العمليات العسكرية اليمنية ترهق العدو الصهيوني وتفقد البحرية الأمريكية هيبتها
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
الثورة نت../
لم يعد خافيا مستوى التأثير الكبير للعمليات العسكرية اليمنية على العدو الإسرائيلي وما تحققه من نتائج استراتيجية، أبرزها إسقاط مفهوم الأمن الجماعي لدى كيان العدو، وكذا ما سببته من إحراج كبير للبحرية الأمريكية أفقدها هيبتها بعد أن كانت بمثابة العصى الغليظة والقوة الأولى للولايات المتحدة.
فعلى صعيد النتائج اللحظية التي تحققها هذه العمليات ضد العدو الإسرائيلي، تؤدي كل عملية إلى دوي صافرات الإنذار في أكثر من نصف مساحة فلسطين المحتلة وفي قلبها “تل أبيب” وهروب نصف المستوطنين إلى الملاجئ، كما تجعل قطعان الصهاينة في حالة قلق وترقب لأي هجوم خصوصا في الساعات الأخيرة من الليل.
إسقاط مفهوم الأمن الجماعي في كيان العدو الإسرائيلي
على المستوى الاستراتيجي نجحت العمليات اليمنية -بفضل الله- في إسقاط مفهوم الأمن الجماعي في كيان العدو الإسرائيلي، حيث يثبت يوما بعد آخر فشل المنظومات الدفاعية الجوية بطبقاتها المتعددة بما في ذلك منظومة ثاد الأمريكية التي أرسلتها الولايات المتحدة لمعالجة فشل المنظومات الإسرائيلية الأخرى.
وخلال الأيام الأخيرة حاول الكيان الإسرائيلي استخدام أكثر من صاروخ اعتراضي من منظومة السهم للتصدي للصاروخ اليمني الواحد، ومع ذلك لم ينجح، وتم اللجوء إلى منظومة ثاد التي يكلف الصاروخ الواحد منها ما يزيد عن عشرين مليون دولار، ومع ذلك فشل بشكل ذريع حيث وصلت الصواريخ اليمنية إلى عمق أراضي فلسطين المحتلة.
وبالتوازي مع فشل الدفاعات الجوية، تعمل سرعة الصواريخ اليمنية على إسقاط أهمية شبكة الإنذار المبكر التي قامت الولايات المتحدة الأمريكية ببنائها مع دول المنطقة لصالح حماية الكيان، حيث لا تكفي الفترة ما بين انطلاق الصواريخ ووصولها إلى أهدافها لكي ينتقل المستوطنون الصهاينة بأمان إلى الملاجئ، ونتيجة لذلك يحدث تدافع في مداخل الملاجئ، ويعترف العدو رسميا بسقوط ضحايا نتيجة لهذا التدافع.
إلى جانب ذلك يأتي فشل الردع، ليفقد المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة الثقة في قدرة كيان الاحتلال على حمايته وتوفير الأمن له وهو ما بات يشجع الصهاينة على الهجرة العكسية.
اقتصاديا وعكس رغبة الكيان في تطبيع الأوضاع، فإن استمرار العمليات اليمنية عزز فقدان الثقة لدى المستثمرين بأمان الاستثمار في الأراضي التي يحتلها الكيان، ومنع عودة الكثير من شركات الطيران إلى مطار اللد (بن غوريون)، وعزز تدهور قطاع السياحة الذي يعتبر موردا مهما للعدو.
فاعلية وتأثير العمليات العسكرية اليمنية
وعن فاعلية وتأثير العمليات العسكرية اليمنية وما تشكله من حرب نفسية على العدو الصهيوني يصف الإعلام الإسرائيلي والأمريكي عمليات إطلاق الصواريخ اليمنية في ساعات الليل الأخيرة والصباح الباكر بأنه “أداة استراتيجية متطورة مصممة لخلق حالة من الإرهاق النفسي التراكمي، حيث تعمل كل عملية على تكثيف الشعور بالقلق والضعف”.
