أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، أن التوكل على الله يتطلب أولًا الثقة الكاملة به سبحانه وتعالى، لافتًا إلى أهمية أن تكون ثقتنا بالله أعظم من ثقتنا بما نملكه بأيدينا، وأضاف أن التوكل الصحيح يعني التسليم لأمر الله والرضا بقضائه، مما يمنح الإنسان راحة نفسية وسكينة داخلية تجعله يواجه العالم بقلبٍ مفتوح وابتسامة دائمة.

الرضا سر السكينة والهداية

وأشار  جمعة إلى أن الرضا بفعل الله يعكس حالة من التسليم التام، موضحًا أن مشايخنا الكبار -رضي الله عنهم- كانوا قدوة في هذا المجال. فقد كانوا يتعاملون مع الناس برفق ولطف، حتى مع من جاءهم معترفًا بذنوبه، فلم يكونوا يعنفونه أو يوبخونه، بل يوجهونه نحو طريق الهداية دون أن يفضحوا سره أو يخوضوا في عرضه.

وأضاف أن هؤلاء المشايخ كانوا يرون أنفسهم دائمًا في حاجة إلى الله، ويرفضون الحكم على الآخرين. وكان أحدهم يقول: "أنا لا أعرف مكانة أي إنسان عند الله؛ قد يكون من ارتكب المعصية قد تاب وأصبح من كبار الأولياء".

التعامل مع الخلق بوعي التوكل

أكد جمعة أن مشايخنا علمونا أن "دع الخلق للخالق" هو أساس التعامل مع الآخرين، مشيرًا إلى أن الحكم على الناس أو التكبر عليهم بسبب الطاعة هو نوع من الفساد القلبي. واستشهد بحديث النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

التحذير من التكبر والانشغال بعيوب الآخرين

أوضح  جمعة أن التكبر على الناس ورؤية النفس أفضل منهم هو فساد قلبي خطير. وأشار إلى أن انشغال الإنسان بعيوب الآخرين بدلًا من عيوبه هو علامة على فقدان التوازن الروحي والنفسي، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «طوبَى لمن شغلَهُ عيبُهُ عن عيوبِ النَّاسِ».

 

اختتم الدكتور جمعة رسالته بالتأكيد على أهمية التوكل على الله، والثقة برحمته وعدله، والرضا بأمره. فبهذا التوكل والرضا تهدأ النفس، ويصبح الإنسان قادرًا على التعامل مع الآخرين برحمة وحب، مما يفتح أبواب الهداية والخير.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جمعة التوكل الله الدكتور علي جمعة الرضا

إقرأ أيضاً:

هل يسامح الله من تاب عن أذية الناس؟.. أمين الإفتاء يجيب

أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من أساء إلى أحد الأشخاص في الماضي، ثم ندم على فعلته وانقطع تواصله مع هذا الشخص، فباب التوبة والمغفرة مفتوح ما دام الإنسان صادقًا في توبته وساعيًا في تصحيح خطئه.

وقال "الورداني"، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء: "السؤال عن الإساءة للغير والقلق من العقوبة يوم القيامة يدل على حياة القلب وصدق التوبة، ولكن يجب أن نُحذر من أن يتحول هذا الندم إلى جلد للذات، فجلد الذات مرفوض شرعًا، لأنه نوع من أنواع عدم الرضا بمراد الله في التوبة والمغفرة".

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أنه على من أساء في الماضي أن يستغفر الله بصدق، ويدعو لمن أساء إليه، وإذا استطاع أن يبلغه أو يحسن إليه فليفعل، فالحسنات يذهبن السيئات، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم.

وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية "الأهم هو أن يكون هدفك هو رضا الله عنك، مش رضاك أنت عن نفسك. لو ركزت إن ربنا يرضى عنك، هتبدأ تعبد وتُقبل عليه بإخلاص، وتُحسن لمن حولك، بدل ما تفضل تعذب نفسك بالندم والتأنيب".

وتابع: "ربنا غفور رحيم، والتوبة ميثاق بين العبد وربه، وإن لم تستطع رد الحق ماديًا، فادع لمن ظلمته، واستغفر له، وابحث عن فرص لفعل الخير باسمه أو نيابة عنه".

هل يجوز الذهاب لعرفات مباشرة وترك المبيت يوم التروية؟.. الإفتاء تجيبهل الصلاة بدون وضوء بعد الاغتسال من الجنابة باطلة؟.. الإفتاء تجيب

شروط التوبة النصوح

وكان الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، عرّف التوبة النصوح بأنها هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع. 

وأوضح علي جمعة من خلال الصفحة الرسمية لفضيلته عبر فيسبوك، مفهوم التوبة النصوح قائلاً: قيل هي: "الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود".

وأشار إلى أنه لا بد من المراجعة الدائمة لأنها عظيمة النفع في ترقي الإنسان وخلاصه من الدنايا، ولقد ضرب لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلًا من نفسه؛ حيث قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة».. [رواه الترمذي].

وأوضح المفتي السابق أن سُنة الله في طبيعة البشر اقتضت أن تكون تلك التوبة والمراجعة دائمة، فلا ينبغي أن نمل من كثرة التوبة إلى الله، ولا نمل من مصارحة النفس بالعيوب والقصور، ولا نمل من الإقلاع بهمة متجددة لرب العالمين، والله يحب من عبده إذا أخطأ أن يرجع عن خطئه، حتى لو تكرر الخطأ أو الخطيئة، فهو يقبل التوبة من عبادة ويعفو عن كثير. 

واستشهد فضيلته بما جاء بالحديث النبوي الشريف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».. [رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك].

وأوضح جمعة أن التوبة تخرج الإنسان من ذنوبه، وكأنه لم يفعل ذنبا قط، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ».. [رواه ابن ماجه].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار والتوبة إليه ليترقى في درجات القرب، وليعلمنا كثرة الاستغفار، فقال -صلى الله عليه وسلم- : « إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً ».. [رواه ابن ماجة في سننه].

وأضاف فضيلته أن التوبة منها توبة عن المعاصي والذنوب، ومنها الإنابة وهي أعلى من التوبة، حيث يخرج الإنسان كل ما سوى الله من قلبه، فيفرغ قلبه من السوى، وينشغل بالله سبحانه وتعالى وحده، ثم تترقى الإنابة إلى أن تكون أوابا، والأوبة هي الرجوع التام إلى الله سبحانه وتعالى، ويتأتى ذلك بإقامة الدين في النفس، قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.. [الروم : 30 -36].

مقالات مشابهة

  • هل يسامح الله من تاب عن أذية الناس؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • محمد حامد جمعة يكتب: المضاغطات
  • علي جمعة: أهل السنة هم أصحاب المنهج العلمي في الفهم والتوثيق
  • علي جمعة: حب الله ورسوله وأهل بيته من أركان الإيمان
  • من النبي الوحيد الذي يعيش قومه بيننا حتى الآن؟ علي جمعة يكشف عنه
  • هل موت الفجأة من علامات سوء الخاتمة؟.. علي جمعة يجيب
  • علي جمعة: الفهم الصحيح لآليات التعامل مع الموروث الإسلامي من أسباب النهضة الحضارية
  • خارج الأدب | علي جمعة يوجّه تنبيها مهمًا لهؤلاء الطلاب
  • سامحوني
  • علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب