عُمان.. سيرة الأرض التي لا تنحني
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
فـي كل أمة لحظة تلتقي فـيها الأزمنة، تتشابك خيوط الماضي بآفاق المستقبل، ويتبدى الحاضر بوصفه جسرا بين إرث ثقيل بالمجد وطموح عارم لا حدود له. وعُمان، الأرض التي لم تنحنِ أمام العواصف ولم تنطفئ شعلتها رغم رياح التغيير التي عصفت بالعالم، تقف اليوم أمام مفترق تاريخي جديد، حيث يجتمع فـيها صوت الأجداد مع هتافات الأجيال الجديدة.
كان حضرة صاحب الجلالة، أيده الله، وهو يلقي خطابه الفارق فـي لحظة مهمة من لحظات عُمان كما لو كان يحاور صفحات التاريخ، يستحضر السيد أحمد بن سعيد وسلاطين وأئمة عُمان عبر القرون الذين صنعوا الوعي السيادي لعُمان وكرسوا استقلالها وصنعوا الحرية والكرامة لأبنائها الكرام. كانوا، على الدوام، مؤمنين بفكرة عُمان وبدورهم الحضاري والأمانة التاريخية الملقاة على عاتقهم، ومدركين أن الأرض تحتاج إلى فكرة، والفكرة تحتاج إلى راية ترفرف شامخة، فكانت راية عُمان خفّاقة على الدوام وكان نظامها السياسي أقدم نظام سياسي فـي العالم ما زال مستمرا منذ أربعة عشر قرنا ويزيد.. وحينما أعلن جلالة السلطان المعظم أن يوم العشرين من نوفمبر سيكون يوم عُمان الوطني لم يكن ذلك تكريما للتاريخ فقط بل يعتبر درسا للحاضر والمستقبل: إن التاريخ ليس بُعدا زمنيا، بل هو الأرض التي تُبنى عليها الطموحات.
إن الحديث عن السيادة الكاملة فـي خطاب جلالة السلطان المعظم لم يكن مجرد استذكار لحقبة، بل تأكيد على أن عُمان، التي تجاوزت محن التاريخ، تظل دولة تعرف موقعها فـي العالم وتاريخها وسط التاريخ الإنساني وتفهم حدود مسؤولياتها الحضارية والتاريخية. والسيادة هنا ليست صراعا على الأرض فقط، بل هي القدرة على بناء دولة تستطيع الحفاظ على هُويتها وسط أمواج التغيير والعولمة التي ما زالت تجتاح العالم رغم حديث انحسارها. إن السيادة التي تحدث عنها عاهل البلاد المفدى هي التي نقرؤها فـي مواقف عُمان المتزنة والعادلة، حيث لا تَميل كفة على حساب أخرى، وحيث تكون المصلحة الوطنية والإنسانية هي البوصلة الدائمة.
لكن الخطاب، بقدر ما احتفى بالتاريخ، كان رسالة مفتوحة للمستقبل على اعتبار أن المستقبل هو نتائج للتاريخ. ومن يقرأ «رؤية عمان 2040» ويتابع تطبيقها لا نجد خطة اقتصادية تقليدية، بل يجد مشروعا متكاملا لبناء الإنسان قبل بناء الأبراج وناطحات السحب.. والأمم العظيمة تُقاس بما تتركه فـي شعوبها من قيم وأخلاق وما تبنيه من مبادئ؛ ولذلك بدا جلالة السلطان المعظم فـي خطابه وهو يضع عقدا اجتماعيا: أن المواطن هو شريك فـي البناء، وليس متلقيا للمنجزات.
أضاء جلالة السلطان المعظم على مفاصل عدة، من التعليم إلى الاستثمار، لكنه ربطها دائما بفكرة مركزية: إن التحديات ليست عوائق، إنما أبواب تُفتح بالإرادة والعمل. وفـي دعوته لتحسين بيئة الاستثمار، وتطوير البنى الأساسية، وتعزيز ريادة الأعمال، كان، أعزه الله، يُعيد تعريف التنمية ليس كغاية اقتصادية، بل كوسيلة لتحقيق حياة كريمة تليق بمواطن أدرك قيمة وطنه.
وحينما تحدّث جلالة السلطان المعظم عن الشباب، كان الخطاب أشبه برسالة موجهة لجيل يبحث عن دوره فـي وطن ذاهب بثبات نحو المستقبل.. والشباب، الذين يتطلعون إلى المستقبل، يجدون فـي «رؤية 2040» طريقا واضحا يتقاطع فـيه الطموح الشخصي مع المسؤولية الوطنية والحضارية. إنها رؤية تجعل التعليم بوابة، والتدريب جسرا، والعمل ذروة السعي. لم يكن جلالته يُلقي وعودًا، بل كان يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن، بين الشباب وفرص الحياة.