وبقدر ما تحققه هذه العمليات من أهداف عسكرية فقد باتت تشكل حربا نفسية تقوض الشعور بالأمن وتزايد الشعور بالتهديد لدى الصهاينة، كما تعمل أيضا على تقويض العلاقة بين الجمهور وقيادته، وزيادة الانتقادات الداخلية إزاء فشل قيادات العدو في تحقيق الأمان للإسرائيليين.
وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” فقد كانت إسرائيل تعتقد في مطلع شهر ديسمبر الماضي أنها ستكون خالية من صفارات الإنذار جراء الغارات الجوية، والاعتراضات المدوية وتأثيراتها المميتة التي أصبحت عذابًا مستمرًا منذ السابع من أكتوبر 2023م، إلا أن الصواريخ والطائرات القادمة من اليمن بددت هذا الحلم خصوصا بعد تصعيد الهجمات الصاروخية بعيدة المدى عالية القوة لتتناسب مع شدة واتساع التهديد الذي كانت تشكله عمليات المقاومة في لبنان.
ورغم بعده عن إسرائيل إلا أن اليمن أثبت فعلا أنه بات يشكل تهديدا حقيقيا وخصما عنيدا لإسرائيل، وأن يحافظ على بقاء جبهة رئيسية ضدها.
تهديد للاقتصاد الإسرائيلي
في هذا السياق تؤكد وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أن إطلاق الصواريخ من اليمن يشكل تهديدا للاقتصاد الإسرائيلي، حيث يمنع العديد من شركات الطيران الأجنبية من السفر إلى الكيان، ويمنعه من إنعاش صناعة السياحة المتضررة بشدة، كما أدى إلى إغلاق ميناء إيلات، ودفع السفن المتجهة إليه إلى اتخاذ طريق أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا.
وأشارت إلى أن إسرائيل أمام تحد كبير نظرا لبعد المسافة إلى اليمن وما تتطلبه أي مهام جوية من تكاليف باهظة في ظل محدودية ما يمكن أن تحققه من نتائج، خصوصا بعد أن اكتسب اليمن على مدى سنوات من القتال ضد التحالف الذي تقوده السعودية الكثير من الخبرة في كيفية التعافي من الغارات الجوية.
أما صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية فتؤكد أن اليمن بات يشكل تحديا أمنيا فريدا بالنسبة لإسرائيل بسبب بعده عنها، ونقص المعلومات الاستخباراتية عنه، في حين تسبب الضربات الجوية الانتقامية نتائج عكسية ولا تؤدي إلى وقف الهجمات، مثلما فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وبشهادة معهد “دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” أدت العمليات العسكرية اليمنية خصوصا في الآونة الأخيرة إلى زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها العسكرية في قطاع غزة، في حين تشير تقارير إسرائيلية إلى أن أكثر من 882 إسرائيليا أصيبوا أثناء الهروب إلى الملاجئ خلال فترة الحرب.
ونتيجة لذلك بات العدو الإسرائيلي أمام أزمة ردع، جعلته يقر بفشله في التعامل مع اليمن وانعدام الخيارات المجدية، وأنه أصبح مثل الغريق الذي يحاول التعلق بقشة، فتارة يتم الحديث عن “ضرورة أن يكون هناك تحالف دولي من أمريكا وبعض دول المنطقة، وتارة أخرى أن أمريكا وتحالفها فشلوا وأن الحل يأتي في تحريك المرتزقة من داخل اليمن، وتارة ثالثة يقولون إنه لا بد من الانتظار حتى مجيء الرئيس الأمريكي ترمب، لأن بايدن لم يكن حازما بما يكفي تجاه اليمن” كما يزعمون في وسائل إعلامهم.
وعن فاعلية جبهة اليمن تشير وسائل إعلام العدو إلى أنه ورغم بعد اليمن بنحو ألفي كيلو متر إلا أنهم تمكنوا من مضايقة إسرائيل من بعيد، وأثبت اليمنيون قدرتهم على مقاومة محاولات الغرب لإسكاتهم وعدم رضوخهم لأي ضغوط عسكرية أو اقتصادية أو غيرها.
