الحرب تخنق المؤسسات الصحية بالسودان
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
الخرطوم- بعد نحو 21 شهرا من الحرب في السودان لا يزال القطاع الصحي يعاني من متاعب عدة، في حين ساعد تحسن الأوضاع الأمنية، في أجزاء من ولاية الخرطوم واستعادة السيطرة على سنجة عاصمة ولاية سنار ومدن أخرى بالولاية، على استئناف نشاط المؤسسات الصحية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتقدر وزارة الصحة الخسائر -التي تعرض لها القطاع الصحي من تدمير ونهب للمؤسسات الصحية ومعداتها الطبية وسيارات الإسعاف، ومستودعات الأدوية والإمداد الدوائي- بمبلغ 11 مليار دولار بجانب تدمير مصانع الأدوية في البلاد.
ويوضح وزير الصحة الاتحادي هيثم محمد إبراهيم أن 75% من المستشفيات البالغة 702 -منها 540 تابعة لوزارته- تعمل جزئيا، حيث تعرضت للتخريب ونهب الأجهزة والمعدات الطبية، كما دمرت أخرى بصورة كاملة.
ويقول إبراهيم للجزيرة نت إن الوضع الصحي في الولايات الآمنة -التي يسيطر عليه الجيش- مستقر وتعمل المؤسسات الصحية بكفاءة عالية، وتتحمل فوق طاقتها، وذلك لاستضافتها أعدادا كبيرة للمواطنين النازحين من الولايات التي تأثرت بالحرب.
إعلانأما في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، فيصف وزير الصحة الوضع بأنه صعب جدا، وهناك مؤسسات صحية آيلة للانهيار، ولا تستطيع الحكومة أن تقدم في تلك المناطق إلا الخدمات الأساسية، مثل رعاية الأمومة وأمصال التطعيم ضد بعض الأمراض وأدوية الطوارئ والدرن والإيدز.
وبشأن إدارة المؤسسات الصحية في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، يقول وزير الصحة إن هناك مؤسسات تدار عبر الكوادر التابعة لوزارته، وأخرى تُشغلها منظمات أبرزها أطباء بلا حدود، في ولايات بإقليم دارفور بجانب مستشفيات تديرها قوات الدعم السريع وهو بمثابة إدارة طبية خاصة بهم وحدهم، مثل مستشفيات الرازي والدولي وشرق النيل بولاية الخرطوم.
وخلال زيارته إلى بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان في أغسطس/آب الماضي، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن النظام الصحي المتداعي في السودان "وصل إلى مرحلة الانهيار"، موضحا أن ما بين 70% إلى 80% من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل.
علاج تحت الأرض
وفي إقليم دارفور كشف مسؤول في حكومة الإقليم للجزيرة نت أن أوضاع المؤسسات الصحية في أسوأ حالاتها، بسبب قصف قوات الدعم السريع كل المستشفيات والمراكز الصحية في الفاشر حاضرة الإقليم، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني شخص بعدما نزح إليها مئات الآلاف بجانب مخيمات النازحين القريبة منها.
ويوضح المسؤول -الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته- أن الفاشر تضم 5 مستشفيات حكومية، و7 مراكز صحية، بالإضافة إلى مشاف خاصة، دمرت غالبيتها قوات الدعم السريع، ولم يتبق سوى المشفى العسكري ومشفى النساء والتوليد الذي يعمل جزئيا بعدما تعرض للقصف أكثر من 10 مرات. وساعد الجيش في توفير الأدوية المنقذة للحياة عبر الإسقاط الجوي.
ولجأ السكان إلى حفر خنادق داخل مستشفى النساء والتوليد وتحويلها إلى مرافق طبية مؤقتة لعلاج المرضى، وحصنوها بالحاويات وأكياس الرمل لتحويلها إلى ملاذ آمن للمرضى والجرحى والكوادر الصحية، وفقا للمسؤول الحكومي.
إعلانويضيف المسؤول أن قوات الدعم السريع حولت مستشفيات حكومية في الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور إلى مراكز لخدمة قواتها، بجانب المواطنين.
عمليات بأضواء الهواتف
وأثارت صورة لعدد من الأطباء في المستشفى السعودي بمدينة الفاشر، وهم يقومون بإجراء عملية لأحد المرضى على ضوء الهواتف، حالة من الجدل حول وضع الخدمة الصحية في السودان.
وكشفت الصورة، التي نشرتها تنسيقية لجان مقاومة الفاشر بولاية شمال دارفور، عن مدى تفاني الأطباء ومحاولاتهم الحثيثة للقيام بعملهم رغم الأوضاع السيئة، إذ استخدموا "مصابيح الهواتف" لمعالجة المرضى بعد انقطاع التيار الكهربائي.
من جهته، علق مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، على الصورة في تغريدة له على منصة إكس، وقال "تتجسد الحالة الإنسانية في الفاشر في هذه الصورة، الأطباء الشجعان في لحظة عمليات كبيرة لعلاج الجرحى من المواطنين".
وتابع مناوي: "في جنح الليل، داخل الملاجئ وتفاديا لاستهداف مسيرات الدعم السريع العابرة للدول، هذه العمليات معمولة باللمبات المحمولة"، واختتم تغريدته "يجب على العالم ألا يسمح لهؤلاء الإرهابيين التمادي في القتل".
الوضع في الخرطوم
ويشير تقرير حديث -اطلعت عليه الجزيرة نت- إلى أن الحرب أثرت تأثيرا بالغا على النظام الصحي في ولاية الخرطوم التي يوجد بها 30 مستشفى حكوميا وعشرات المستشفيات الخاصة وأكثر من 100 مركز صحي حكومي.
كما أثرت الحرب على مئات مراكز المنظمات والمراكز الخاصة، وتضررت مؤسسات تابعة لوزارة الصحة ولاية الخرطوم ومقرات الإدارات في المحليات السبعة ومقرات "القومسيون" الطبي والإسعاف المركزي وإمداد الدواء.
وحسب التقرير، فإن بعض المستشفيات التي تقع في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع بمحلية الخرطوم وشرق النيل تديرها منظمات ومتطوعون، وتستغلها قوات الدعم السريع لعلاج جرحاها، وحولت بعضها إلى ثكنات عسكرية.
إعلانبالمقابل، تجري ترتيبات لتشغيل عدد من المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق التي كانت تنتشر فيها قوات الدعم السريع بعد إعادة السيطرة عليها من الجيش في الأسابيع الماضية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع المؤسسات الصحیة ولایة الخرطوم عاصمة ولایة الصحیة فی
إقرأ أيضاً:
الحرب في السودان تدخل عامها الثالث بعد سقوط الآلاف وتشريد الملايين .. ولا نهاية في الأفق
الخرطوم "أ ف ب": دخلت الحرب في السودان اليوم عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غرب السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
من جهته، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
خلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان اليوم إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي، والذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
كابوس لا ينتهي
ويقول عبد الرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويضيف حسن الذي بقي في الخرطوم وكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع حسن "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها تتوفر حوالي 8 ساعات في اليوم".
بعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبد الرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب عبد الرحيم وكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات) فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
استمرار تدفق السلاح
شهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
وجاء بيان غوتيريش عشية اجتماع دولي بلندن اليوم "للاتفاق على خارطة طريق لإنهاء المعاناة"، وفقاً لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الذي حذر من أن استمرار العنف في السودان يدفع الآلاف إلى اللجوء إلى دول المنطقة مؤكداً أن "السودان المستقر والآمن هو أمر حيوي لاستقرار المنطقة".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما غاب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توب بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.