تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

  «وفي البداية كان الغنا موال.. أصبح حكاية شعب وسط الغنا يتقال»

الأدب الرفيع والتخلص من الإرث الثقافي

تعج المنتديات الثقافية بالحديث حول الأدب الرفيع وهو أدب المنتديات والخلوات الثقافية التي تعج بالأدباء، والكُتاب، والمثقفين، والمنظرين، والمفكرين، والفلاسفة، لكن تلك المنتديات لم تحمل في جمعها إلا تلك النظرة «نظرة التعالي» نحو الثقافة الشعبية أو الثقافة التي تخرج من الجماعة الشعبية، وتنتجها سواء في شكل فني «غناء أو رقص، أو حتى موال أو مثل شعبي أو حكمة تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل»، فالمعاناة والبساطة وعدم القصدية في إنتاج هذا الإرث جعله يتحدى كل تلك الأحاديث التي لن تخرج منها متحصلا على شيء سوى بعض المصطلحات الغربية والبعيدة كل البُعد عن ثقافتنا وهويتنا الثقافية.

 

فمن أين يأتي الإبداع الجمعي؟ 

دعونا هنا بما أننا نتحدث عن الغناء الشعبي وهو الملف الذي تفتحه جريدة البوابة ليكون بداية حقيقة في إعادة التفكير نحو الثقافة المصرية، وإذا كانت الدولة المصرية تستهدف في استراتيجيتها الجديدة نحو بناء الإنسان فدعونا ننزل في أعماق هذا الإنسان المصري ونعرف ماذا يحمل من إرث وموروث ثقافي نعمل على تنميته والحفاظ عليه ودراسته أيضًا حتى يستطع أن يواصل ويتقدم في مسيرته في ظل هذا الكم من المتغيرات الكبيرة على المتجمعات وتحول العالم كله على مقربة منك بمجرد ضغطه على زر الهاتف المحمول، فهل سنصبح جميعًا مجرد «خوارزميات» في العالم المتغير، دون هوية ودون إرث ودون تراث...؟ سيظل التساؤل مفتوحات فهل سيمنحنا العصر الحديث مجالا لإبداع الجماعة الشعبية في ظل مواصل التواصل الاجتماعي التي عزلت الأسرة عن بعضها البعض.. فمن أين سياتي الإبداع الجمعي في ظل ظهور أصوات تنادي بضرورة تنقية التراث وعزله وغربلته والتخلص من الأشياء التي يرونها- بين علامتي تنصيص- على أنها لا يليق بأن تتواجد في ظل هذا التطور.

 لعل تلك الكلمات تذكرني بإحدى محاضرات الأستاذ الجليل الراحل أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي- رحمة الله عليه- كان يرى تلك الجماعات التي تحمل صبغة "الأدب الرفيع" حينما كان يحضر منتدياتهم ومعه أحد عازفي الربابة أو أحد المغنين الشعبيين أو إحدى الفرق الموسيقية والغنائية الشعبية الذين يرتدون الجلباب المصري بكل تفاصيلة العمامة والصديري، الجلباب الصوف الثقيل ذي فتحه الصدر الكبيرة ويوجد أسفله الصديري ذو الوجه الحريري المخطط بخطوط رفيعه بنية أو رمادية وبه جيب صغير ليضع به نقوده والخلفية القطن وفتحات الجيوب بالأجناب. 

ووقتها أتذكر جمله الدكتور أحمد على مرسي «أنا بتاع فلكلور لامؤاخذه»، وكان هذا ردًا على أحد الحضور حينما قال له: «أنت مش هتبطل تيجي بالناس دي يا دكتور»، فقد كان الدكتور أحمد على مرسي من أهم الأساتذة الذين انغمسوا في التراث والموروث الثقافي ودخلوا عالم الأدب الشعبي من مجاورته لرواده وهم الفنانون الشعبيون التلقائيون الذين حفظوا السيرة وتناقلوها من جيل إلى جيل دون أن يعرفوا القراءة والكتابة تعلموا العزف التلقائي على الآلات الموسيقية دون نوته ودون عصا المايسترو، أشدوا بأعذب الالحان وغنوا بقامات موسيقية متفردة لا يوجد مثيل لها سوى عند المطربين الشعبيين التلقائيين دون تدريب أكاديمي أو الجلوس أمام «بيانو» لضبط الصوت، كانت التعليم عن طريق التلقين والتدريب والاستماع والتجربة حتى تبرز الموهبة وتتجلي دون عناء تأتي الموهبة من تلقاء نفسها ولهذا يطلق عليها الفن التلقائي والذي أيضًا يمكن أن يتوارث جيلا بعد جيل. 

