كل يوم تشرق الشمس على غزة كما تشرق على العالم أجمع، لكنها هناك تشرق على ألم ومعاناة وقتل وتشريد ونزوح، في بقعة صغيرة مكتظة بالسكان، لا تزيد مساحتها عن 360كيلومتراً مربعاً، تُكتب قصص الموت والفقدان بحبر الدم والدموع، يُقتل أبناء غزة يوميًا، في صمت عالمي يكاد يكون تواطؤًا، وكأن الوقت هنا يختلف، وكأن أرواحهم ليست كباقي الأرواح.
في غزة يجسد الصمود الأسطوري، الذي لا مثيل له في العالم.
في غزة، يُولد الأطفال تحت قصف الطائرات، وتكبر أحلامهم في ظل الحصار. والدمار والموت. لكن كل حلم يُذبح مع أول انفجار، وكل طموح يُسحق تحت ركام البيوت المدمرة. في الوقت الذي ينام فيه العالم على وسائد الراحة، وأسرة النوم الهادئة، يُوقظ أهالي غزة على أصوات الانفجارات، وصرخات الأمهات الثكلى، وألم الفقد الذي لا يشفى.
شهداء غزة هم قصة الإنسان المظلوم الذي يُقتل مرتين: مرة بالجسد، ومرة بالصمت العالمي، والتواطئ العربي.
يموتون في مشاهد تتكرر كل يوم، لكنهم يحملون أسماء مختلفة وأعمارًا تبدأ من الطفولة ولا تنتهي بالشيخوخة. الطفل الذي كان يضحك في زقاق الحي، يصبح غدًا صورة على جدار، والشابة التي كانت تعد خططها للمستقبل تصبح اليوم ذكرى تؤلم العائلة كلها.
إن ما يحدث في غزة ليس فقط حربًا عسكرية، بل حرب على الحياة ذاتها، حرب إبادة جماعية، تؤكد وحشية هذا الكيان الغاصب، الذي يسعى لإهلاك الحرث والنسل، تُحاصر غزة من البر والبحر والجو، تُحرم من الكهرباء والماء والغذاء، ومع ذلك، يعيش أهلها. يقاومون ليبقوا على قيد الكرامة، رغم أن العالم يدير ظهره، وينظر إلى ساعته كأن توقيت غزة لا يعنيه.
“شهداء مع فارق التوقيت” هو الوصف الذي سمعته من الإعلامي سلمان البشر مراسل تلفزيون فلسطين وهو ينعي زميله محمد أبو حطب، كان ينعي زميله ويصف ما يحدث في غزة ودموعه تنهمر على خديه..
لم اتمالك نفسي، فأجهشت بالبكاء… وسالت دموعي.. ولكني. بدأت أفكر في الواقع المأساوي، الذي يعيشه أبناء غزة.
دمار شامل.. وكأن طوفان أو زلزال.. هد منازل الغزة.. المقاطع المصورة التي تظهره بعض القنوات لواقع مدينة غزة.. قبل.. وبعد العدوان.. مشاهد لا تصدق.. أين البنيات والأبراج والمساكن.. أصبحت اطلالاً، واثراً بعد عين.
في غزة يتكرر الموت كل يوم بينما يعيش الآخرون حياتهم المعتادة. تُقصف الأحياء، وتُستهدف المدارس والمستشفيات، لكن الحقيقة الكبرى أن الضحية هنا ليست فقط الإنسان، بل الإنسانية جمعاء.
لم تعد غزة مدينة يسكنها الاحياء، بل باتت مقبرة جماعية.. تحكي قصة صمود أبنائها.. الذين رفضوا ترك أرضهم وفضلوا الموت على تراب وطنهم، خيرٌ من الحياة في مخيمات اللجوء.
مع كل جنازة جديدة، وفي كل صرخة طفل تحت الأنقاض، تتجدد دعوة للإنسانية أن تستيقظ. أهل غزة لا يطلبون المستحيل، فقط أن يعيشوا كباقي البشر. لكن يبدو أن الوقت في غزة يمضي وفق عقارب خاصة، عقارب تدق بالموت، وتترك العالم يتفرج.
