بعد غياب طويل عن موائد السوريين بسبب ارتفاع سعرها الجنوني، عادت فاكهة الموز إلى الأسواق لتصبح في المتناول بعد انخفاض ثمنها، مما عده البعض إحدى نتائج سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

فقد كانت هذه الفاكهة بمثابة حلم صعب المنال لدى السوريين قبل 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أن وصل سعر الكيلوغرام منها إلى نحو 50 ألف ليرة سورية (حوالي 5 دولارات)، أي ما يعادل سدس الراتب الشهري للموظف العادي.

وبسبب ارتفاع أسعاره، تحوّل الموز إلى مادة للسخرية المريرة بين السوريين، إذ كانوا يتبادلون التهاني عند الحصول عليه، ويهدونه لبعضهم، ويلتقطون صورا معه، ويشاركون هذه اللحظات على منصات التواصل في تعبير ساخر عن معاناتهم مع الأوضاع الاقتصادية تحت حكم الأسد.

لكن بعد سقوط النظام، هبط سعر الموز إلى الخُمس، ليصبح سعر الكيلوغرام منه حوالي 10 آلاف ليرة (نحو دولار واحد)، ما دفع السوريين للإقبال على الأسواق لشراء هذه الفاكهة التي انتظروها طويلا.

ويعود سبب غلاء الموز لقلة إنتاجه في سوريا، واحتكار استيراده من التجار المقربين من نظام الأسد المخلوع، واضطرار التجار إلى تهريب الموز عبر لبنان.

وفرة بالأسواق

ولُوحظ وفرة الموز على بسطات الباعة وإقبالا كبيرا من الزبائن في الأسواق السورية، خصوصا أرباب العائلات الذين عجزوا سابقا عن شراء ولو موزة واحدة لأطفالهم، حتى بات يوصف في السوق بـ"الذهب الأصفر يا موز".

إعلان

وينادي أبو خالد النعيمي -أحد تجار السوق في درعا– على الموز قائلا "موز يا أبو العيال، تعال يا محروم تعال"، بإشارة إلى الانخفاض الكبير في سعر هذه الفاكهة التي أصبحت الآن في المتناول.

ويتابع أن الزبائن يشترون حاليا 2 أو 3 كيلوغرامات من الموز، وتبدو السعادة واضحة على وجوههم، الأمر أشبه بحالة احتفال، "حتى إن البعض اعتبر ذلك أحد إنجازات الثورة"، وفق تعبيره.

وعن الوضع قبل سقوط النظام، يبتسم أبو خالد ويقول "لو جئتم إلى هذا السوق قبل سقوط النظام لتبحثوا عن الموز، لما وجدتم قطعة واحدة، وكان مجرد الحديث عنه يبدو مثيرا للسخرية بسبب أسعاره الخيالية".

موز #سوريا.. وفرة في الأسواق بعد سنين من الندرة pic.twitter.com/oFhAECIrmA

— Anadolu العربية (@aa_arabic) January 9, 2025

ويردف أن الأثرياء فقط كانوا يشترون الموز لأطفالهم بالقطعة الواحدة، وغالبا يخفونه في حقائبهم حتى لا يراهم الفقراء، الذين كانوا يتحسرون على عجزهم عن شرائه.

ويختصر أبو خالد ذلك الواقع بقوله: كان الأب يعد ابنه بشراء موزة واحدة فقط إذا حصل على علامات جيدة في المدرسة.

ويكمل ضاحكا: عندما تزوج أحد أصدقائي، سألته مازحا: ما الهدية التي ترغب فيها؟ فأجاب: كيلوغرامين من الموز.

الموز كان هدية

على بُعد أمتار من بسطة أبي خالد، يقف شادي الجبر (40 عاما)، أحد سكان المدينة، بجوار طفله آدم (5 سنوات)، حاملين عدة قطع من الموز، في حين ترتسم الابتسامة على وجهيهما بعد أن تمكنا أخيرا من شراء هذه الفاكهة الموعودة.

يقول الجبر وهو يتنفس الصعداء: الحمد لله على انتصار الثورة، أصبح بإمكاننا الآن تذوق الموز بعد انتظار طويل.

ويضيف أنه لم أتمكن من شراء الموز منذ 6 سنوات. شارحا "كنت أعمل في ميكانيكا السيارات، لكن عملي توقف بسبب الحرب التي شنها علينا نظام الأسد، وحرمت أطفالي من هذه الفاكهة البسيطة".

إعلان

ويتابع بابتسامة حزينة: في إحدى السنوات، أردت تقديم هدية لزوجتي بمناسبة ذكرى زواجنا، فلم أجد شيئا سوى موزة واحدة، كانت تُباع وقتها بـ10 آلاف ليرة. وضعتُها في علبة هدايا وزيّنتها بالأحمر والأصفر والأخضر والأبيض محتفلا.

وإلى جوار الجبر، يقف نجله آدم ممسكا بقطعة موز، وطلب التقاط صورة له مع الفاكهة، وقال بلغة الطفولة البريئة: أصبح بإمكاني أن آكل قطعة موز كاملة، للمرة الأولى.

وخلال سنوات الحرب التي شنها نظام الأسد، عانى السوريون من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وندرة المواد مثل الخبز والوقود، ما أدى إلى فقر مدقع وأوضاع إنسانية مأساوية.

لكن بعد سقوط النظام، شهد السوريون تحسنا في توافر السلع وانخفاض أسعارها، ويأملون أن تكون هذه بداية لتحسن أكبر في الواقع الاقتصادي لبلادهم التي أنهكتها سنوات من المعاناة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سقوط النظام هذه الفاکهة الموز إلى

إقرأ أيضاً:

لماذا لم يعد معظم النازحين واللاجئين السوريين رغم سقوط الأسد؟

شمال سوريا- بعد شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا لا تزال عودة اللاجئين السوريين من الدولة المجاورة تركيا والنازحين داخليا تبدو خجولة وأدنى من سقف التوقعات، إذ تحكم هذه العودة عوامل اقتصادية وأمنية في الدرجة الأولى تتعلق بالسكن والخدمات والتعليم والاستقرار الأمني.

وتسود حالة من عدم اليقين لدى مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين السوريين بشأن جدوى العودة الحالية، ولا سيما أن نسبة كبيرة منهم ممن فقدوا منازلهم في الحرب التي أنهكت سوريا على مدار 14 عاما، كما يشكل تأمين الدخل التحدي الأبرز لتأمين المصاريف اليومية.

وداخل إحدى مقاهي غازي عنتاب جنوبي تركيا يجادل اللاجئ السوري حسام دروبي صديقه محمد بأن العودة إلى البلاد في الوقت الحالي ليست مناسبة، بسبب الانقطاع المستمر للماء والكهرباء وعدم استقرار الوضع المعيشي والأمني.

ويقول دروبي متحدثا للجزيرة نت إن "من المبكر العودة إلى سوريا، والأفضل على الأقل الانتظار 6 أشهر إلى عام حتى تتضح الأمور وتعود الخدمات وتتمكن الحكومة الجديدة من العمل على كافة الأصعدة خدمة للأهالي".

وأضاف أن المخاوف التي تنتابه من العودة هي فقدان منزله في مدينة حلب شمالي سوريا جراء القصف الذي طالها خلال عام 2016، مشيرا إلى أن برميلا متفجرا سقط على البناء وأصبح مدمرا بشكل شبه كامل ويحتاج إلى إعادة إعمار.

إعلان

ولفت دروبي إلى أنه غير قادر على استئجار منزل في حلب في حال عودته، مؤكدا أن أسعار الإيجارات في المدينة تضاعفت بشكل غير مسبوق منذ سقوط نظام الأسد وبدء عودة الأهالي من نازحين ولاجئين إليها للاستقرار، ومنهم من محافظات وبلدات سورية أخرى.

يفضل أغلبية اللاجئين السوريين الانتظار والتريث في العودة إلى حين استقرار الأحوال (الجزيرة) أحلاهما مر

وغير بعيد عن مدينة غازي عنتاب وعلى الطرف المقابل في الشمال السوري تبدو مخيمات النازحين السوريين دون تغييرات بحجم حدث سقوط الأسد، إذ تبدو حالة انعدام الاحتياجات الأساسية من وقود التدفئة والغذاء المناسب مستمرة وتشكل تحديا لا يعرف حلا.

