منذ أن صعد حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1970، غرقت سوريا في حقبة من الظلم والاستبداد. كان هذا البلد، الذي لطالما كان مهد الحضارات ومصدرًا للفخر بتاريخه العريق، يُساق نحو مصيرٍ مجهول على أيدي نظامٍ جعل من القهر منهجًا ومن الاستبداد واقعًا يوميًا للسوريين.
أصبحت الدولة السورية، التي يفترض أن تكون الحاضنة لشعبها، أداةً لقمعه ونهبه.
حين خذلت الدولة أبناءها
كان المواطن السوري أول من دفع الثمن. الدولة، التي كان من المفترض أن تكون ركيزة الأمان، تحولت إلى آلة قمعية تستنزف طاقاته وحقوقه. في ظل غياب العدالة والتنمية، اضطر السوريون إلى الاعتماد على أنفسهم، يعملون بأيديهم ليبني كل منهم حياةً أفضل وسط نظامٍ أغلق أمامهم كل أبواب الأمل.
رغم كل الألم الذي عاشه السوريون، يبقى الأمل مشرقًا في قلوبهم. سقوط النظام كان خطوة أولى نحو الحرية، لكنه ليس النهاية. الطريق طويل وشاق، لكن هذا الشعب الذي واجه المستحيل قادر على تحويل الحلم إلى واقع.أثبت السوريون أنهم قادرون على الصمود. عبر المهن والحرف والإبداع الفردي، أثبتوا تفوقهم رغم كل المعوقات. من بناء المنازل وتصميم المشاريع الصغيرة إلى التفوق في الطب والهندسة، كان السوريون يعملون بصمت، يظهرون للعالم أنهم أكبر من كل قيود دولتهم.
في كل مكانٍ ذهبوا إليه، كانوا صورةً مشرقة عن الإرادة والإبداع. كانوا يتفوقون رغم الظروف القاسية التي يعيشونها. لم يكن إبداعهم وليد دعمٍ حكومي، بل كان ثمرة إرادةٍ صلبة جعلت السوري مضرب المثل في التفاني والكفاءة.
الثورة السورية.. بداية حلمٍ ونزيف مستمر
في عام 2011، انطلقت الثورة السورية كصرخة حقٍ تطالب بالحرية والكرامة. كان السوريون يحلمون بوطنٍ يليق بتضحياتهم. لكن النظام قابل هذه الأحلام بالقمع والعنف، لتتحول الثورة إلى جرحٍ جديد في جسد الوطن.
كان رد النظام وحشيًا. أُطلق العنان لآلة القتل والتدمير، وبدأت سوريا تعيش فصولًا غير مسبوقة من الألم. آلاف العائلات فقدت أحبّتها، وتهدمت البيوت فوق رؤوس ساكنيها. الأطفال الذين كانوا يحلمون بمستقبلٍ أفضل، وجدوا أنفسهم في مواجهة الموت أو التشرد.
كانت المعاناة أكبر من أن تُحتمل. البراميل المتفجرة، السجون المظلمة، والمدن التي تحولت إلى أنقاض، كلها كانت شواهد على حجم المأساة. لكن رغم كل هذا الألم، ظل السوريون صامدين، يحلمون بيومٍ تنكسر فيه قيود الظلم.
جبر الخواطر.. حاجة السوريين الملحة
في ظل هذا الكم الهائل من المعاناة، كان السوريون يبحثون عن أبسط أشكال العزاء. كلمة طيبة، لمسة حانية، أو حتى وعد بمستقبل أفضل. كان “جبر الخواطر” أملًا بسيطًا يعيد لهم بعضًا من إنسانيتهم المفقودة.
كانت الأم التي فقدت ابنها تنتظر كلمة مواساة تخفف من جرحها. الطفل اليتيم كان يتطلع إلى يدٍ تمسح على رأسه لتخبره أن هناك أملًا. العائلة التي شُرّدت كانت تحلم بوطنٍ يعيد لها أمنها وسلامها الداخلي.