ومع ذلك، فإن شهداء غزة ليسوا مجرد أرقام أو أسماء تُضاف إلى قوائم الضحايا، بل هم شعلة مقاومة. كل روح تُزهق تترك رسالة: إن غزة، رغم كل الألم، لن تنكسر. شهداؤها هم وقود الصمود الذي يبقيها واقفة رغم كل شيء.
وغزة، كما عهدناها، ستظل تقاوم، ولن يموت أبناؤها، فشعبنا اليمني واقف ومساند وداعم لأبناء غزة. فنخن معهم نموت سوياً، أو نعيش معاً، غزة باقية ما دام فيها شعب يرفض الاستسلام، حتى وإن كانت أرواحهم تُزهق بفارق توقيتٍ عن بقية العالم.، فإن الحقيقية أن صمود أبناء غزة وتضحياتهم هي من ستعجّل بزوال الكيان الصهيوني الغاصب، وسيبدأ معها ميلاد تاريخ جديد..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الذي يدور في عقل ترامب؟
قال المجاهد العربي العظيم عمر المختار مرة: إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك. وبالتأكيد أن الضربات المتتالية التي يتلقاها العرب لم تقصم ظهورهم ولا نالت منهم، ورغم كل مؤامرات الكون لا زلنا واقفين وصامدين إلى أن تقوم الساعة.. هذا ما أراده الله لهذه الأمة. مهما حصل فما يؤلمك اليوم قد يكون السبب في كونك قوياً غدا، كما قال نجيب محفوظ. صخرة ألقاها دونالد ترمب في بحيرة العرب الراكدة لتعكر صفوها وتخلطها رأساً على عقب، معلنًا عن رغبته في تهجير أهل غزة من القطاع إلى الخارج وتحديدا إلى مصر والأردن ودول أخرى بادياً رغبته في تملكها بأي طريق سواء كان بالشراء أو الاستيلاء أو الاستعمار وطرد أهلها منها. والوعد بتحويلها إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ومزارع من عنب ورمان (ريفييرا الشرق الأوسط) ينعم الساكنون فيها بفلل وملاعب جولف ومسابح، كل ذلك ولا يحق للفلسطينيين العودة إليها أو السكن فيها.
ما يمتاز به ترامب هو الصراحة والشفافية ولا يجيد المراوغة أو الدبلوماسية، وفي نفس الوقت الغرور والصلف والمكابرة والتباهي بالنفس، هذه الصفات تزعج الكثيرين بالطبع وتحرج آخرين من الزعماء أمام شعوبهم. يريد ترامب اللعب على المكشوف، وربما المرحلة تتطلب ذلك لتدفع العرب إلى التفكير أيضاً بشكل مختلف وبصوت مسموع بما يتوافق مع ذلك، لتدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع العربي الصهيوني.
الأفكار التي أطلقها ترامب كانت كفيلة بإشعال الأوساط وما زالت ارتداداتها تتفاعل ولم تنتهِ بعد، وما أن يشعر ساكن البيت الأبيض بخفوتها يشعلها بإطلاقه مزيدا من التهديد والوعيد وفتح أبواب جهنم. يحلو لساكن البيت الأبيض ترديد سرياليته المقيتة وأحلامه الغريبة. ذلك الساكن لا يراعي ذمة ولا أخلاقا ولا قانونا أو عرفا ولا حتى إنسانية، فهو ليس إلا تاجر سمسار ومرابٍ لا يهمه في الأمر شيئا غير جمع المال، العالم في فكره ليس إلا مصرف كبير يجمع منه الأموال، والعالم العربي ليس في فكره إلا أكوام من المال والثروة التي تقع تحت أيادي من لا يحسنون التصرف بها ولا يستحقونها وله الحق وحده في الاستيلاء على تلك الثروة دون شفقة أو مبرر.
تلك الأفكار الجهنمية التي طرحها في لحظة عنفوان تلقفها رئيس وزراء إسرائيل وزبانيته المتطرفون وصفقوا وهللوا لما يسمعون مما تجاوز حتى أحلامهم، بل وصل تماديه إلى إعلانه بشكل مستفز عن مقترح نقل أهل غزة إلى المملكة العربية السعودية و«إقامة دولة فلسطينية على أراضيها الواسعة» وهي بلا شك نظرة لا أخلاقية واستعلاء وخرق فظ لكل الأعراف وللقانون الدولي.
