قالت دار الإفتاء المصرية، إن الشريعة الإسلامية أرست في نفوس المسلمين مبدأ الإيمان بقضاء الله تعالى وقَدَره، وجعلته ركنًا من الإيمان لا يكتمل إيمان العبد إلا به، كما في حديث جبريل عليه السلام المروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حينما سأل جبريل عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان، قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

أهمية القضاء بالله وقدره

 

والبلاء والوباء من قضاء الله تعالى وقدره، وأول ما يجب على المسلم فعله إذا ما نزل به بلاءٌ أو أصابه وباءٌ هو الرضا به والصبر عليه دون جزع أو نفور؛ لما تقرر أن قضاء الله تعالى كله خير؛ فعن صهيب بن سنان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» متفق عليه.

ومن الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم هو الرجوع إلى الله تعالى والتذلل إليه بالدعاء بكشف الضر ورفع البلاء، امتثالًا لما أمرنا به من وجوب التضرع إليه عند وقوع الشدائد والبلايا؛ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (11/ 356، ط. مؤسسة الرسالة): [فهلا إذ جاء بأسنا.. "تضرعوا"، فاستكانوا لربهم، وخضعوا لطاعته، فيصرف ربهم عنهم بأسه؛ وهو عذابه] اهـ.
وقال الإمام البغوي في "تفسيره" (2/ 123، ط. إحياء التراث): [﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ﴾: بالشدة والجوع، ﴿وَالضَّرَّاءِ﴾: المرض والزمانة، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام: 42] أي: يتوبون ويخضعون، والتضرع السؤال بالتذلل، ﴿فَلَوْلَا﴾ فهلا، ﴿إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ عذابنا، ﴿تَضَرَّعُوا﴾ آمنوا فيكشف عنهم] اهـ.

ومن اللآداب أيضًا الاعتقاد بأن الله وحده قادر على رفع البلاء، من غير حول منا ولا قوة؛ قال تعالى: ﴿قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْب﴾ [الأنعام: 64]، وقال تعالى: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ﴾ [النجم: 58].
كما يجب الأخذ بجميع أسباب الوقاية وأساليب النجاة؛ حيث جرت العادة أن يخلق الله الفعل عند وجود سببه، ولأن في الأخذ بأسباب الوقاية والسلامة امتثالًا لما أمر به الشرع الشريف من اجتناب مواطن التهلكة وحفظ النفس من الضرر، قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ [البقرة: 195]، وكما أمرت السنة النبوية بالفرار من المجذوم وذوي الأمراض المعدية.


ويجب على المسلم أن يحسن الظن بالله تعالى، ويدرك أن رحمة الله تعالى وسِعَت كل شيء، فإن كان ممن قد ابتُلي بالمرض فيكون ظنه أن الله ما ابتلاه به إلا لأنه يحبه، وأنه قادر على رفع البلاء عنه، وإن لم يكن قد أصيب به، فيكون ظنه بالله أنه لن يصاب به طالمًا كان ملتزمًا بأسباب الوقاية، وبأن الله دافِعُه عنه ورافِعُه عن كل مَن أصيب به؛ قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ﴾ [يوسف: 87].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَ» متفق عليه.
قال الإمام القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/ 172، ط. دار الوفا): [وقوله: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي». قيل: معناه: بالغفران له إذا استغفرني، والقبول إذا أناب إليَّ، والإجابة إذا دعاني، والكفاية إذا استكفاني؛ لأن هذه الصفات لا تظهر من العبد إلا إذا أَحسن ظنه بالله وقوي يقينه] اهـ.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: القدر القضاء صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه الله تعالى قال تعالى الله ت

إقرأ أيضاً:

من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم

يمانيون/ صور

من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم

مقالات مشابهة

  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم
  • كيفية التعامل مع الزوج العصبي في رمضان؟.. خبيرة علاقات أسرية تجيب
  • شيخ الأزهر يُوضِّح حقيقة اسم الله الجليل.. ويحذر من الخلط بصفات البشر
  • الإمام جابر بن زيد
  • شيخ الأزهر: الإنسان دائم الاحتياج إلى الله تعالى وهو وحده حسيبه وكافيه
  • شيخ الأزهر: نصيب العبد من اسم الله الحسيب يكون بالبذل والعطاء والمساعدة
  • رزق تطلبه ورزق يطلبك
  • رمضان شهر اغتنام الفرص
  • بعد وفاة طالبة المنوفية.. استشاري يوضح كيفية التعامل مع الضغط النفسي