شفق نيوز/ حذر موقع "المونيتور" الأمريكي من أن العراق، وخصوصا مدينة الموصل، يقاتل الآن، بعد 6 سنوات على تحرير المدينة من تنظيم داعش، عدوا صامتا يتمثل بارتفاع غير طبيعي في الاصابات التي تقاوم الادوية والمضادات الحيوية، واصفا العراق بانه احد ابرز الاماكن في العالم تضررا من هذه الظاهرة الصحية. 

وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ الى ان ظاهرة مقاومة المضادات الحيوية، تعززها عقود من الحروب والنزاعات، وأنها تشكل تهديدا كبيرا للصحة العالمية، فيما يبرز العراق فعليا كواحد من أكثر الأماكن تضررا من هذه الازمة المتفاقمة، خصوصا في مدينة الموصل حيث تسجل معدلات مقلقة من مقاومة المضادات الحيوية من جانب المنظمات الطبية الدولية غير الحكومية التي تنشط هناك فيما بعد الحرب ضد داعش.

 

وذكر التقرير؛ أن هذه الظاهرة بلغت مستويات مثيرة للقلق حول العالم خلال السنوات الاخيرة حيث اصبح علاج العدوى البسيطة أكثر صعوبة، مشيرا إلى أن العدوى البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية تسببت في مقتل 1.27 مليون شخص في العام 2019 ، وفقًا لدراسة أجرتها مجلة "ذا لانسيت" الطبية، أي أكثر من حصيلة الضحايا الذين يقتلهم فيروس الإيدز أو الملاريا. 

وبحسب خبراء، فإن مقاومة مضادات الميكروبات (التي لا تتضمن فقط البكتيريا المقاومة ولكن أيضا الفيروسات والفطريات والطفيليات) يمكن أن تتسبب في مقتل نحو 10 ملايين شخص سنويا بحلول العام 2050.

وتقول منظمة "أطباء بلا حدود" الانسانية، فانه في العام 2019، كان هناك 40٪ من المرضى في الموصل الذين ادخلوا الى مركز رعاية طبية فيما بعد الجراحة، يعانون من عدوى مقاومة للادوية المتعددة. 

واوضح التقرير ان "سيفترياكسون" و"ميروبينيم" هما نوعان من المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج مجموعة كبيرة من الالتهابات البكتيرية مثل التهاب السحايا والالتهاب الرئوي، إلا أن مثل العديد من المضادات الحيوية المستخدمة في المستشفيات العراقية، فقد اصبحت اقل فعالية في علاج المرضى لان البكتيريا التي تستهدفها أصبحت مقاومة لها.

وتابع التقرير؛ أن مقاومة المضادات الحيوية تحدث عندما تصبح البكتيريا أقل حساسية للمضادات الحيوية المصممة للقضاء عليها، مضيفا أنه بشكل عام فإن المقاومة تتطور بشكل طبيعي مع مرور الوقت، ولكن هذه العملية تجري بشكل أسرع عندما يتم وصف الأدوية أو اساءة استخدامها، مما يؤدي إلى تعرض البكتيريا لمستويات من المضادات الحيوية غير كافية لقتلها ولكنها لا تزال تسمح لها بالتكيف.

وفي مستشفى الموصل العام، قال التقرير ان عماد أحمد، وهو عضو لجنة المضادات الحيوية في المستشفى، كان يتنهد وهو يجلس في مكتب صغير، ويدقق في نتائج آخر فحوصات المضادات الحيوية التي جمعتها إدارته.

ونقل التقرير عن أحمد قوله "انه تسونامي صامت، وتدريجيا نخسر الادوية الوحيدة التي نأمل في الحصول عليها"، مضيفا "نرى أن سيفترياكسون لا يعمل على 90٪ من العينات التي اختبرناها خلال شهر حزيران/ يونيو. حتى أننا نشهد مقاومة لعقار ميروبينيم، الذي كان حتى الآن أحد أكثر المضادات الحيوية فعالية". 