وفي الحقيقة ترامب رغم مغامراته النزقة إلا أنه لو افترضنا أنه يريد حل القضية الفلسطينية وغزة إلا أنه لم يقدم خطة مدروسة، كل ما قدمه تصريحات عنترية وتهديدات ووعيد. وعندما شعر بعدم قبولها طالب العرب بالبديل قائلا لهم «إذا رفضتم الخطة، فعليكم طرح أفكاركم». وأن يقدموا خطة متكاملة لترامب كما صرح بذلك وزير خارجيته روميو. العرب بدورهم تفاعلوا مع تلك الأفكار وسارعوا إلى الإعلان عن إقامة سلسلة من القمم العربية والإسلامية للرد على تلك الخطة الزئبقية. ما يتم تداوله الآن من خطة عربية أو خطة مصرية أو الورقة المصرية لحل قضية غزة رغم أن تفاصيلها لم تعلن بعد إلا أنه هناك بعد الوشوشات عن اقتراح تم تنسيقه مع الأردن وقطر والإمارات والسعودية، يقوم على رفض فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم في الخارج. والخطة تشمل أيضاً إعادة إعمار القطاع على مراحل تستمر 5 - 10 سنوات بتمويل عربي (دول الخليج) وبتنفيذ شركات مصرية وأمريكية. على أن يتم تشكيل إدارة فلسطينية في القطاع تتحمل المسؤولية عن إدارة وتنسيق نشاطات الأجهزة المدنية الحيوية، والخدماتية، وتكون مسؤولة عن معبر رفح.
تلك الخطة الظاهرة التي يتم تسريبها واضحة تماماً، لكن الخشية من المخفي منها أو العبارات القابلة للتأويل والتفسيرات المختلفة ومراوغتها وهنا الخطورة. والسؤال الذي بات يطرح على نطاق واسع وبشكل متسارع هو، هل يلدغ العرب من نفس الجحر مرتين؟ وهل يبتلع العرب الطعم الذي رمي لهم؟
لا نريد الخوض فيما يعتقده المرتجفون ويعتقدون أن تدمير غزة جاء بسبب حماس والمقاومة. في المقابل يعتقد الكثيرون أن ما عجز عنه الصهاينة وداعموهم طوال الخمسة عشر شهراً من تدمير ومذابح لا يجب على العرب تقديمه على طبق من ذهب وما لم يستطعه نتنياهو من أهداف أعلنها في بداية عدوانه سيتحقق بشكل آخر.
على أمل أن يدرك العالم أجمع بما فيهم العرب بأنهم من حاصروا غزة ومنعوا عن أهلها الدواء والغذاء ووضعوهم في سجن كبير فقط بدون سقف ومنطقياً طال الزمن أو قصر سيأتي يوم وينفجر الوضع، والعالم كله يدرك أنه ليس طوفانا بل طوفانات كثيرة سوف تأتي إن ظلت غزة محاصرة للأبد.
يدرك المرتجفون أنهم سبب كل البلاوي والتراجع وأنهم قدموا خدمات جليلة للصهيونية والغرب. وإن ما يقدمونه كخطة للترامب (إن كان ذلك ضروريا) عن غزة تتضمن التخلص من حماس والمقاومة وذلك بالضبط ما يريده نتنياهو والغرب أجمع. الشيء الآخر، أغلب العرب الفاعلون على الساحة الآن الذين يتصدرون المشهد ويطلب منهم تقديم خطة لغزة هم بالأساس يضعون حماس والمقاومة في صف الأعداء وصنفوها في خانة الإرهاب ووسموها بالحركة الإرهابية، أي منطق هذا؟ هل ستكون الضمائر والنخوة العربية ومعاناة الفلسطينيين والأمهات الثكلى ودماء الشهداء حاضرة في أذهانهم وهم يفكرون في تقديم خطتهم. شيء آخر، أيضا، إن ارتفعت الأصوات منذ بداية الحرب على غزة أن العرب لديهم الثروة لإعادة بناء غزة، لا يهم ذلك فليفعل نتنياهو تدميراً وقتلاً ويرتكب المذابح طالما هناك من يعيد البناء. لماذا لا يتصدى العرب ويطالبون العالم بأجمعه وخصوصاً تلك الدول التي ساهمت في تدمير غزة وأرسلت الأسلحة، لماذا لا يتحملون ما اقترفته أيديهم من إجرام؟
ها هو ترامب يطلب من أوكرانيا تقاسم معادنها وثرواتها كتعويض عن الأسلحة والدعم المالي الذي دفعوه لهم. لماذا العرب لا ينطلقون من هذا طالما هذا هو منطق الغرب.