حكاية شعب حمل إرثه وعبر به الزمن 

الغناء الشعبى يفتح باب التساؤل هل سيكون الإنسان «خوارزم» فى العصر الحديث؟

 

والحقيقة أنه الأمر لم يتعلق بالدكتور أحمد مرسي فقط في دفاعه عن التراث والموروث الثقافي وضرورة الحفاظ عليه وهو ما قاله من قبله المفكر الكبير يحيى حقي في كتابه العبقري «تعالى معي إلى الكونسير»، قائلاً بعد أن دخل في حوار مع أحد حاملى لواء الأدب الرفيع: «تقبلت التراث، بل حمدت الله من كل قلبي أنه وصلنا ولم يمت، وأن شعرت أحيانًا أنه وليد عصر غير عصرنا، طابعه المودة والصبر وضبط الأعصاب وحسن الأدب، حتى الانفعال له منطق وحدود، قفل النوافذ لمنع ضجة الحياة ليروي لك شيخ مجرب حكايته في هدوء من أولها آخرها، روابط الفقرات في أماكنها ، والنقط فوق الحروف، أو الاستماع لعاشق رومانسي لا تستنفد آهاته حبه، ولا يلحق الفكر بخياله، وواجب عليك إن سمعت الحكاية أو التأوهات أن تصبر لها ولا تقاطعها»، هكذا كان يرى التراث، وكان يرى ضرورة الإنصات إليه وليس التعالى عليه أو التخلي عنه أو تركه أو تنقيحه وإخفاء معالمه، كيف لنا أن نعرف كيف كنا نعيش حتى نستطيع أن نواجه المستقبل القادم دون أن يكون لدينا هوية حقيقية؟ وأننا إذا أردنا أن نفهم نوعا ما من الموسيقى- على سبيل المثال- يجب أن نعود لتراث تلك الموسيقى في البداية حتى نستطيع أن نعيها ونفهمها جيدًا. 

هناك نوعان من الموسيقى، الموسيقى التي خرجت من مؤلفها مستعينًا بالآلات الموسيقية الاحترافية، والموسيقى الشعبية، التي تخرج من الجماعة الشعبية معتمدة على الأدوات المتوافرة في بيئتها، كاستخدام الأكواب الزجاجية والمعلقة في العزف في فرق القنال وهو لون من ألوان الغناء الشعبي الذي ظهر في منطقة القنال، خلال فترة حفر القناة، فقد ظهرت فنون وغناء عبارة عن مزيج مختلف من كل ألوان الغناء في كل ربوع مصر والذين أتوا بالسخرة والعبودية لحفر قناة السويس وكان العمال بعد يوم طويل من التعب تحت أشعة الشمس الحارقة يخلدون إلى مخادعهم الجماعية وكل منهم يحمل همومه في كفيه وفي ظهره ووسط الآلام يخرج الغناء وكل يأتي بمواله، وحكاياته.

المواويل والحكايات الشعبية 

يتجلى الموال الشعبي برواده، تلك الأصوات التي لا تزال تحيا وتعبق بأريج الماضي، لتربط بين الأجيال وتنثر حكاية من حكايات الزمن، فالموال الشعبي، هذا الفن الفريد، هو أكثر من مجرد نغمات تتراقص في فضاء السهرات والمناسبات، إنه صوت الأرض ونبض القلوب، يروي حكايات الأمل والحب والوطن، ويصوغها في قالب من الإيقاع الرقيق والكلمات العميقة.

