تابعنا خلال الأيام الماضية الدورة الرياضية في بطولة كأس الخليج وهي الدورة السادسة والعشرين، والتي أقيمت على أرض الكويت وقد نجحت هذه الدورة، وخصوصا حينما تابعها جمهور كبير من العرب، وربما من المهتمين بالكرة في كل بلاد العالم، وقد لاحظنا نجاح الكويت في تنظيم هذه الدورة من حيث الإعداد والتجهيز واستقبال هذه الجموع الغفيرة من كل دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أسعدني كثيرا مشاركة اليمن والعراق، فقد أضفت مشاركتهما على هذه الدورة روحا تنافسية عالية، فضلا عن أن مشاركة العراق تقدم رسالة إيجابية عن عودة العراق إلى حضن أمته العربية، أما اليمن فقد فاجأنا سواء من حيث مهارات لاعبيه فنيا أو من حيث الروح المعنوية التي تحلى بها الفريق اليمني، بعد أن كنا نتصور أن اليمن قد غرق في مستنقع الحروب، وأن الثقافة والرياضة قد تراجعا ولا أمل في عودتهما إلا بعد عقود، إلا أن الفريق اليمني قد فاجأ كل المتابعين، حينما وجدنا فريقا يحظى بروح معنوية عالية ومهارات فنية لا تمتلكها إلا الفرق التي تعيش في ظل ظروف مستقرة ماليا واجتماعيا وثقافيا.
تعد كرة القدم في طليعة الألعاب الرياضية التي تحظى بجماهيرية واسعة، بل هي الرياضة الأولى التي تحظى بهذه الجماهيرية، بعد أن راحت كل دول العالم تدعم هذه الرياضة الجميلة التي سيطرت على مشاعر الجماهير وملكت عليهم أحاسيسهم وطاقاتهم، وخصوصا بعد أن أصبحت هذه الرياضة اقتصادا كبيرا تتنافس عليه كل الأندية الرياضية في العالم، وصارت أسعار اللاعبين تفوق كثيرا أسعار العلماء والمفكرين، وهو ما أتاح لكثير من الدول والأندية أن تدفع مبالغ طائلة ثمّنا للاعب واحد، من أي نادٍ من أندية العالم بما فيها الدول الإفريقية والآسيوية، وزاد ذلك من طموحات الشباب الذي يسعى للحاق بركب هذه الرياضة، التي تبوأ لاعبوها شهرة واسعة لم يحظ بها أي شخص، حتى ولو كان عالما فذا، لدرجة أنك لو سألت شابا عن اسم مخترع أو مكتشف نظرية علمية حتى ممن حصلوا على جائزة نوبل ربما لا تجد من يعرف أيا من هذه الأسماء، بينما لو سألتهم عن اسم لاعب في الدوري الإنجليزي أو الأوروبي سوف يذكر لك عشرات الأسماء.
لقد انخرط كثير من شباب العالم في هذه الرياضة بعد أن تبين لهم أن هذا النشاط يتيح لمن يملك القدرة والمهارة على أن يكون واحدا من الأسماء المشهورة، وهو ما يحقق له مكانة اجتماعية ومالية كبيرة، ولذلك تسابق آلاف وربما الملايين من شباب العالم إلى الانخراط في هذه الرياضة التي ملكت مشاعر الجماهير.
اتسعت دائرة العناية بكرة القدم التي استهوت قلوب الشباب، بما يعكس العناية بالصحة وابتعاد الشباب والمراهقين عن السلوكيات الهدامة، وخصوصا المخدرات بكل أنواعها، لذا عُنيت دول العالم بهذه الرياضة الساحرة، في المدارس والجامعات والأندية والساحات، وقد قدم شهرة بعض الرياضيين منهم رسالة إيجابية تعد نموذجا لكل من يعتني بصحته ويمارس هوايته بكل جد ومهارة، يستوي في ذلك أبناء الدول الغنية والفقيرة على قدم وساق، ويعد اللاعب العربي محمد صلاح نموذجا لملايين الشباب، بعد أن كان يعيش في إحدى قرى مصر شابا مغمورا لم يحظ بالقدر المناسب من التعليم، لكن شغفه بكرة القدم وعنايته بصحته ومهارته وضعه في مكانة أصبح بعدها واحدا من بين أشهر الشخصيات في العالم، وتعد قصة نجاحه بمثابة درس للشباب الطامح في التقدم بصرف النظر عن مكانته الاجتماعية.
