فوائد قراءة سورة الملك قبل النوم.. تقي من عذاب القبر ودخول النار
تاريخ النشر: 11th, January 2025 GMT
ورد الأثر عن قراءة سورة الملك، أنها تقي صاحبها من عذاب القبر، وروى أبو داود (1400) والترمذي (2891) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ».
وجاء عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما أيضا أنهُ - أي صاحبُ هذه السورة - لا يُعذَّبُ في قبرِه لأنها تجادِلُ عن صاحبِها يومَ القيامة فتُنجيهِ من النارِ، أي أنها تمنعُهُ من دخولِ النار.
فضل سورة الملكجاء في الحديثِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إنَّ في القرآنِ ثلاثينَ آيةً تستغفِرُ لصاحبِها حتى يُغفرَ له تبارك الذي بيدِه الملك"، وفي أمالِيِّ الحافظِ العسقلانيِّ بإسنادٍ صحيحٍ من حديثِ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهُما عن النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أنه قالَ: "وددتُ أنها في جوفِ كلِّ إنسانٍ من أمَّتِي" أي تبارك الذي بيدِه الملك. فمن حافظَ على قراءتِها كلَّ يومٍ كان داخِلا في هذا الحديث.
كما جاء في أحاديث أخرى عن فضل سورة الملك، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر»، و«إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك»، «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار وأدخلته الجنة».
وقد أطلق عليها عدة أسماء مثل السورة المنجية، كونها تنجي قارئها من عذاب القبر، وأطلق عليها ابن عبّاس اسم المجادلة، كونها تجادل عن قارئها في القبر
قراءة سورة الملك قبل النوموالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحبّ سورة الملك، ويداوم على قراءتها كلّ ليلةٍ، وذُكر أنّه يودّ لو أنّها في قلب كلّ مسلمٍ"، لما لها فوائد كثيرة، ويثاب عليها المسلم ويأخذ الأجر الوفير.
وروى البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ".
سورة الملك مكتوبةبِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ معين(30).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سورة الملك فضل سورة الملك قراءة سورة الملك قبل النوم قراءة سورة الملك سورة الملك مكتوبة المزيد من عذاب القبر سورة الملک ه ذ ا ال ى الله الله ع
إقرأ أيضاً:
الملك بلا تاج.. لماذا رفض الأمير عبد القادر عرش الشام؟.. قراءة في كتاب
الكتاب: الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشامالكاتب:كمال بوشامة
الناشر:اتحاد الكتاب العرب، الطبعة الأولى 2024، (240 صفحة من القطع الكبير).
في هذا الجزء الثالث والأخير من القراءة التي يكتبها خصيصًا لـ"عربي21"، يُتابع الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني تسليط الضوء على محطات منسية ومواقف حاسمة في حياة الأمير عبد القادر، كما وردت في كتاب "الأمير عبد القادر وجزائريو بلاد الشام" للكاتب كمال بوشامة. بعد أن رافقنا في الجزءين الأول والثاني في استكشاف مسارات الأمير في المنفى، يأتي هذا الفصل الختامي ليكشف عن عرض فرنسي مفاجئ بتنصيبه ملكًا على بلاد الشام، ولماذا رفضه الأمير رغم ما كان يحمله من نفوذ وهيبة واحترام في المشرق العربي، متشبثًا بمبادئه ووفائه العميق لوطنه المحتل، الجزائر.
الفرنسيون واقتراحهم أن يكون الأمير عبد القادر ملكًا لبلاد الشام
لماذا رفض الأمير عبد القادر الاقتراح الذي يُوليه ملكاً على بلاد الشام؟ وما الدافع الذي جعله لا يقبل بهذا العرض؟
في هذا الجو أصبح من الطبيعي تماماً أن يبرز مرة أخرى دور الأمير ونسله وكذلك دور الجزائريين الذين يعيشون في الشام، فالقدر جعل منهم الممثلين الفعالين في الساحة السياسية في سورية وفلسطين ومصر واليمن وليبيا وتركيا والمغرب، وهكذا أكانوا مع السلطات العثمانية أو مع الحركة القومية العربية لعبوا باستمرار أدوار القادة في الأحداث التي عرفتها هذه المنطقة من الشرق الأوسط.