وكانت المواويل والحكايات الشعبية هي ضيف ليالي السمر الدائم فرصة للتعرف على الحكمة والمواعظ من خلال الحكايات والموال والغناء ففي موال شفيقة متولى والقادم من أعماق الصعيد، ولنأخذ النسخة الشعبية من غناء المطرب الشعبي «حفنى أحمد حسن»، هذا الموال العبقري الذي استطاع أن يجمع الجناس والسجع والمترادفات والكلمة وحلو الكلام في اللغة العربية والعامية فنجد الشاعر يقسم الكلمات ويتلاعب بالحروف وتقطيعها في مناطق مختلفة تحافظ على الموسيقى والرتم الموسيقى وفي نفس الوقت تعطي معاني مختلفة لنفس الكلمات ولكن ببراعة ومهارة لا يستطيع الأدب الرفيع أن يفعل مثلها، فنجد في هذا المقطع يقول: «يا متولي/ يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى/ ناس على رجوليته شاريطين/ وكان فى بلده شاري طين/ واترقى وعلق شاريطين/ أصل الراجل الخالى مبيتشويش/ وفيه طوارئ بتشويش/  غايته بلغ بيتشاويش» وعلى الرغم من أننا لسنا في حصة درس وأنها مجرد مقالة تحاول الإبحار في عبقرية الغناء الشعبي والموال نأخذ كلمة «شاريطين» وكيف تلاعب بها المطرب حفني أحمد حسن، والتي تحمل نفس الحروف كيف قسمها لتحمل كل قطعة منها بمعنى مختلف تفيد الموضوع والقصة وتخبرنا بمدى مهارة "متولى" وقدرته في ضرب النار وحصوله على ترقية.. فنجد كلمة "شارطين" تأتي من الشرطية أن متولى علشان يدخل الجيش يجب أن يتمتع بالرجوله والشجاعة وهو أحد مطالب الالتحاق بالجيش المصري، وأنه كمان ماكنش فقير بالعكس كان عنده أطيان وأراضي؛ لأنه استخدم نفس الحروف وقال لنا إنه «شاري طين» أي أنه قام بشراء أرض لزراعتها، وبالتأمل في الموال وجميع أجزائه ستجد هذا الجناس بين الكلمات كيف استخدم الكلمات وخروفها وتقسيمها في نفس الشطر ليجعنا نذهب معه في رحلة من الخيال والواقع في الوقت نفسه، فهذا الموال أخبرنا عن أماكن بعض الأولياء الصالحين وكيف كانت شكل الحياة وكيف كان يستغل البعض غياب رجل المنزل ويستغل سيدات المنزل والتي جسدتها في الموال شفيقة والتي خرج منها فيما بعد أفلام سينمائية ومسرحيات، بل وتزال يتم عرضها في الكثير من العروض المسرحية واستلهمها في اعمل تتعلق بالتراث الثقافي المصري. 

الموال الشعبى هو الذاكرة الحية التي تروى قصص الجدود وتُحلق بنا فى عوالم من الخيال والتراث

 سيد درويش استخدم الموسيقى لنقل رسالة اجتماعية وسياسية عميقة وغنى للجرسونات والشيالين والصنايعية والسقايين

 

ويتابع الشاعر ويقول «متولى بلغ بيتشاويش/ وجاتو أورطة من منقابات/ تبع أسيوط/ فى الأرطة عسكرى ماشو بكيفو/  بالمال أهلو بيكفو/ متولى ضربوا بكفه/  قالوا ازاى بتضربنى يا جبان/ روح ادفن نفسك جوه جبانا/ أدى صورة أختك جوه جيبى أنا / يا مـتولي  يا جرجاوى يا متولي  يا جرجاوى» وهنا ننظر إلى هذا التناغم العجيب في الثلاث كلمات «جبان» وكلمة جبانا» ويقصد بها المقبرة، وكلمة «جيبي أنا» نفس الحروف ولكن بتقطيعها في أماكن مختلفة أعطت كل منها معنى مختلف ومغاير وهذا هو سحر الموال الشعبى. فهو الذاكرة الحية التي تروي قصص الجدود وتُحلق بنا في عوالم من الخيال والتراث.