وذكر التقرير ان هذه الازمة الصحية الصامتة لا تزال تجتاح المستشفيات الخاصة والعامة في الموصل من دون رادع. ونقل التقرير عن أحمد قوله "هناك خطر حقيقي، الا انه عندما تنظر إلى التعامل الرسمي، لا تشعر أننا في أزمة. العراق متأخر في معالجة هذه القضية". 

واشار التقرير الى ان الباحثين والأطباء الذين لهم اطلاع على نظام الرعاية الصحية في العراق يلقون بالمسؤولية على ثقافة اساءة استخدام المضادات الحيوية التي غذتها عقود من الحرب والعقوبات.

وتابع التقرير أن الابحاث الحديثة ربطت ايضا هذه الظاهرة بالحروب الاخيرة التي تسببت في خلق إرث سام من التلوث بالمعادن الثقيلة التي بمقدورها أن تقوي ايضا المقاومة للمضادات الحيوية.

ثقافة الوصفات الطبية الزائدة

وذكر التقرير أن مقاومة المضادات الحيوية لفتت الاهتمام كمسألة مثيرة للقلق منذ أكثر من 20 سنة في العراق، خصوصا بعد اكتشاف البكتيريا المقاومة للادوية المتعددة في جروح الجنود الأمريكيين المنتشرين هناك في العام 2003، موضحا أنه بسبب مدى مقاومة الجراثيم للعلاج، كان يتحتم بتر أطراف العديد من الجنود والتي أصيبت بالعدوى بهدف تجنب انتشار العدوى في أجسامهم وقتلهم. 

واوضح التقرير ان بكتيريا "A. baumannii" الملقب باسم "بكتيريا العراق" من قبل الاطباء الامريكيين، لم يكن البكتيريا الوحيدة المقاومة للادوية التي ابتليت بها المستشفيات. وتابع قائلا إن عددا كبيرا من البكتيريا المسؤولة عن التهابات المسالك البولية أو الرئوية أو الأمعاء كانت تتطور حول العالم كمقاومة للعلاجات.

واضاف ان التقرير؛ أن هذه الظاهرة تفاقمت في العراق بسبب سنوات من الإفراط باستخدام المضادات الحيوية واساءة استخدامها، والتي تطورت بشكل جزئي كرد فعل على البيئة الصعبة التي عمل فيها اطباء العراق منذ التسعينيات.

ونقل التقرير عن عالم الأنثروبولوجيا الطبية والأستاذ في الانثروبولوجيا في جامعة روتجرز في نيوجيرسي الاميركية عمر الديوه جي قوله إن "فرضيتي حتى الان هي ان هذه مشكلة مستمرة منذ أكثر من 30 عاما"، مضيفا انه "منذ التسعينيات، وفي ظل العقوبات اعتاد أطباء العراق المبالغة في وصف المضادات الحيوية للتعامل مع انهيار نظام المرافق الصحية، وتعود الناس في كافة أنحاء المستشفيات العراقية، على وصف المضادات الحيوية". 

وبحسب التقرير، فقد أقر العديد من الأطباء والممرضات في الموصل بأن هذه العادة لا تزال متجذرة بعمق في نظام الرعاية الصحية. ونقل التقرير رئيس وحدة التوعية في مستشفى الموصل العام عمر مظفر قوله ان معظم الاطباء يصفون المضادات الحيوية لاي مرض بسيط، ولا يتبعون بروتوكولا علميا أو نهجا تدريجيا مع سوائل الادوية والحبوب، كما أنهم لا يرسلون عينات الى المختبر لمعرفة المضادات الحيوية المطلوبة، مضيفا أن العديد منهم يصفون المضادات الحيوية عن طريق الحقن على الفور.