ووفقا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي فإن التحدي الذي يشكله اليمن يتطلب من إسرائيل الاعتراف بأن المسافة والصعوبات العملياتية تعني أنه لا يوجد “حل سريع” للحملة الجوية التي تشنها إسرائيل على اليمن، مبينا أن ذلك “يتطلب أن تكون الاستجابة متكاملة ولا تُترك لإسرائيل وحدها، إلى جانب بناء قدرات استخباراتية قوية وزيادة وجودها في منطقة مضيق باب المندب” حد زعمه.
إسرائيل هي من يدفع الثمن
وينتقد مسؤولون إسرائيليون بشدة الإدارة الأمريكية، ويرون أن من المستحيل هزيمة اليمن، مشيرين إلى أن إسرائيل هي من يدفع الثمن.. مطالبين الولايات المتحدة باعتماد سياسة أكثر عدوانية ضد اليمن، وصولا إلى استخدام المساعدات الإنسانية كوسيلة حرب.
ونقلا عن مصدر استخباراتي إسرائيلي أفادت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن إسرائيل كانت تكافح لجمع المعلومات عن اليمن الذي كانت تعتقد أنه لا يمثل تهديدا عليها، حتى جاءت هجمات السابع من أكتوبر لتثبت عكس ذلك.. مؤكدة أن جمع المعلومات الاستخباراتية الآن “يبدأ من الصفر”.
وكشفت الصحيفة عن وجود تعاون بين الكيان الصهيوني وحكومة ما تسمى “الشرعية”، والتي يمكن أن تزود إسرائيل بمصادر ومعلومات مفيدة للغاية.
يحاول العدو من خلال مثل هذه التصريحات أن يبرر فشله أمام صلابة الموقف اليمني، وإلا فقد كانت ساحة اليمن أولوية له منذ انطلاق ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، عندما عبر نتنياهو عن ذلك وكان دوره في العدوان على اليمن واضحا.
كما أن العدو الإسرائيلي كان له اهتمام كبير باليمن منذ ستينيات القرن الماضي وقام باحتلال جزيرة زقر اليمنية في بداية السبعينيات، وأرسل جواسيس إلى اليمن في تلك الفترة، حيث كان يعتبر السيطرة على مضيق باب المندب أولوية استراتيجية، كما لعبت الولايات المتحدة دورا كبيرا في تحقيق المصالح الإسرائيلية من خلال وصايتها على اليمن قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
وإزاء حالة التخبط الصهيوني تبرز بين الحين والآخر تصريحات للعديد من مسؤوليه وقياداته السابقة والتي تحاول إلقاء اللوم على إيران، وترى أن قصف اليمن لن يفيد بل يجب توجيه القصف نحو إيران، إلا أنهم سرعان ما يقولون عكس ذلك في أوقات أخرى، في تناقض واضح يكشف حالة الفشل التي وصل إليها العدو.
فيما يرى البعض الآخر أن على إسرائيل بناء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات والذي قد يتطلب منها تقديم تنازلات صعبة مع الفلسطينيين، ما يعني أن على إسرائيل توريط السعودية والإمارات في حرب لا ناقة لهما فيها ولا جمل بل.
على الصعيد الأمريكي وبعد عام من العدوان الأمريكي على اليمن والذي كان يهدف إلى إيقاف الإسناد اليمني لغزة تحول هذا العدوان هو الآخر إلى ورطة لأمريكا وبات يؤثر على صورتها التي رسختها منذ عقود كقوة مهيمنة على البحار في العالم
إذ لم يعد يقتصر الأمر على فشل البحرية الأمريكية في إيقاف العمليات العسكرية اليمنية وحسب، بل أيضا تكبدها خسائر كبيرة في الجانب المادي والجاهزية للقتال في أي معركة أخرى إضافة إلى فقدانها لهيبتها وهي التي كانت تُعتبر العصى الغليظة والقوة الأولى والأساسية للولايات المتحدة.