عمال التراحيل «وتعيش يا خولينا يا جلاب الصبايا»

من منا لا يتذكر الخولي الذي جسده باقتدار الفنان الكبير زكي رستم في فيلم «الحرام» وهو  أحد الأفلام التي أخذت عن رواية الحرام للكاتب الكبير يوسف إدرايس والذي جسد فيها حياة عمال التراحيل والبؤس والحياة التي كانوا يعيشوها وكيف كانوا يقضون أوقاتهم طوال العالم وكيف كانت تصاحب تلك الدورة حياة فالغناء في ليالي الغربة عن القرى التي يسكنون فيها عندما يأتي الخولي الهمام مصدر رزقهم طوال العام وصاحب اليومية التي سيعيش عليها الرحالة طوال العام بعد أن يقوموا يجمع القطن من أرض البيه الكبير أو الاقطاعي الكبير.. 

يأتي الخولي بملابسه المميزة وطاقيته التي يضعها فوق منديل محلاوي على رأسه حتى تحميه من الشمس المحرقة وهو يفرض سيطرته ومصدر قوته في اختيار الترحيلة ليقودهم لجمع القطن والمحاصيل، سيدات وفتيات ورجال وشباب يلتفون حوله ليختارهم حتى لا يذهب الموسم هباءً وتضيع حصيلة العام من المأكل ولهذا كانت فتيات الدلتا يغنين للخولى باعتباره هو مصدر رزقهم في محاولة منهم لاسترضائه ونيل عطفه حتى يختارهن فنجد أغنية اللوزة فين أهي تحتفي في مطلعها بالخوالي وتتمنى له دوام العيش وطوله العمر فنجد كلماتها تقول : «وتعيش يا خولينا يا جلاب الصبايا، خولينا طالع من داره والورد مرشق فى حزامه، زغرتوله ده جلاب الصبايا» وهنا تتجلي مظاهر الاحتفاء والتفخيم بالخولي الذي كان يرتدي حزاما وحاطط فيه ودرات وارتداء الخولي للحزام يجسد مظهر للسلطة لأن الحزام كانوا يرتديه إما شيخ الغفر رمز السلطة في القرية أو العسكر ليضعوا فيه السلاح .. كما أنا الأغنية أيضصا توضح كيف كان يتم جمع القطن ونحد الفتيات يغنون :«اللوووزة.. اللوزة.. اللوزة، اللوزة فين؟.. آهية والتانية فين؟.. آااهية، كبوشك فين؟..آااااهوووووو»، وتتابع الأغنية مجهولة المؤلف والمصدر لكنها تدل على شكل الحياة الاجتماعية في تلك الفترة وأن الفتيات هن من كانوا يقمن بجمع لوزة القطن  «القطن لوز يا أبا الحاج وأنا عايزة أتجوز يا أبا الحاج، والقطن نور يا أبا الحاج وأنا عايزة أتصور يا أبا الحاج»، وهنا في هذا المقطع نجد أيضًا أن مواسم الحصاد تتزامن معها مواسم الزواج حيث وفرة الأكل والنقود بعد جمع المحصول وبيعه أو قبض اليومية وجمعها لكي يتمكن حتى عمال التراحيل من الزواج وتصبح اليومية يومتين كما ذكرها يوسف إدريس في روايته الحرام «وتزوج عبد الله من عزيزة».  

ففي كل مرحلة من مراحل جني المحصول نجد أن التسلية جزء لا تتجزأ منه، بداية من النداء على عمال التراحيل والاحتفاء بنزول الخولي للقرية واختيارة للفتيات وركوب العربات وتجد معهم ألات موسيقية كالطبلة البلدي، ورقص الفتيات في فترات الراحة، فلم تكن رحلة البحث عن المال فقط واليومية بل كانت رحلة تحمل معها التراث والإرث والعادات التي كانت تصاحب جمع المحصول، حتى بعد الحصاد ودور كل طبقة اجتماعية في عملية الجمع. 