إسرائيل ليست بتلك القوة المتصورة التي كانت تروج لها، المقاومة الفلسطينية الشجاعة كسرت هذه الغطرسة ومرغت أنوفهم في وحل ورمال غزة ولم تعد سردية القوة وما يروجونه قائمة ولن تصمد، فإسرائيل والغرب لم يستطيعوا تدمير «حماس»، وبات العالم كله يدرك أن قوتها تلك مصنوعة وبمساعدة وحماية الغرب.
الابتزاز الأمريكي للعرب لا يتوقف عند حد معين، فمن المطالبة بدفع مبالغ على شكل استثمارات أو شراء أسلحة أو إعادة تعمير ما تدمره إسرائيل إلى التهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن والكل يعرف أن الرابح الوحيد ليس هذه الدول فقط إذ أن الأمريكيين لم يمنوا بتلك المساعدات لسواد عيون هذه الدول أو بنوايا صافية في الرغبة بالمساعدة، الأهداف من تلك المساعدات هو الحفاظ على الاستقرار في المنطقة وتخدم أمريكا أكثر، وأن الأموال الأمريكية التي تدفع للأردنيين ليست مساعدات بقدر ما هي «بدل خدمات لا يفيد» كما علق أحد الأردنيين. وفي مجمل الحال لا تشكل المساعدات الأمريكية الموسمية ما تزيد قيمتها التأثير على الميزانية عن 5-7% فقط، ما يعني أنه يمكن بقليل من الترشيد والتفكير خارج الصندوق الاستغناء عنها. على حد رأي خبير أردني.
المطلوب من القمم العربية هو ترسيم استراتيجية عربية للتعامل مع هذه الدول العربية، بالتأكيد تملك الكثير من الأوراق وتستطيع استخدامها عند الضرورة وليس أفضل من هذا الوقت فإذا حيدنا سلاح النفط عن العملية فأننا بالتأكيد أمام أوراق أخرى وفاعلة جداً وأهمها هي وحدة العرب ورص صفوفهم وتكتلهم في كلمة واحدة. ناهيك عن ورقة التطبيع التي تلهث خلفها إسرائيل وترامب ويريدونها دون ثمن بالإضافة إلى وقف الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان الذي لم تلتزم هي بها، ماذا لو لوحت الدول المطبعة بوقف التطبيع وقطع تلك العلاقة؟
الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وهي الدولة الرائدة والقائدة في عالمنا العربي هي لوحدها تملك الكثير من الأوراق التي لا يملكها غيرها من الدول وما يتميز به الأمير محمد بن سلمان من قدرة على القيادة بلا شك سيكون له الأثر الفعال في وقوف هذا التخبط العربي، بالإضافة إلى أن نوايا السعودية قد تكون أكثر صدقاً من غيرها من الدول وذلك لما لها من قداسة ورمزية لدى المسلمين والعرب. بمجرد ما تعلن المملكة عن موقفها القاطع غير القابل للمفاوضات والنقاش وغير المساومة في تحقيق سلام عادل ودائم لن يكون ممكناً دون تحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولن توافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون تحقيق هذه الحقوق المشروعة. مجرد هذا الإعلان وبنوايا صادقة سوف تتداعى معه دول عربية أخرى وإسلامية ويخلق زخما وديناميكية مختلفة.