الأمن والتنمية في العالم العربي
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
وسط التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية المتشابكة، يجد العالم العربي نفسه أمام معضلة استراتيجية تتداخل فيها أولويات وضرورات الأمن القومي مع الرؤى التنموية. فمع تصاعد الإنفاق العسكري على نحو غير مسبوق، تبرز التساؤلات حول جدوى هذا النهج في ضوء احتياجات الشعوب المتعطشة لتحسين مستويات المعيشة وفرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
سباق التسلح العربي
تشير تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن منطقة الشرق الأوسط تستحوذ على حوالي 32% من واردات الأسلحة العالمية، وهو ما يجعلها من أكثر المناطق استيرادًا للسلاح. خلف هذه الأرقام تختبئ دوافع جيوسياسية معقدة تتراوح بين النزاعات الإقليمية والمنافسات الاستراتيجية، وهو ما يدفع العديد من الدول العربية إلى التركيز على التسلح كأداة رئيسية لضمان أمنها القومي. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذا النهج قد يعكس رؤية تتجاهل الأدوات البديلة كالتركيز على التنمية البشرية، وبناء المؤسسات الوطنية القوية والمستقلة، وموازاتها مع السياسات التنموية والاعتماد على الدبلوماسية الناعمة والتعاون الإقليمي والدولي.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
الإنفاق العسكري بطبيعة تكاليفه الباهظة يفرض أعباء ثقيلة على الموازنات العامة للدول العربية، حيث يتجاوز في بعض الحالات 7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 2.2%. هذه النسب تعني استنزاف موارد مالية كان يمكن توجيهها نحو قطاعات أكثر أهمية كالتعليم والصحة والبنية التحتية.
المفارقة هي أنه في المقابل، تعاني معظم الدول العربية من فجوة كبيرة في الإنفاق على التعليم، حيث لا تتجاوز نسبته 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في كثير من الأحيان، مقارنةً بمعدل عالمي يبلغ 4.3%. هذا التفاوت ساهم وكما يبدوا في إضعاف القدرات التنافسية لكثير من الدول العربية وزيادة الضغوط الاجتماعية المتمثلة في البطالة والفقر وانعدام الاستقرار الداخلي. وإضعاف فرص تحقيق التنمية المستدامة.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن التركيز على التسلح من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الخناق على الخدمات الأساسية، ويزيد من الضغوط على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، لا سيما في ظل تقلص الموارد المتاحة لتلبية احتياجاتهم. ويتزامن ذلك مع الأوضاع الاقتصادية المتردية في كثير من الدول العربية، حيث ترتفع معدلات الدين العام وتتراجع معه مستويات النمو الاقتصادي. أضف إلى ذلك، فإن المناخ السياسي المشحون في المنطقة غالباً ما يُثني المستثمرين الأجانب عن دخول الأسواق العربية، ليزيد من تعقيد المشهد التنموي.
التجارب الدولية
قد يكون من الممكن للدول العربية الاستفادة من التجارب الدولية في تحقيق التوازن المطلوب بين الأمن والتنمية، كدول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة التي ترتكز سياستها الوطنية على بناء اقتصادات قائمة على المعرفة والابتكار، والذي ساعدها على تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن القطاعات التقليدية، وجذب الاستثمارات الأجنبية الدولية، واندماجها بشكل أعمق في سلاسل القيمة العالمية، وتعزيز مكانتها في الاقتصاد الدولي.
كم أن تجربة الصين في إعادة توجيه استراتيجياتها نحو التنمية والاقتصاد تستحق التأمل. فقد أعادت هيكلة جيشها وتقليص العدد الكلي للقوات المسلحة إلى نحو 2 مليون جندي، لتقلل بذلك من النفقات العسكرية المباشرة، وبالتوازي، ركزت على الابتكار التكنولوجي في قطاع الدفاع، وهو ما أتاح لها تحقيق كفاءة أعلى بتكلفة أقل، وتوجيه الفائض من الموارد نحو القطاعات الإنتاجية والصناعات الاستراتيجية والتي أوجدت مصادر جديدة للدخل القومي.
علاوة على ذلك، ارتكزت السياسات الصينية على تحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الأخرى من خلال مبادرات مثل "الحزام والطريق"، والتي ساهمت في فتح أسواق جديدة وتعزيز التجارة الدولية. مكنت هذه الخطوات الصين ودول جنوب شرق آسيا من تحقيق توازن بين الأمن والتنمية، وإنماء قدرتها على تأمين حدودها وحماية مصالحها الاستراتيجية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية ومستدامة، وجعلها نماذج ناجحة في كيفية إعادة صياغة الأولويات الوطنية بما يخدم التنمية الشاملة.
