لم تكن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، تلك التي أعقبت عملية السابع من أكتوبر، إلا بداية تجريبيةً متواضعة الذهول قياسًا على هول ما جرى من أحداث في العام التالي، عام 2024. سأتذكر العام الماضي دائمًا، كما يتذكره كثيرون غيري من سكَّان هذا الجانب من الكوكب، بوصفه العام الأعنف في ذاكرتي، على الإطلاق.
ولكن، رغم الأرق والقلق والاضطراب الذي أربك مجرى حياتنا الخاصة، ورغم حمى العقل النشِط الذي تحوَّل على مدى أكثر من عام إلى مطحنة للتفكير السياسي المفرط والتحليل السريع للأحداث والوقائع المتلاحقة، إلا أن الواحد ما يلبث أن يصحو من نومه إلا ليكتشف أنه لم يزل متفرجًا سلبيًا مُعطَّلَ الفاعلية السياسية، محتجزًا في موقعه كشاهدٍ عن بعد، لا أكثر.
على مستوى «المعاناة» الفكرية والنفسية، فقد كان العام الماضي، بامتياز بالغ، عامَ الاصطدام الكبير والمباشر بالعالم، عام انهيار التصورات المتخيلة والمتباينة عمَّا يعنيه «العالم» من منظورنا، باعتباره طرفًا آخر في مشكلتنا أو نقيضًا لنا.
بالنسبة لمن هم في جيلي خاصةً فقد ولَّد هذا الاصطدام صدمات متلاحقة، كانت مكلفةً معنويًا وعاطفيًا، وعنيفةً على نحو غير مسبوق في شريط ذاكرتنا السياسية القصيرة، والأخطر كان تحولها إلى كراهيات بينية متبادلة. نستطيع أن نستشف آثار تلك الصدمات من خلال تتبع حدة النقاش المفتوح والجدال الشرس على وسائل التواصل الاجتماعي حول كل خبر أو حدث. بعضنا اختبر لأول مرة شراسة النقاش السياسي ورعونة التدافع في الأفكار ووجهات النظر. ولأول مرة جرَّب بعضنا معنى أن يخسر صديقًا نتيجةً لخلاف سياسي حاد، أو أن يتخلى عن علاقات اجتماعية أو فرصة وظيفية لأجل مواقف سياسية.
وقع الصدمات المتلاحقة لم يختلف كثيرًا على الجيل الأكبر من المثقفين، أيًا ما كانت مواقعهم وانتماءاتهم. الجميع، بلا استثناء، بدا أنه أقل خبرة من استيعاب التطورات المباغتة. في حين تراجع البعض وتخلى آخرون عن متابعة الأخبار والانشغال بالقضايا العامة بحجة انعدام الجدوى وضبابية المشهد وتعقيداته، وقبل ذلك وبعده لوجودهم في نظام عام يعزلهم سياسيًا ويعطل قدرتهم على الفعل.
تخلخلت ثوابت ومسلمات حصينة، فكان عام 2024 عام نزع الثقة من اليقينيات المسبقة، عام اختبار المقولات الدسمة التي سرعان ما تحللت تحت مجهر الفحص. أما الزمن السياسي الجديد فيبدو زمن الارتياب المطلق، زمن الارتياب في كل شيء. والحقيقة أن اعتقادنا عن العالم المتخيل بأنه «عاقل» أو «مُعقلن» كان أبرز الأوهام التي انقشعت في خضم الكارثة، غير أن انقشاع وهمٍ ما لا يعني بالضرورة بداية الانفتاح على الحقيقة، فقد يتحلل الوهم السابق بصعود وهم/ أوهام جديدة.
وكأنَّه الوقتُ وقد أَفلتَ من عقاله، أو لكأنَّه التاريخ وقد خرج عن دورته الروتينية المألوفة والرتيبة إلى الجنون الرسمي. نعم، قد يكون «الجنون» الوصف الوحيد الجاهز لاستيعاب شريط الأحداث خلال فصول الدراما الكارثية (المستمرة) التي راقبناها يومًا بيوم، وربما ساعةً بساعة، طيلة العام المنصرم، لولا أن وصف الأحداث بالجنون يفترض -عن غير قصد- بأن حركة التاريخ هي في الأصل حركة «معقلنة» و«منطقية»؛ ما يعني بأن الأشهر الماضية لم تكن إلا استثناءً أو انحرافًا «غير منطقي» في هذه الحركة. ماذا سنقول إذن عن ملامح العام الجديد، 2025، بعد أن افتتحه السيد الأبيض، دونالد ترامب، بكل بجاحة، مهددًا في مؤتمر صحفي بفتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط:
«إذا لم يتم إطلاق الرهائن بحلول موعد تنصيبي فإن أبواب الجحيم ستفتح على مصراعيها»!
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
463 مخالفة مرورية حررتها خيالة شرطة دبي 2024
سَيَّرت القيادة العامة لشرطة دبي، ممثلة في مركز شرطة الخيالة، 1464 دورية خيالة في مختلف مناطق الإمارة خلال العام الماضي 2024، أسفرت عن تحرير 463 مخالفة مرورية وتأمين 38 مباراة رياضية، إلى جانب تنفيذ مهام التدقيق على الأشخاص والمركبات وتأمين المنشآت الرياضية.
وأكد اللواء الدكتور خبير محمد عيسى العظب، مدير مركز شرطة الخيالة، أن الدوريات تُسهم في تعزيز الأمن المجتمعي وتُعد جزءاً أساسياً من منظومة الدوريات الأمنية بالإمارة، لقدرتها على الوصول إلى أماكن يصعب على المركبات دخولها، مشيراً إلى أن المركز يغطي الإمارة بنسبة 100% من خلال 4 نقاط تمركز.
وأوضح أن شعبة العروض والفعاليات نظّمت 165 فعالية في العام الماضي مقارنة ب159 فعالية في 2023، كما تم تأهيل 2121 فارساً لمختلف السباقات في 2024 مقابل 951 فارساً في العام السابق، إلى جانب تدريب 177 طالباً مرشحاً مقابل 80 في العام 2023.