«الفلسفة والنقد».. دعائم التفكير الناقد
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
إن التفكير الناقد هو أحد أنماط التفكير التي نستخدمها جميعًا في أمور حيتنا اليومية، وهو مفهوم مركب، له ارتباطات بعدد غير محدود من السلوكيات في عدد غير محدود من المواقف والأوضاع، وهو متداخل مع مفاهيم أخرى كالمنطق وحل المشكلة والتعلم ونظرية المعرفة، وقدم لنا جون ديوي تعريفًا مبسطًا لذلك النشاط الفكري قائلًا: "نه التمهل في إعطاء الأحكام وتعليقها لحين التحقق من الأمر".
عزيزي القارئ للنقد جانبين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وإذا ما أردنا أن يكون النقد عقليًا فلا يمكن أن تغيب عنه أي من الجانبين تمامًا. والناقد ما هو إلا قارئ يثير تساؤلًا حول مدي صحة ما يقرأه وللإجابة عن هذا التساؤل، فإنه يحاول أن يفصل العناصر الصحيحة عن العناصر الخاطئة في العمل الذي يقوم بنقده. ولا ينبغي أن يكون الناقد باحثًا عن الصراع، داعيًا إلى هدر الطاقات، أو يمسك بالسكين لاقتلاع الجذور، عليه أن يكون مرشدًا، معلمًا، ملهمًا.
أي أنه يكون الناقد الكامل هو من يقرأ العمل بالروح نفسها التي كتب بها المؤلف عمله، كما يجب أن ينظر إلى العمل في شموله، ولا يسعي إلى تصيد الاخطاء، بل عليه أن يتوخى الموضوعية، وألا يملي عليه أحد رأيًا. يقصد بالفهم ما يعنيه التأسيس والسؤال عما إذا كان ما يتبعه صحيحًا موقفان متميزان إلا انهما لا ينفصلان، ومحاولة الفهم دون النقد ما هي إلا رفض للمشاركة في عملية التأسيس. ويعد هذا الموقف الناقد من التأسيس عنصرًا جوهريًا في تدشينه. إلا أن النقد لن يأتي بالهدف المرجو منه دون استخدام الفلسفة وسيلة تمكنه من بلوغ ذلك الدور، أي انها الأداة التي بمقتضاها يستطيع الناقد أن يغزل بها ما يشاء في عمله.
حيث أن الفلسفة تُعرف على أنها رؤية تهدف إلى تحرير العقول من الأهواء وتخفيف حدة التوتر في الحياة الاجتماعية السائدة ويجعل من البيئة مصدرًا أداتيًا لغرس المعايير الأخلاقية في النفوس البشرية ويحصر مهمتها في قوله: "إن الوظيفة المميزة للفلسفة، وان مشكلات الفلسفة ومادتها، إنما تنشأ عما يحدث من ضروب التوتر في الحياة الاجتماعية التي منها ينشأ لون بعينه من ألوان الفلسفة"، ويعتقد أن الفلسفة كان لها دور كبير في ظهور الحركة العلمية كعلم الفلك والفيزياء والتاريخ يثبت أن المناقشات الفلسفية التي اكتسحت مجالات الحياة قد أنجزت عملًا كبيرًا إذ لولاها لما وصل العلم إلى ما هو عليه اليوم.
كما أنه من التعريفات السائدة للفلسفة اعتبارها نظامًا من الأفكار والرؤى والتصورات المرتبطة بزمان ومكان معينين، وهي نظام فكري يتعلق بالجوانب والعناصر الكبرى في حياة الإنسان ككائن وجودي وأخلاقي وعاقل، وهكذا حددت الفلسفة كممارسة أنطولوجية وأخلاقية ومعرفية، غير أن هذا التحديد على شموليته وعموميته يغفل كون الفلسفة ليست فقط مضمونًا ومحتوى فكريًا، بل إنها وبالأساس طريقة تقديم وعرض ذلك المضمون، ليس الفيلسوف هو من يبني النسق الفكري، ولكن أيضًا من يحسن منهجية وبلورة ذلك الفكر وعرضه ونقله للآخرين. وبالتالي فإذا كانت الفلسفة هي الأداة اللازمة للناقد لمواصلة عمله، فإنهما معًا ينتُجان ذلك النشاط العقلية المسمى بالتفكير الناقد.