ونقل التقرير عن طبيب الأطفال الذي يرأس مركز اعادة تأهيل الأطفال في مستشفى الموصل مهند اكرم قوله "اننا نرى ان مقاومة المضادات الحيوية تنتشر". وتابع قائلا "لا يمكن للاطفال ان يتحملوا المرض بنفس الصبر الذي يتحمله الكبار، ويريد الآباء علاجا سريعا، ويتوقعون الحصول على الدواء". 

ولفت إلى أنه عندما يتجه الأطباء الى الادوية الثقيلة ، فمن المرجح أن يعاني المرضى من الآثار الجانبية، ويصاب بعض الاطفال نتيجة لذلك بمشاكل في الكلى. وقال اكرم "نحن نرى الكثير من الحالات هنا، عدوى المسالك البولية المتكررة، والضعف الكلوي، وبعضها يحتاج إلى غسيل الكلى". 

وبحسب أكرم، فإنه خلال السنوات الاخيرة، غذت العوامل البيئية هذه الديناميكية بشكل أكبر، موضحا أن "التلوث والعواصف الترابية في انحاء العراق، ادى الى ارتفاع مشاكل الحساسية والتهابات الجهاز التنفسي، بينما يستخدم الناس المضادات الحيوية لعلاجها على الرغم من عدم الحاجة الى المضادات الحيوية، وبالتالي تزداد المقاومة". 

ونقل التقرير عن الديوه جي الذي أجرى مقابلات متعددة مع أفراد من القطاع الصحي في الموصل، قوله إن "القطاع الخاص في العراق اصبح معتمدا بشكل متزايد على الصيدليات الخاصة وصارت الوصفات المفرطة شائعة في عيادات القطاع الخاص"، مشيرا بذلك إلى أن المضادات الحيوية متوفرة في الصيدليات بدون وصفات طبية، مما يسمح للعائلات بالتداوي الذاتي والحصول على الادوية حتى عندما لا يتم وصفها من اطباء مختصين. 

متلازمة الموصل

وذكر التقرير؛ أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، تم لفت الانتباه المتزايد الى ازمة مقاومة المضادات الحيوية في الموصل، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن الوضع هناك جرى توثيقه بشكل أفضل مما هو عليه في مدن عراقية أخرى.

ولفت إلى أنه في عيادة تابعة لجمعية خيرية، احتشد معظم المرضى أجل قضايا صحية تتعلق بجروح الحرب مثل ضعف السمع بسبب الانفجارات والحروق الحادة على اجساد الاطفال الصغار وبقايا الشظايا التي استقرت في وجه شخص. 

ونقل التقرير عن الديوه جي قوله إن "احد اسباب رؤيتنا المزيد من (مقاومة المضادات الحيوي) في النزاعات، هو زيادة عدد الجرحى، حيث أن هناك زيادة في التعرض للبكتيريا من خلال هذه الجروح". 

وتابع التقرير أن الديوه جي قام مع آخرين بالتحقيق في الإرث السام لعقود من الحرب والتي أدت إلى تلويث بيئة العراق بالعوامل المضادة للبكتيريا.

ونقل التقرير عن الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت انطوان ابو فياض قوله إنه "من الملاحظ والموثق بشكل جيد، أنه كلما كان هناك صراع، وأينما كانت هناك حرب، فإن مقاومة مضادات الميكروبات تنتشر بشكل أسرع وأوسع ويصعب السيطرة عليها". 

وتابع ابوفياض قائلا "هناك عوامل ندركها جميعا: الفوضى، النزوح، قلة الادوية، قلة المختبرات، قلة الممرضات. لكن هناك عوامل اخرى ايضا: لقد لاحظنا ارتباطا بالمعادن الثقيلة الناتجة عن الدمار، من التفجيرات، ومن الفوضى". 