ورغم الثوابت الكثيرة التي «نسجتها أمتنا العمانية» والتي «نرفض أي مساس بثوابتها ومقدساتها» كما تفضل جلالته وقال فـي خطابه إلا أن عُمان فـي رحلة دائمة نحو الأفضل، لكنها لا تُسقط من يدها راية التاريخ، وفـيما قاله جلالته رسالة واضحة: إن الأمة التي تُكرّم أجدادها، وتُحسن قراءة حاضرها، تستطيع أن تكتب مستقبلها بيدها لا بيد غيرها.. إنها عُمان، السيرة التي بدأت من عمق التاريخ السحيق نحو أضواء الحضارة، لتظل دائما الأرض التي لا تنحني أمام التحديات، بل تُعيد تشكيلها وفق إرادتها.
وفـي هذا الخطاب التاريخي لعاهل البلاد المفدى لم تكن الكلمات عابرة، بل كانت معاني ودلالات تُنقش على صخور هذا الوطن الصلدة لتكون شاهدة على لحظة يتحد فـيها التاريخ بالحلم، وتتجدد فـيها قصة عُمان التي لا تزال تُكتب وتعيش زمنها السرمدي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جلالة السلطان المعظم الأرض التی التی ت لم یکن
إقرأ أيضاً:
قيادة راسخة وإرادة تفوقت على التحديات
"عمان": تحتفل سلطنة عمان غدًا بمناسبة ذكرى يوم تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، مقاليد الحكم في البلاد وسط إنجازات كبرى استطاعت البلاد تحقيقها خلال السنوات الخمس الماضية والتي قفزت، بفضل القيادة الحكيمة، فوق التحديات الكبيرة التي واجهت المرحلة.
ويرعى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ غدًا المهرجان الطلابي «نهضة عمان المتجددة» في ميدان الفتح بمحافظة مسقط، احتفاء بالذكرى.
وأكدت الأمانة العامة للاحتفالات الوطنية أن المهرجان سيتضمن مشاركة نحو 8000 شخص من مختلف محافظات سلطنة عمان، يشمل 5846 طالبًا وطالبة و2154 من الأهالي.
ويتضمن المهرجان خمس لوحات فنية؛ فتعبّر اللوحة الأولى الترحيبيّة عن مشاعر الفرحة والسّعادة التي تغمر أبناء عُمان بهذه المناسبة الجليلة، وبالتشريف السامي والرعاية الكريمة، وترمز اللوحة الثانية «المعرفة» إلى التعليم باعتباره مرتكزًا أساسيًّا للتنمية المستدامة ولـ«رؤية عُمان 2040»، ومسارات التعليم المتعدّدة وأهمية الابتكار والبحث العلمي في إطار تنمية وتطوير قدرات أبناء الوطن.
وتجسّد اللوحة الثالثة «وعدٌ تحقّق» الإنجازات خلال السنوات الخمس من عمر نهضة عُمان المتجدّدة، وما حظيت به القطاعات المختلفة من اهتمام ومتابعة، وانعكاس ذلك على مسيرة البناء والتطوير.
أما اللوحة الرابعة «عُمان أرض السّلام» فمن خلالها يعبّر المشاركون عن أصالة سلطنة عُمان، وحضارتها، ودعائم الشورى التي تقوم عليها، والسلام بوصفه نهجًا ومبدأ عُمانيًّا والعلاقات الوطيدة التي تربط أبناء عُمان.
وتأتي اللوحة الخامسة «عُمان عبر الزمان» وفيها تُشارك إلى جانب الطلبة مجموعة من الأهالي من مختلف المحافظات، وتُظهر هذه اللوحة الموروث العُماني والفنون العُمانية التي يعبّر من خلالها أبناء عُمان عن محبتهم الصادقة لهذا الوطن وولائهم لجلالة السلطان المعظم -أيده الله- وتُظهر حرص العُمانيين على فنونهم وتوارثها جيلًا بعد جيل.
ويُختم المهرجان بلوحة معبرة عن مشاعر الولاء والعرفان والثّناء لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، والمضيّ قُدمًا خلف قيادته الحكيمة نحو نهضة عُمانية متجدّدة وتطور مستدام.