كانوا في كل مكان، في عام 1860، في دمشق وفي لبنان، بعد ذلك مباشرة كانوا وراء مشروع إنشاء المملكة العربية في سورية والجزائر ومشروع افتتاح قناة السويس ثم كانوا وراء حرب طرابلس على الإيطاليين والثورة العربية والمنظمات السرية الوطنية والنظام العربي في سورية والانتفاضة في المغرب وبالضبط في الريف على الفرنسيين والانتفاضة الفلسطينية خلال الثلاثينيات..
هذه المعلومات مهمة جداً، ولكن هل كانت للأمير عبد القادر بعد ذلك اقتراحات أخرى من الفرنسيين طالما كانوا مجبورين على مغادرة الشام بل على التخلي عن مشروعهم العدواني ضد هذا البلد، وطالما نعلم من جهة أخرى أن الأمير كان صديقاً للويس نابليون الثالث؟ نعم طرحتُ هذا السؤال لأنه مهم جداً، فمما جاء من اقتراح بارز من طرف الفرنسيين تجاه الأمير عبد القادر هو أنهم فكروا أن يكون ملكاً لبلاد الشام.. فقالت السلطات الفرنسية هكذا: لم لا يكون الأمير عبد القادر ملكاً للشام؟ نعم لم لا وعبد القادر مقيم في دمشق. مدينة تاريخية يرجع إنشاؤها إلى آلاف السنين وقد اختارها بدلاً من الإسكندرية وعكا وإسطنبول، إنه بالقرب من قبر سيده محي الدين بن عربي..؟ إذاً لماذا لم يكن حاكم هذا البلد؟
لقد احتسب الفرنسيون المسألة دون كرامة هذا المقاتل الذي لن ينسى أبداً أن فرنسا لم تكن صادقة معه، لأنها ما احترمت التزاماتها بعد قراره بوقف الحرب في عام 1847، فبعد ذلك لم يستطع الأمير إلا أن يرفض هذا الاقتراح "الشهير" بين قوسين، الذي صدر عن لويس نابليون الثالث والذي يجعله ملكاً لبلاد الشام التي كان يَرغَبُ في أن يراها منفصلة عن الإمبراطورية العثمانية..لقد احتسب الفرنسيون المسألة دون كرامة هذا المقاتل الذي لن ينسى أبداً أن فرنسا لم تكن صادقة معه، لأنها ما احترمت التزاماتها بعد قراره بوقف الحرب في عام 1847، فبعد ذلك لم يستطع الأمير إلا أن يرفض هذا الاقتراح "الشهير" بين قوسين، الذي صدر عن لويس نابليون الثالث والذي يجعله ملكاً لبلاد الشام التي كان يَرغَبُ في أن يراها منفصلة عن الإمبراطورية العثمانية، فَجَوابُهُ، جواب الأمير عبد القادر، كان واضحاً ومقروناً بشيء من المرارة.. مرارة ذاك "الملك" بلا "تاج" كما كان يراه السوريون باحترام كبير وصادق. نعم، أجاب بوضوح على الرسول قائلاً: "مملكتي ليست من هذا العالم إن الحق وإجفاء ما سيعطيه الله، مالك الملك، لعباده الصالحين لا يُمكن له العيش مع مملكة دنيوية".
فهذا الرد من الأمير لم يُعجب قط الجنرال شارل "دي بوفور" قائد بعثة القوات الفرنسية إلى سورية في عامي 1860، 1861 الذي كان يُمثل شخصياً الإمبراطور نابليون أمام الأمير كمبعوث خاص.
لقد ذكرنا ذلك ويقال إن "دي بوفور" ردّ على الأمير بلهجة حادة تغمرها بالطبع الكراهية والعنصرية التي تميز ضابطاً من هذا الطراز أمام "البيكو" و"البونيول" كما كانوا يُسمّون الجزائريين بلغتهم -لغة الاستبداد والعبودية-، فقد قال الجنرال "دي بوفور": "عبد القادر ما هو إلا عربي.. ناهيك عما سيكون من المفزع وضع مسلم على رأس لبنان".. هذا كلام خطير!!