فإلى الآن تعرضت حاملات الطائرات الأمريكية لست عمليات هجومية من قبل القوات المسلحة اليمنية، ثلاث منها استهدفت حاملة الطائرات “يو إس إس هاري ترومان”، وهو الشيء الذي لم تكن تتوقعه البحرية الأمريكية التي قال قادتها “أنهم عندما جاؤوا كان هدفهم استعراض القوة بهدف ردع الآخرين عن مساندة غزة”.
لقد تحول البحر الأحمر إلى عقدة بالنسبة لأمريكا، لدرجة أنها باتت تفضل الصمت والإنكار على ما تتعرض له على أيدي مجاهدي القوات المسلحة اليمنية من عمليات استهداف.
ويصف المسؤولون الأمريكيون وضع البحرية بأنها باتت مرهقة وقدرتها على الردع تتآكل والانتشار لفترات طويلة كما في البحر الأحمر يؤثر على الجنود ويسبب المزيد من الأخطاء ويقلل من أعمار السفن الحربية ويطيل فترة صيانتها.
كما أصبح الأمريكيون يتجنبون الحديث عن عمليات الإسقاط المتكررة لطائرات “إم كيو 9” لأن هذا الأمر أصبح فضيحة بالنسبة لهم، حيث أن الاستهداف المتكرر لحاملات الطائرات والاسقاط المتكرر لطائرات “إم كيو 9” يمثل إسقاطا لعناصر التفوق في سلاح أمريكا وتقنياتها العسكرية.
الجاهزية العسكرية الأمريكية وسمعتها تتآكل
وفي وصفها للمعركة البحرية مع اليمن تقول نائبة مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة ترمب سابقا “بيث سانر” إن مهمة الولايات المتحدة لردع القوات اليمنية وإضعافها لم تنجح حيث تستمر العمليات العسكرية اليمنية بوتيرة عالية ضد البحرية الأمريكية وكذلك ضد إسرائيل”.. لافتة إلى أن التكلفة التي تتكبدها الولايات المتحدة كبيرة، ولم تؤدي إلى تقويض عمليات اليمن بل إن الجاهزية العسكرية الأمريكية وسمعتها هي التي تتآكل.
وفي أغسطس الماضي أكد قائد البحرية الأمريكية “جورج ويكوف” أن الجهود الدفاعية الأمريكية والضربات لن تردع القوات اليمنية، وقال: “الحل لن يأتي بنظام الأسلحة”.. لافتا إلى أن التهديدات الإسرائيلية لن تنهي العمليات التي يقوم بها اليمنيون الذين أصبحوا بعد نحو عقد من القصف من السعودية، محصنين وأكثر قدرة على امتصاص الهجمات المكثفة.
ويشير ويكوف إلى أن ” اليمن يستطيع مواصلة هجماته بالطائرات بدون طيار والصواريخ وتحمُل الهجمات المضادة إلى أجل غير مسمى، بينما تحرق الولايات المتحدة مليارات الدولارات وسنوات من إنتاج الذخائر النادرة التي ستكون ضرورية لخوض حرب في المحيط الهادئ”.
وقدر أن “واشنطن تنفق 570 مليون دولار شهريًا على مهمة فشلت في تحريك الإبرة بشأن التهديد، كما أدت هذه العمليات إلى استنزاف الجاهزية من خلال إجبار السفن وحاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية على تمديد عمليات الانتشار، مما يؤدي إلى إصلاحات تستغرق وقتًا طويلاً، وتقليص الأسطول المتاح، وتقصير عمر السفن، كما أن إرهاق الموظفين يخاطر بارتكاب أخطاء، يضاف إلى ذلك أن هذه الحملة فشلت في جذب الدعم من معظم الحلفاء والشركاء أو تحقيق هدفها المعلن ما يجعل واشنطن تبدو عاجزة في أحسن الأحوال”.
وبحسب معهد البحرية الأمريكية فإنه “وعلى مدى أكثر من نصف عام 2024م، كان المشهد بالنسبة للبحارة على متن حاملة الطائرات الأمريكية “دوايت دي أيزنهاور” أو إحدى المدمرات المرتبطة بها هو نفسه إلى حد كبير: الماء، الحرارة الشديدة، الطائرات بدون طيار، الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، حيث شهد معظم الشتاء والربيع هجمات شبه يومية من جانب اليمن شملت مدمرات تابعة للبحرية الأمريكية كأهداف”.
