هل سبق أن شعرت بألم عضلي حارق بعد أول يوم في صالة الرياضة؟ أو ربما خالجك شعور بالضيق والارتباك النفسي عندما حاولت تبنّي عادة جديدة مثل الاستيقاظ باكرًا أو الالتزام بروتين صحي صارم؟ هذا الألم، الذي يبدو أحيانًا كأنه عقاب على محاولاتك للتغيير، ليس سوى صديق خفي. إنه العلامة الأولى التي يخبرك بها جسدك وعقلك أنك تتحرك نحو مسار جديد، مسار مليء بالتحديات ولكنه أيضًا زاخر بالنمو والتحسن.
الألم النفسي أو الجسدي الذي يرافق التغيير يُعدّ ظاهرة طبيعية تمامًا، بل يمكن القول إنه جزء لا يتجزأ من عملية التحول الشخصي. عند محاولة اكتساب عادة جديدة أو التخلي عن أخرى، يجد الدماغ نفسه مضطرًا لإعادة هيكلة المسارات العصبية التي اعتمد عليها طيلة سنوات. هذا الأمر يتطلب طاقة إضافية ووقتًا، مما يفسر الشعور بعدم الراحة أو الألم في البداية.
خذ مثلاً الشخص الذي يعود لممارسة الرياضة بعد انقطاع طويل. الألم العضلي الذي يعاني منه ليس دليلًا على الفشل أو عدم الاستعداد، بل هو إشارة صريحة إلى أن العضلات بدأت بالتكيف مع النشاط الجديد، وأن الجسم يُعيد بناء نفسه ليصبح أكثر قوة ومرونة. بنفس الطريقة، عندما نحاول تغيير عاداتنا اليومية أو مواجهة مخاوفنا، يمر الدماغ بحالة مشابهة من "التدريب"، حيث يُجبر على كسر الروتين المعتاد وخلق أنماط جديدة أكثر فاعلية.
لكن لماذا يبدو التغيير بهذا القدر من الصعوبة؟ السبب يعود إلى طبيعة الدماغ ذاته. فالدماغ ميّال بطبيعته إلى الحفاظ على الوضع الراهن. يُفسر العلماء هذا الميل على أنه آلية بقاء، حيث يُعتبر التغيير تهديدًا محتملاً للاستقرار النفسي والجسدي. لذا، عند محاولة التغيير، تبدأ المقاومة الداخلية، سواء على شكل قلق، أو توتر، أو حتى إحباط. ومع ذلك، فإن المضي قدمًا ومقاومة هذه الأصوات الداخلية يُعدّ المفتاح لتحقيق التحول المنشود.
والخبر الجيد هنا هو أن هذا الألم ليس أبديًا. في الحقيقة، هو مرحلة مؤقتة تمهّد لتكيف الجسد والعقل مع الواقع الجديد. مع الوقت والاستمرارية، تصبح العادة الجديدة جزءًا من الروتين اليومي، ويختفي الشعور بالضغط أو الألم تدريجيًا. على سبيل المثال، الشخص الذي يجد صعوبة في البداية للاستيقاظ مبكرًا سيكتشف بعد أسابيع من الالتزام أن الأمر لم يعد عبئًا، بل أصبح تلقائيًا وسلسًا.
للتعامل مع هذا الألم المؤقت، ينصح علماء النفس بالبدء بخطوات صغيرة. التغيير التدريجي يخفف من المقاومة الداخلية ويمنح الدماغ فرصة للتكيف دون شعور بالضغط الكبير. كما أن تذكير النفس بشكل دائم بالفوائد طويلة المدى للتغيير يعزز الحافز ويجعل مواجهة الألم أكثر احتمالًا، إضافة إلى ذلك، يمكن للمكافآت الصغيرة، كالإشادة الذاتية أو الاحتفال بالنجاحات البسيطة، أن تعزز الالتزام وتخفف من وطأة المشاعر السلبية.
