كريستوفر نولان.. ساحر هوليود الذي يغير وجه السينما
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
في طريق عودته إلى بلاده بعد انتصاره في حرب طروادة، يصادف البطل أوديسيوس وحوشا أسطورية، وبعد أن كان الطريق يستغرق 4 أيام، قضى المحارب العائد 10 أعوام ليصل إلى وطنه. تلك الرحلة التي صاغها الشاعر اليوناني هوميروس في ملحمة "الأوديسا" الشعرية، يعيد صياغتها سينمائيا الشاعر السينمائي والمخرج الأكثر نجاحا في سينما العالم اليوم كريستوفر نولان، ويستخدم المخرج الأميركي البريطاني كاميرا آي ماكس (IMAX) ليصبح مشاهد العمل الذي يعرض في يوليو/تموز القادم جالسا بين تلك الوحوش المرعبة.
ويخوض كريستوفر نولان بملحمة "الأوديسا" التحدي الجديد بعد 12 فيلما تربع بها على عرش السينما العالمية باعترافين جاءا على التوازي من قبل الجمهور والنقاد معا، وقد توج بجائزتي أوسكار عن فيلمه الأخير "أوبنهايمر" (Oppenheimer)، فضلا عن رتبة "سير" التي كرمه بها الملك تشارلز الثالث عام 2024.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أنجلينا جولي في "ماريا".. تجسيد معقد لحياة أسطورة الأوبراlist 2 of 2بعيد ميلاده الـ70.. 9 محطات فارقة في مسيرة "مستر بين" الفنيةend of listوقد أثبت المخرج الذي بدأ مشواره بأفلام مستقلة، هي "تتبع" 1998 (Following) و"تذكار" 2000 (Momento)، ثم تسابقت إليه الشركات الكبرى عارضة عليه ميزانيات مفتوحة، ليقدم بها السيناريوهات التي يطمح إلى تقديمها، أنه ليس مجرد صانع سينما وإنما مهندس معماري يملك رؤية لإعادة بناء السرد القصصي السينمائي، ويغير مفهوم السينما، كما يعرفها الجمهور، وذلك عبر المزج بين الفلسفة والحلم واستخدام الزمن بمرونة غير مسبوقة في أعمال كان طرحها كمشروع سينمائي يبدو شيئا أقرب للخبل في السنوات التي سبقت وجوده.
ولد كريستوفر إدوارد نولان في 30 يوليو/تموز 1970 في وستمنستر بلندن، لأب من أصول أيرلندية، يعمل مخرج إعلانات هو بريندان جيمس نولان، وأم أميركية تعمل مضيفة طيران، هي كريستينا جيسين.
وأغرم كريستوفر منذ طفولته بالأفلام، وبدأ في محاولة صنعها في سن السابعة، حيث استعار كاميرا والده لتصوير أفلام قصيرة تضم شخصيات ألعابه، وأظهر الطفل في سن الـ11 قدرة على الإبداع حين نفذ عملا كان عبارة عن رسوم متحركة على طريقة سلسلة "حرب النجوم" بعنوان "حرب الفضاء"، وصنع ديكورات من مواد مثل الطين والدقيق وعلب البيض ولفائف المناديل، وزوده عمه، الذي عمل في وكالة ناسا في بناء أنظمة التوجيه لصواريخ أبولو، بلقطات الإطلاق.
تعاون كريستوفر نولان خلال سنوات مراهقته مع أصدقائه لإنشاء أفلام، حيث شارك في كتابة وإخراج فيلم "تارانتيلا" 1989(Tarantella) مع روكو بيليك، كما حصل على تقدير لمساعدته في مونتاج "جنغيز بلوز" 1999 (Genghis Blues) الوثائقي الذي رشح لجائزة الأوسكار.
إعلانواصل نولان تعليمه العالي في جامعة كلية لندن (يو سي إل)، حيث درس الأدب الإنجليزي. اختار عدم الالتحاق بالتعليم السينمائي التقليدي، واختار كلية لندن لصناعة الأفلام، التي تحتوي على معدات تنفيذ الأفلام، وأصبح رئيسا لجمعية الأفلام بالكلية، ومع زوجته المستقبلية إيما توماس، عرض أفلاما روائية بتقنية 35 مم خلال العام الدراسي، واستخدم الأموال الناتجة عن هذه العروض لإنتاج أفلام (16 مم) خلال الصيف.
كان كريستوفر يعيش بين لندن والولايات المتحدة وقد تعرض نتيجة لذلك للثقافتين البريطانية والأميركية، جنبا إلى جنب مع شغفه بصناعة الأفلام منذ سن مبكرة، وهو ما أسهم في تشكيل أسلوبه السينمائي الفريد. ومنحته نشأته عبر الأطلسي منظورا متنوعا، وهو ما يتضح في السرديات والموضوعات المعقدة في أعماله اللاحقة.
