رؤى أدبية من زمن النهضة الثقافية!
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
(1)
..... ونستكمل الحديث في هذه الحلقة من (مرفأ قراءة) عن الرائد النهضوي الكبير إسماعيل مظهر (1891-1962) رائد "التيار العلمي" في الفكر العربي الحديث، ذلك التيار الذي ينتصر للعلم ونظرياته، ويبشر بإنجازاته، وأحد أكبر المثقفين المصريين والعرب الذين مارسوا أدوارا معرفية وثقافية جليلة من خلال نشاطه العلمي والتأليفي والترجمة، وكتابة المقالات، وإصداره الصحف والمجلات، وعضويته النشطة في المجامع العلمية واللغوية المختلفة.
فضلا على ارتباط اسمه بالصحافة ونهضتها في فترة ازدهارها وتنوعها خاصة في مصر، وفي القلب منها ارتباطه الوثيق بمجلة (العصور) على وجه التحديد والتي صدرت خلال الفترة (1927-1930)، وكان شعارها "حرر فكرك من كل التقاليد والأساطير الموروثة حتى لا تجد صعوبة ما في رفض رأي من الآراء أو مذهب من المذاهب اطمأنت إليه نفسك، وسكن إليه عقلك إذا ما انكشف لك من الحقائق ما يناقضه".
وعلى الرغم من نشاطه الكبير والوافر وأعماله العلمية والثقافية والتنويرية الكبرى، فإنه لم ينل ما هو جدير به من اهتمام مؤرخي الفكر العربي.. ونقف في هذه الحلقة عند واحد من إصدارته المهمة التي ترى النور للمرة الأولى، ضمن مشروع إعادة بعث وإحياء تراث إسماعيل مظهر النهضوي، العلمي والفكري والثقافي..
وقد صدر، في هذا الإطار، خلال الأعوام القليلة الماضية، عدد من المجلدات التي تضم ما تفرق من شتات الدراسات والبحوث والمقالات التي لم تجمع بين دفتي كتاب، فضلًا على إعادة إصدار ترجمته التأسيسية لكتاب تشارلز داروين «أصل الأنواع» في مجلدين كبيرين، وهو العمل الكبير الذي ارتبط به اسم إسماعيل مظهر في الثقافة العربية الحديثة.
(2)
"والواقع الذي لا مراء فيه، أننا لم نُعِدّ للعلم عدته الواجبة، فقد سبقنا عالم الغرب في مضمار العلم، وقطع فيه شوطًا طويلًا، وخلفنا، حيث كنا عالة على المبتكرين فيه. والسبب الأكبر في ذلك أننا نقلنا من العلم شذورًا، ولم ننقل أصولًا. فمن حيث المراجع لم ننقل شيئًا يذكر إلى لغتنا. إنما نقلنا بقدر ما مسّت حاجتنا إلى التعليم، وهي حاجة محدودة. وكذلك لم نعن بالتمرس على أسلوب التفكير العلمي، وهو أسلوب له حدوده وله منطقه وله مقاييسه. ولا يقتصر هذا الأمر على العلم وحده، بل إن حالنا في الفلسفة وفي الأدب، هو حالنا في العلم تمامًا. ففلسفتنا قشور، وأدبنا يفتقد العنصر الجوهري للابتكار، عنصر النقد"..
(رؤى أدبية؛ من تراث مقالات إسماعيل مظهر، 2025)
هذه الفقرة مقتبسة من واحدٍ من نصوص إسماعيل مظهر القيمة التي كتبها في الثلث الأول من القرن العشرين، وتظهر إلى أي مدى استنارة فكره ووعيه، ولمسه لجذر الإشكالية التي ما زلنا نلف وندور حولها: كيف نحدد احتياجاتنا، ونرسم سبل التلاقي مع غيرنا ومع الآخر عمومًا، خاصة إذا ازدوج سلوكه ما بين وجه حضاري مشرق متقدم ويعج بالنهضة العلمية والفكرية والثقافية، ووجه استعماري توسعي بغيض، يقوم على استنزاف ثروات وموارد الشعوب النامية أو التي تأخرت عن ركب التقدم، وكان استعماره لها سببا رئيسا في ذلك التخلف والتأخر!