سبأ
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: العملیات العسکریة الیمنیة البحریة الأمریکیة الولایات المتحدة العدو الإسرائیلی على الیمن أکثر من إلى أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
2024.. عام البحرية اليمنية
يمانيون/ ت قارير
يمكن القول إن العام 2024م كان عام البحرية اليمنية بلا منافس، رغم أنه كان عاما يمنيا أيضا في عدة مستويات، لكنه في البحر كان أكثر وضوحا، ذلك أن بحرية العالم الغربي الحربية دخلت بثقل كبير من أجل وقف الإسناد اليمني لغزة، ولم تحصد سوى الفشل وخيبة الأمل، فيما كانت البحرية اليمنية تتربع على عرش البحر الأحمر وتثبت قدرتها التكتيكية والتقنية على مواجهة أعتى بحرية في العالم.
في التفاصيل، بدأت اليمن بإسناد غزة واختارت أن يكون البحر ساحة المواجهة، لمنع الملاحة الإسرائيلية، ردا على الحصار المتوحش على غزة، وحققت البحرية اليمنية إنجازا كبيرا في ذلك، كانت بدايته باقتياد السفينة جالكسي ليدر، إلى السواحل اليمنية، وهي سفينة شحن صهيونية، كانت في طريقها إلى كيان العدو ، بالتحديد إلى ميناء أم الرشراش “إيلات”.
السفينة التي تحولت إلى مزار سياحي، يرمز إلى الإرادة والحرية اليمنية، وأيضا إلى النجدة والضمير اليمني الحي، كما يرمز إلى القدرة على تنفيذ التحذيرات، وتحويلها إلى خطوات عملية رادعة للأعداء.
لحماية الملاحة الصهيونية قررت واشنطن تشكيل تحالفات عسكرية بحرية، لمرافقة سفن الشحن، وحمايتها من وصول القوات المسلحة اليمنية، لكنها أضافت إلى قائمة الحظر، سفن الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي أخذت الطريق الأطول حول الرجاء الصالح متكبدة عناء المسافة والمدة الزمنية، وكذلك ارتفاعا في التكاليف المالية ورسوم التأمين.
إن تحويل حركة الملاحة البحرية الرئيسة إلى طريق رأس الرجاء الصالح، يزيد الطلب على السفن بنسبة 10% لتعويض الزيادة في زمن الرحلة بين آسيا وأوروبا، وترفع تكلفة استئجار الحاويات بنسبة 61%، بالإضافة إلى زيادة أثرها النهائي على أسعار السلع في المتاجر الأوروبية والأمريكية، ما يلقي بالكثير من القلق على كاهل صانعي السياسات النقدية والمالية من ارتفاع معدلات التضخم، وإفشال جهود البنوك المركزية لتخفيضه.
أول الأرقام التي نشرت عن الخسائر الأمريكية في البحر الأحمر، كان ما صرح به وزير البحرية الأمريكي كارلوس ديل تورو، منتصف أبريل الماضي، الذي قال إن البحرية الأمريكية انفقت مليار دولار لمواجهة الهجمات اليمنية على السفن خلال ستة أشهر فقط.
وفي شهر نوفمبر، أعلن متحدث باسم البحرية الأمريكية عن إطلاق ذخائر بقيمة ملياري دولار، وهو رقم يؤكد التكلفة المالية المتزايدة لما تتكبده البحرية الأمريكية في المنطقة.
ورغم كل تلك الخسائر فإنها لم تنجح في الحد من الهجمات التي تستهدف السفن الإسرائيلية والأخرى المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا الهجمات التي تستهدف حاملات الطائرات والسفن العسكرية التابعة لها.
يقول الخبراء العسكريون إن البحرية اليمنية اتبعت استراتيجية عسكرية فريدة تمثلت في: اتباع استراتيجية الهجوم المعقد، وكذلك البناء وتغيير التكتيك الهجومي البحري .وثالثا استراتيجية الهجوم المركز .