لكن العالم غالبًا ما أشاح بوجهه عن هذه المأساة. السوريون، الذين تحملوا كل أنواع الظلم، ظلوا ينتظرون لحظة إنصاف، لحظة تُعيد لهم كرامتهم وتُشعرهم أن تضحياتهم لم تذهب سدى.
سقوط النظام.. لحظة ولادة جديدة
في 8 ديسمبر 2024، حدث ما كان ينتظره السوريون لعقود. سقط النظام الذي حكمهم بالقهر والاستبداد. كان ذلك اليوم بمثابة ميلاد جديد للوطن. لحظة كُسر فيها القيد الذي أرهق الأرواح، وبدأت معها رحلة جديدة نحو بناء سوريا الحرة.
لكن سقوط النظام ليس نهاية القصة. إنه بداية لطريق طويل يحتاج إلى العمل الجاد لبناء دولة تُكرّم الإنسان وتحترم حقوقه. إنها فرصة تاريخية للسوريين ليصنعوا وطنًا يُعيد لهم كرامتهم، وطنًا يُبنى على العدالة والمساواة.
بناء الوطن.. مسؤولية مشتركة
بناء سوريا الجديدة ليس مهمة سهلة. لكنه ليس مستحيلًا. الشعب الذي صمد أمام كل هذه المعاناة قادر على إعادة بناء دولته من جديد. الأمر يتطلب إرادة جماعية، ورؤية واضحة تقوم على المساواة والشفافية.
أثبت السوريون أنهم قادرون على الصمود. عبر المهن والحرف والإبداع الفردي، أثبتوا تفوقهم رغم كل المعوقات. من بناء المنازل وتصميم المشاريع الصغيرة إلى التفوق في الطب والهندسة، كان السوريون يعملون بصمت، يظهرون للعالم أنهم أكبر من كل قيود دولتهم.سوريا الجديدة يجب أن تكون وطنًا يحتضن الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم أو توجهاتهم. يجب أن تكون مؤسسات الدولة في خدمة الشعب، وأن تقوم على أسس النزاهة والعدالة. هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق إلا بتضافر جهود الجميع، وبإيمان بأن الوطن يستحق العمل لأجله.
السوري الذي أثبت كفاءته في كل مكان ذهب إليه، عليه اليوم أن يُثبت نفس الكفاءة في بناء وطنه. هذا المشروع ليس مشروع حكومة أو حزب، بل مشروع أمة بأكملها.
خاتمة.. الأمل الذي لا ينطفئ
رغم كل الألم الذي عاشه السوريون، يبقى الأمل مشرقًا في قلوبهم. سقوط النظام كان خطوة أولى نحو الحرية، لكنه ليس النهاية. الطريق طويل وشاق، لكن هذا الشعب الذي واجه المستحيل قادر على تحويل الحلم إلى واقع.
اليوم، يقف السوريون على أعتاب فرصة تاريخية. إنها لحظة لبناء وطنٍ جديد، وطن يُجسد أحلامهم وتضحياتهم. سوريا التي يحلم بها الجميع ستولد من جديد، وطنًا يُكرّم الإنسان ويحتضن الجميع، ويكون مصدر فخر لكل من عاش على أرضها.
عضوٍ الهيئة العليا للمفاوضات السورية سابقا
@shamsieyad
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا سوريا سياسة رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کان السوریون سقوط النظام أن تکون وطن ا ی رغم کل
إقرأ أيضاً:
منازل مدمرة وحياة مفقودة.. هذا ما واجهه السوريون عند عودتهم إلى تل رفعت
عند عودتهم إلى بلدة تل رفعت في شمال سوريا، اصطدم السوريون بواقع مرير، حيث كانت المنازل مدمرة بالكامل والشوارع غارقة في الأنقاض، فيما كانت آثار سنوات الحرب تلقي بظلالها الثقيلة على المكان.