يحيى حقى: تقبلت التراث وحمدت الله من كل قلبى أنه وصلنا ولم يمت

ففي القري وداخل البيوت الطينية القديمة تحتضن الأحلام تحت سماء صافية مرصعة بالنجوم، يغني الفلاحون في الحقول، أغاني تعكس أحلامهم وطموحاتهم وتعبهم وآلامهم، وآمالهم أغاني رغم بساطتها تحمل معها عمقًا وتاريخيًا وحياة كاملة معبره عنهم، الفتاة التي تحلم بليلة العرس والسرير الجديد والحصيرة الجديدة وان يكون لها مقعد في دار لها هي وزوجها وتصنع له طعامه وتتحمل معه شقاء الحياة وينجبون أطفالا يساعدوهم على تحمل صعاب ومتاعب الحياة.

البساطة والعمق والحلم 

تمتاز الأغاني الشعبية وهنا نقصد الأغاني التي تصاحب الحياة اليومية بأنها تجمع بين البساطة والعمق في نسيج واحد، لتحكي تلك الأغنية البسيطة قصة شعب بأكملها؟

ومن الشخصيات التي لا يمكن تجاهلها في هذا السياق، سيد درويش، الذي أثرى الغناء الشعبي بروحه الثورية ونغماته العذبة، فكان درويش رمزًا للتغيير، وصوتًا للطبقات الكادحة. كيف استطاع هذا الفنان أن يستخدم الموسيقى لنقل رسالة اجتماعية وسياسية بعمق وتأثير؟ 

يقول سيد درويش: «الفن هو تعبير عن الحياة، فلا بد أن يعكس تغييراتها»، فمن الذي أضاف إلى الآخر هل أضاف سيد درويش إلى غناء عمال البناء؛ أم أن عمال البناء هم من ألهموا درويش، لتبقى أعماله الموسيقية شاهدًا وجزء من تاريخ مصر الغنائي عبر الزمن «هيلا هوب هيلا .. هيلا هيلا هيلا هيصا» «قرب شيلني شيل.. عُمْر الشدة ما تطول/ لا تقول لي كتير وقليل .. بكره نهيص زي الأول / هيلا هيلا هيلا هيلا.. هيلا هيلا هيلا هيصا» هذا النداء وهذا الغناء كان يطلقه عمال البناء «هيلا ياللا هيلا» مع اختلاط تلك النداءات بأصوات ارتطام حركة الأَجنة بالقروانة، باصوات الأخشاب وهي ترتطم ببعضها البعض، هذ المزيج الصوتي الغير مقصود أشعل في قلب درويش الحماسة ليخرج بلحن معبر عن تلك الفئة المجتمعه التي كانت تسلي نفسها وتهون عليها مشقة العمل والطلوع والنزول حاملين «القروانة» وهي محملة بمواد وخليط البناء، والطوب الأحمر، وصوت ارتطامه ببعضها البعض خينما يقوم البناء برص الطوب بعضة فوق بعضه ويثبته بالأسمن ثم يخبط فوقه بـ «القادوم» أو «الشاكوش» مصدره نغمه منتظمة، مع وجود أصوات خلاط البناء في الخليفة ليخرج درويش من هذا المزيج السحري مع حركة البناء والعمال وغنائهم أنغامًا وموسيقى  تظل  صامدة وعبر الزمن. 

هل توقف الغناء والموسيقى الشعبية عند هذا الحد؟.. لا، فقد استكمل درويش مسيرته وأكمل موسيقى النداءات الشعبية من مختلف الأنماط والفئات الشعبية المختلفة، كالجرسونات والشيالين والصنايعية والموظفين والسقايين.. إلخ".