وبحسب "المونيتور"، فإن ابو فياض وفريقه قاموا بالتحقيق في الرابط بين الحرب وتزايد مقاومة المضادات الحيوية، حيث تشير النتائج التي توصلوا إليها، والتي جرى نشرها في مجلة "بي ام جي غلوبال هيلث"، إلى دور الرصاص والزئبق والكروم والنحاس والنيكل والرصاص والزنك والأنتيمون والباريوم والبورون، وهي معادن تستخدم في الاسلحة والمعدات العسكرية والتي تراكمت في البيئة العراقية الطبيعية مع مرور الوقت من نزاع تلو الآخر.

وبحسب الديوه جي فان الوضع في الموصل هو "فقط قمة جبل الجليد" في العراق لأنه لا توجد بيانات شاملة ومتاحة للجمهور عن مقاومة المضادات الحيوية في مدن عراقية أخرى. ولفت إلى أن منظمة أطباء بلا حدود، التي دقت ناقوس الخطر لأول مرة بشأن الازمة الصحية الصامتة التي اجتاحت الموصل في العام 2019، كانت المنظمة الوحيدة "التي تقدم تقارير منتظمة عن مقاومة مضادات الميكروبات". لكن في يوليو/ تموز من العام الحالي، توقفت المنظمة أنشطتها الطبية في المدينة بعد أن أوقفت الجمارك العراقية شحنة من الإمدادات الطبية كانت متجهة الى الموصل في بغداد لاكثر من خمسة أشهر، مما أدى إلى انتهاء صلاحية معظمها. ولفت إلى أن الشحنة كانت تضم إمدادات لمختبر الأحياء الدقيقة، وهي أداة أساسية لتحليل مزارع البكتيريا وتحديد المضادات الحيوية التي تستجيب لها.

ووفقا لموظفي المستشفيات العامة، فإن السلطات العراقية بدأت الآن تعطي اهتماما متزايدا لهذه الظاهرة حيث وجهت وزارة الصحة المستشفيات لتشكيل لجنة لجمع البيانات حول مقاومة المضادات الحيوية. 

وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت في العام 2020 من أنه "بدون اتخاذ إجراءات عاجلة، فإننا نتجه نحو عصر ما بعد المضادات الحيوية حيث يمكن أن تقتل العدوى الشائعة والإصابات الطفيفة مرة اخرى".

وختم التقرير بالقول إن مثلما يدرك الاطباء في الموصل بشكل جيد، فان العراقيين يقفون في الجبهة الامامية لهذه الازمة الصحية.

ترجمة: وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: محمد شياع السوداني السوداني العراق نيجيرفان بارزاني بغداد ديالى الحشد الشعبي تنظيم داعش النجف السليمانية اقليم كوردستان اربيل دهوك إقليم كوردستان بغداد اربيل العراق اسعار النفط الدولار سوريا تركيا العراق روسيا امريكا مونديال قطر كاس العالم الاتحاد العراقي لكرة القدم كريستيانو رونالدو المنتخب السعودي ديالى ديالى العراق حادث سير صلاح الدين بغداد تشرين الاول العدد الجديد العراق الموصل مقاومة المضادات الحيوية مقاومة المضادات الحیویة للمضادات الحیویة هذه الظاهرة التقریر ان العدید من فی الموصل فی العراق فی العام

إقرأ أيضاً:

الإسلام ومفهوم المقاومة والثورة

أضحت كلمة "المقاومة" من الكلمات الشائعة التي يثور لغَط كثير حولها وحول مشروعيتها، وخاصة إذا ارتبطت بحركات وفصائل مسلحة ويثور الجدل أيضا حول علاقة الدين بالمقاومة أو الثورة، فبين من يستخدم نصوص الدين لإثبات وجوبها وتثوير الشعوب بها، وبين من يقول بتحريمها وتخنيع الشعوب بالاستدلال ببعضها، فأردت في هذا المقال أن نبحث عن الحقيقة من جذورها.