تابع الكثيرون الدورة الرياضية لكأس الخليج في كرة القدم وما صاحبها من ضجة إعلامية هائلة على المستويين الشعبي والرسمي، إلا أن ما صاحب هذه الدورة من تداعيات إيجابية وبعضها سلبية قد فاق كل التوقعات، فقد راح بعض المتابعين لفرق بلدهم ينزلقون إلى مهاترات خرجت من دائرة التشجيع الكروي إلى دائرة الإساءة والتلاسن للفريق الآخر، وحتى إلى البلد الذي يمثله، وهي تجاوزات قام بها قطاع من الجمهور وشاركهم فيه بعض الرياضيين والمسؤولين عن الرياضة، وتحولت عملية التلاسن إلى مشاحنات سياسية واجتماعية، وقد شاركت بعض القنوات التلفزيونية في هذه الإساءات حينما أتاحت لهؤلاء أن يلقوا بشتائمهم على مسامع الجماهير، وهكذا خرجت الرياضة عن وظيفتها الاجتماعية والإنسانية، لكي تصبح أداة للفرقة والتباعد بين الشعوب بدلا من أن تكون وسيلة للتواصل وشيوع ثقافة المحبة، وهي أمور سلبية لم نكن نأمل أن تحدث في الدورة الخليجية.
لفت نظري في هذه الدورة المستوى الفني والمهاري لفريقين أولهما الفريق العماني، الذي وصل إلى الدور النهائي وقد حظي باحترام وتقدير كل المتابعين بمهاراته الرياضية وسلوكيات لاعبيه وممارسته الرياضية كرياضة وليس مشاحنات وتلاسن، فضلا عن اعتماد الفريق على لاعبين جميعهم من الشباب العماني، والمدرب وكل الطاقم الفني المساعد جميعهم من العمانيين، وهي رسالة مهمة جدا لكل من يراهنون على إمكانياتهم المادية، أما الفريق الآخر فهو الفريق اليمني الذي فاجأنا بمستواه الفني والمهاري، رغم أن اليمن يعيش في ظروف استثنائية من الحروب والمشاكل الداخلية والصراعات الإقليمية والعالمية، لكن كان الفريق اليمني مفاجأة لكل المتابعين، لذا وجب توجيه التحية له ولكل القائمين على الرياضة في اليمن.
أعتقد أن ما يصاحب هذه المباريات التنافسية يحدث في كثير من دول العالم، والمتابع للدوري الإنجليزي أو الأوروبي يلحظ الكثير من التجاوزات من الجمهور والمتابعين، ولعل من المناسب أن أستعيد تجربة المباراة بين مصر والجزائر عام ٢٠٠٩، في الدورة الأفريقية المؤهلة لكأس العالم ٢٠١٠، حينما زار الرئيس المصري محمد حسني مبارك الفريق المصري في معسكر تدريبه قبيل المباراة وحثهم على ضرورة الفوز وإحراز النصر، وتمنيت وقتئذ لو أن الرئيس المصري خاطب الفريق طالبا منه أن يؤدي ما عليه وأن يحترم الفريق الآخر بحكم أنه فريق عربي شقيق، وأن الرياضة لا تعدو أن تكون وسيلة لتعميق روح المحبة مع الأشقاء، ولو حدث ذلك لتجنبنا المثير من المهاترات والضغائن التي حدثت بين البلدين الشقيقين، إلا أن ما حدث في هذه المباراة كان كارثيا، فقد امتدت الأزمة إلى العلاقات الكاملة بين البلدين، والتي أحدثت أزمة دبلوماسية وتصاعدت الخلافات إلى حد غير معقول، بعد أن انساق جمهور كرة القدم وراء الأحداث، وراح كل فريق يكيل الشتائم والاتهامات ليس للفريق الآخر فقط وإنما إلى البلد الآخر، وكانت أزمة دبلوماسية أخذت وقتا وجهدا من البلدين لتجاوز تداعياتها.
الرياضة وُجدت للتقريب بين الشعوب وليس إثارة الضغائن، الرياضة الحقيقية حينما تخدم السياسة وتتجاوزها إلى عالم من المحبة والمتعة والمشاهدة، وتشجيع الفريق الأكثر مهارة، بصرف النظر عن جنسه أو لغته أو دينه.
د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفریق الیمنی هذه الریاضة هذه الدورة بعد أن فی هذه
إقرأ أيضاً:
ليفربول في مأزق.. صلاح يحمل الفريق وحده والمستقبل غامض
سلطت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية الضوء على الأوضاع المعقدة التي يعيشها نادي ليفربول الإنجليزي حاليًا، مؤكدة أن الفريق بحاجة ماسة إلى ثورة شاملة في تشكيلته إذا أراد تحقيق النجاح في الموسم المقبل، سواء على مستوى الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليج" أو دوري أبطال أوروبا، وذلك بعد الإقصاء المبكر من البطولة الأوروبية أمام باريس سان جيرمان في دور الـ16.