الأولويات الوطنية العربية
لتحقيق التوازن المنشود، لا بد للدول العربية من إعادة صياغة أولوياتها الوطنية بشكل يُعطي الأولوية للاستثمار في بناء القدرات البشرية، كمدخل تقوم عليه القطاعات الصناعية، والسياسات الاقتصادية المستدامة. تطوير منظومة التعليم، على سبيل المثال، هو أكثر من مجرد غاية في حد ذاتها، بل الوسيلة الاستراتيجية لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وتدعيم القدرات الوطنية لمواجهة البيئات الأمنية والاقتصادية المتغيرة.
كما أن الاستثمار في البحث العلمي، وتطوير الصناعات الدفاعية المحلية هي أيضاً محاور أساسية لبناء أمن قومي مستدام. الصناعات الدفاعية المحلية، على وجه الخصوص، يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية وخلق فرص العمل في الداخل المحلي. ويمكن للدول العربية أن تحقق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد من خلال التعاون الإقليمي والتحالفات الأمنية التي تخدم المصالح المشتركة، وهو ما قد يسهم في تقليل التوترات الجيوسياسية وخفض سباق التسلح بل وفي فتح آفاق جديدة للتنمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمشاريع الاقتصادية المشتركة ومناطق التجارة الحرة أن تخلق بيئة داعمة للنمو الاقتصادي، ويُعيد تشكيل العلاقات السياسية مع دول الجوار والمحيط العالمي على أسس أكثر استدامة.
الأمن في عصر التحديات الجديدة
تظهر الحقائق بأن المفهوم التقليدي للأمن القومي لم يعد كافيًا لمواجهة التحديات الراهنة. فالأمن اليوم لا يمكن قياسه بحجم القوة العسكرية أو عدد الأسلحة فقط، بل بقدرة الدولة على بناء مجتمعات تمتاز بالمرونة والقدرة على التكيف والتأقلم مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. إذا، فالعالم العربي بلا شك أمام مطلب واضح لإعادة تعريف أولوياته الوطنية بما يضمن تحقيق توازن مستدام بين الأمن والتنمية. الأمر الذي لا يقبل الجدال، هو أن الاستثمار في المعرفة والابتكار سيبقى المفتاح لتحقيق هذا التوازن، والوصول إلى مستهدف الاستقرار في المجتمعات العربية، وهو الخيار الوحيد الذي سيضمن للدول العربية موقعاً تنافسياً في النظام العالمي الجديد، ويمنحها القدرة على تحقيق طموحات شعوبها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأمن والتنمیة الدول العربیة للدول العربیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد: بتوجيهات محمد بن زايد.. الإمارات مستمرة في الاستثمار في تعزيز قدراتها الاقتصادية وإمكاناتها السياحية
أكد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن رؤية الإمارات للمستقبل لا تقوم على تحقيق المصلحة الذاتية فحسب بل تسعى إلى تأكيد دورها كشريك فاعل للعالم في تعزيز الفرص وفتح آفاق رحبة للنمو أمام الجميع، امتداداً للنهج الذي سارت عليه الدولة منذ تأسيسها في مد جسور التواصل البنّاءة وتفعيل الشراكات الحقيقية وتهيئة المجال لحوار إيجابي يدفع بمسيرة التطور العالمي نحو آفاق تخدم الإنسان وتحقق له ما يصبو إليه من تقدم وازدهار.
جاء ذلك، خلال الزيارة التي قام بها سموّه، إلى معرض سوق السفر العربي 2025، والذي تختتم أعماله اليوم بمشاركة قياسية ضمن الدورة الأكبر في تاريخه مستقطبةً أكثر من 2800 جهة عارضة.
وفي هذه المناسبة، قال صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن دولة الإمارات، برؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مستمرة في الاستثمار في تعزيز قدراتها الاقتصادية وإمكاناتها السياحية مع مواصلة تطوير مختلف مرافقها الداعمة لقطاع السفر، من خلال بنية تحتية عالمية المستوى هدفها تقديم أفضل نوعيات الخدمة للزوار والمسافرين بصفة عامة، حيث من المنتظر أن تستقبل مطارات الدولة هذا العام نحو 150 مليون مسافر.وأشار سموّه إلى أن اجتماع 166 دولة و55 ألف من خبراء وأخصائيّ قطاع السياحة والسفر من حول العالم في معرض «سوق السفر العربي» هذا العام يعكس تنامي مكانة دولة الإمارات على خريطة السياحة العالمية، وازدياد مستويات الثقة في القيمة المضافة التي تقدمها دعماً لهذا القطاع الحيوي على مستوى العالم، منوهاً سموه بقوة أداء قطاع السياحة الإماراتي مع نجاح الدولة في استقطاب رقم قياسي من الزوار الدوليين بلغ 30.7 مليون سائح العام الماضي، فيما بلغ إجمالي الإنفاق السياحي حوالي 250 مليار درهم.