ابتداء، كلمة "مقاومة" لها مرادفات كثيرة منها احتجاج، اعتراض، تصد، مجابهة، مواجهة، جهاد، قتال، كفاح، نضال.. وقد تعجب أن "المقاومة" من سنن الله في كل شيء وبغير "المقاومة" يختل ميزان الحياة بأسرها.

فمثلا خُلق الله الإنسان وأودع فيه جهاز "مقاومة" وهو الجهاز المناعي يواجه الأمراض والسموم ويهاجم الفيروسات والبكتيريا والأجسام الغريبة، وإذا ضعفت "المقاومة" كان الجسم عُرضة للأمراض وإذا زادت عن الحد اللازم تسببت في كثير من الأمراض؛ لأن فرط نشاط الجهاز المناعي يُفقده معرفة البصمة الجينية للخلايا فيفقد قدرته على التمييز بين العدو والصديق فبدل أن يهاجم البكتيريا والفيروسات والسموم والخلايا الورمية، فإذا به يهاجم خلايا الجسم فيسبب ما يسمى بأمراض المناعة الذاتية مثل النزيف والجلطات الدموية وتلف العظام والمفاصل والصدفية واللوكيميا وغيرها، لذلك لا بد من وجود "المقاومة" وفي ذات الوقت ينبغي أن تكون منضبطة ومُوَجهة.

وفي عالم الفيزياء والكهرباء تحتل "المقاومة" أهمية كبيرة تتميز بها الموصلات المعدنية في الدوائر الكهربية، فـ"المقاومة" هي "المعارضة" التي تقدمها المادة لتدفق التيار الكهربائي في الدائرة لذلك فهي تتناسب عكسيا مع شدة التيار، وهي ثابتة أو متغيرة ولها أربع أنواع كربونية وسلكية وحرارية وضوئية ومع تعدد أشكال "المقاومة" يلزم وجودها للمحافظة على الأجهزة وحمايتها، وكذلك يوجد ما يسمى بـ"مقاومة" الهواء وهي القوة التي يصادفها جسم متحرك في الهواء. ولو استعرضت معالم الحياة بأسرها لا تجدها بغير "مقاومة"، والثورة والمقاومة صنوان لا يفترقان فلا ثورة بغير مقاومة. ومن مرادفات كلمة "ثورة" فورة، هبّة، انتفاضة، عصيان. ومن أضداد كلمة "ثورة" رضوخ، خمود، همود، سكون، إذعان.

لو استعرضت معالم الحياة بأسرها لا تجدها بغير "مقاومة"، والثورة والمقاومة صنوان لا يفترقان فلا ثورة بغير مقاومة. ومن مرادفات كلمة "ثورة" فورة، هبّة، انتفاضة، عصيان. ومن أضداد كلمة "ثورة" رضوخ، خمود، همود، سكون، إذعان
وقد يحسن بنا تعريف "المقاومة" بأنها مواجهة القوة الغاشمة بما يُستطاع من قوة مع حسن التقدير والتدبير.

وهنا يثور السؤال الأساس: ما علاقة الإسلام بالمقاومة والثورة؟

والإجابة أن الإسلام دين ثورة ومقاومة، نعم ثورة على كل أشكال الظلم والفساد والاستبداد والاستعباد، الإسلام دين يشترط للدخول فيه قول "لا"، أَوَ ليست كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" تبدأ بلا؟ الإسلام دين ثورة يدعو أصحابه أن يقولوا "لا"، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" (رواه الحاكم وصححه وكذا الألباني)، فعد المقاوم للسلطان الجائر القائل له "لا" والمقتول في سبيل ذلك سيد الشهداء.

الإسلام يُعلِّمُ الأمةَ أن تواجه الظالم وأن تزأر في وجهه "لا" وإلا فلا قيمة لوجودها، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُوِدع منهم"، أي فقدت أهلية الحياة (رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: "يُعجبني الرجل إذا سِيمَ خُطة ضَيْمٍ؛ قال لا بملء فيهِ".