مثل هذه الفكرة/ الأفكار، وغيرها، مما يمثل خير تمثيل الحيوية التي كان يصطخب بها فكرنا العربي الحديث -آنذاك- سنجدها في كتاب إسماعيل مظهر الذي يصدر في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 بعد أيام قليلة. الكتاب عنوانه «رؤى أدبية ـ من تراث مقالات إسماعيل مظهر»، جمعه وأعده للنشر حفيده إسماعيل جلال مظهر الذي أخذ على عاتقه مشكورًا، الحفاظ على إرث جده، وجمع ما تفرق منه وما لم ينشر، وكان هذا الكتاب واحدًا منها.
(3)
محرِّر كتاب «رؤى أدبية» سجل على غلافها الخلفي أنه "كتاب يسعد دار المعارف أن تقدمه لقرائها ومحبيها، وتستعيد به تقليدا عظيما لطالما كان "علامة" مميزة على رؤيتها وتصوراتها لسياسات النشر ضمن أدوارها الثقافية والمعرفية الكبرى. تستعيد دار المعارف مرة أخرى حضورها ومكانتها العظيمة، بوصل ما انقطع، واستئناف دورها في نشر الأعمال الثقافية الكبرى، من تراث الآباء المؤسسين للثقافة المصرية والعربية، وخاصة في فترة ازدهارها ونهوضها (1941-1963)، حينما كانت الدار الوحيدة تقريبًا المعنية بنشر النتاج الفكري والثقافي والإنساني لكبار المفكرين والمثقفين المصريين والعرب؛ طه حسين، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني، وأحمد أمين، ومحمد كرد علي، وعلي أدهم، وعشرات غيرهم"..
يأتي هذا الكتاب القيم ليكمل ما سبقه من الكتب التي صدرت من تراث مقالات إسماعيل مظهر التي لم تجمع من قبل بين دفتي كتاب واحد، واخترنا له عنوان (رؤى أدبية ـ من تراث مقالات إسماعيل مظهر)، ويضم مجموعة من أندر وأنفس مقالات "مظهر" التي نشرها خلال الفترة من سنة 1928 وحتى 1961. ومدارها كله البحث عن "التجديد" الأدبي والفكري والنقدي والعلمي، والاشتباك مع قضايا العصر العلمية والثقافية، وهي في الوقت ذاته دليل على حيوية مصر وخصوبتها في الثلث الأوسط من القرن العشرين.
وهي -في مجموعها- تمثل ما أظنه صورة حية بل نابضة بالحيوية على واقع ثقافي وفكري، تمتد جذوره البعيدة إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حينما بدأت بشائر "النهضة" التعليمية والفكرية التي أرسى أساسها الجد العظيم رفاعة الطهطاوي (1801-1873)، وتسلم الراية من بعده تلميذه علي باشا مبارك، ثم عَلَمَا هذه الفترة بامتياز السيد جمال الدين الأفغاني، وصنوه وتلميذه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (1849-1905). ومن عباءة الشيخ الجليل المستنير، خرجت صفوة العقول المصرية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين، وهي الفترة التي شكلت ما نطلق عليه في الأدبيات التاريخية الثقافية "حقبة مصر الليبرالية" أو "شبه الليبرالية".
(4)
ضم الكتاب الذي ينشر للمرة الأولى مقالات من المجلات والصحف نشرت بين عامي 1927 و1960، وهي مجلات "العصور" الشهرية، و"أبوللو"، و"المقتطف"، و"الرسالة"، و"الرأي العام"، و"الحديث السورية"، و"المصري"، و"الجمهورية"، و"المجلة"، بالإضافة إلى مقالين لم يستدل جامعهما على مكان نشرهما، عثر عليهما في أوراق إسماعيل مظهر الخاصة.
في مقاله "أكل السحت"، كتب إسماعيل مظهر في جريدة "العصور"، العددين 31، 32 يبين هدفه من الكتابة إلى شباب مصر والعالم العربي، يقول: "ونحن إنما نريد بما نكتب أن نغرس فيه (يقصد شباب مصر والعالم العربي) روح الفضيلة وحرية الفكر والضمير". وهذه العبارة تكاد تكون هي روح إسماعيل مظهر وفكره، الجامعة بين الإنسانيات والطبيعة، النزعة الأخلاقية والنزوع العلمي، الجمع بين الأدب والعلم، ولعل في موضوعات المقالات وعناوينها ما يدل على ذلك بل يثبته!