واخيرًا، إن التفكير الناقد هو تفكير تأملي محكوم بقواعد المنطق والتحليل، وهو نتاج لمظاهر معرفية متعددة كمعرفة الافتراضات والتفسير وتقويم المناقشات والاستنباط والاستنتاج، كما أنه عملية تقويمية تستخدم قواعد الاستدلال المنطقي في التعامل مع المتغيرات، كما يعد عملية عقلية مركبة من مهارات وميول. وفي عبارة واحدة أنه التفاعل بين الفلسفة والنقد البنَّاء، لإنتاج فهمًا سليمًا وتكوين صورة معرفية صحيحة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التفکیر الناقد
إقرأ أيضاً:
مهرجان فن القاهرة .. أمل نصر: النقد التشكيلي يعاني السطحية
استضاف مهرجان فن القاهرة (ارت كايرو) الناقدة الفنانة أمل نصر استاذ التصوير بجامعة الإسكندرية في محاضرة حول تجربتها في النقد التشكيلي وذلك ضمن ورشة النقد التشكيلي التي ينظمها المهرجان.
تحدثت نصر في الورشة عن علاقتها بالكتابة منذ الطفولة واهتمامها بالكتابة التشكيلية
وأكدت أن كل تجربة فنية وثيقة الصلة بخبرات صاحبها حيث يصعب عزل العمل الفني عن منتجه
وقالت إن أي مدخل لقراءة الفنان يحتاج إلى ثقافة ومعرفة عميقة بتجربة الفنان والسياقات المختلفة المصاحبة لها فضلاً عن معرفة بتاريخ الفن لإدراك حجم الإضافة التي يقدمها الفنان أو الأعمال الفنية .
واضافت أن النقد التشكيلي عربياً يعاني مشكلة فقر لغوي فادح، وأوضحت ان اللغة الوصفية التي يستعملها غالبية النقاد تتسم بالسطحية كما انها تكون مغرقة في التعالي ولا تساعد في اكتشاف جماليات اللوحة .
ونوهت بأن الناقد لابد وأن يكون لديه معارف متعددة تعين في القراءة والتذوق لأن أي عمل يحتاج إلى ثراء في عمليات التفسير والتأويل.. ومن ثم يتطلب من الناقد ان يكون قادرا على البحث والإضافة لثراء العمل الفني.
ورصدت نصر مجموعة بالنماذج النقدية التي كتبتها حول بعض الأعمال الفنية للفنان الرائد محمود سعيد وفنان الجداريات محمد بنوي .
أكدت نصر ان أعمال محمود سعيد تأثرت بثقافته الأدبية الواسعة ومعرفته العميقة بروايات ديستوفسكي وأشعار بودلير رائد الحداثة الأوربية.
ولفتت إلى أن اكتشاف هذه المعلومة ساعدها على بناء فرضيات بحثية غيرت من نظرتها لاعمال محمود سعيد الذي لمً يترك مذكرات شخصية لكن أعماله ظلت تعكس تناقضات بين حياته وممارساته الفنية التي كانت اقرب إلى حياة بديلة او موازية .
وقالت إن الناقد يحتاج إلى تجهيز وبحث قبل الشروع في اي عمل. مشيرة إلى سعيها لقراءة الأعمال عبر ربطها بتجارب الآخرين، وتتبع عمليات بالتواصل الحضاري ، كما في ولع بنوي بفن الفسيفساء ورحلته من العراق للمدن الإسلامية ومن بينها القاهرة.
وقالت: اعتدت إرجاع الوحدات الزخرفية التي استعملها الفنان لجذرها التاريخي.
ويشهد مهرجان فن القاهرة مجموعة من اللقاءات مع نقاد وتشكيلين ؛ بالإضافة إلى ندوات مصاحبة للمهرجان الذي يستضيفه المتحف المصري الكبير.ويختتم فن القاهرة أعماله غدا الثلاثاء بعد خمسة أيام من التفاعل والنقاش الحر حول واقع الحركة التشكيلية وأسواق الفن في العالم العربي تحت عنوان ( سلام لكل البلاد ).