انتخاب رئيس للبنان مسمار جديد في نعش المحور الإيراني
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
لم تخفِ الدلالات السياسية لخطاب الرئيس اللبناني الجديد العماد جوزيف عون، والتي حددت في سياقها، موقع اصطفاف لبنان الجديد على خارطة الشرق الأوسط، خارطة مازالت ترتسم بخطوط الدم والنار والركام، خاصة بعد اندفاع ارتدادات السابع من أكتوبر/تشرين الأول سريعًا بعناوين تتضمن حقائق ثابتة بدأت بانهيار المحور الإيراني برمته، وانتصار مدوٍ لإسرائيل يمين بنيامين نتانياهو؛ التي أصبحت اليوم من نطاق سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يريد ترسيخها في الشرق الأوسط من خلال التهديد بحرقه تارةً والعزف على وتر إحلال السلام تارةً أخرى، في كناية على أن القرارات المصيرية في المنطقة تُتخذ على الصعيد الدولي بعيدًا عن جعجعة محور نظام طهران المنهزم.
الحقيقة أن دوامة الصراع ابتلعت رأس المحور الإيراني، الذي انساق وراء عنجهية الخطاب السياسي العدائي المرتفع لأذرعه، فعجز عن إيجاد قراءة مسبقة للواقع قبل السابع من أكتوبر، واستمر فشله في إيجاد صيغ سياسية تنقذ ما بناه خلال السنوات الماضية، صيغ تحافظ على ما تفاخرت به طهران بالسيطرة والنفوذ على أربع عواصم عربية.
عجز الإيراني وفشله لم يتوقف أمام هذه فحسب، بل أيضًا كان جزء كبير منه إخفاقه في إيجاد مقاربة سياسية مع أهم لاعب في الشرق الأوسط وبوابته، وهو المملكة العربية السعودية، فدخل في تنافس واحتدام وهمي أقنع النظام به شعبه بأن الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تعيشها البلاد ستكون نهايتها “زعامة إقليمية” تنعكس عليهم بالأمن والاستقرار والازدهار، فأصبح النظام نفسه في دائرة الخطر المحقق أمام طموحات بنيامين نتنياهو الذاهبة لهدم ملالي العاصمة التي تعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية؛ أهمها البطالة وارتفاع نسب الفقر وعدم توفر الكهرباء.
انهيار إيران وسقوطها المدوي، تتابعاً بدءا من فرضية مقتل رئيسها السابق إبراهيم رئيسي، والذي حاول النظام في طهران طمس معالمها للخروج من دائرة اتهامات بالاختراق والفشل الاستخباراتي، وقل الإمكانيات اللوجيستية التكنولوجية، ليأتي اغتيال إسماعيل هنية، ويؤكد أن طهران مسرح واسع لعملاء أجهزة دولية تسرح وتخطط وتنفذ عمليات استخباراتية دقيقة بعيدًا عن أعين نظامها وعناصره الأمنيين. ليتضح فيما بعد ليس فقط رأس المحور بل جسده وأذرعه مخترقون بأكملهم، فتوالت الضربات على الحرس الثوري في دمشق وحزب الله في بيروت، لتصيب قياداتهما بشكل عمودي وأفقي، وتخرجهما من دائرة الصراع، فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
انهزام حزب الله الفعلي لم يكن بمسار الحرب أو في قصف الضاحية الجنوبية؛ بل كان باغتيال أمينه العام وخليفته في استكمال وتتويج لما سُمّي بعملية البيجر، والتي أظهرت عمق التغلغل الإسرائيلي في بنية الحزب التنظيمية والأمنية، والتي أيضًا كانت السبب الرئيسي في التأثير سلبًا على تماسك نظام بشار الأسد في دمشق، كما ألقت بظلالها على قرار تحييد الميليشيات الطائفية الموالية لطهران على جبهة العراق، فانهار توازن إيران ومحورها في المنطقة.
انعدام هامش المناورة الإيرانية على الصعيدين العسكري والسياسي زاد من شهية منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتانياهو لضرب العمق الإيراني، وجعل المجتمع الغربي بقيادة الولايات المتحدة يبحث عن خيارات تقصي الإيراني تمامًا عن المنطقة، فكان سقوط نظام الأسد الذي لم يكن لولا رضا أمريكي سمح لتركيا بتعبئة الفراغ في سوريا، وهي فرصة قرأتها بذكاء وحكمة المملكة العربية السعودية التي ألقت بثقلها الدبلوماسي لإنتاج مقاربات سياسية تسهم في بناء ثقة مع قيادة سوريا الجديدة، وتحرك المياه الراكدة بالحالة اللبنانية، ما أفضى إلى انتخاب رئيس للبنان بعد عامين ونيف من الفراغ الرئاسي بسبب مقامرات حزب الله.