فهذا الحدث قد دَوَّنَهُ الجنرال في تقرير بتاريخ 6 أكتوبر / تشرين الأول 1860، والآن هل نستطيع أن نعرف لماذا رفض الأمير عبد القادر هذا الاقتراح المهم من قبل الفرنسيين، هذا الاقتراح إن وصل لغيره لكان قد قبله ربما بكل فخر واعتزاز وبارتياح كبير.. فما الدوافع يا ترى التي جعلته يرفض ذاك العرض؟
نعم، رفض الأمير عبد القادر الاقتراح الذي يُوليه ملكاً على بلاد الشام والدافع الذي جعله لا يقبل هذا العرض بل الحقيقة هي أنه، بصفته جزائرياً.
لم يتقبل أن بَلَدَه يُعاني شرّ ما يعانيه تحت الاحتلال الفرنسي، وأن المستعمرين أنفسهم هم الذين اقترحوا عليه "مشيخة" بلد آخر، عربي ومسلم، ولكن ما سيُبعده عن المثالية التي كان يعتز بها منذ دخوله ساحة القتال والجهاد في عام 1832 " في سهل غريس"، ثم ماذا سيقول آلاف المهاجرين الجزائريين؟ وماذا سيفكر ملايين المواطنين هناك بأرض الوطن وهم يعيشون تحت نير الاستعمار بأن زعيمها هو زعيم في بَلَدٍ آخر؟ بل إنّ أميرهم قد استسلم فعلاً وقَبِلَ أَن من احتل وطنه هو الذي وَضَعَهُ على رأس دولة أخرى؟ ومن هنا من الممكن أن يقول الأمير بل يتساءل قائلاً: هَلْ رَجُلٌ غير صالح في بيته يكون صالحاً في بيوت الآخرين؟ والحقيقة هي إن قبل الأمير عبد القادر ذاك الاقتراح لَصَرَخَ كُلُّ الناس بالفضيحة الكبيرة وأكثر من ذلك بالخيانة العظمى.
فالأمير كما سَلَفَ ذكره لم يقبل عرض الفرنسيين للأسباب التي ذكرته ولكن بعد سنوات في عام 1877م عُرضت عليه المهمة نفسها من طرف إخوانه السوريين مهمة رفضها طبعاً ولكن ليس للأسباب والدوافع نفسها، أما عن إرادة الفرنسيين آنذاك كانت لهم فكرة الاستيلاء على عبد القادر الثاني يعني عبد القادر "رجل المنفى" وليس عبد القادر "رجل المقاومة" يقول هكذا الكاتب المؤرخ الفرنسي بنيامين سطوره في: في كتابه حول الأمير عبد القادر.
أما إخواننا السوريون الذين اقترحوا عليه تلك المسؤولية فلأنهم كانوا يحترمونه كثيراً ويثقون به وبأحكامه وقدراته على جمع الطاقات وتحفيز العرب على العمل والنضال وإخراجهم من سباتهم العميق كانوا يرونه الرجل الحكيم والقائد الوحيد الذي يعرف جيداً أوضاع بلاد المشرق، الشيء الذي يُمكنه من إبعاد بلاد الشام عن قبضة "الباب العالي" وهم يعني الأتراك أو الإمبراطورية العثمانية قصد إرساء مملكة عربية مستقلة.
الأمير عبد القادر الذي عاش بكل جوارحه خديعة فرنسا عندما سَجَنَتهُ، لم ينبهر" بالمشاعر الطيبة" التي أظهرها له "نابليون"، لأنه كان يعرف جيداً طموحات الفرنسيين بهذه المنطقة، سوريا ولبنان، وعلاوة على ذلك فإن الأمير بقي دائماً حذراً من تلك التحالفات التي دهورت المناخ السياسي والاجتماعي وحتى الديني في الشرق الأوسط.فعلاً رفض الأمير عبد القادر اقتراح السوريين رغم ثقتهم واحترامهم لشخصه، ورفضه هذا لا يعني شيئاً سوى ثبات عقله وتشبثه بالمبادئ التي عاش بها منذ نعومة أظفاره وقد كان بالتأكيد يعيش دوامة مع نفسه محاولاً إقناع ضميره بأسباب رفضه لهذه المهمة النبيلة العظيمة في وقت طلبت منه ليكون زعيماً على رأس العرب ليقودهم نحو التقدم والرقي، فيقول لنفسه مسوّغاً إياها حتى يضع حداً لكل التساؤلات: "لا يمكنني قبول أية مهمة على حين إن بلدي الجزائر لا يزال تحت نير الاستعمار".