صلاح وحده لا يكفي.. أزمة هجومية تهدد طموحات الريدزأوضحت الصحيفة أن ليفربول يعاني من مشكلة هجومية واضحة، حيث يعتمد الفريق بشكل كبير على محمد صلاح في تسجيل وصناعة الأهداف، إذ شارك الدولي المصري في 64% من أهداف ليفربول في البريميرليج هذا الموسم، مما يعكس مدى تأثيره الكبير على أداء الفريق.
وأضافت أن الفريق يضم ستة مهاجمين، لكن لا يوجد بينهم لاعب قادر على تحمل عبء تسجيل الأهداف بشكل منتظم سوى محمد صلاح، مما يجعل النادي في حاجة ماسة إلى التعاقد مع مهاجمين جدد يمكنهم المساهمة في تسجيل الأهداف وتقليل الضغط على النجم المصري.
وتساءلت الصحيفة: "ماذا لو بقي محمد صلاح في الفريق ولكنه لم يتمكن من تكرار موسمه الاستثنائي الحالي؟"، مشيرة إلى أن ليفربول لا يمكنه الاستمرار في الاعتماد على صلاح وحده، حيث يعتبر اللاعب أحد أفضل نجوم العالم حاليًا، لكنه لن يكون قادرًا على قيادة الفريق إلى الأبد.
غموض يحيط بمستقبل صلاح وفان دايككما أشارت الصحيفة إلى أن مستقبل محمد صلاح مع ليفربول لا يزال غامضًا، خاصة أن عقده سينتهي في 30 يونيو المقبل، ولم يتم التوصل إلى اتفاق لتجديد عقده حتى الآن.
وأوضحت أن صلاح ليس وحده في هذه الأزمة، بل يواجه المدافع الهولندي فيرجيل فان دايك نفس المصير، حيث لم يتوصل النادي إلى اتفاق مع الثنائي رغم العروض المقدمة لهما من قبل إدارة النادي.
وأضافت أن كلا اللاعبين يشعران بالإحباط من تعثر المفاوضات، حيث لم تحظَ العروض المطروحة بقبول الثنائي حتى الآن، مما يثير التكهنات حول إمكانية رحيلهما بنهاية الموسم الحالي.
الخروج الأوروبي يكشف العيوبخرج ليفربول من دوري أبطال أوروبا بعدما فشل في تجاوز عقبة باريس سان جيرمان في دور الـ16، حيث تعادل الفريقان 1-1 في مجموع المباراتين، قبل أن يحسم الفريق الفرنسي التأهل بركلات الترجيح بنتيجة 4-1.
ورغم أن ليفربول قدم مستويات قوية في مرحلة المجموعات، إلا أن سوء الحظ أوقعه أمام باريس سان جيرمان، الذي كان الطرف الأفضل في المواجهتين، حيث سيطر على اللعب واستغل نقاط ضعف الفريق الإنجليزي لانتزاع بطاقة التأهل إلى ربع النهائي.
وعلى المستوى الفردي، لم يتمكن محمد صلاح من تسجيل أكثر من 3 أهداف في النسخة الحالية من دوري أبطال أوروبا، وهو ما يعكس تأثير غياب الدعم الهجومي الكافي له داخل الفريق.
ليفربول مطالب بالتحرك سريعًاوأكدت الصحيفة أن ليفربول مطالب بإعادة بناء فريقه بشكل شامل إذا أراد المنافسة بجدية على الألقاب في الموسم المقبل، حيث يجب أن يتعاقد مع مهاجمين قادرين على تحمل المسؤولية التهديفية، بالإضافة إلى ضرورة حسم ملف تجديد عقدي صلاح وفان دايك لضمان استقرار الفريق.
كما أشارت إلى أن المدرب الهولندي أرني سلوت، الذي يقود الفريق هذا الموسم، يواجه مهمة صعبة في إعادة ترتيب الأوراق داخل النادي، خاصة بعد الخروج الأوروبي المخيب للآمال.
ما التالي؟حتى الآن، لا تزال إدارة ليفربول أمام تحدٍ كبير لحسم مصير نجومها الأساسيين، وسط مخاوف من أن تؤثر حالة عدم اليقين على أداء الفريق في الجولات المقبلة من الدوري الإنجليزي، حيث يسعى للحفاظ على صدارته في ظل المنافسة القوية مع مانشستر سيتي وأرسنال.
ويبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن ليفربول من إقناع صلاح بالبقاء وتجديد عقده؟ أم أن النجم المصري سيخوض تجربة جديدة بعيدًا عن "الريدز" في الموسم المقبل؟