وتنوعت مقالات الكتاب -بعد ذلك- بين الأدب والفكر والعلوم والنظرات النقدية، وشملت ضمن ما شملت من مقالات وموضوعات متنوعة: تأملات في الأدب والحياة، وحرية الفكر، والقصة- مناظر الحياة (وهنا تصورات مبكرة للغاية عن حضور فن القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث)، ومقال عن "الرجعية الفكرية" وكيف تنظم الدعوة لإحيائها في مصر والعالم العربي!! ومقال مهم آخر عن "حرية الفكر" وأثرها في تكوين الحضارة الإنسانية، وأكل السحت، واعمل لدنياك، وأدكتاتورية في الأدب؟
وفي الأدب والحياة، صحافتنا تنحدر، حياة الأدب، أدب حائر بين القديم والجديد، والأدب الحائر بين الجمال والسوقية، والأدب الحائر بين الأصالة والاصطناع، وأدب الفساد، وزعامة الأدب في الشرق العربي، وأدب الجريمة، والأدب الذي احترق، ونداء الجنس وأدب الإسفاف، وأخيرا الأدب والحضارة.
(5)
وفي العلوم، وتاريخ العلوم والأحياء الطبيعية، سنجد مقالا طريفا ومثيرا عن "حيوان المرجان"، و"الغيالم" أو "السلاحف البحرية"، وارتحال صديق وحول نقد كتاب "الذخيرة" في علم الطب، وعناق الأدب والعلم، ومن وحي المعرفة، وأخيرا العلم وكفايات العقل الإنساني..
وتبقى الإشارة إلى أن إسماعيل مظهر قد يكون أول من دعا إلى ضرورة إخراج المعجم التاريخي للغة العربية في مقاله المضمن بالكتاب وعنوانه "اللغة العربية وحاجتها إلى معجم لغوي تاريخي".. لكن هذا حديث آخر..
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رؤى أدبیة من القرن فی الأدب
إقرأ أيضاً:
تأجيل محاكمة 12 متهما بقتل شخص والشروع في قتل آخرين بطوخ لجلسة 15 أبريل
قررت محكمة جنايات بنها ، الدائرة السادسة، برئاسة المستشار السيد هاشم الصادق، وعضوية المستشارين مصطفى سعيد عبد الحميد، وخالد علي إبراهيم علي، وأحمد عمر حسين، وأمانة سر محمد فرحات، تأجيل محاكمة 12 متهما، لاتهامهم باستعراض القوة وقتل شخص والشروع في قتل 3 آخرين وحيازة أسلحة نارية وذخائر، بدائرة مركز شرطة طوخ بمحافظة القليوبية، لجلسة 15 أبريل 2025 لحضور كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته كطلب للدفاع.