وأضاف سموّه: «قطاع السياحة والسفر هو نافذتنا إلى العالم.. وجسرنا للتواصل الثقافي والاقتصادي مع شعوبه.. نثق في أثر السياحة كقوة ناعمة وحريصون على أن تستمد فاعليتها من أصالة تراثنا وعمق ارتباطنا بثقافتنا وقيمنا». وأعرب سموّه عن تقديره لكافة الجهود التي تساهم في تأكيد مكانة دولة الإمارات كوجهة رئيسية يقصدها العالم لاكتشاف الفرص.
أخبار ذات صلة
وقال سموّه: «لا ننظر للمعارض على أنها مجرد فعاليات موسمية، بل كمحرك حقيقي للنمو، ومنصة لعقد الشراكات وإبرام الصفقات الداعمة للاقتصاد العالمي.. ومن جانبنا، نحن لا ندخر جهداً في توفير البيئة الداعمة للفرص، والمحفزة على التعاون، والمؤهلة للنجاح.. هدفنا تحقيق الريادة في مستقبل وثيق الارتباط بالقدرة على تحقيق جودة الحياة ومد جسور التواصل الإيجابي مع العالم».
وقد تفقّد صاحب السموّ نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال الزيارة التي حضرها، سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، وسموّ الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للطيران المدني، رئيس مطارات دبي، الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة، وسموّ الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، جانباً من الأجنحة العالمية والوطنية المشاركة في معرض سوق السفر العربي.
وتوقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عند جناح طيران الإمارات، حيث استمع سموه إلى شرح حول أبرز المستجدات الخاصة بخطط التطوير والتوسُّع للناقلة خلال المرحلة المقبلة، وبما يواكب نمو الطلب في ضوء تنامي مكانة دولة الإمارات ودبي كوجهة أولى للسفر والسياحة في المنطقة، حيث استقبلت دبي في العام 2024 أكثر من 18.7 مليون زائر دولي، كما اطلع سموه على مجمل الخدمات الجديدة التي تقدمها طيران الإمارات والإضافات إلى أسطولها المتنامي، سعياً إلى تعزيز تنافسيتها وسعيها الدؤوب لتصدّر قوائم خطوط الطيران الأكثر تميزاً على مستوى العالم.
كما زار سموّه جناح «فلاي دبي» وتابع شرحاً قدمه غيث الغيث، الرئيس التنفيذي لشركة فلاي دبي، حول عمليات التطوير التي تسعى من خلالها الشركة إلى تعزيز مكانتها كنموذج يحتذى به في مجال الطيران الاقتصادي، من ناحية تقديم أعلى مستويات جودة الخدمة، وهو ما أسهم في تحقيق الناقلة لنتائج قياسية خلال السنة المالية 2024، تعد الأعلى منذ انطلاقتها قبل 15 عاماً، كما اطلع سموه على خطط الشركة في التوسع عبر إضافة وجهات جديدة وبناء روابط جوية مع الأسواق المهمة لا سيما الوجهات والأسواق غير المخدومة برحلات طيران مباشرة، وهو ما ساهم في ترسيخ مكانة دبي كمركز عالمي للطيران وواحدة من أكثر المدن اتصالًا في العالم.
وشملت توقفات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم منصة «مجلس الإمارات للسياحة»، حيث استمع سموّه لشرح قدمه معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد رئيس مجلس الإمارات للسياحة، حول الجهود التي يقوم بها المجلس في ضوء رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة في اتجاه تعزيز تنافسية القطاع السياحي في إمارات الدولة السبع، وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وفق مستهدفات رؤية «نحن الإمارات 2031»، تأكيداً لدور السياحة كمحرك رئيس داعم لتنافسية الاقتصاد الوطني ومسيرة التحول نحو اقتصاد معرفي مبتكر قائم على الاستدامة والتطوير المستمر.
وقد أثنى سموه على جهود المجلس وأثرها في تعزيز مساهمة قطاع السياحة في الاقتصاد الوطني استناداً إلى ما تتمتع به الدولة من مقومات جذب متنوعة عبر إماراتها السبع، وهو ما يعزز من استقطابها لأعداد متزايدة من الزوار الدوليين عاماً بعد عام، مؤكداً سموه ضرورة العمل على تعزيز تكامل الجهود والمبادرات من أجل تأكيد الريادة الإماراتية في مجال السياحة والتعريف بقدراتها الكبيرة التي تجعلها وجهة أولى للسائح من مختلف أنحاء العالم.
حضر الزيارة معالي هلال سعيد المرّي، مدير عام دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، مدير عام سلطة مركز دبي التجاري العالمي، وسعادة الفريق محمد أحمد المري، مدير عام الإدارة العامة للهوية وشؤون الأجانب بدبي.