فضول وإبداعحول كريستوفر نولان أسئلته وبحثه عن المعنى إلى حالة عالمية ظهرت في أفلامه، وظهرت شخصيات أفلامه بالسمات نفسها، ومنها الحارس المسكون في "فارس الظلام" 2008 (The Dark Knight)، أو العالم الحزين في "بين النجوم" 2014 (Interstellar)، أو العقل الذي لا يستريح أبدا في "تذكار" 2000 (Momento)، وتعكس شخصيات تلك الأفلام مدى التعقيد في الوجدان البشري، كما تصور حالة عدم اليقين، والصراع الأبدي للإنسان مع نفسه للالتزام بحدوده الأخلاقية.
مر المخرج كريستوفر نولان بمحطات سينمائية رئيسية في طريق صعوده نحو التربع على عرش السينما العالمية، وهي بالتحديد 5 أفلام شكل كل منها درجة سلم، وشكلت معا ملامح أسطورته وحولت اسمه إلى مغناطيس يجذب الجماهير والنقاد معا، ويعرض كل فيلم منها عناصر، أصبحت سمات مميزة لعمله مثل السرد غير الخطي في "تذكار" (Momento)، وتبسيط الموضوعات المعقدة في فيلم "بداية" 2010 (Inception)، والتفاصيل المذهلة في "دونكيرك" 2017 (Dunkirk).
إعلانقدم نولان من خلال فيلم "تذكار" أسلوبه السردي الفريد، الذي اعتمد من خلاله كخبير في سرد القصص المعقدة، وليس مجرد مخرج يقدم فيلمه الثاني، حيث أثر الاستخدام المبتكر للسرد غير الخطي بعمق على طريقة جذب أفلام التشويق والإثارة للجمهور فكريا.
وفي "فارس الظلام"، قدم أحد أعظم أفلام الأبطال الخارقين على الإطلاق، وأظهر قدرته على الموازنة بين المشاهد الضخمة والأسئلة الفلسفية العميقة، وأعاد تشكيل سينما الأبطال الخارقين من خلال غرس الواقعية والجاذبية فيه.
وأبدع نولان في فيلم "بداية" فكرة أصلية غير مطروقة، ونفذها صانعا توازنا مدهشا بين الطموح الفكري والعبقرية البصرية والتأثيرات العاطفية، ودفع بهذا المزيج إلى الجمهور، فحقق نجاحا تجاريا غير مسبوق.
ومن الحلم إلى الحب وبقاء الإنسان، قدم في فيلم "بين النجوم" مزيجا آخر من الخيال العلمي والعلاقة العاطفية، وتحويل الزمن إلى خامة مرنة ممعنا في السرد غير الخطي. وعاد في "دونكيرك" إلى السرد الخطي، في متابعة متزامنة لأحداث القصة، وهو أسلوب غير معتاد بالنسبة له، وفي "أوبنهايمر" صنع هيكلا سرديا مغايرا تماما، ليستعرض حياة روبرت أوبنهايمر صانع أول قنبلة ذرية أميركية، انطلاقا من حدث واحد هو مشروع تصنيع القنبلة.
عائلة سينمائيةالتقى نولان بزوجته، إيما توماس، خلال أسبوعهما الأول في جامعة كلية لندن عام 1989، وجمعهما شغفهما المشترك بصناعة الأفلام، وقادهما إلى إدارة جمعية السينما بالجامعة معا، وتزوجا عام 1997 وأنجبا 4 أطفال، هم فلورا وأوليفر وروري وماغنوس.
أنتجت إيما توماس جميع أفلام نولان، مما جعل شراكتهما شخصية ومهنية، أما شقيقه الأصغر جوناثان، فهو شريك النجاح منذ البدايات، وقد كان فيلم "تذكار" الذي يعد ثاني أفلام كريستوفر نولان، عبارة عن قصة قصيرة كتبها شقيقه ونشرت، وحين قرأها كريستوفر أراد تحويلها إلى فيلم. ولا يتوقف كريستوفر نولان عن العمل، وفي إطار محاولاته لصنع التوازن بين العمل والعائلة، يقوم باصطحاب أطفاله إلى مواقع التصوير التي توجد فيها زوجته أيضا باعتبارها منتجة هذه الأعمال.