بهذه التكتيكات العسكرية الإبداعية تمكنت القوات المسلحة اليمنية من إلحاق الضرر المعنوي والمادي في قدرات القوات البحرية الأمريكية، ودفعت بقادتها إلى الاعتراف بما واجهوه وما تعرضوا له من ضراوة المقاومة، بشكل لم يعهدوه من قبل، حسب تعبير مارك ميجيز، الذي أكد في معرض حديثه عن فترة عمله بحاملة الطائرات “آيزنهاور”: “إنه اضطر لتحريك الحاملة عدة مرات في البحر الأحمر لحمايتها من الهجمات اليمنية، مؤكدا أن حجم هجمات الطائرات المسيرة اليمنية التي واجهتها المجموعة كان مفاجئاً وغير متوقع، ولم تتدرب عليه السفن الأمريكية وطواقمها من قبل”. وكانت -حسب تعبير آخرين- أكبر تحدٍ يواجه البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
وبعد انسحاب “آيزنهاور”، صدرت الكثير من التقارير في واشنطن والغرب التي تشير إلى حاجة الحاملة لصيانة طويلة الأمد ومكلفة للغاية، تصل إلى مليارات الدولارات، وتزيد الصيانة من تآكلها، في مؤشرات ربما على أن الولايات المتحدة لن تذهب لإنفاق كل تلك الأموال على سفينة أصبحت متهالكة كحالة “آيزنهاور”.
سحبت الولايات المتحدة “آيزنهاور” واستبدلت بها “روزفيلت”، والتي لم تكن بأحسن حظا من سابقتها، إلا بقدر الدروس التي أخذتها، وفضلت البقاء خارج دائرة النيران اليمنية، بعيداً عن مسرح العمليات، بالقرب من خليج عمان، ولذلك لم تخض أي اشتباك مع القوات المسلحة اليمنية حتى خرجت من المنطقة في شهر سبتمبر .
أما خليفتها “أبراهام لنكولن”، فسارت على خطى روزفيلت، مفضلة البقاء هناك لفترة، لكنها سرعان ما حاولت بعدها المرور باتجاه خليج عدن، وما إن وصلت اشتبكت معها القوات المسلحة اليمنية بعدد من الصواريخ المجنحة والمسيرات، أجبرتها على المغادرة إلى غير رجعة، وكانت عملية القوات المسلحة اليمنية لمنع عدوان واسع انطلاقاً من “لنكولن”، في علمية استباقية حققت هدفها بنجاح بفضل الله تعالى، حينها اعترف البنتاغون باستهداف المدمرتين (سبراونس) و(ستوكديل) لكنه تهرب من الحديث عن استهداف حاملة الطائرات (لينكولن).
استمرت الهجمات الاستباقية، وهذه المرة على حاملة الطائرات الرابعة هاري ترومان، بأربع مرات من الهجمات الاستباقية، وكان من أبرز العمليات الاستباقية مع حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”، والمبنية على المعلومات، اشتباك الأحد 22 ديسمبر، الذي أسفر عن سقوط طائرة “أف 18″، وإفشال مخطط عدواني واسع على اليمن.
هذه التكتيكات أظهرت نجاعتها بشكل أكثر بروزاً، مع آخر اشتباك مع حاملة الطائرات الأمريكية الرابعة التي تصل إلى منطقة عمليات القوات المسلحة اليمنية، وهي الحاملة “هاري أس ترومان”، باشتباك بحري استمر لمدة تسع ساعات تقريباً حسب ما كشف السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله، وكان ذلك الاشتباك استباقياً أيضا، حيث أفشل خطة واسعة لضرب عدة أهداف في عدة محافظات يمنية، وأدى إلى حالة ارتباك خطيرة مدمرة ومميتة عقب إسقاط طائرة أمريكية متطورة ومتقدمة من نوع “أف 18″، ولا تزال ملابسات سقوطها محل شكوك في الولايات المتحدة، حول الرواية الرسمية التي ألقت باللائمة على النيران الصديقة.