وقد كان فعلاً هذا هو السبب الرئيسي والحقيقي الذي جَعَلَهُ يأخذ هذا القرار، ولكن -وهناك دائماً "ولكن"- عندما يتعلق الأمر بكبار القوم والسياسيين. نعم، فهذا الرفض لم يمنعه أخيراً من المشاركة الإيجابية بنشاطات ضمن الحركة الانفصالية التي كانت تناضل ضد السلطة العثمانية والتي أنشأها المواطنون السوريون في السنة نفسها أي في 1877م. وهكذا إذاً أظهر نشاطه بتلك الحركة الانفصالية وبحركات أخرى كانت تنشأ في بلاد الشام.
في الواقع الأمير عبد القادر لم يبق مكتوف الأيدي، فقد واصل نضاله بطرق مختلفة ليكون إيجابياً منسجماً مع نفسه بأوساط كان مجتمعها يعاني تدخلات شتى وتحالفات غير طبيعية، ثم أوضاعاً صعبة من قوات الغرب كما أشرنا إليه سابقاً. فالأمير لم يتقاعس عندما يتعلق الأمر بالنظر في المسائل التي تهم الجميع، فكان موجوداً في أهم الحركات التي أُنشئت بالمنطقة.
وهذا ما أكدته في بداية العرض بأنّ الأمير عبد القادر عندما دخل إلى دمشق كان ساكناً بقلوب كل الجزائريين الذين عدوه في مرتبة "الأب الروحي". هذه المحبة منحت له أيضاً من طرف كل الشعب العربي في الشرق الأوسط. فكل هذا الوقار هو لأن الأمير بمجرد دخوله إلى الشام لم يتظاهر بعدم القلق لكل معضلات البلد الذي أواه وقدم له كل وسائل الراحة، فلم يقل في مثل هذه الحالات: "إن النار ليست بمنزلي" بأسطورة "جحا"! إذاً فلماذا يكترث هذا الرجل طالما المصيبة عند غيره؟
لقد كان الأمير عبد القادر مُنتبهاً بل كان يعيش كل معاناة إخوانه السوريين وكفاحهم المصيري لتخليص أنفسهم من الحضور الأجنبي وعواقبه المتعددة، فدخل الأمير، ومعه كل الجزائريين المقيمين في الشام بالنضال الوطني تلقائياً وهم يواصلون ما بدؤوه في وطنهم الجزائر، فأدرجوا بالتاريخ أسماءهم بأحرف ذهبية، فلهذا السبب بات من الضروري إعلام الشباب بمساهمتهم في كل هذه الظروف التي مرت بها سوريا تحت ضغط التحالفات والعدوان الأوروبي.
فالأمير عبد القادر الذي عاش بكل جوارحه خديعة فرنسا عندما سَجَنَتهُ، لم ينبهر" بالمشاعر الطيبة" التي أظهرها له "نابليون"، لأنه كان يعرف جيداً طموحات الفرنسيين بهذه المنطقة، سوريا ولبنان، وعلاوة على ذلك فإن الأمير بقي دائماً حذراً من تلك التحالفات التي دهورت المناخ السياسي والاجتماعي وحتى الديني في الشرق الأوسط.
إقرأ أيضا: الأمير عبد القادر في الشام.. من منفى قسري إلى صرح لوحدة الأمة.. كتاب جديد
إقرأ أيضا: الأمير عبد القادر في دمشق.. بطل جزائري يُنقذ المسيحيين ويُسكت مدافع الفتنة