إعلانولا يختلف نمط الصداقة عن العائلة لدي المخرج الأيقوني إذ تنشأ صداقاته خلال تنفيذ أعماله، ولعل أشهر تلك الصداقة التي تجلت في الأفلام هي علاقته مع الممثل مايكل كين الذي ظهر في العديد من أفلام نولان، بما في ذلك ثلاثية "فارس الظلام"، و"بداية"، و"بين النجوم"، وينطبق الأمر نفسه على الموسيقار هانز زيمر، الذي قام بتأليف الموسيقى التصويرية للعديد من أفلام نولان، أما كيليان مورفي، فلم يكن دور روبرت أوبنهايمر هو الأول بين الصديقين، إذ ظهر في "باتمان" و"بداية" "دونكيرك".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما کریستوفر نولان
إقرأ أيضاً:
مهرجان الإسماعيلية يفتح أرشيف السينما التسجيلية في نظرة إلى الماضي
شهد مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في دورته الـ26، التي تنعقد برئاسة المخرجة هالة جلال، عروضًا متميزة ضمن برنامج "نظرة إلى الماضي"، وهو أحد الفعاليات البارزة التي تسلط الضوء على مجموعة من الأفلام الكلاسيكية التسجيلية والوثائقية التي أثرت في تاريخ السينما التسجيلية.
ويشمل البرنامج أفلامًا بارزة مثل: "حياة جديدة" للمخرج أشرف فهمي، "طبيب في الأرياف" للمخرج خيري بشارة، "وصية رجل حكيم" للمخرج داود عبد السلام، "بناء ونضال" للمخرج مذكور ثابت، "ثورة المكن" للمخرج نبيه لطفي، "دير سانت كاترين" للمخرج يوسف شاهين، "عيد الميلاد" للمخرج سعد نديم، "المصرية في 50 عامًا" للمخرج سعد نديم، "معابد فيله" للمخرج شادي، "جنود الشمس" للمخرج شادي، "الفلاح الفصيح" للمخرج شادي، "نهاية بارليف" للمخرج ع. تلمساني، "صلاة" للمخرج نبيه لطفي، "شارع محمد علي" للمخرج نبيه لطفي، "ناس 26 يوليو" للمخرج هاشم النحاس، "يوم في حياة أسرة ريفية" للمخرج هاشم النحاس، "همس الأناشيد" للمخرج حسام علي، "الصباح" للمخرج السيد سلاموني، "نحمد العدو" للمخرج ح. تهامي، و"الرجال والخنادق" للمخرج ف. تهامي.
ويهدف هذا البرنامج إلى إحياء التراث السينمائي وإعادة تقديم أعمال مهمة للجمهور المعاصر، حيث يضم مجموعة من الأفلام التي شكلت محطات بارزة في تاريخ السينما الوثائقية والتجريبية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي.
وتتنوع العروض بين الأفلام التي تناولت قضايا سياسية، اجتماعية، وثقافية، وأخرى قدمت رؤى فنية متفردة أثرت في تطور لغة الفيلم التسجيلي.
وأكدت المخرجة هالة جلال، رئيسة المهرجان، أن برنامج "نظرة إلى الماضي" يعكس اهتمام المهرجان بتقديم تجارب سينمائية رائدة للجمهور، مشيرةً إلى أن إعادة عرض هذه الأفلام لا تأتي فقط بدافع الحنين إلى الماضي، ولكن أيضًا باعتبارها مرجعًا مهمًا لصناع الأفلام الشباب الذين يسعون إلى فهم أساليب السرد البصري وتطورها عبر العقود.
وأضافت أن البرنامج يضم أفلامًا لمخرجين مصريين وعالميين تركوا بصمة واضحة في السينما التسجيلية، مؤكدةً أن هذه العروض تمثل فرصة فريدة لمشاهدة أعمال نادرة لم تتح للكثير من المشاهدين من قبل.
وشهدت العروض ندوات نقاشية وجلسات حوارية بعد بعض الأفلام، بحضور عدد من النقاد والمخرجين والباحثين في مجال السينما التسجيلية، بهدف تسليط الضوء على الجوانب الفنية والإبداعية لهذه الأعمال والتعرف على تأثيرها في مسيرة السينما الوثائقية.
ويُعد مهرجان الإسماعيلية الدولي أحد أعرق المهرجانات السينمائية في المنطقة، حيث تأسس عام 1991، ويُعد أول مهرجان عربي مخصص للأفلام الوثائقية، القصيرة، والتسجيلية. ويحرص المهرجان سنويًا على تقديم رؤى سينمائية متنوعة تعكس تطورات هذا الفن عالميًا، مع التركيز على تقديم تجارب جديدة وإحياء كلاسيكيات السينما التسجيلية.
وشهد برنامج "نظرة إلى الماضي" إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، خاصةً من عشاق السينما التسجيلية والباحثين عن تجارب سينمائية مختلفة، حيث يوفر فرصة نادرة لاستعادة جماليات سينما الماضي والاستفادة منها في تطور صناعة الأفلام المعاصرة.