لقد صنعت البحرية اليمنية تحولا كبيرا في العمليات البحرية، وتكتيكاتها، واستخدمت لأول مرة صواريخ بالستية ضد أهداف متحركة، واستخدمت أيضا الطائرات المسيرة ضد حاملة الطائرات لأول مرة، كما جمعت بين القصف الصاروخي المجنح والبالستي والمسير ضد البحرية الأمريكية عدة مرات، بشكل دفع المراقبين المتربصين بالولايات المتحدة إلى التركيز على ما يجري في البحر الأحمر، والتعلم منه، حتى الأمريكي والبريطاني والغرب عموما، كانوا يقولون إنهم يتعلمون من الاشتباك مع القوات المسلحة اليمنية.
شعرت البحرية الأمريكية أنها أمام امتحان صعب وتحديات شديدة الخطورة في مواجهة اليمن في معركتها البحرية، التي كشفت عيوبا كثيرة في البحرية الأمريكية كسرت هيبة الإمبراطورية الأمريكية وقوتها التي لطالما مثلت العصا الغليظة والهراوة التي أخافت بها المنظومة الدولية عموما، أدت إلى تآكل الثقة في قدرة الولايات المتحدة على حماية حلفائها في المنطقة، وهي الثقة التي عملت على بنائها طوال العقود الماضية، وتعمل اليوم على حمايتها عبر استمرارها في عسكرة البحر الأحمر، خشية فقدانها.
وخلال هذا العام برزت تناولات غير مسبوقة في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والخبراء ومراكز الدراسات العسكرية والدفاعية حول “انتهاء زمن حاملات الطائرات” وتحولها إلى “عبء” على الجيش الأمريكي، وذلك بسبب التكتيكات الجديدة التي ظهرت على الساحة من خلال معركة البحر الأحمر، والتي ستكون ملهمة لقوى أخرى وعلى رأسها قوى عظمى مثل الصين وروسيا لنقل هذه التكتيكات للتعامل مع البحرية الأمريكية.
لقد تجلت فاعلية عمليات الإسناد اليمنية لأهلنا في غزة، في وجه العدوان المتوحش والظالم، والصمت الدولي والتخاذل العربي الإسلامي، تجلت فاعليتها في إغلاق المجال البحري في وجه الملاحة الصهيونية على مدى عام كامل، الأمر الذي أدى إلى إغلاق ميناء أم الرشراش “إيلات”، لأول مرة في تاريخ الكيان، ليظهر عاجزا عن اتخاذ أي إجراء أو تدبير يسمح له بالإبحار في مياه البحر الأحمر واجتياز باب المندب، رغم المحاولات التي باءت كلها بالفشل.
وتجلت الفاعلية أيضا باختيار شركات الشحن المشبوهة والمرتبطة بالكيان، وتلك التابعة للبريطانيين والأمريكيين، طريقا أطول حول الرجاء الصالح كما سلف أعلاه .
السؤال الأكثر إلحاحا اليوم، هو كيف فشلت الولايات المتحدة في فرض تأمين الملاحة البحرية الإسرائيلية، على الرغم من أن واشنطن سارعت في اتخاذ تدابير عسكرية، وعقد التحالفات الدولية، لإعاقة الإسناد اليمني لغزة، وسخرت الكثير من الموارد لتنفيذ تلك الأهداف ، وحشدت الأساطيل والفرقاطات والغواصات، وأربع من حاملات الطائرات التي تعاقبت على المنطقة.
وبدلا من أن تحقق أهدافها في خفض الهجمات اليمنية ، إذا بها تتزايد وتتعاظم وتنتقل من مرحلة إلى أخرى حتى أصبحت في خامسة المراحل، وتصل يدها إلى خمسة بحار، هي -إلى جانب البحر الأحمر- خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي والبحر المتوسط.
الفشل الأمريكي يثبت أن القوات المسلحة اليمنية، قد حجزت لنفسها مقعدا مهما في الساحة الدولية، وأصبحت فاعلا أساسيا في المسرح الإقليمي والدولي، وحفرت اسمها عميقا بوصفها أول قوة تواجه الولايات المتحدة بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الثانية.
نقلا عن موقع أنصار الله