وتضمن أمر الإحالة في القضية رقم 26756 لسنة 2024 جنايات مركز طوخ، والمقيدة برقم 3355 لسنة 2024 كلي شمال بنها، أن المتهمين "السيد أ ر"، 29 سنة، مندوب مبيعات، و"محمود أ ر"، 22 سنة، فني كاميرات، ومنال ع ع"، 59 سنة، ربة منزل، و"أكرم ر ا"، هارب، و"محمد أ ر"، هارب، و"كريم أ ر"، هارب، "أية ي ع"، محبوسة، و"حازم م ع"، محبوس، و"أنوار ف أ"، مخلي سبيلها، و"خالد م ع"، محبوس، بائع ملابس، و"صالحة م م"، مخلي سبيلها، و"وليد م ع"، 21 سنة، عامل، لأنهم في يوم 3 / 9 / 2023، بدائرة مركز شرطة طوخ بمحافظة القليوبية، قام المتهمون من الأول حتي السابعة، باستعراض القوة والتلويح بالعنف والتهديد بهما واستخدامه قبل المجني عليهم حازم محمود عبد الرحمن مظهر، وأنوار فرج أحمد عويس، خالد محمد عبد الرحمن عبد المعبود مظهر، صالحة مصطفى متولى مصطفى، وليد محمد عبد الرحمن مظهر، والقاطنون بمكان الواقعة بقصد ترويعهم وتخويفهم بإلحاق أذى مادى ومعنوي بهم وكان من شأن ذلك إلقاء الرعب في نفوسهم وتكدير أمنهم وسكينتهم وطمأنينتهم وتعريض حياتهم وسلامتهم للخطر وإلحاق الضرر بممتلكاتهم ومصالحهم والمساس بحريتهم الشخصية، حال كونهم أكثر من شخصين حاملين أسلحة بيضاء وأدوات وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وتابع أمر الإحالة، أنه وقع بناء على تلك الجريمة جناية القتل العمد محل الوصف التالي هي أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر قتلوا المجني عليه محمود محمد عبد الرحمن عبد المعبود، عمدا بغير سبق إصرار أو ترصد، بأنه على أثر مشادة وقتية فيما بينهم قاموا بالتعدي عليه باستخدام أدوات مما تستخدم للتعدي على الأشخاص "ماسورة حديدة شوم، طوب، فأس"، بأن انهال عليه المتهم الأول بالضرب مستخدما أداة "ماسورة حديدية" فأحدث إصابته التي أبان عنها تفصيلا تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته قاصدا إزهاق روحه حال تواجد باقي المتهمين بمحل الواقعة للشد من أزره على النحو المبين بالتحقيقات.
وأوضح أمر الإحالة، أن المتهمين شرعوا في قتل المجنى عليهم حازم محمود عبد الرحمن مظهر، وليد محمد عبد الرحمن مظهر، خالد محمد عبد الرحمن معبود مظهر، عمدا بغير سبق إصرار أو ترصد بأنه على إثر مشادة وقتية فيما بينهم قاموا بالتعدي عليه باستخدام أدوات "ماسورة حديدة - شوم - طوب فاس"، وما أن ظفر المتهم الأول بالمجني عليه حازم محمود عبد الرحمن مظهر حتى انهال عليه بالضرب مستخدماً أداة "ماسورة حديدية - فأس"، محدثا إصابته المبينة بالتقرير الطبي وما أن ظفر المتهم الأول بالمجني عليه وليد محمد عبد الرحمن مظهر حتى انهال عليه بالضرب مستخدما "ماسورة حديدية" محدثاً إصابته المبينة بالتقرير الطبي وما أن ظفر المتهمون الأول والثاني والخامس والسادس والسابعة بالمجني عليه خالد محمد عبد الرحمن مظهر حتى انهالوا عليه بالضرب مستخدماً "ماسورة حديدية - شوم - طوب"، محدثين إصابته المبينة بالتقرير الطبي حال تواجد باقي المتهمين بمحل الواقعة للشد من أزرهم، قاصدين من ذلك قتلهم وإزهاق أرواحهم إلا أنه خاب أثر جريمتهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو تدارك المجني عليهم بالعلاج وتدخل الأهالي.
واستطرد أمر الإحالة، أن المتهمين من الثامن حتى الثاني عشر حازوا وأحرزوا أدوات من ما تستخدم للتعدي على الاشخاص "ماسورة حديدة, شوم طوب فاس"، مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ قانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية.
وأشار أمر الإحالة، إلى أن المتهمين قاموا بأنفسهم باستعراض القوة والتلويح بالعنف والتهديد بهما واستخدامه قبل المجني عليهم السيد أكرم رمضان السيد، ومحمود أكرم رمضان السيد جميل، منال عبد الرحمن عبد المعبود مظهر، أكرم رمضان السيد جميل، محمد أكرم رمضان السيد جميل، كريم أكرم رمضان السيد جميل، آية يوسف عبد الوهاب على والقاطنين بمكان الواقعة بقصد ترويعهم وتخويفهم بإلحاق أذى مادى ومعنوي بهم وكان من شأن ذلك القاء الرعب في نفوسهم وتكدير آمنهم وسكينتهم وطمانينتهم وتعريض حياتهم وسلامتهم للخطر على النحو المبين بالتحقيقات.