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قُتل دون ماله فهو شهيد ومن قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد ومن قُتل دون أهله فهو شهيد"، وفيه "ومن قُتل دون حرمته فهو شهيد"، وفيه "ومن قُتل دون أرضه فهو شهيد" (الترمذي والنسائي وأحمد وصححه الألباني).

"وجاء رجُلٌ إِلَى رَسُول اللَّه ﷺ فَقَال: يَا رسولَ اللَّه أَرأَيت إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مالكَ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَاتلني؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرأَيت إنْ قَتلَني؟ قَالَ: فَأنْت شَهيدٌ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ" (رواهُ مسلمٌ).

وقد أمرنا الإسلام بـ"مقاومة" المنكر ليس لإزاحته فقط بل لتغييره يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم).

ومع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة الآمرة بمقاومة الظلم ومواجهة الجور والثورة في وجوه الطغاة تتعجب من هؤلاء الذين يستشهدون ببعض الأحاديث، مع عدم صحتها أو ضعفها ومعارضتها لما هو أصح منها بغرض تخنيع الناس وسلب كرامتهم، فيسوقون مثلا عُجُز حديث في صحيح مسلم "أطع أميرك وإن جلد ظهرك وأخذ مالك"، ولي وقفة معه، فالحديث ليس في أصول أحاديث مسلم بل في المتابعات، وقال الدارقطني إن في سنده انقطاع (قال أبو سلام قال حذيفة)، وأبو سلام لم يسمع من حذيفة كما نص على ذلك الدارقطني وابن حجر والمزي ولذلك عده الدارقطني مرسلا وهو من أنواع الحديث الضعيف، وإن صح فهو يخالف ما هو أصح منه مما سقناه من الأحاديث السالفة وغيرها مما يَعِز حصره. وقد وجدنا بعض مشايخ السلاطين يفتى بأنك إذا رأيت الحاكم كل يوم يزني ويليط على شاشة التلفاز نصف ساعة فلا يجوز أن تؤلب الناس عليه بل يجب عليك أن تدعوهم لطاعته!!

هؤلاء يحرمون على الناس عبادة الأصنام الحجرية ويوجبون عليهم عبادة الأصنام البشرية، ويستشهدون بشطر حديث "وألا ننازع الأمرَ أهله"، نعم صحيح ولكن لماذا لا تذكرون بقية الحديث في رواية النسائي وأن نقول أو نقوم بالحق، حيث كنا لا نخاف لومة لائم. وأيضا ما المقصود بأهله؟ هل الإمام المبايَع أم المتغلب؟ هل الذي جاء بقبول الناس ورضاهم باختيار صحيح وانتخابات حرة نزيهة أم الذي جاء بانقلاب عسكري على إمام مُبايَع؟ أم الذي جاء بالتوريث ويقوم حكمه على الجور والقهر وطمس معالم الدين؟ أم الذي يوالي أعداء الله ورسوله ويسارع فيهم؟ هلا عرفتم لنا أهله حتى لا ننازع الأمر أهله؟.

الإسلام لا يعرف هذا الخنوع والذل ولا يرضى لأمته أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي منكر أو بغي بل أوجب عليهم مقاومته ومدافعته وجعل التدافع بين الحق والباطل من السنن الإلهية حفظا لاستقامة الحياة واعتدال ميزانها، وهي سنة ربانية
إن الإسلام لا يعرف هذا الخنوع والذل ولا يرضى لأمته أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي منكر أو بغي بل أوجب عليهم مقاومته ومدافعته وجعل التدافع بين الحق والباطل من السنن الإلهية حفظا لاستقامة الحياة واعتدال ميزانها، وهي سنة ربانية جاء تقريرها في القرآن الكريم بصفة عامة والتنصيص عليها في آيتي البقرة والحج بصفة خاصة:

- "وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ" (البَقَرَةِ: ٢٥١).

"وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰ⁠مِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَٰ⁠تࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ" (سُورَةُ الحَجِّ: ٤٠).

وشاءت إرادة الله أن يكون التدافع بين الحق والباطل والجولات بينهما سُنٌةُ ماضية لا تعرف حدود الزمان والمكان ولا نهاية لها إلا بنهاية الدنيا، ومن اليقين الجازم أن الله قادر على سحق الباطل وأهله بدون أحد، ولكنه شرع "المقاومة" وأمر بالجهاد وسَنن التدافع وضرب لنا الأمثلة بأعظم "المقاومين" من رسل الله وأنبيائه ومن تبعهم بإحسان، ولك أن تسأل هؤلاء لماذا حوكم أبو الأنبياء إبراهيم الخليل وحُكم عليه بالإعدام حرقا؟ أَوَ ليس لأنه كان مقاوما للكفر وأهله؟ واسألهم لماذا حوكم نبي الله لوط وحُكم عليه بالنفي؟ أليس لأنه كان مقاوما لتلك الفاحشة المرذولة؟ ولماذا قُطعت رأس نبي الله يحيى؟ ولماذا حُكم يوسف بالسجن؟ ولماذا صلب فرعون زوجته آسية على الأوتاد؟ ولماذا أحرق ماشطة ابنته وزوجها وأولادها؟ وكيف قاوم كليم الله موسى فرعون وهامان وقارون؟ ولماذا خُدت الأخاديد وألقيت فيها تلك الثلة المؤمنة؟ ولماذا أعلنت قريش الحرب على سيد الخلق؟ لماذا تسألهم، فالقرآن حافل بقصص المقاومة والثورة على الكفر والظلم والبغي والمنكر ويحذر من مجرد الركون إلى الذين ظلموا، ويكأنهم يريدون طي المصاحف كما يطوى السجل الكتاب ويضعونها على الأرفف ثم يتخلصوا منها، وتمضى سُنّة التدافع ليختبر الله أهلَ الحق ويبلوَ أخبارهم.

- "ذَ ⁠لِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱ نتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ وَٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِي سَبِیلِ ٱللَّهِ فَلَن یُضِلَّ أَعۡمَـٰلَهُمۡ" (سُورَةُ مُحَمَّدٍ: ٤) فإذا أخذوا بالأسباب وقاموا بواجبهم أعانهم الله وساعدهم.

- "قَـٰتِلُوهُمۡ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمࣲ مُّؤۡمِنِینَ" (سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١٤).

وأهل الحق المجاهدون في سبيله المقاومون لأشكال الظلم والبغي والاستبداد والاستعباد مأجورون في جميع الأحوال، فإن انتصروا عاشوا أعزة كرماء ونالوا الأجر وإن قُتلوا ماتوا شهداء وفازوا بالأجر..

وإنه لجهاد، نصرُ أو استشهاد.

مقالات مشابهة

  • الإسلام ومفهوم المقاومة والثورة
  • المؤتمر الوطني لمقاومة مضادات الميكروبات يبحث تعزيز التعاون العلمي
  • السفارة العراقية في لبنان تكشف لـ بغداد اليوم أوضاع العراقيين القادمين من دمشق الى بيروت
  • السفارة العراقية في لبنان تكشف لـ بغداد اليوم أوضاع العراقيين القادمين من دمشق الى بيروت- عاجل
  • العراق.. توجيه جديد من رئيس الوزراء بخصوص مطار الموصل
  • سؤال برلماني لمعرفة أسباب نقص المضادات الحيوية وأدوية القلب
  • صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول المضادات الحيوية ؟ وآثارها الجانبية
  • الدخان يتصاعد من بلدة جنوبيّة... إليكم ما يقوم به العدوّ
  • أفضل وقت لقضاء فوائت رمضان.. أمين الفتوى يكشف عنه