تعتبر تل رفعت واحدة من البلدات الرئيسية التي شهدت صراعاً مريراً بين القوات الكردية السورية والمجموعات المسلحة المدعومة تركياً في شمال سوريا.
منذ بداية الحرب السورية عام 2011، أصبحت البلدة ساحة لمعارك متكررة وموجات نزوح متتالية.
في عام 2016، سيطرت القوات الكردية على البلدة، مما أدى إلى تهجير معظم سكانها. وفي الوقت نفسه، نزح سكان كرد من مناطق أخرى، مثل عفرين، إلى تل رفعت بعد سيطرة القوات المدعومة تركياً على مدنهم.
في ديسمبر من العام نفسه، قلب الهجوم السريع الذي شنته قوات المعارضة السورية الوضع رأسًا على عقب، حيث تمكنت القوات المدعومة من تركيا من السيطرة على البلدة بعد طرد قوات سوريا الديمقراطية.
أنفاق تحت الأرض تهدد البنية التحتيةأحد أكثر الاكتشافات إثارة للصدمة كان وجود شبكة معقدة من الأنفاق تحت الأرض، والتي يقول المسؤولون المحليون إنها حُفرت خلال فترة سيطرة قوات "قسد" على المنطقة.
هذه الأنفاق، التي بُنيت لأغراض عسكرية، تمتد تحت المنازل والمدارس والمباني العامة، مما أضعف أساسات المنازل. بعض الجدران تشققت، وما تبقى من هياكل يقف على أسس غير مستقرة، مما يجعل إعادة الإعمار مهمة شبه مستحيلة.
داخل المنازل، واجه العائدون مشاهد مؤلمة: أبواب معلقة على مفاصل مكسورة، وجدران مليئة بالتشققات، وغرف خالية من الأساسيات مثل الأسلاك والأنابيب وحتى الأثاث.
لم يتبقَ شيء ذو قيمة. في كل مكان، تظهر علامات الرحيل السريع: متعلقات شخصية متروكة، وحطام متناثر، وعراقيل مؤقتة تم تفكيكها بعجالة.
على أطراف البلدة، يوجد جدار خرساني عملاق، كان في السابق حاجزاً عسكرياً أقامه مقاتلو "قسد" كخط دفاعي. اليوم، أصبح هذا الجدار رمزاً غير مرغوب فيه للماضي، حيث يعيق وصول السكان إلى أراضيهم الزراعية، مما يزيد من صعوبة استعادة الحياة الطبيعية.
وتعاني البلدة من تدهور في البنية التحتية. شبكات المياه والكهرباء بالكاد تعمل، مما يجعل الحياة اليومية مهمة شاقة للعائدين. ومع ذلك، يبدو أن الإرادة القوية لدى السكان لتجاوز المحنة تفوق كل التحديات.
من جانبه، قال عمر بدران، أحد العائدين إلى البلدة: "كل شبر من هذه الأرض لا يقدر بثمن، خاصة بالنسبة لنا ككبار السن. هذه الأرض هي كل شيء لدينا".
على الرغم من الدمار الشامل، يعبر العديد من السكان عن تصميمهم على إعادة بناء حياتهم وبلدتهم، مؤكدين أن الأرض والذاكرة تستحقان الجهد.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "لقد فعلناها!".. دول البلطيق تنضم إلى نظام الكهرباء الأوروبي بعد الانفصال عن الشبكة الروسية الاتحاد الأوروبي نحو "تعليق" العقوبات عن سوريا.. وكايا تؤكد: "خطوة تتبعها خطوة" سوريا: الحكومة الانتقالية تدرب الشرطة وفق الشريعة الإسلامية وسط جدل داخلي وتحفظات دولية تدمرأزمة إنسانيةسورياأبو محمد الجولاني قسد - قوات سوريا الديمقراطيةالأكراد