بالعودة إلى بداية المقال، والقراءة الأولية في دلالات خطاب رئيس لبنان العماد جوزيف عون، تؤكد أن عهدًا جديدًا ساعيًا لاسترجاع الدولة وقوتها ومؤسساتها، وهو نقيض المشروع الإيراني وأجنداته الباحثة عن الفوضى تحت عنوان بارز؛ ميليشيات لها دول في المنطقة، ومجددًا عهد لم يكن يتحقق لولا الثقل الدبلوماسي والسياسي السعودي الهادف إلى خلق الاستقرار في الشرق الأوسط، سواء في سوريا بدعم متوازن لأحمد الشرع وقيادته، أو في فلسطين من خلال إنشاء تحالف داعم لتنفيذ حل الدولتين، أو ما تجلى مؤخرا بانتخاب رئيس للبنان بفضل المقاربة التي قادتها الرياض، وكلها مسامير دقت وتدق في نعش المحور الإيراني المتهالك.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية لبنان المحور الإیرانی الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
خبير أميركي: لهذا سوريا التحدي الأصعب لترامب في الشرق الأوسط
يفيد مقال نشرته وول ستريت جورنال بأن أصعب الاختيارات التي يمكن أن تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في سوريا.
وأوضح المقال، الذي كتبه مايكل دوران مدير مركز السلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمعهد هدسون بواشنطن، أن إنهاء برنامج إيران النووي يُعد من أولويات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن التحدي الأكبر أمامه يتمثل في سوريا، حيث تتولى حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع إدارة البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيوزويك: ما تجب معرفته عن التعزيزات العسكرية الأميركية بالشرق الأوسطlist 2 of 2أولمرت: إسرائيل على شفا حرب أهليةend of listوقال إن هذه الحكومة تعاني من ضعف السيطرة على الأراضي السورية، حيث تسيطر إسرائيل على الجنوب بدعم عسكري، وتركيا على الشمال حيث تقدم دعما مباشرا لحكومة الشرع، مما يخلق توترات متصاعدة بين أنقرة وتل أبيب.
وذكر المقال أن ترامب أشار إلى استعداده للوساطة خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، مؤكدا ثقته في قدرته على حل الخلافات، بشرط أن يتحلى الطرفان بالعقلانية.
اختبار لنهج ترامب
وعلق دوران بأن وساطة ترامب المحتملة تمثل اختبارا لنهجه في السياسة الخارجية الذي يركز على النفوذ الاقتصادي وتقليص الوُجود العسكري، مع الاعتماد على الحلفاء لتحقيق المصالح الأميركية، إلا أن كلا الحليفين، تركيا وإسرائيل، لا يثق بالآخر، رغم قوتهما العسكرية.
إعلانولفت إلى أن التوترات تفاقمت بعد أن قصفت إسرائيل قاعدة "تي فور" الجوية في سوريا لمنع تركيا من نشر طائرات مسيّرة فيها، مما ينذر بإمكانية التصعيد العسكري الذي قد يشعل الحرب الأهلية مجددا ويقوض جهود الاستقرار الإقليمي.
خشية إسرائيل من تركياوقال إن إسرائيل ترى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشكل تهديدا جديا، خاصة بعد تصريحاته ضدها واستضافته قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتخشى أن تحل تركيا محل إيران كراعية "للجهاد" ضدها. ومن هذا المنطلق، أعلنت إسرائيل بوضوح أنها ستتعامل مع أي وجود مسلح جنوب دمشق كتهديد مباشر، وتوعدت بضربات استباقية عند الحاجة.
في المقابل، تعتبر تركيا أن استقرار سوريا ضروري لأمنها القومي ولحل أزمة اللاجئين، حيث تستضيف أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري. ويعتمد جزء كبير من شرعية أردوغان السياسية على إعادتهم، مما يتطلب إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
ويقترح الكاتب أن يلعب ترامب دور الوسيط عبر خطة متوازنة: تُمنح إسرائيل حرية العمل الجوي لحماية أمنها من التهديدات الإيرانية، بينما يُعترف لتركيا بدورها الميداني في الشمال، مما يعزز أمنها الحدودي ويمكنها من التأثير في مستقبل سوريا. كما ينبغي للولايات المتحدة قطع علاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية، وهي ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما من شأنه تحسين علاقاتها مع تركيا.
قيادة تحالف دوليعلى الجانب الاقتصادي، يمكن لترامب قيادة تحالف دولي لاستثمار أموال إعادة إعمار سوريا، مع إشراك دول الخليج وأوروبا ومؤسسات مالية دولية، بحيث تستفيد تركيا اقتصاديا من خلال شركاتها في البناء واللوجيستيات، بينما تُمنح سوريا فرصة للانتعاش تحت رقابة أميركية. وستلقى هذه الخطة دعما سعوديا أيضا، حيث ترغب الرياض في استقرار سوريا وتخشى عودة الفوضى التي قد تمنح إيران موطئ قدم جديدا.
إعلانفي الختام، يرى الكاتب أن جعل سوريا منطقة عازلة شبيهة بالأردن يمكن أن يخدم مصالح الجميع: إسرائيل وتركيا ستحققان الأمن، والشعب السوري سينعم بالسلام، والولايات المتحدة ستستعيد نفوذها من دون تدخل عسكري مباشر، مما يثبت نجاح نهج ترامب في السياسة الخارجية القائمة على الوساطة والقيادة الاقتصادية.