوطيدة بينها وبين القرآن الكريم، حيث إنها تؤكد ما جاء فيه، وتشرح المجمل، وتقيِّد المطلق، وتخصص العام، وتزيل الإشكالات، بل قد تنفرد أحيانًا بتأسيس أحكام جديدة، ويأتي ذلك في ضوء قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
وفيما يتعلق بكتابة السنة وتدوينها، أوضح أن من يشكك في حجية السنة بحجة أنها لم تدوَّن في بداياتها، يتناقض حين يقبل بصحة القرآن، رغم أن نقلة القرآن هم أنفسهم من نقلوا السنة ووثقوها. ولفت الانتباه إلى أهمية التفريق بين مرحلتين: مرحلة الكتابة والتدوين التي بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومرحلة الجمع والتأليف التي جاءت لاحقًا، وخضعت لمنهج علمي دقيق ميّز الأمة الإسلامية بعلمين فريدين هما: علم الجرح والتعديل، وعلم أصول الفقه.
وأكد أن عملية النقد والتمحيص لنصوص السنة بدأت مبكرًا، وهو ما يدل على وعي العلماء بأهمية هذه المهمة، وإدراكهم لمسؤوليتهم العلمية والدينية.
وفي ختام حديثه، أشار مفتي الجمهورية إلى أن من أبرز أسباب الطعن في السنة اليوم: سوء الفهم، وقلة العلم، وعدم إدراك السياقات والدلالات النصية، وهي أمور لا يتقنها إلا من راسخ في العلم.