أحمد مرسى: اهتم بجمع التراث وتوثيقه وقال كلمته المشهورة «أنا بتاع فلكلور» 

ونجد أغنية البنائين معبرة عن شكل الحياة السياسية والاجتماعية في تلك الفترة والظلم الذي كان يقع على الشعب المصري ، وكيف كانت الأغنية تحكي حكاية شعب.. بل وبعد مرو سنوات من تلك الأغنية يقوم الشاعر الكبير سيد حجاب باستلهام جزء منها وعمل اغنية هيلا في فيلك البداية = هيلا هيلا.. هيلا هيلا /مع بعضينا تهون الشيلة /هيلا هيصة.. وهيلا هيصة/ سكتنا طويلة وعويصة /هيلا هوبة.. وهيلا هوبة /– ابنوا وبكه هتاخدوا البمبة/ بتقيموا البنيان بعرقكم/ وبتشقوا في الشمس الحامية/ وبتبنوا بيت اللي سرقكم/ وحكمكم بالصدفة العامية" فنجد أنها بدأت من الشعب ونداء البنايين لتصل على الطبقة العليا من الشعراء والفنانين.. ويبقى الشعب والجماعة الشعبية هي المصدر الملهم للفنون والتاريخ والإرث الثقافي وما علينا سوى أن نعود مرة أخرى لنجتمع سويًا وننتج سويًا إرثًا فنيا وحضاريًّا نتركه لأبنائنا وأحفادنا وأن نبحث ونعيد إنتاج ما تركه الأجداد ونحفظة ونصونه.

الغناء أثناءج مع القطنيحيى حقىعازف ربابة فى الأربعينياتد. أحمد مرسىسيد درويش

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: د أحمد مرسى سيد درويش يحيى حقي عمال التراحيل الغناء الشعبی عمال التراحیل حکایة شعب هیلا هیلا سید درویش وکیف کان کیف کان

إقرأ أيضاً:

قريبا سيكون على الجنجويد الدفاع عن جنوب الخرطوم أمام نفس القوات التي هزمتهم في الجزيرة ولن يصمدوا

الجنجويد أخذو وقتهم لحشد قواتهم للدفاع عن مدني، زمن أكثر من كافي. ومع ذلك تم سحقهم في الحاج عبدالله وعدة مواقع غرب مدني.

لقد استفرغوا طاقتهم في الحشد والاستعداد ولا يمكن أن يكونوا في وضع أفضل من وضعهم بالأمس في كل المحاور بما فيها الحاج عبدالله.

تراجع مستمر في مناطق السيطرة عددا وعتادا والنتيجة حتمية وواضحة؛ لن يستطيعوا إيقاف تقدم الجيش نحو مدني؛ إنهزموا في جبل مويه، ثم انهزموا في الدندر وسوكي وسنجة، ثم انهزموا مرة أخرى منطقة سكر سنار، وبعدها ود الحداد، والآن الحاج عبدالله. ومن ناحية الغرب فشلوا في استعادة أي نقطة دخلها جيش المناقل منذ دخول الجيش للشايقاب قبل أشهر كما قشلوا في منع تقدم الجيش إلى الطلحة ومهلة وغيرها من مناطق غرب مدني.
الإستقراء يقول أنهم لن يستطيعوا الدفاع عن مدني وقريبا سيكون عليهم الدفاع عن جنوب الخرطوم أمام نفس القوات التي هزمتهم في الجزيرة ولن يصمدوا.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الناقدة ياسمين فراج: السوشيال ميديا أحدثت فوضى الغناء.. وأطالب المنتجين بالعودة إلى تراثنا الشعبي
  • الاغنية الشعبية || «البوابة» تفتح التساؤل: هل يمكن لهذا الفن العظيم أن يظل ويصمد عبر الزمن؟ لماذا لم تعد المجتمعات قادرة على صنع ثقافة شعبية جديدة؟
  • أصوات صنعت المجد.."الغناء الشعبى" تراث حى ينبض بالحياة
  • مصر والتنوع في الأشكال الشعبية.. الغناء الديني تأصيل لظاهرة إبداعية تتفرد بها الثقافة المصرية
  • محمود حامد يكتب: الفن الشعبي..  تنوع بلا حدود.. نباهي به الأمم
  • سميرة سعيد: أيقونة الفن التي تجاوزت الحدود واحتضنها الزمن
  • مراقبون: تقرير الجهاز المركزي يفتح باب التساؤل.. من يدير هذا الفساد؟
  • قريبا سيكون على الجنجويد الدفاع عن جنوب الخرطوم أمام نفس القوات التي هزمتهم في الجزيرة ولن يصمدوا
  • خبير استراتيجي: حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا في العصر الحديث