ويجبر استمرار حالة الدمار وفقدان الخدمات في معظم مدن وبلدات أرياف إدلب وحلب وحماة شمالي سوريا -والتي ينحدر منها النازحون القاطنون في المخيمات- الآلاف على البقاء في الخيام الباردة.

ووفق فريق "منسقو استجابة سوريا"، عاد نحو 52 ألفا من النازحين في المخيمات بالشمال السوري إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط نظام الأسد من أصل قرابة مليوني نازح.

ويؤكد النازح المنحدر من معرة النعمان بريف إدلب أحمد السعيد أن منزله في المدينة غير صالح للسكن على الإطلاق، مشيرا إلى أن أغلبية الأهالي لم يرجعوا للسكن فيها رغم توقف الحرب وسقوط نظام بشار الأسد.

ويقول السعيد في حديث للجزيرة نت إن البعض يستغرب من بقاء الأهالي في الخيام هنا، لكنها تبقى أحلى الأمرّين وأفضل من العيش في منازل مدمرة بلا جدران وسقوف، عدا عن انعدام الخدمات من ماء وكهرباء وأسواق.

أما النازحة من مدينة عندان في ريف حلب آمنة درغام والمقيمة في مدينة إدلب فتحدثت عن أن مسقط رأسها أشبه بمدينة أشباح، فقد اعتصر قلبها الألم لدى زيارتها أخيرا لمشاهدة منزلها، بسبب مناظر الدمار وحجم السرقات التي تعرضت لها المدينة.

إعلان

وتشير درغام في حديث للجزيرة نت إلى أن المدينة شأنها شأن معظم المدن والبلدات السورية تحتاج إلى جهود جبارة بهدف إعادة الإعمار والحياة إليها، الأمر الذي يشجع السكان على العودة والاستقرار مجددا، مؤكدة أن أحدا لن يعود للسكن في هذا الظرف المأساوي.

سوريون يعودون من تركيا إلى بلادهم من معبر باب الهوى الحدودي (الجزيرة) إعادة الإعمار

وتواجه الإدارة الجديدة في سوريا أعباء كبرى تتمثل في تسيير أعمال الحكومة وبسط الأمن وإعادة هيكلة الجيش مع دمج الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة، فضلا عن تحديات تأمين الطاقة والمياه وأجور العاملين.

ويرى المحلل الاقتصادي عبد السلام العمر أن من المبكر الحديث عن عملية إعادة الإعمار في سوريا، قبل أن تتمكن الإدارة الجديدة من حسم ملفات أكثر أهمية وآنية تتعلق بإنهاء أي وجود لفلول النظام البائد التي قد تعكر صفو البلاد والحكم.

ويقول العمر في حديث للجزيرة نت إن ما تتجه إليه الإدارة الجديدة في سوريا والحكومة هو حل مشكلة الطاقة والمياه واستقرار سعر الصرف، باعتبارها احتياجات أساسية يومية للسكان لا يمكن أن تنتظر أو أن يتم استبدالها.

وأشار إلى أن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى دعم أممي وعربي قد يرتبط برفع قريب للعقوبات الدولية عن سوريا، مما يفسح المجال للشركات وأصحاب رؤوس الأموال بالدخول إلى السوق السورية وبدء مرحلة جديدة في بناء بلد أنهكته الحرب.

مقالات مشابهة

  • سقوط نظام الأسد يحيي آمال النازحين السوريين بالعودة إلى ديارهم
  • بعد سقوط نظام بشار.. الموز يرسم الابتسامة على وجه السوريين
  • هل يصبّ سقوط الأسد في مصلحة الصين؟
  • اجتماع أميركي أوروبي في روما لتقييم الوضع بسوريا بعد سقوط نظام الأسد
  • لماذا لم يعد معظم النازحين واللاجئين السوريين رغم سقوط الأسد؟
  • تركيا .. عودة 52 ألف سوري لبلادهم منذ سقوط الأسد
  • ما هو مستقبل السياسة الخارجية لإيران بعد سقوط الأسد؟
  • بعد شهر من الحرية.. ماذا يريد السوريون أن يسألوا الأسد؟
  • مغردون: لا خوف بعد الآن في مطار دمشق الدولي