إن الألم المصاحب للتغيير ليس عدوًا يجب محاربته، بل حليف خفي يدفعك للخروج من دائرة الراحة ويسهم في بناء شخصيتك. إنه يعلّمك الصبر، ويعزز مرونتك النفسية، ويهيئك لمواجهة تحديات أكبر بثقة وقوة. هذا الألم هو الدليل الأول على أنك تتحرك نحو تحقيق أهدافك وتطوير ذاتك.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن التغيير ليس رحلة سهلة، ولكنه يستحق الجهد. الألم الذي نشعر به في البداية ما هو إلا مرحلة مؤقتة في طريقنا نحو حياة أفضل وأكثر اتزانًا. بالصبر والاستمرارية، سنكتشف أن هذا الألم كان البوابة الأولى نحو النمو والنجاح.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية هذا الألم
إقرأ أيضاً:
"من صلب الألم يولد الرجاء".. الأب بيار نجم يُعيد إشعال شعلة مارون في لبنان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يبرز الأب بيار نجم، الراهب المارونيّ المريميّ، كـ"صوت رجاء" أصول الهويّة المارونيّة القائمة على الإيمان والتضحية.
يصوغ الأب بيار خطابًا دينيًّا يجمع بين العمق الأكاديميّ وروحانيّة القدّيس مارون، الذي يُعتبر "أبًا روحيًّا" لأبناء الكنيسة المارونيّة منذ القرن الرابع الميلادي.
فيقول الأب بيار مارون النّاسك لم يترك لنا إرثًا ماديًّا، بل علّمنا أن الفقر الاختياريّ هو طريق الغنى الحقيقيّ. لقد حوّل الصليب من رمز ألم إلى جسر عبور نحو الخلاص".
هذا الإرث يتجسّد اليوم في الرهبان الموارنة الذين يُشبههم الأب بيار بـ"حبات الحنطة" التي تموت في الأرض لتنبت حياةً جديدة. فكما أسّس مارون مدرسةً نسكيّةً حوّلت جبل لبنان إلى "واحة قداسة"، يعمل الأب بيار على إحياء هذه الروح من خلال مشاريع تُركز على:
التعليم الدينيّ في تفسير الكتاب المقدّس عبر رؤيةٍ تُبرز معنى الألم كجزء من مسيرة الخلاص.
دور المرأة: بالاستناد إلى اللاهوت المريميّ، يُكرّس الأب بيار جزءًا من عمله لدور مريم كـ"أمّ تُعانق ألم أبنائها".
الخدمة المجتمعيّة: انخراط الرهبان في دعم الأسر الفقيرة، خاصةً في قرى جبل لبنان التي تشهد نزيفًا سكّانيًّا بسبب الهجرة.
الواقع اللبنانيّ: أزمات تُعيد الموارنة إلى جذورهم فوسط انهيارٍ غير مسبوق، تُعيد الكنيسة المارونيّة إنتاج نموذج مارون في مواجهة التحديات. يوضح الأب بيار:
كما حرث رهبان مارون الأرض باليد والصلاة، نحن اليوم نحرث أرضًا مليئة باليأس، لكننا نؤمن أن هذه البوتقة ستُخرج ذهبًا نقيًّا".
ويُضيف: الفساد والظلم ليسا قدرًا. الموارنة تعلموا من مارون ألّا يهربوا من العالم، بل أن يُصلحوه من الداخل".
وختاما وجه رسالة إلى اللّبنانيّين: قائلا لهم لا تبيعوا أرزكم الرّوحيّ أقول لأبنائي: لا تيأسوا. مارون لم يبنِ كنيسةً باسمه، بل باسم المسيح. نحنُ مدعوّون اليوم لبناء وطنٍ باسم العدل، لا باسم الطوائف. اِحملوا صليب المحبّة، وستجدون أن الألم نفسه يصير مصدر قوه
فيما تُطفئ الأزماتُ آخر شموع الأمل عند الكثيرين، يُذكّر الأب بيار نجم بأن "الموارنة وُلدوا من رحم المحن". فمن ديرٍ مارونيّ صغير في وادي قاديشا، إلى أزقّة بيروت المُثقلة بالهموم، لا يزال إرث "الناسك الفقير" يُلهم من يؤمن بأن النور يخرج من أعماق البوتقه